العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

التوقيت الإلهي.. والرحمة الخفية في حياتنا

بقلم: د. فاطمة المالكي

الثلاثاء ٠٢ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

تذكرت‭ ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬قصة‭ ‬فتاة‭ ‬تجاوزت‭ ‬العشرينات‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬تخوض‭ ‬معركة‭ ‬نفسية‭ ‬بعد‭ ‬انفصالها‭ ‬عن‭ ‬خطيبها‭ ‬الذي‭ ‬أحبته‭ ‬بكل‭ ‬صدق‭. ‬تحدّت‭ ‬أهلها،‭ ‬وتجاوزت‭ ‬الصعاب‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬الثقافات‭ ‬والعادات‭ ‬والتفكير‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬ظنّت‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬وحده‭ ‬سيكفي‭ ‬لإزالة‭ ‬مسافة‭ ‬الاختلاف‭ ‬بينهما،‭ ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬خاب‭ ‬ظنها‭ ‬وانهار‭ ‬حلمها‭ ‬الجميل،‭ ‬جلدت‭ ‬نفسها‭ ‬مرارًا‭ ‬بكثرة‭ ‬الأسئلة‭ ‬المؤلمة‭ ‬والتفكير‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬أنا‭ ‬بالذات؟‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ضحيتُ‭ ‬به؟‭ ‬هل‭ ‬أخطأت‭ ‬عندما‭ ‬غامرت؟‮»‬،‭ ‬تارةً‭ ‬تلوم‭ ‬قلبها‭ ‬لأنه‭ ‬اندفع‭ ‬بلا‭ ‬حساب،‭ ‬وتارةً‭ ‬تلوم‭ ‬القدر‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يمنحها‭ ‬ما‭ ‬أرادت،‭ ‬كانت‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬صديقاتها‭ ‬بعين‭ ‬الغبطة‭ ‬ممن‭ ‬استقرّت‭ ‬حياتهن،‭ ‬كانت‭ ‬تشعر‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬سبقها،‭ ‬وأنها‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تُعاقَب‭. ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الألم‭ ‬القوي،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يُكتب‭ ‬لها،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليكون‭ ‬مهما‭ ‬حاولت،‭ ‬وأن‭ ‬الزمن‭ ‬قد‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬رحمة‭ ‬خفية‭ ‬لم‭ ‬ترها‭ ‬بعد‭.‬

في‭ ‬عالم‭ ‬يموج‭ ‬بالطموحات‭ ‬والرغبات،‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬قلب‭ ‬إنسان‭ ‬من‭ ‬أمنيات‭ ‬يتمنى‭ ‬تحقيقها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬محدد‭ ‬يراه‭ ‬هو‭ ‬الأنسب،‭ ‬فالبعض‭ ‬يحلم‭ ‬بعمل‭ ‬مرموق‭ ‬يفتح‭ ‬أمامه‭ ‬أبواب‭ ‬الاستقرار‭ ‬والمستقبل،‭ ‬وآخرون‭ ‬يترقبون‭ ‬شريك‭ ‬حياة‭ ‬يجسد‭ ‬أحلامهم‭ ‬وسعادتهم،‭ ‬وغيرهم‭ ‬يتطلعون‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬باهر‭ ‬أو‭ ‬سفر‭ ‬أو‭ ‬فرصة‭ ‬طال‭ ‬انتظارها‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬بطبيعتها‭ ‬لا‭ ‬تسير‭ ‬دائمًا‭ ‬وفق‭ ‬مواعيدنا‭ ‬البشرية،‭ ‬بل‭ ‬تخضع‭ ‬لقانون‭ ‬أعمق‭ ‬وأوسع‭ ‬نطاقًا؛‭ ‬إنه‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬‮«‬التوقيت‭ ‬الإلهي‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬الناس‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬حقيقة‭ ‬مختلفة؛‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬ظن‭ ‬أن‭ ‬الأبواب‭ ‬قد‭ ‬أغلقت‭ ‬في‭ ‬وجهه،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تنفتح‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتوقعه،‭ ‬وبطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬لظروفه‭. ‬قد‭ ‬يُرفض‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬عمل،‭ ‬فيظن‭ ‬أن‭ ‬مستقبله‭ ‬قد‭ ‬تعطل،‭ ‬لكنه‭ ‬يكتشف‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬سنوات‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الرفض‭ ‬كان‭ ‬نقطة‭ ‬حماية‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬غير‭ ‬مناسبة،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستعدا‭ ‬حينها،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬موظف‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬يُنقل‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬إرادته،‭ ‬ليفاجأ‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتمناها‭ ‬أصبحت‭ ‬الباب‭ ‬الذي‭ ‬فتح‭ ‬له‭ ‬فرصًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يتخيلها،‭ ‬وبداية‭ ‬لمستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬إشراقًا،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬زواج‭ ‬لم‭ ‬تُكتب‭ ‬لها‭ ‬الاستمرارية،‭ ‬تكون‭ ‬أنقذت‭ ‬طرفًا‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬طويلة‭ ‬أو‭ ‬حياة‭ ‬غير‭ ‬سعيدة‭.‬

إن‭ ‬الـتوقيت‭ ‬الإلهي‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬فكرة‭ ‬روحية‭ ‬تهدئ‭ ‬النفوس‭ ‬وتطمئن‭ ‬القلوب،‭ ‬أو‭ ‬تنظير‭ ‬اجتماعي‭ ‬أو‭ ‬نفسي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فمن‭ ‬المنظور‭ ‬الواقعي‭ ‬فهو‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭. ‬فحين‭ ‬يتأخر‭ ‬عنا‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬نرجوه‭ ‬تتولد‭ ‬لدينا‭ ‬مشاعر‭ ‬متباينة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬الإحباط‭ ‬والغضب،‭ ‬وبين‭ ‬الإحساس‭ ‬بالخذلان‭ ‬وقسوة‭ ‬القدر،‭ ‬نلوم‭ ‬أنفسنا‭ ‬تارةً،‭ ‬ونلوم‭ ‬الآخرين‭ ‬تارةً‭ ‬أخرى،‭ ‬ونغفل‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬التوقيت‭ ‬ليس‭ ‬عبثًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬حكمة‭ ‬تتجاوز‭ ‬إدراكنا‭. ‬

من‭ ‬منظور‭ ‬اجتماعي،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ثقافتنا‭ ‬المعاصرة‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تغذية‭ ‬هذا‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق‭. ‬فالمجتمع‭ ‬يضع‭ ‬أعمارًا‭ ‬‮«‬افتراضية‮»‬‭ ‬لكل‭ ‬محطة‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬الحياة‭: ‬فمثلًا‭ ‬محطة‭ ‬الوظيفة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬العشرينات،‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الثلاثينات،‭ ‬امتلاك‭ ‬بيت‭ ‬قبل‭ ‬الأربعينات‭... ‬وهكذا،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬وتجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بالتأخر‭ ‬الزمني‭ ‬وانه‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬ما‭ ‬يتوقعه‭ ‬المجتمع‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬العمرية‭. ‬لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الحزن‭ ‬ليس‭ ‬دائمًا‭ ‬بسبب‭ ‬الرغبة‭ ‬الشخصية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يتضخم‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬بفعل‭ ‬معايير‭ ‬وضعها‭ ‬الآخرون‭.‬

ومن‭ ‬الناحية‭ ‬النفسية،‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬لكل‭ ‬حدث‭ ‬موعدًا‭ ‬مقدرًا‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬الداخلية‭ ‬للفرد،‭ ‬فيمنحه‭ ‬مساحة‭ ‬للتنفس‭ ‬والصبر‭ ‬والرضا،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الانغماس‭ ‬في‭ ‬جلد‭ ‬الذات‭ ‬أو‭ ‬مقارنة‭ ‬مساره‭ ‬بمسارات‭ ‬الآخرين‭. ‬

أما‭ ‬اجتماعيًا،‭ ‬فإنه‭ ‬يحررنا‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬التوقعات‭ ‬الجامدة،‭ ‬ويمنحنا‭ ‬مرونة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬تقبّل‭ ‬تنوع‭ ‬التجارب‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وفهم‭ ‬أن‭ ‬النجاح‭ ‬أو‭ ‬السعادة‭ ‬لا‭ ‬يرتبطان‭ ‬بسن‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬مرحلة‭ ‬محددة،‭ ‬بل‭ ‬بمدى‭ ‬انسجام‭ ‬الظروف‭ ‬مع‭ ‬الاستعداد‭ ‬الشخصي‭. ‬بينما‭ ‬دينيًا،‭ ‬فإن‭ ‬الإيمان‭ ‬بالتوقيت‭ ‬المناسب‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬لعقيدة‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مقدر‭ ‬بميزان‭ ‬الحكمة‭ ‬الإلهية‭ ‬والرحمة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬درسًا‭ ‬خالدًا‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬الخضر‭ ‬مع‭ ‬موسى‭ ‬عليهما‭ ‬السلام،‭ ‬فقد‭ ‬رأى‭ ‬موسى‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬السفينة‭ ‬وقتل‭ ‬الغلام‭ ‬وإقامة‭ ‬الجدار‭ ‬ظلمًا‭ ‬وخسارة‭ ‬لا‭ ‬تُحتمل،‭ ‬لكنه‭ ‬حين‭ ‬كُشفت‭ ‬له‭ ‬الحكمة‭ ‬الإلهية،‭ ‬أدرك‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬شرًا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬رحمة‭ ‬خفية،‭ ‬وإنقاذًا‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬أعظم‭ ‬قادم،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لطفًا‭ ‬خفيًا‭ ‬نجهله‭ ‬مصداقًا‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَعَسَى‭ ‬أَنْ‭ ‬تَكْرَهُوا‭ ‬شَيْئًا‭ ‬وَهُوَ‭ ‬خَيْرٌ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬وَعَسَى‭ ‬أَنْ‭ ‬تُحِبُّوا‭ ‬شَيْئًا‭ ‬وَهُوَ‭ ‬شَرٌّ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬يَعْلَمُ‭ ‬وَأَنْتُمْ‭ ‬لَا‭ ‬تَعْلَمُونَ‮»‬‭. (‬البقرة‭: ‬216‭) ‬

الرضا‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يلغي‭ ‬الشعور‭ ‬بالحزن‭ ‬الطبيعي،‭ ‬لكنه‭ ‬يوجهه‭ ‬نحو‭ ‬الثقة‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬يدبّر‭ ‬الأمر‭ ‬بحكمة‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬إدراكنا،‭ ‬ويمنحنا‭ ‬السكينة‭ ‬لانتظار‭ ‬الأجمل‭. ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬نحزن‭ ‬على‭ ‬فواته‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬حقيقته‭ ‬حماية‭ ‬لنا،‭ ‬وما‭ ‬نتألم‭ ‬من‭ ‬تأجيله‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬الخير‭ ‬بعينه‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬التقبل‭ ‬والرضا‭ ‬للأبناء‭. ‬فكم‭ ‬من‭ ‬فتاة‭ ‬تحطمت‭ ‬نفسيتها‭ ‬لأنها‭ ‬سمعت‭ ‬مرارًا‭ ‬عبارة‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تتزوجي‭ ‬بعد؟‮»‬،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬شاب‭ ‬شعر‭ ‬بالفشل‭ ‬لأنه‭ ‬يُسأل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭: ‬‮«‬متى‭ ‬ستجد‭ ‬وظيفة‭ ‬أفضل؟‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬البسيطة‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬عابرة‭ ‬لكنها‭ ‬تترك‭ ‬جروحًا‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬النفس‭. ‬فالقيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬الإنجاز‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬توقيته‭. ‬فالحياة‭ ‬ليست‭ ‬سباقًا‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬ولا‭ ‬مقارنة‭ ‬لبلوغ‭ ‬ما‭ ‬وصلوا‭ ‬إليه،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬طريق‭ ‬مليء‭ ‬بالصعاب‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تصقلنا‭ ‬وتعلّمنا‭ ‬الصمود‭ ‬النفسي‭ ‬للوصول‭ ‬الى‭ ‬النضج‭ ‬الحقيقي،‭ ‬والحكمة‭ ‬الإلهية‭ ‬التي‭ ‬تهيئ‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬ما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مصلحته‭ ‬وقدرته‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب،‭ ‬وأن‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬مساره‭ ‬الفريد‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬الذي‭ ‬رسمه‭ ‬الله‭ ‬له‭.‬

‭ ‬قد‭ ‬يتأخر‭ ‬الحلم،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬بالكيفية‭ ‬أو‭ ‬التوقيت‭ ‬الذي‭ ‬نريده،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬الله‭ ‬أدق‭ ‬وأعدل‭ ‬مما‭ ‬نتخيل‭. ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يستهلكنا‭ ‬الحزن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتحقق،‭ ‬بل‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نثق‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تأخير‭ ‬يحمل‭ ‬لنا‭ ‬خيرًا‭ ‬مخفيًا،‭ ‬وكل‭ ‬منعٍ‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬حماية‭ ‬وتوجيه‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أنسب‭ ‬لنا‭. ‬فالحزن‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تحقيق‭ ‬الأماني‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬نفسي‭ ‬طويل‭ ‬يعطل‭ ‬مسيرتنا‭ ‬الحياتية‭ ‬للتقدم‭. ‬

إن‭ ‬التوقيت‭ ‬الإلهي‭ ‬ليس‭ ‬دعوة‭ ‬للاستسلام،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬دعوة‭ ‬للتوازن‭ ‬النفسي‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مأمول‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مكتوب‭: ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬دورنا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نسعى‭ ‬ونجتهد‭ ‬ونبذل‭ ‬الأسباب،‭ ‬ثم‭ ‬نتقبل‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مختلف‭ ‬عما‭ ‬خططنا‭ ‬له‭. ‬فالحياة‭ ‬أجمل‭ ‬حين‭ ‬نتصالح‭ ‬مع‭ ‬إيقاعها،‭ ‬ونؤمن‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬غدًا،‭ ‬وربما‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬أبهى‭ ‬مما‭ ‬رسمناها‭ ‬بأذهاننا،‭ ‬فلنطمئن‭ ‬جميعًا‭ ‬إذن؛‭ ‬فما‭ ‬كتب‭ ‬لنا‭ ‬لن‭ ‬يخطئنا،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يُكتب‭ ‬لنا‭ ‬لن‭ ‬ينفعنا‭ ‬لو‭ ‬أُعطي‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬أوانه‭. ‬وبين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬نعيش‭ ‬رحلة‭ ‬اليقين‭ ‬والثقة،‭ ‬منتظرين‭ ‬بوعي‭ ‬ورضا‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬لحظة‭ ‬الانسجام‭ ‬الكامل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬التوقيت‭ ‬الإلهي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬سر‭ ‬الرحمة‭ ‬الخفية‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا