العدد : ١٧٣٢٣ - الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٢٣ - الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

تصريحات نتنياهو ومخطط «إسرائيل الكبرى»

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

فيما‭ ‬يتوجه‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بحل‭ ‬الدولتين،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تذهب‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬تماماً،‭ ‬فهي‭ ‬تقرر‭ ‬دفن‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بحسب‭ ‬تعبير‭ ‬الوزير‭ ‬المتطرف‭ ‬سموترتش‭ ‬وتقرر‭ ‬احتلال‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بالكامل،‭ ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬الرؤية‭ ‬الدينية‭ ‬المشيحانية‭ ‬لنتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬أنه‭ ‬صاحب‭ ‬رؤية‭ ‬روحية‭ ‬وتاريخية‭ ‬تؤهله‭ ‬لإقامة‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭.‬

وإسرائيل‭ ‬الكبرى‭ ‬بحسب‭ ‬المفهوم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬هي‭ ‬ضد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬واتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭ ‬والمستقبلية‭ ‬أيضاً،‭ ‬هي‭ ‬تهديد‭ ‬للجيران‭ ‬وغير‭ ‬الجيران،‭ ‬هي‭ ‬إعلان‭ ‬حرب‭ ‬مؤجل‭ ‬ومعجل،‭ ‬وهي‭ ‬إهانة‭ ‬للإقليم‭ ‬وأنظمته‭ ‬وشعوبه،‭ ‬وهي‭ ‬استقواء‭ ‬بالتيار‭ ‬الديني‭ ‬المشيحاني‭ ‬المتطرف‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬فالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬لاهوتية‭ ‬وليست‭ ‬استعمارية‭ ‬فقط‭.‬

كلام‭ ‬نتنياهو‭ ‬يفرغ‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬مضامينها،‭ ‬وهي‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬المسعى‭ ‬الفرنسي‭ ‬السعودي‭ ‬بشأن‭ ‬إقرار‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭. ‬ورد‭ ‬على‭ ‬تسونامي‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأوروبي‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ورد‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الاعتدال‭ ‬والحكمة‭ ‬والرغبة‭ ‬المعلنة‭ ‬في‭ ‬التعاون،‭ ‬كلام‭ ‬نتنياهو‭ ‬تفسير‭ ‬لاتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬بكل‭ ‬طبعاتها‭ ‬ونُسَخِها،‭ ‬وترجمة‭ ‬لنوع‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬إسرائيل‭ ‬نسجها‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

كذلك‭ ‬فان‭ ‬كلام‭ ‬نتنياهو‭ ‬ليس‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬حكومية‭ ‬وليس‭ ‬لاسترضاء‭ ‬اليمين‭ ‬بكل‭ ‬طبقاته‭ ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬تصريحات‭ ‬انتخابية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الصهيوني‭ ‬منذ‭ ‬بداياته،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتأكد‭ ‬فلينظر‭ ‬إلى‭ ‬خرائط‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬لمؤتمر‭ ‬فرساي‭ ‬سنة‭ ‬1919،‭ ‬وهي‭ ‬خرائط‭ ‬تضم‭ ‬فلسطين‭ ‬والأردن‭ ‬وأجزاء‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭.‬

فكرة‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬رؤية‭ ‬استعمارية،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬كذلك،‭ ‬ولكنها‭ ‬رؤية‭ ‬لاهوتية‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬تحقيقها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬واسرائيل‭ ‬من‭ ‬بينها‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬تصاعد‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬المشيحاني‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬اسرائيل‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬فظائعها‭.‬

فما‭ ‬الذي‭ ‬يبقي‭ ‬الحرب‭ ‬مستعرة‭ ‬ومستمرة‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لمدة‭ ‬سنتين‭ ‬تقريباً‭ ‬ودون‭ ‬قدرة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬ايقافها؟‭! ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬والصلف‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الظهر‭ ‬للقانون‭ ‬والأخلاق‭ ‬والإنسانية؟‭! ‬ألا‭ ‬تستمر‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بسبب‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬والنفاق‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬والسلوك؟‭! ‬ألا‭ ‬تستمر‭ ‬بسبب‭ ‬تلك‭ ‬الروابط‭ ‬والعلاقات‭ ‬والمصالح‭ ‬والأهداف‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬اسرائيل‭ ‬قوية‭ ‬ومسيطرة‭ ‬هدفاً‭ ‬أساسياً‭ ‬لها؟‭!‬

وحتى‭ ‬نكون‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭ ‬ووضوحاً‭ ‬وصراحة‭ ‬أيضاً،‭ ‬ألا‭ ‬يعني‭ ‬كلام‭ ‬نتنياهو‭ ‬حول‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬هناك‭ ‬تهديداً‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬غضباً‭ ‬ممكناً‭ ‬من‭ ‬الإقليم‭ ‬والعالم؟‭!‬

ألا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬كلامه‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬لتغييرات‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬الإقليم‭ -‬في‭ ‬معظمه‭- ‬أبقى‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬اسرائيل‭ ‬علناً‭ ‬وسراً،‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يخفى،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬طرف‭ ‬أن‭ ‬يبرر‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭.‬

كلام‭ ‬نتنياهو‭ ‬حول‭ ‬الدولة‭ ‬التوراتية‭ ‬الكبرى‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعميق‭ ‬العلاقات‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬وأن‭ ‬بيانات‭ ‬الشجب‭ ‬الشديدة‭ ‬أو‭ ‬الأنيقة‭ ‬لا‭ ‬تفيد،‭ ‬وبالمقارنة‭ ‬بين‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭. ‬وبين‭ ‬تلك‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬نجد‭ ‬الفارق‭ ‬الكبير،‭ ‬فقطع‭ ‬العلاقات‭ ‬وسحب‭ ‬السفراء‭ ‬والتهديد‭ ‬بالغزو‭ ‬العسكري‭ ‬هي‭ ‬مميزات‭ ‬تتسم‭ ‬بها‭ ‬الخلافات‭ ‬العربية‭ ‬العربية،‭ ‬أما‭ ‬مع‭ ‬اسرائيل،‭ ‬فسبحان‭ ‬الله،‭ ‬إذ‭ ‬تتميز‭ ‬تلك‭ ‬الردود‭ ‬بخجل‭ ‬وتردد‭.‬

كلام‭ ‬نتنياهو‭ ‬ليس‭ ‬هفوة‭ ‬ولا‭ ‬زلّة‭ ‬ولا‭ ‬حلم‭ ‬ولا‭ ‬تهويم،‭ ‬إنه‭ ‬كلام‭ ‬صريح‭ ‬وقبيح،‭ ‬ويجب‭ ‬ألا‭ ‬يمر‭ ‬أو‭ ‬يعامل‭ ‬وكأن‭ ‬شيئاً‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭.‬

الخطير‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬اعترض‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬شجبه‭ ‬أو‭ ‬أدانه،‭ ‬بالعكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬ممثلة‭ ‬برئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬مايك‭ ‬جونسون‭ ‬والسفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬هاكابي‭ ‬زارا‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬وذهبا‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬مستوطناتها‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬بالذات‭ ‬باركا‭ ‬الاستيطان‭ ‬وقالا‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬وعد‭ ‬إلهي‭ ‬أيضاً‭.‬

‭ ‬ان‭ ‬كلام‭ ‬نتنياهو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬تيار‭ ‬عالمي‭ ‬متطرف‭ ‬ومتوحش‭ ‬ويهيئ‭ ‬لخراب‭ ‬العالم‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬بجامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا