مع تنامي الدور الحيوي الذي تؤديه المؤسسات الجامعية في المجتمع الخليجي، يبرز الإعلام الجامعي كأحد الأدوات الفعّالة في تعزيز التواصل داخل الحرم الجامعي وخارجه، ونقل واقع الأنشطة الأكاديمية والطلابية، بشكل يسهم في بناء الهوية المؤسسية للجامعة وتعزيز صورتها الذهنية الإيجابية. ومع التحول الرقمي واتساع رقعة استخدامات الذكاء الاصطناعي، الذي بات يربك الحقائق ويتمادى أحياناً في تشويهها، بات من الضروري تطوير الإعلام الجامعي على نحو يواكب التغيرات المتسارعة ويلبي التطلعات في عصر تتصدر فيه الوسائط الرقمية المشهد الإعلامي.
تبدأ مهمة تطوير الإعلام الجامعي من وجود مراجعة مستمرة ورؤية مؤسسية واضحة تنهض بالبنية التحتية تسهم في الارتقاء بمهارات الكوادر البشرية العاملة في هذا المجال لتمكينهم من إتقان استخدام الأدوات والتقنيات الأحدث في إنتاج المحتوى الإعلامي. وهذا لا يمكن أن يتم من دون وجود قنوات إعلامية داعمة سواء الصحف الورقية، والإذاعة، والتلفزيون، وقبلها طبعاً المنصات الرقمية التي باتت ذات أهمية وقدرة عالية على الجذب والمتابعة. فنجاح أي منظومة إعلامية يعتمد على تأهيل الكوادر الحالية المطلوب منهم بطبيعة الحال المساهمة في الارتقاء بمستوى الإعلاميين حديثي التخرج والطلاب المتدربين.
في ظل الطوفان الكثيف للذكاء الاصطناعي، يدل الواقع على أنه لم يعد المحتوى الإعلامي التقليدي كافياً في عصر تتصدر فيه الوسائط الرقمية المشهد الإعلامي؛ فالجامعات التي تعد جزءاً مهماً من منظومة التعليم العالي مطالبة اليوم بإنتاج محتوى بصري وتفاعلي يلائم طبيعة الجيل الجديد، ويُبث عبر قنوات التواصل الاجتماعي بشكل منتظم واحترافي جاذب يُقدم المعلومة بشكل مختصر وسريع يتماشى مع تسارع كل شيء حولنا.
ربما يتوه التوازن أحياناً في زحام العمل اليومي، بين المهنية ومتطلبات الإنتاج النوعي الذي يعكس التنوع داخل الجامعات ويعزز الهوية المؤسسية لها بشكل يسهم في تحقيق الرؤية الإعلامية المستمدة من الهوية المؤسسية والاستراتيجية العامة.
وهنا يتفق العديد من المتخصصين على أن الإعلام الجامعي لم يعد ترفاً هامشياً، خصوصاً في ظل حاجة الجامعات الماسة إلى الانفتاح على العالم، وبناء الشراكات مع وسائل الإعلام سواء التقليدية منها أو الحديثة، وإبراز الإنجازات وقصص النجاح وأوجه التميز الطلابي والأكاديمي في البحث العلمي وخدمة المجتمع لينجح الإعلام في أن يكون الواجهة المؤثرة للمؤسسة الجامعية.
وفي الواقع، لا يمكن غض الطرف عن النجاحات التي تحققت في بعض الجامعات الخليجية التي اتخذت نهجاً إعلامياً أكثر احترافية بفضل اجتهاد القائمين على الإعلام الجامعي، إلا أن الإعلام الجامعي ذاته لا يزال يواجه تحديات تتعلق بالمحتوى، والتقنيات، والبنية المؤسسية حتى في الجامعات التي أحرزت تقدماً في تقديم المحتوى المواكب بشكل أكثر ديناميكية. فما بال الجامعات التي لا تزال تتمسك بالطابع التقليدي في المحتوى، وتشكو من ضعف التفاعل الرقمي الذي يحد من الوصول إلى شريحة واسعة من فئات المجتمع المستهدف.
فالإعلام الجامعي ليس مجرد وسيلة اتصال، بل مساحة حيّة للتعبير عن روح الحرم الجامعي، ومرآة للوعي والمشاركة وصورة تعكس نبض الطالب في الفضاء الأكاديمي وتستخدم الذكاء الاصطناعي لخدمتها بشكل واعٍ ومسؤول. وفي كل الأحوال، من غير المناسب أن تغيب أصالة الحس النقدي والبعد الإنساني في المعالجة الصحفية في صناعة الرسالة الجامعية بمختلف القوالب وعبر شتى المنصات.
والخلاصة تؤكد أن الارتقاء بالإعلام الجامعي يمثل استثماراً حقيقياً في تطوير الجامعات وتعزيز حضورها المجتمعي؛ فالإعلام الجامعي لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار والفعاليات والأنشطة الطلابية، بل ركيزة في تكوين الرأي العام، ودعم العملية التعليمية، والتسويق الأكاديمي. ومن أجل أن يكون هذا الإعلام مؤثراً وفاعلاً، لا بد من تهيئة بيئة متكاملة تدمج بين التقنية، والكوادر، والمحتوى، والرؤية الاستراتيجية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك