العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الوقت والمنبه المتحرك

من‭ ‬الناحية‭ ‬العلمية‭ ‬والطبية‭ ‬البحتة،‭ ‬فإن‭ ‬جيناتي‭ ‬العربية‭ ‬ضعيفة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنني‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭ ‬إثنية‭ ‬النوبة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬شمال‭ ‬السودان،‭ ‬وجنوب‭ ‬مصر،‭ ‬وأعجمي‭ ‬اللسان‭ ‬لأن‭ ‬لغتي‭ ‬الأم‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنني،‭ ‬وكما‭ ‬‮«‬ذبحتكم‮»‬‭ ‬مرارا‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬‮«‬مهووس‮»‬،‭ ‬بالوقت‭ ‬والمواعيد،‭ ‬يعني‭ ‬التزم‭ ‬بالمواعيد‭ ‬بدقة‭ ‬صارمة‭. ‬فإذا‭ ‬ضربت‭ ‬موعدا‭ ‬لأحد‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬المغرب‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬في‭ ‬عطلة‭ ‬العيد‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬يوم‭ ‬باكر‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬أحدد‭ ‬الوقت‭ ‬بالدقيقة،‭ ‬وأحرص‭ ‬على‭ ‬التقيد‭ ‬بالموعد‭ ‬الذي‭ ‬ضربته،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬قطعت‭ ‬أو‭ ‬جمدت‭ ‬علاقتي‭ ‬بآخرين‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يحترموا‭ ‬موعدا‭ ‬ضربوه‭ ‬لي،‭ ‬وكنت‭ ‬موضع‭ ‬شماتة‭ ‬أصدقائي‭ ‬لأنني‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬زواجي،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الوقت‭ ‬بالساعة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ذنب،‭ ‬فمثل‭ ‬تلك‭ ‬المناسبات‭ ‬تتعرض‭ ‬لـ«الاختطاف‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأهل،‭ ‬وأهلي‭ ‬تذرعوا‭ ‬بأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أملك‭ ‬سابق‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الزواج،‭ ‬وصاروا‭ ‬يملون‭ ‬علي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يتعلق‭ ‬بزواجي‭ (‬بيني‭ ‬وبينكم‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭- ‬وبعد‭ ‬زواج‭ ‬اسفر‭ ‬عن‭ ‬اربعة‭ ‬عيال‭ - ‬انني‭ ‬أملك‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الزواج‭). ‬وبسبب‭ ‬حرصي‭ ‬على‭ ‬المواعيد‭ ‬فقد‭ ‬ظللت‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬الساعات‭ (‬الرخيصة‭ ‬طبعا‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حائط‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬ساعة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬سرير‭ ‬مُنبِّه،‭ ‬كما‭ ‬علمت‭ ‬عيالي‭ ‬ضبط‭ ‬أمورهم‭ ‬بالمنبه‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الهواتف‭. ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬ولد‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬ويتطلب‭ ‬منه‭ ‬السفر‭ ‬إليها‭ ‬ومنها‭ ‬الطيران‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬ساعة،‭ ‬يتوقف‭ ‬خلالها‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬آسيوية‭ ‬لنحو‭ ‬تسع‭ ‬ساعات،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬حطت‭ ‬به‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬سنغافورة،‭ ‬وكان‭ ‬مقررا‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬هناك‭ ‬لبضع‭ ‬ساعات‭ ‬يستقل‭ ‬بعدها‭ ‬طائرة‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الكويتية‭ ‬الى‭ ‬الخليج،‭ ‬فاستأجر‭ ‬غرفة‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬وضبط‭ ‬المنبه‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تفوته‭ ‬الطائرة،‭ ‬ونام‭.. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المنبه‭ ‬رن‭ ‬حتى‭ ‬تقطعت‭ ‬انفاسه‭ ‬وجفت‭ ‬بطاريته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستيقظ‭ ‬صاحبنا‭.. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬شبع‭ ‬نوما‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬ساعته‭ ‬وأدرك‭ ‬أن‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الإقلاع‭ ‬فاندفع‭ ‬إلى‭ ‬بوابة‭ ‬الخروج،‭ ‬ولكن‭ ‬الحارس‭ ‬منعه‭ ‬وأبلغه‭ ‬أن‭ ‬باب‭ ‬الطائرة‭ ‬قد‭ ‬أغلق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نادوا‭ ‬على‭ ‬اسمه‭ ‬عبر‭ ‬مكبرات‭ ‬الصوت‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭.. ‬فرطن‭ ‬ولدي‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬وبرطم‭ ‬بالصينية‭ ‬ولكن‭ ‬الحارس‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬مي‭ ‬بنق‭ ‬دي‭ ‬تون‭ ‬ما‭ ‬ني‭ ‬هو‭ ‬سا‭ (‬ومعناها‭ ‬‮«‬حِل‭ ‬عن‭ ‬سمائي‮»‬‭.. ‬والله‭ ‬أعلم‭)‬،‭ ‬فبدأ‭ ‬الولد‭ ‬يسب‭ ‬ويسخط‭ ‬بالعربية‭: ‬يا‭ ‬أغبياء‭... ‬يا‭ ‬بجم‭.. ‬يا‭ ‬سجم‭ ‬يا‭ ‬عجم‭.. ‬لو‭ ‬فاتتني‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬فسأظل‭ ‬مقيما‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬أسبوعا‭ ‬كاملا‭ ‬وأطالع‭ ‬وجوهكم‭ ‬التعيسة‭!! ‬فتقدم‭ ‬نحوه‭ ‬شاب‭ ‬وسأله‭ ‬بالعربية‭ ‬عما‭ ‬به‭ ‬فشرح‭ ‬امر‭ ‬النوم‭ ‬والطائرة‭ ‬فسأله‭ ‬الرجل‭: ‬الأخ‭ ‬سوداني؟‭ ‬فقال‭: ‬نعم،‭ ‬فضحك‭ ‬الرجل‭ ‬قائلا‭: ‬وتزعلون‭ ‬لما‭ ‬يقولوا‭ ‬عليكم‭ ‬كسلانين؟‭.. ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬مندوب‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬المطار،‭ ‬وهرع‭ ‬بولدي‭ ‬إلى‭ ‬الطائرة‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬امتلأت‭ ‬فأجلسه‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ (‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬النوم‭ ‬والكسل‭ ‬يعودان‭ ‬بالفائدة‭).‬

طالبة‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬ماساشوستس‭ ‬الأمريكي‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬اخترعت‭ ‬منبها‭ (‬ساعة‭ ‬تنبيه‭) ‬يمشي‭: ‬يرن‭ ‬فتضربه‭ ‬ليسكت‭ ‬فيسقط‭ ‬أرضا‭ ‬ويسير‭ ‬بعيدا‭ ‬عنك‭ ‬وهو‭ ‬يرن‭.. ‬ويزن‭ ‬ويطن‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬مطاردته‭ ‬والقبض‭ ‬عليه‭ ‬وإسكاته‭ ‬وتكون‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬استيقظت‭.. ‬اختراع‭ ‬مدهش‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬تشتري‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬الآلاف‭ ‬منه‭ ‬ليرن‭ ‬ويرن‭ ‬ليوقظ‭ ‬الحكومات‭ ‬والشعوب‭ ‬لتدرك‭ ‬أنها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬البخار‭ ‬فتتبخر‭ ‬منها‭ ‬العنطزة‭ ‬والفشخرة‭ ‬الكاذبة‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬اللحاق‭ ‬بركب‭ ‬الحضارة‭ ‬والعلم‭.. ‬وكتجربة‭ ‬دعونا‭ ‬نزود‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬بواحدة‭ ‬منها‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬تستيقظ‭ ‬وترى‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والآسيان‭. ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬نجحت‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬اللحاق‭ ‬بالفيفا‭ (‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭) ‬لكان‭ ‬ذلك‭ ‬إنجازا‭ ‬وإعجازاً‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا