العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

الضرورة الغائبة

في‭ ‬كل‭ ‬منظومة‭ ‬رياضية‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬يظل‭ ‬النقد‭ ‬الرياضي‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬البناء‭ ‬والتقويم،‭ ‬فالنقد‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬ملاحظات‭ ‬عابرة‭ ‬تلقى‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسلام،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬تحليلية‭ ‬واعية‭ ‬فرزية،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬مواطن‭ ‬القوة‭ ‬لتعزيزها‭ ‬ودعمها،‭ ‬وتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬والخطأ‭ ‬لتصحيحها‭.‬

لكن،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬الغالبية‭ ‬بهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الساطعة،‭ ‬فإن‭ ‬الواقع‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬مفارقة‭ ‬غريبة‭ ‬ولكنها‭ ‬واضحة،‭ ‬إذ‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأطراف،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬إداريين‭ ‬أو‭ ‬لاعبين‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬جماهير،‭ ‬لا‭ ‬يتقبلون‭ ‬النقد،‭ ‬البعض‭ ‬يراه‭ ‬استهدافا‭ ‬شخصيا،‭ ‬وآخرون‭ ‬يتعاملون‭ ‬معه‭ ‬كتشويه‭ ‬متعمد‭ ‬للمنجزات،‭ ‬بينما‭ ‬قلة‭ ‬فقط‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬النقد‭ ‬الصادق‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬الأقصر‭ ‬نحو‭ ‬التطوير،‭ ‬إن‭ ‬غياب‭ ‬ثقافة‭ ‬تقبل‭ ‬النقد‭ ‬يجعل‭ ‬الأخطاء‭ ‬تتكرر،‭ ‬فعندما‭ ‬يبدر‭ ‬منا‭ ‬خطأ‭ ‬فهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أننا‭ ‬بشريون‭ ‬نخطئ‭ ‬ونصيب،‭ ‬ولهذا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يضع‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬صوابنا‭ ‬لنتمسك‭ ‬به،‭ ‬ويدلنا‭ ‬على‭ ‬خطئنا‭ ‬لنصححه،‭ ‬ونشكره‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬المغزى‭ ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬النقد‭.‬

وما‭ ‬يزيد‭ ‬الصورة‭ ‬تعقيدا‭ ‬أن‭ ‬الساحة‭ ‬الرياضية‭ ‬اليوم‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ندرة‭ ‬النقاد‭ ‬والمحللين‭ ‬الحقيقيين‭. ‬فالإعلام‭ ‬الرياضي‭ ‬حاصر‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬بقعة‭ ‬ضيقة‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الأخبار‭ ‬أو‭ ‬التعليق‭ ‬اللحظي‭ ‬على‭ ‬النتائج،‭ ‬بينما‭ ‬يندر‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬تحليلا‭ ‬معمقا‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬الجذور‭. ‬

هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬النقدي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬جعل‭ ‬النقاش‭ ‬الرياضي‭ ‬انفعاليا‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬عقلاني،‭ ‬وتحضرني‭ ‬كلمة‭ ‬قالها‭ ‬لنا‭ ‬أستاذنا‭ ‬ماجد‭ ‬العرادي‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭: ‬‮«‬أي‭ ‬واحد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬أو‭ ‬ينقل‭ ‬خبرا،‭ ‬وأي‭ ‬واحد‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬وصفا‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬الخاصة‭ ‬لأي‭ ‬مباراة،‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬المحك‭ ‬هما‭ ‬النقد‭ ‬والتحليل‭ ‬اللذان‭ ‬ينمان‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬وفكر‭ ‬عميقين‮«‬‭.‬

إن‭ ‬النقد‭ ‬يشكل‭ ‬المرآة‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تعكس‭ ‬للمنظومة‭ ‬الرياضية‭ ‬ثغراتها،‭ ‬وغيابه‭ ‬أي‭ ‬‮«‬النقد‮»‬‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬عوامل؛‭ ‬منها‭ ‬ضعف‭ ‬ثقافة‭ ‬النقد‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الرياضي،‭ ‬والخشية‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال،‭ ‬وربما‭ ‬غياب‭ ‬مؤسسات‭ ‬إعلامية‭ ‬تتبنى‭ ‬النقد‭ ‬البناء‭ ‬كمنهج‭ ‬عمل،‭ ‬والنتيجة‭ ‬أن‭ ‬الرياضة‭ ‬المحلية‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التف‭ ‬ات‭ ‬جاد‭ ‬من‭ ‬كتابها‭.‬

فالنقد‭ ‬الرياضي‭ ‬ليس‭ ‬مظهرا‭ ‬تكميليا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬للتطوير‭. ‬فكما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لفريق‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مدرب‭ ‬يقيم‭ ‬أداء‭ ‬لاعبيه‭ ‬بصرامة‭ ‬وموضوعية،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لمنظومة‭ ‬رياضية‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬نقاد‭ ‬يضعون‭ ‬الأصبع‭ ‬على‭ ‬مواضع‭ ‬الخلل‭. ‬

المطلوب‭ ‬إذا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تقبل‭ ‬النقد،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬بيئة‭ ‬تدفع‭ ‬إلى‭ ‬ظهوره‭ ‬وتفعيله،‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬النقاش‭ ‬الرياضي‭ ‬الواعي،‭ ‬وبغير‭ ‬ذلك‭ ‬ستظل‭ ‬الأمور‭ ‬تحوم‭ ‬في‭ ‬دائرتها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا