العدد : ١٧٣٢٣ - الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٢٣ - الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

متى يكون للعرب مشروعهم لمواجهة التحدي؟

بقلم: طلال عوكل

الثلاثاء ٢٦ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

إذا‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬يصمّ‭ ‬آذانه،‭ ‬ويغلق‭ ‬عقله،‭ ‬أو‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬التجاهل،‭ ‬إزاء‭ ‬المشروع‭ ‬التوسعي‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬يتسع‭ ‬ليشمل‭ ‬سبع‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬ابتداءً،‭ ‬فإن‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬آثر‭ ‬عدم‭ ‬المراوغة،‭ ‬ووضع‭ ‬الجميع‭ ‬أمام‭ ‬المصير‭ ‬المنتظر‭.‬

موضوع‭ ‬‮«‬من‭ ‬الفرات‭ ‬إلى‭ ‬النيل‭ ‬أرضك‭ ‬يا‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يزيّن‭ ‬العلم،‭ ‬والنشيد،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مسألة‭ ‬تحليلية‭ ‬أو‭ ‬خاضعة‭ ‬للشكّ،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬نتنياهو‭ ‬أنه‭ ‬مكلّف‭ ‬تاريخياً،‭ ‬وروحياً،‭ ‬بإنجاز‭ ‬هدف‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭.‬

البداية‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية،‭ ‬فما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬ويستهدف‭ ‬احتلالها،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها،‭ ‬كما‭ ‬يدّعون،‭ ‬يتزامن‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬قدمٍ‭ ‬وساق‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمّ‭ ‬إعلان‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬القدس‭.‬

تصريحات‭ ‬نتنياهو‭ ‬تزامنت،‭ ‬أيضاً،‭ ‬مع‭ ‬تصريحات‭ ‬الوزير‭ ‬المتطرف‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموتريتش‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لإعلان‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ووأد‭ ‬‮«‬حل‭ ‬الدولتين‮»‬،‭ ‬عَبر‭ ‬توسيع‭ ‬وتسمين‭ ‬الاستيطان،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مخطّط‭ ‬‮«‬إي‭ ‬1‮»‬،‭ ‬لفصل‭ ‬جنوب‭ ‬الضفة‭ ‬عن‭ ‬وسطها‭ ‬وشمالها،‭ ‬وفصل‭ ‬القدس‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬مدن‭ ‬وقرى‭ ‬الضفة‭.‬

لم‭ ‬يصدّق‭ ‬العرب،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يرغبوا‭ ‬في‭ ‬تصديق‭ ‬نتنياهو‭ ‬حين‭ ‬أعلن‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬منبر‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2023،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬خارطة‭ ‬للدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭.‬

ولم‭ ‬يصدّق‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬نتنياهو‭ ‬بوقاحة‭ ‬مخطّط‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬هو‭ ‬المقدمة،‭ ‬والمرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬مخطّط‭ ‬أوسع‭ ‬يستهدف‭ ‬أرضهم‭ ‬وسيادتهم‭ ‬وثرواتهم‭.‬

ولم‭ ‬يصدّق‭ ‬العرب،‭ ‬والمسلمون،‭ ‬أيضاً،‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يقاوم‭ ‬هذه‭ ‬المخطّطات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إنّما‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬اليوم‭ ‬سيأتي‭ ‬حين‭ ‬سيقول‭ ‬البعض‭: ‬أُكِلتُ‭ ‬يومَ‭ ‬أُكِلَ‭ ‬الثور‭ ‬الأبيض‭.‬

يصدّق‭ ‬العرب،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬يخدعون‭ ‬أنفسهم‭ ‬حين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬بإمكانهم‭ ‬إبعاد‭ ‬الخطر‭ ‬عن‭ ‬أنظمتهم،‭ ‬وكرامتهم،‭ ‬وسيادتهم،‭ ‬عَبر‭ ‬مجاملة‭ ‬من‭ ‬يشكّل‭ ‬الخطر‭ ‬الأساسي‭ ‬عليهم،‭ ‬والتمسك‭ ‬بإمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭.‬

يتجاهل‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬عَبر‭ ‬تاريخها،‭ ‬لم‭ ‬تلتزم‭ ‬بأيّ‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أو‭ ‬معاهدات،‭ ‬إلّا‭ ‬حين‭ ‬تضمن‭ ‬هيمنتها،‭ ‬وسيطرتها‭.‬

لقد‭ ‬كدّس‭ ‬العرب‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخائر،‭ ‬وأنفقوا‭ ‬أموالاً‭ ‬طائلة‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬عبثية،‭ ‬ضد‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬ووفق‭ ‬أولويات‭ ‬ثانوية،‭ ‬واعتقد‭ ‬كل‭ ‬نظام‭ ‬أنه‭ ‬قادر‭ ‬وحده‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬نفسه‭ ‬وشعبه‭ ‬عبر‭ ‬اتفاقيات‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬خارجية‭.‬

يتنافس‭  ‬بعض‭ ‬العرب،‭ ‬على‭ ‬النفوذ،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬ظناً‭ ‬منهم‭ ‬أنهم‭ ‬سيتحوّلون‭ ‬إلى‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية‭ ‬كبرى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إدراك‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬يملكون‭ ‬القدرة‭ ‬والإرادة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬سيجيّرون‭ ‬كل‭ ‬إنجازاتهم‭ ‬المؤقّتة‭ ‬والمحدودة‭ ‬إلى‭ ‬مكاسب‭ ‬لمن‭ ‬يعتمد‭ ‬القوة‭ ‬القاهرة‭ ‬سبيلاً‭ ‬وحيداً‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭.‬

لقد‭ ‬تخلّى‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وأهلها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرّة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرّة‭ ‬يعاودون‭ ‬الاهتمام،‭ ‬كانت‭ ‬بعد‭ ‬انتفاضات‭ ‬فلسطينية‭ ‬وأثمان‭ ‬كبيرة‭ ‬يدفعها‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬اعتبروا‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عبئاً‭ ‬على‭ ‬استقرارهم‭ ‬ودوام‭ ‬أمنهم‭ ‬ووجودهم‭.‬

ومع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬فإن‭ ‬تجربة‭ ‬غزّة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬نتنياهو‭ ‬هدفه‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يستيقظوا‭ ‬بعد،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صدمهم،‭ ‬فاستفزّهم‭ ‬فشل‭ ‬ما‭ ‬لديهم‭ ‬في‭ ‬قواميس‭ ‬اللغة،‭ ‬لإظهار‭ ‬جدّيتهم‭ ‬في‭ ‬الاستنكار‭ ‬والرفض‭ ‬والتحذير،‭ ‬ومطالبة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بردع‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬المضيّ‭ ‬قُدُماً‭ ‬في‭ ‬حروبها‭ ‬العدوانية‭ ‬والبربرية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافها‭.‬

قضايا‭ ‬غزّة‭ ‬والرهائن،‭ ‬والتهدئة،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬موضوعاً‭ ‬للتفاوض،‭ ‬ففي‭ ‬كلّ‭ ‬مرّة،‭ ‬وكما‭ ‬حصل‭ ‬منذ‭ ‬أشهر،‭ ‬يصرّ‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬استخدام‭ ‬القوّة،‭ ‬وإضافة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الشروط‭ ‬التعجيزية‭.‬

العالم‭ ‬كلّه‭ ‬انتفض،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الضامنة‭ ‬لأمن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتفوّقها،‭ ‬وعلى‭ ‬الصعيدين‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يتحرّك‭ ‬العرب‭ ‬إلّا‭ ‬عَبر‭ ‬البيانات‭ ‬والحراكات‭ ‬الدبلوماسية‭.‬

تصريحات‭ ‬نتنياهو‭ ‬وزميله‭ ‬سموتريتش‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬مجالاً‭ ‬للشكّ‭ ‬بأن‭ ‬أبواب‭ ‬الحروب‭ ‬مُشرعة،‭ ‬ومستمرّة،‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬الإقليم‭ ‬عموماً،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكية‭ ‬مشابهة،‭ ‬يعتبرها‭ ‬‮«‬الائتلاف‭ ‬الحكومي‭ ‬الفاشي‮»‬‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭.‬

انظروا‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسورية،‭ ‬ابتداءً،‭ ‬لكي‭ ‬تتأكّدوا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬الضغوط‭ ‬الداخلية‭ ‬ولا‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تثني‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإبادية‭ ‬نتنياهو‭ ‬عن‭ ‬عزمه‭.‬

‮«‬المعارضة‮»‬‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تختلف‭ ‬على‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وتتفق‭ ‬معه،‭ ‬فلا‭ ‬يجرؤ‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتحدّث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬رؤية‭ ‬الدولتين‮»‬،‭ ‬فقيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الجميع‭ ‬ستكون‭ ‬نقيضاً‭ ‬وجودياً‭ ‬لكيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الغاصب‭.‬

ليس‭ ‬لدى‭ ‬نتنياهو‭ ‬أي‭ ‬سيناريو‭ ‬لتحقيق‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬سوى‭ ‬تهجير‭ ‬7‭ ‬ملايين‭ ‬فلسطيني‭. ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬،‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬مجرّد‭ ‬وهم‭ ‬خالص،‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬غزّة‭. ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬قد‭ ‬فعلت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تفعله،‭ ‬ولم‭ ‬تنجح‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬فكم‭ ‬يستغرق‭ ‬منها،‭ ‬إكمال‭ ‬مهمّتها‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬وأراضي‭ ‬1948؟

هذا‭ ‬هو‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬والسؤال‭ ‬هو‭: ‬متى‭ ‬يكون‭ ‬للعرب‭ ‬مشروعهم،‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬مصالحهم؟‭ ‬وما‭ ‬أدوات‭ ‬ووسائل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬المشروع،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ثمّة‭ ‬من‭ ‬ينهض‭ ‬بهذه‭ ‬المهمّة؟

 

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا