وقت مستقطع

علي ميرزا
الضرورة الغائبة
في كل منظومة رياضية تطمح إلى التطور يظل النقد الرياضي واحدا من أهم أدوات البناء والتقويم، فالنقد ليس مجرد ملاحظات عابرة تلقى في وسائل الإعلام أو على منصات التواصل الاجتماعي والسلام، بل هو عملية تحليلية واعية فرزية، تهدف إلى الكشف عن مواطن القوة لتعزيزها ودعمها، وتسليط الضوء على نقاط الضعف والخطأ لتصحيحها.
لكن، على الرغم من معرفة الغالبية بهذه الحقيقة الساطعة، فإن الواقع يكشف عن مفارقة غريبة ولكنها واضحة، إذ كثير من الأطراف، سواء كانوا إداريين أو لاعبين أو حتى جماهير، لا يتقبلون النقد، البعض يراه استهدافا شخصيا، وآخرون يتعاملون معه كتشويه متعمد للمنجزات، بينما قلة فقط يدركون أن النقد الصادق هو الطريق الأقصر نحو التطوير، إن غياب ثقافة تقبل النقد يجعل الأخطاء تتكرر، فعندما يبدر منا خطأ فهذا يؤكد أننا بشريون نخطئ ونصيب، ولهذا نحتاج إلى من يضع يده على صوابنا لنتمسك به، ويدلنا على خطئنا لنصححه، ونشكره على ذلك، فهذا هو المغزى والهدف من النقد.
وما يزيد الصورة تعقيدا أن الساحة الرياضية اليوم تعاني من ندرة النقاد والمحللين الحقيقيين. فالإعلام الرياضي حاصر نفسه في بقعة ضيقة مقتصرة على نقل الأخبار أو التعليق اللحظي على النتائج، بينما يندر أن نجد تحليلا معمقا يذهب إلى الجذور.
هذا الفراغ النقدي من شأنه جعل النقاش الرياضي انفعاليا أكثر منه عقلاني، وتحضرني كلمة قالها لنا أستاذنا ماجد العرادي طيب الله ثراه: «أي واحد يمكن أن يكتب أو ينقل خبرا، وأي واحد يمكنه أن يقدم وصفا على طريقته الخاصة لأي مباراة، ولكن يبقى المحك هما النقد والتحليل اللذان ينمان عن فهم وفكر عميقين«.
إن النقد يشكل المرآة التي يفترض أن تعكس للمنظومة الرياضية ثغراتها، وغيابه أي «النقد» يرجع إلى عدة عوامل؛ منها ضعف ثقافة النقد في الوسط الرياضي، والخشية من ردود الأفعال، وربما غياب مؤسسات إعلامية تتبنى النقد البناء كمنهج عمل، والنتيجة أن الرياضة المحلية تسير في أحيان كثيرة من دون التف ات جاد من كتابها.
فالنقد الرياضي ليس مظهرا تكميليا، بل هو ركيزة أساسية للتطوير. فكما لا يمكن لفريق أن يتقدم من دون مدرب يقيم أداء لاعبيه بصرامة وموضوعية، لا يمكن لمنظومة رياضية أن تتطور من دون نقاد يضعون الأصبع على مواضع الخلل.
المطلوب إذا ليس فقط الدعوة إلى تقبل النقد، بل إلى إيجاد بيئة تدفع إلى ظهوره وتفعيله، عبر تعزيز ثقافة النقاش الرياضي الواعي، وبغير ذلك ستظل الأمور تحوم في دائرتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك