فيما يتوجه العالم إلى الاعتراف بدولة فلسطين ضمن ما يسمى بحل الدولتين، فإن إسرائيل تذهب في الاتجاه المعاكس تماماً، فهي تقرر دفن الدولة الفلسطينية بحسب تعبير الوزير المتطرف سموترتش وتقرر احتلال قطاع غزة بالكامل، وذلك ضمن الرؤية الدينية المشيحانية لنتنياهو الذي يعتقد في نفسه أنه صاحب رؤية روحية وتاريخية تؤهله لإقامة إسرائيل الكبرى.
وإسرائيل الكبرى بحسب المفهوم الإسرائيلي هي ضد القانون الدولي واتفاقيات السلام القديمة والجديدة والمستقبلية أيضاً، هي تهديد للجيران وغير الجيران، هي إعلان حرب مؤجل ومعجل، وهي إهانة للإقليم وأنظمته وشعوبه، وهي استقواء بالتيار الديني المشيحاني المتطرف الذي يحكم الإدارة الأمريكية الحالية على الأقل، فالعلاقة بين أمريكا وإسرائيل هي علاقة لاهوتية وليست استعمارية فقط.
كلام نتنياهو يفرغ الجهود الدولية من مضامينها، وهي رد على المسعى الفرنسي السعودي بشأن إقرار حل الدولتين. ورد على تسونامي الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية ورد أيضاً على الاعتدال والحكمة والرغبة المعلنة في التعاون، كلام نتنياهو تفسير لاتفاقيات السلام بكل طبعاتها ونُسَخِها، وترجمة لنوع العلاقة التي تريد إسرائيل نسجها مع العالم العربي.
كذلك فان كلام نتنياهو ليس تعبيرا عن أزمة حكومية وليس لاسترضاء اليمين بكل طبقاته وليس هو مجرد تصريحات انتخابية، بل هي رؤية مركزية في الفكر الصهيوني منذ بداياته، ومن يريد أن يتأكد فلينظر إلى خرائط الحركة الصهيونية التي قدمتها لمؤتمر فرساي سنة 1919، وهي خرائط تضم فلسطين والأردن وأجزاء من الدول المجاورة.
فكرة إسرائيل الكبرى ليست مجرد رؤية استعمارية، وإن كانت كذلك، ولكنها رؤية لاهوتية يرغب في تحقيقها الكثير من الأطراف واسرائيل من بينها. لا يمكن تفسير تصاعد اللغة أو الخطاب الديني المشيحاني في العالم إلا من خلال دعم اسرائيل رغم كل فظائعها.
فما الذي يبقي الحرب مستعرة ومستمرة ضد الشعب الفلسطيني لمدة سنتين تقريباً ودون قدرة من العالم على ايقافها؟! وما الذي يعطي إسرائيل كل هذه القوة والصلف على الاستمرار في إدارة الظهر للقانون والأخلاق والإنسانية؟! ألا تستمر هذه الحرب بسبب ازدواجية المعايير والنفاق في التعامل والسلوك؟! ألا تستمر بسبب تلك الروابط والعلاقات والمصالح والأهداف العميقة التي ترى في استمرار اسرائيل قوية ومسيطرة هدفاً أساسياً لها؟!
وحتى نكون أكثر دقة ووضوحاً وصراحة أيضاً، ألا يعني كلام نتنياهو حول إسرائيل الكبرى أنه لا يرى هناك تهديداً أو حتى غضباً ممكناً من الإقليم والعالم؟!
ألا يعني أن كلامه هذا قد يتحول إلى إجراء لتغييرات حقيقية على الأرض وذلك بسبب أن الإقليم -في معظمه- أبقى على العلاقات مع اسرائيل علناً وسراً، لا شيء يخفى، ولا يستطيع طرف أن يبرر تلك العلاقات.
كلام نتنياهو حول الدولة التوراتية الكبرى دليل على أن تعميق العلاقات لا يفيد وأن بيانات الشجب الشديدة أو الأنيقة لا تفيد، وبالمقارنة بين الخلافات بين الدول العربية بعضها ببعض. وبين تلك مع إسرائيل، نجد الفارق الكبير، فقطع العلاقات وسحب السفراء والتهديد بالغزو العسكري هي مميزات تتسم بها الخلافات العربية العربية، أما مع اسرائيل، فسبحان الله، إذ تتميز تلك الردود بخجل وتردد.
كلام نتنياهو ليس هفوة ولا زلّة ولا حلم ولا تهويم، إنه كلام صريح وقبيح، ويجب ألا يمر أو يعامل وكأن شيئاً لم يحصل.
الخطير في كلام نتنياهو أن لا أحد من الإدارة الأمريكية اعترض عليه أو شجبه أو أدانه، بالعكس من ذلك، فإن هذه الإدارة ممثلة برئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون والسفير الأمريكي في تل أبيب هاكابي زارا الضفة الغربية المحتلة وذهبا مباشرة إلى مستوطناتها غير الشرعية، ومن هناك بالذات باركا الاستيطان وقالا إن ذلك جزء من وعد إلهي أيضاً.
ان كلام نتنياهو تعبير عن تيار عالمي متطرف ومتوحش ويهيئ لخراب العالم.
{ رئيس مركز الدراسات
المستقبلية بجامعة القدس
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك