زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الوقت والمنبه المتحرك
من الناحية العلمية والطبية البحتة، فإن جيناتي العربية ضعيفة إلى حد ما، ليس فقط لأنني أنتمي إلى إثنية النوبة التي تعيش في أقصى شمال السودان، وجنوب مصر، وأعجمي اللسان لأن لغتي الأم ليست هي العربية، ولكن لأنني، وكما «ذبحتكم» مرارا في مقالاتي هنا في أخبار الخليج «مهووس»، بالوقت والمواعيد، يعني التزم بالمواعيد بدقة صارمة. فإذا ضربت موعدا لأحد فإنني لا أقول «بعد صلاة المغرب»، أو «في عطلة العيد»، أو «عصر يوم باكر»، بل أحدد الوقت بالدقيقة، وأحرص على التقيد بالموعد الذي ضربته، وكثيرا ما قطعت أو جمدت علاقتي بآخرين لأنهم لم يحترموا موعدا ضربوه لي، وكنت موضع شماتة أصدقائي لأنني فشلت في تحديد موعد زواجي، لا من حيث التاريخ، ولا من حيث الوقت بالساعة، ولم يكن لي في ذلك ذنب، فمثل تلك المناسبات تتعرض لـ«الاختطاف» من قبل الأهل، وأهلي تذرعوا بأنني لم أكن أملك سابق خبرة في شؤون الزواج، وصاروا يملون علي كل شيء يتعلق بزواجي (بيني وبينكم فإنني لا أعتقد- وبعد زواج اسفر عن اربعة عيال - انني أملك خبرة في شؤون الزواج). وبسبب حرصي على المواعيد فقد ظللت حريصا على اقتناء الساعات (الرخيصة طبعا)، وما زال في كل حائط في بيتي ساعة، وعلى رأس كل سرير مُنبِّه، كما علمت عيالي ضبط أمورهم بالمنبه الموجود في الهواتف. وكان لي ولد يدرس في نيوزيلندا ويتطلب منه السفر إليها ومنها الطيران نحو عشرين ساعة، يتوقف خلالها في عاصمة آسيوية لنحو تسع ساعات، وذات مرة حطت به الطائرة في مطار سنغافورة، وكان مقررا أن يبقى هناك لبضع ساعات يستقل بعدها طائرة الخطوط الجوية الكويتية الى الخليج، فاستأجر غرفة في المطار وضبط المنبه بحيث لا تفوته الطائرة، ونام.. ويبدو أن المنبه رن حتى تقطعت انفاسه وجفت بطاريته من دون أن يستيقظ صاحبنا.. وبعد أن شبع نوما نظر إلى ساعته وأدرك أن الطائرة في طريقها إلى الإقلاع فاندفع إلى بوابة الخروج، ولكن الحارس منعه وأبلغه أن باب الطائرة قد أغلق، بعد أن نادوا على اسمه عبر مكبرات الصوت عدة مرات.. فرطن ولدي بالإنجليزية وبرطم بالصينية ولكن الحارس قال له: مي بنق دي تون ما ني هو سا (ومعناها «حِل عن سمائي».. والله أعلم)، فبدأ الولد يسب ويسخط بالعربية: يا أغبياء... يا بجم.. يا سجم يا عجم.. لو فاتتني هذه الرحلة فسأظل مقيما في المطار أسبوعا كاملا وأطالع وجوهكم التعيسة!! فتقدم نحوه شاب وسأله بالعربية عما به فشرح امر النوم والطائرة فسأله الرجل: الأخ سوداني؟ فقال: نعم، فضحك الرجل قائلا: وتزعلون لما يقولوا عليكم كسلانين؟.. كان الرجل مندوب الخطوط الجوية الكويتية في المطار، وهرع بولدي إلى الطائرة وكانت قد امتلأت فأجلسه في الدرجة الأولى (ما يؤكد أن النوم والكسل يعودان بالفائدة).
طالبة في معهد ماساشوستس الأمريكي للتكنولوجيا اخترعت منبها (ساعة تنبيه) يمشي: يرن فتضربه ليسكت فيسقط أرضا ويسير بعيدا عنك وهو يرن.. ويزن ويطن إلى أن تضطر إلى مطاردته والقبض عليه وإسكاته وتكون بذلك قد استيقظت.. اختراع مدهش وينبغي أن تشتري كل دولة عربية الآلاف منه ليرن ويرن ليوقظ الحكومات والشعوب لتدرك أنها ما زالت في عصر البخار فتتبخر منها العنطزة والفشخرة الكاذبة وتعمل على اللحاق بركب الحضارة والعلم.. وكتجربة دعونا نزود الجامعة العربية بواحدة منها عسى أن تستيقظ وترى أين هي من الاتحاد الأوروبي والآسيان. بل حتى لو نجحت الجامعة العربية في اللحاق بالفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) لكان ذلك إنجازا وإعجازاً.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك