العدد : ١٧٣٢٣ - الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٢٣ - الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

تطويع تعريف «معاداة السامية» للتغطية على الإبادة الجماعية

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

اليوم‭ ‬اعترف‭ ‬العدو‭ ‬قبل‭ ‬الصديق‭ ‬بأن‭ ‬الطامة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يومياً،‭ ‬ومنذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬23‭ ‬شهراً،‭ ‬هي‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬للبشر،‭ ‬وإبادة‭ ‬شاملة‭ ‬لكل‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬وإبادة‭ ‬للتراث‭ ‬التاريخي‭ ‬الثقافي‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬كنائس‭ ‬أثرية‭ ‬ومساجد‭ ‬تاريخية‭. ‬

فالمنظمات‭ ‬الأممية،‭ ‬مثل‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬وهيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬أكدت‭ ‬واقعية‭ ‬هذه‭ ‬الإبادة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬نفسه‭ ‬أدلت‭ ‬بشهادتها‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2025‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية،‭ ‬كذلك‭ ‬صرح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬ومثقفي‭ ‬التاريخ‭ ‬اليهودي‭ ‬ورجال‭ ‬السياسة‭ ‬والحكم‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الكارثية‭ ‬ومحرقة‭ ‬شعب‭ ‬غزة،‭ ‬مثل‭ ‬عومير‭ ‬بارتوف‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2025،‭ ‬والسياسي‭ ‬يائير‭ ‬غولان،‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الصهيوني‭ ‬السابق‭ ‬أيهود‭ ‬أولمرت‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬مايو‭ ‬2025‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬دعا‭ ‬رئيس‭ ‬الكنيست‭ ‬السابق‭ ‬أبراهام‭ ‬بورغ‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬أغسطس‭ ‬2025‭ ‬يهود‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬شكوى‭ ‬عند‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬بسبب‭ ‬جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬إسرائيل‭. ‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬المجرمين‭ ‬الصهاينة‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬وغير‭ ‬اليهود‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬والوسائل‭ ‬التغطية‭ ‬الشرعية‭ ‬القانونية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬لها‭ ‬التاريخ‭ ‬مثيلاً،‭ ‬فيحاولون‭ ‬الادعاء‭ ‬والتضليل‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬هي‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬معادية‭ ‬للسامية،‭ ‬وأنها‭ ‬تريد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬اليهود‭ ‬والدولة‭ ‬اليهودية،‭ ‬ولذلك‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬باب‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬وحماية‭ ‬اليهود‭ ‬وأمن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬ولذلك‭ ‬يسعون‭ ‬جادين‭ ‬وبكل‭ ‬الأساليب‭ ‬الشيطانية‭ ‬الماكرة‭ ‬على‭ ‬تحصين‭ ‬الجرائم‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وتوفير‭ ‬المناعة‭ ‬لها،‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬المحاسبة‭ ‬والعقاب‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬صياغة‭ ‬تعاريف‭ ‬جديدة‭ ‬لمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬أو‭ ‬تطويع‭ ‬التعريفات‭ ‬القديمة‭ ‬لكي‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬طرحهم‭ ‬الخبيث،‭ ‬وتتماشى‭ ‬مع‭ ‬ادعاءاتهم‭ ‬الضالة‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ليست‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية،‭ ‬وليست‭ ‬تطهيراً‭ ‬عرقياً‭ ‬وتصفية‭ ‬كاملة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إضفاء‭ ‬روح‭ ‬الشرعية‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬الكارثة‭ ‬البشرية‭ ‬والبيئية‭ ‬والإسكانية‭ ‬التي‭ ‬يرتكبونها‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحصين‭ ‬وتأمين‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬من‭ ‬المحاسبة‭ ‬والعقاب‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬الدولية‭. ‬

وهناك‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ثلاثة‭ ‬تعاريف‭ ‬لمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬فالأول‭ ‬أُعلن‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬مايو‭ ‬2016‭ ‬ومن‭ ‬لجنة‭ ‬دولية‭ ‬متخصصة‭ ‬تأسست‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬وأُطلق‭ ‬عليها‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬لإحياء‭ ‬ذكرى‭ ‬محرقة‭ ‬اليهود‭ (‬International‭ ‬Holocaust‭ ‬Remembrance‭ ‬Alliance‭)‬،‭ ‬وجاء‭ ‬فيه‭ ‬بأن‭ ‬اللاسامية‭ ‬أو‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬هي‭: ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تصور‭ ‬معين‭ ‬لليهود‭ ‬قد‭ ‬يُعَبر‭ ‬عن‭ ‬كراهية‭ ‬تجاه‭ ‬اليهود‭. ‬فتُوجه‭ ‬التعبيرات‭ ‬البلاغية‭ ‬والجسدية‭ ‬لمعاداة‭ ‬السامية‭ ‬نحو‭ ‬اليهود‭ ‬وغير‭ ‬اليهود‭ ‬وممتلكاتهم،‭ ‬ونحو‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬اليهودي‭ ‬والمرافق‭ ‬الدينية‭.‬

وأما‭ ‬التعريف‭ ‬الثاني‭ ‬لمعاداة‭ ‬السامية‭ ‬فقد‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬مارس‭ ‬2021‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬اليهود‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭: ‬إعلان‭ ‬القدس‭ ‬حول‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ (‬Jerusalem‭ ‬Declaration‭ ‬on‭ ‬Antisemitism‭). ‬وهذا‭ ‬الإعلان‭ ‬يُعرِّف‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬بأنها‭: ‬التمييز،‭ ‬أو‭ ‬التحيز،‭ ‬أو‭ ‬العداء،‭ ‬أو‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬اليهود‭ ‬كيهود‭. ‬وهذا‭ ‬الإعلان‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬15‭ ‬بنداً‭ ‬استرشادياً‭ ‬حول‭ ‬تفاصيل‭ ‬تعريف‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬ويُقدم‭ ‬توجهاً‭ ‬بديلاً‭ ‬نوعاً‭ ‬ما‭ ‬وجديداً،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يُعد‭ ‬أكثر‭ ‬عدلاً‭ ‬وتوازناً‭ ‬من‭ ‬التعريف‭ ‬الأول،‭ ‬حيث‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬التوازن‭ ‬والتوفيق‭ ‬بين‭ ‬محاربة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وحماية‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬وحماية‭ ‬الحوارات‭ ‬الدائرة‭ ‬المفتوحة‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفلسطين‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

وأخيراً‭ ‬جاء‭ ‬التعريف‭ ‬الثالث‭ ‬المتضمن‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬نكسيس‭ (‬Nexus‭ ‬Document‭)‬،‭ ‬والمُقدم‭ ‬من‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬بارنارد‭ (‬Barnard‭ ‬College‭) ‬وجامعة‭ ‬جنوب‭ ‬كاليفورنيا‭. ‬وهذا‭ ‬التعريف‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭: ‬المعتقدات‭ ‬والمشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬تجاه‭ ‬اليهود،‭ ‬والسلوك‭ ‬العدائي‭ ‬الموجه‭ ‬ضد‭ ‬اليهود‭ (‬لأنهم‭ ‬يهود‭)‬،‭ ‬والظروف‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬ضد‭ ‬اليهود،‭ ‬وتعيق‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبير‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬أو‭ ‬الدينية،‭ ‬أو‭ ‬الثقافية،‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭. ‬كذلك‭ ‬تتضمن‭ ‬الوثيقة‭ ‬بياناً‭ ‬بأن‭: ‬حتى‭ ‬الانتقادات‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل،‭ ‬أو‭ ‬الحادة،‭ ‬أو‭ ‬القاسية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بسبب‭ ‬سياساتها‭ ‬وأفعالها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬غير‭ ‬شرعية،‭ ‬أو‭ ‬معادية‭ ‬للسامية‭. ‬

وأما‭ ‬التعريف‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعاً‭ ‬واستخداماً‭ ‬هو‭ ‬التعريف‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬تبنته‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬والجامعات،‭ ‬فهناك‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬46‭ ‬دولة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬تستخدم‭ ‬هذا‭ ‬التعريف،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬38‭ ‬ولاية‭ ‬أمريكية،‭ ‬و45‭ ‬مدينة،‭ ‬و50‭ ‬حكومة‭ ‬محلية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭. ‬أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاتحادي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬ترامب‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬حكمه‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬التنفيذي‭ ‬حول‭ ‬مكافحة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬ديسمبر‭ ‬2019،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬الأولى‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬السياسة‭. ‬إدارتي‭ ‬ملتزمة‭ ‬بمكافحة‭ ‬نمو‭ ‬حوادث‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحول‭ ‬العالم‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬صادق‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ممثلاً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬ينص‭ ‬بأن‭ ‬معاداة‭ ‬الصهيونية‭ ‬هي‭ ‬معاداة‭ ‬للسامية‭.‬

وهناك‭ ‬نقطتان‭ ‬مهمتان‭ ‬يجب‭ ‬التنبه‭ ‬إليهما‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭. ‬أولاً‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬انحرف‭ ‬عن‭ ‬مساره‭ ‬الأصلي،‭ ‬وخالف‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬وُضعت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬التعريف‭ ‬بأنه‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭: ‬تقوية‭ ‬تعاون‭ ‬الحكومات‭ ‬للعمل‭ ‬نحو‭ ‬عالم‭ ‬بدون‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬روح‭ ‬التعريف‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الدولي‭ ‬الجماعي‭ ‬المشترك‭ ‬لمنع‭ ‬أية‭ ‬محارق‭ ‬وإبادة‭ ‬جماعية‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬تُرتكب‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬أي‭ ‬شعب،‭ ‬أو‭ ‬عرق،‭ ‬أو‭ ‬جنس‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ولكن‭ ‬الصهاينة‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬وغير‭ ‬اليهود‭ ‬غيروا‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬التعريف‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يحقق‭ ‬مراميهم‭ ‬الخبيثة‭ ‬التوسعية‭ ‬والعنصرية،‭ ‬فعملوا‭ ‬عكس‭ ‬تيار‭ ‬التعريف‭ ‬كلياً،‭ ‬بل‭ ‬قاموا‭ ‬بالقانون‭ ‬بتجريم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يبدي‭ ‬رأياً‭ ‬مخالفاً،‭ ‬أو‭ ‬ينتقد،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬استمرار‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬يرتكبونها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطويع‭ ‬كلمات‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬لتخدم‭ ‬أهدافهم‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الدنيئة،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كلياً،‭ ‬وتصفيته‭ ‬وإبادته‭ ‬تماماً‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬فلسطيني‭ ‬يطالب‭ ‬بأرض‭ ‬أو‭ ‬وطن‭. ‬

فكل‭ ‬من‭ ‬ينتقد‭ ‬ممارسات‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬فهو‭ ‬معادٍ‭ ‬للسامية،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬يهودياً‭ ‬مثل‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بارني‭ ‬ساندرز‭. ‬وكل‭ ‬من‭ ‬ينتقد‭ ‬ممارسات‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬وضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬فهو‭ ‬يكره‭ ‬اليهود‭ ‬ويعادي‭ ‬السامية،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬مسيحياً‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬مثل‭ ‬النائبة‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬مارجوري‭ ‬تايلور‭ ‬جرين‭. ‬وكل‭ ‬من‭ ‬تعاطف‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فهم‭ ‬أيضاً‭ ‬معادون‭ ‬للسامية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬نجوا‭ ‬من‭ ‬محرقة‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭! ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬فكل‭ ‬دولة‭ ‬غربية‭ ‬حليفة‭ ‬وصديقة‭ ‬للصهاينة‭ ‬إذا‭ ‬أبدت‭ ‬نيتها‭ ‬للموافقة‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬فهي‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬وتدعم‭ ‬وتكافئ‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وتعادي‭ ‬السامية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬منظمة‭ ‬دولية،‭ ‬كمحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬ومحكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬والمشورة‭ ‬فيما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فهي‭ ‬تُتهم‭ ‬مباشرة‭ ‬بأنها‭ ‬تقف‭ ‬مع‭ ‬حماس‭ ‬والإرهاب‭ ‬وتعادي‭ ‬السامية‭. ‬ومن‭ ‬المضحك‭ ‬والجدير‭ ‬ذكره‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬نفسه‭ ‬أُتهم‭ ‬بأنه‭ ‬معادٍ‭ ‬للسامية‭ ‬بسبب‭ ‬استخدامه‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬يوليو‭ ‬2025‭ ‬مصطلحا‭ ‬يُشكل‭ ‬حساسية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬اليهود‭!   ‬

وأما‭ ‬النقطة‭ ‬الثانية‭ ‬والمهمة‭ ‬جداً‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬عندما‭ ‬وُضع‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬ملزم‭ ‬قانوناً،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬اعتماد‭ ‬التعريف‭ ‬بسنوات،‭ ‬أن‭ ‬الصهاينة‭ ‬بذلوا‭ ‬مجهوداً‭ ‬غير‭ ‬طبيعي،‭ ‬وجندوا‭ ‬كل‭ ‬الطاقات‭ ‬والأدوات‭ ‬لتحويله‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬ملزم‭ ‬لمنظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وسائر‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬معارضة‭ ‬بعض‭ ‬مؤلفي‭ ‬التعريف،‭ ‬ثم‭ ‬تحويل‭ ‬القانون‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬مرعب‭ ‬لإرهاب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬انتقاد‭ ‬ممارسات‭ ‬الصهاينة‭. ‬ومن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬السبق‭ ‬والريادة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬التعريف‭ ‬إلى‭ ‬تشريع‭ ‬وسلاح‭ ‬مخيف،‭ ‬وسياسة‭ ‬عامة‭ ‬للدولة‭ ‬هي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأولى،‭ ‬وحالياً‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الثانية‭. ‬ففي‭ ‬الفترة‭ ‬الأولى‭ ‬أصدر‭ ‬أمراً‭ ‬تنفيذياً‭ ‬يتبنى‭ ‬فيه‭ ‬التعريف،‭ ‬واليوم‭ ‬يستخدم‭ ‬نفوذه‭ ‬وقوته‭ ‬الرئاسية‭ ‬ليفرض‭ ‬رؤيته‭ ‬وسياسته‭ ‬الموالية‭ ‬للصهيونية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أولاً،‭ ‬ثم‭ ‬سائر‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ثانياً‭. ‬فهو‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬استئصال‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬بشكل‭ ‬رئيس،‭ ‬حيث‭ ‬ربط‭ ‬سياسة‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬قمع‭ ‬الأنشطة‭ ‬المؤيدة‭ ‬لفلسطين‭ ‬والمعادية‭ ‬للسامية،‭ ‬كما‭ ‬يدَّعي،‭ ‬بالمساعدات‭ ‬والمنح‭ ‬المالية‭ ‬الاتحادية‭ ‬التي‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭. ‬فبدأ‭ ‬أولاً‭ ‬بفخر‭ ‬جامعات‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2025،‭ ‬وأكثرها‭ ‬عراقة‭ ‬وتقدماً‭ ‬فجعلها‭ ‬ترضخ‭ ‬لمطالبه،‭ ‬وآخرها‭ ‬كانت‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬في‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أغسطس‭ ‬2025،‭ ‬حيث‭ ‬جمد‭ ‬584‭ ‬مليونا‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭. ‬فقام‭ ‬بابتزاز‭ ‬هذه‭ ‬الجامعات‭ ‬مالياً‭ ‬وقضائياً‭ ‬وقانونياً‭ ‬لإلزامها‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬صفة‭ ‬شرعية‭ ‬خاصة‭ ‬لليهود‭ ‬والصهاينة‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬وتكميم‭ ‬الأفواه‭ ‬والمُعارضَة،‭ ‬وقمع‭ ‬ومحاكمة‭ ‬وطرد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يبدي‭ ‬أي‭ ‬رأي‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

وأما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬فقد‭ ‬حارب‭ ‬ترامب‭ ‬باسم‭ ‬القانون‭ ‬الأمريكي‭ ‬وتحت‭ ‬ذريعة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬كل‭ ‬المنظمات‭ ‬الأممية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بفضح‭ ‬جرائم‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬منها‭ ‬انسحابه‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬يونيو‭ ‬2018،‭ ‬والانسحاب‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬فبراير‭ ‬2025‭ ‬ووقْف‭ ‬مشاركة‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الحقوقي‭ ‬الأممي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬ترامب‭ ‬سياسة‭ ‬التنمر‭ ‬سراً‭ ‬وعلناً‭ ‬والضغط‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬والمنظمات‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ووقف‭ ‬جميع‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬ضد‭ ‬الحكومة‭ ‬الصهيونية‭ ‬عامة،‭ ‬وضد‭ ‬نتنياهو‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬هدَّد‭ ‬المستشار‭ ‬القانوني‭ ‬لوزارة‭ ‬خارجية‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬يوليو‭ ‬2025‭ ‬ريد‭ ‬ريبينشتين‭ (‬Reed‭ ‬Rubinstein‭) ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬رسمي‭ ‬لمحكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية‭ ‬قائلاً‭: ‬نحن‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬جميع‭ ‬الإجراءات‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحليفتنا‭ ‬إسرائيل‭ ‬وكل‭ ‬التحقيقات‭ ‬ومذكرات‭ ‬الاعتقال‭. ‬

فكل‭ ‬هذه‭ ‬الحصانة‭ ‬القانونية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬يحمي‭ ‬بها‭ ‬الغرب‭ ‬عامة،‭ ‬وأمريكا‭ ‬خاصة‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بحجة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬سراح‭ ‬الصهاينة‭ ‬لارتكاب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الشاملة‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬أو‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬أحد،‭ ‬وجعلتها‭ ‬تفلت‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حساب،‭ ‬أو‭ ‬مسائلة،‭ ‬أو‭ ‬عقاب‭. ‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا