العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الزلعة التي هي ...

يكون‭ ‬الانسان‭ ‬غنيا‭ ‬حقا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مزاجه‭ ‬وعقله‭ ‬غنيا،‭ ‬أي‭ ‬ممتلئا‭ ‬عافية‭ ‬وأملا،‭ ‬وحبا‭ ‬للأهل‭ ‬وعموم‭ ‬الناس،‭ ‬ويسعد‭ ‬ويستمتع‭ ‬بما‭ ‬عنده‭. ‬ويكون‭ ‬فقيرا‭ ‬برغم‭ ‬الملايين‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يحمد‭ ‬الله،‭ ‬ويظل‭ ‬يجاهد‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬لزيادة‭ ‬ثروته،‭ ‬ولمثل‭ ‬هذا‭ ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬لن‭ ‬يملأ‭ ‬عينه‭ ‬سوى‭ ‬التراب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لن‭ ‬يعرف‭ ‬للثراء‭ ‬طعما‭ ‬سوى‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بـ«الأرقام‮»‬‭ ‬والأرصدة‭ ‬على‭ ‬الورق‭. ‬وبداهة‭ ‬فإنني‭ ‬أتعاطف‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يشيل‭ ‬هم‭ ‬مصاريف‭ ‬دراسة‭ ‬العيال‭ ‬والنفقات‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬انبعاج‭ ‬كرش‭ ‬الزوجة‭: ‬ومن‭ ‬يدري‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬كرشها‭ ‬الممتدة‭ ‬أمامها‭ ‬لمتر‭ ‬ونصف‭ ‬المتر‭ ‬تحوي‭ ‬توأما‭! ‬ومن‭ ‬أين‭ ‬لي‭ ‬ان‭ ‬أقطع‭ ‬الشك‭ ‬باليقين‭ ‬وليس‭ ‬لدي‭ ‬المال‭ ‬اللازم‭ ‬لتصوير‭ ‬كرشها‭ ‬بالموجات‭ ‬الصوتية‭ (‬التي‭ ‬صار‭ ‬حتى‭ ‬الأطباء‭ ‬يسمونها‭ ‬تلفزيون‭).. ‬نعم‭ ‬هناك‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬يتعذر‭ ‬معها‭ ‬الشعور‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬التامة‭ ‬إزاء‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭.. ‬والفقر‭ ‬مذلة‭ ‬وبهدلة،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنه‭ ‬وخلال‭ ‬الشهر‭ ‬رمضان‭ ‬الفضيل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬ملايين‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬كل‭ ‬شمس‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ممكنا‭ ‬توفير‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬الفول‭ ‬والبصل‭ ‬للإفطار،‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬عائلات‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬إفطار‭ ‬رمضان‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ ‬يطلبه‭ ‬المستمعون‭: ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬يطلب‭ ‬طبقا‭ ‬معينا‭ ‬او‭ ‬أكثر‭ (‬وقد‭ ‬يكتفي‭ ‬معظمهم‭ ‬عند‭ ‬الإفطار‭ ‬بحبة‭ ‬تمر‭ ‬وكوب‭ ‬عصير‭ ‬وتذهب‭ ‬الأطعمة‭ ‬المشتهاة‭ ‬الى‭ ‬القطط‭ ‬الضالة‭).. ‬أما‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬أتعاطف‭ ‬معهم‭ ‬فهم‭ ‬من‭ ‬نسميهم‭ ‬في‭ ‬العامية‭ ‬السودانية‭ ‬بالمزلوعين‭ (‬نقول‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬إن‭ ‬فلانا‭ ‬عنده‭ ‬زلعة‭)‬،‭ ‬ونعني‭ ‬بها‭ ‬حالة‭ ‬الهلع‭ ‬والنهم‭ ‬والقلق‭ ‬تجاه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مادي،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬طعاما‭ ‬او‭ ‬لباسا‭ ‬او‭ ‬مواد‭ ‬تزين،‭ ‬وأسوأ‭ ‬المزلوعين‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ستر‭ ‬الحال‭ ‬والاستغناء‭ ‬عن‭ ‬السؤال،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬يتصرف‭ ‬كمحتاج‭ ‬ولا‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬الحمد‭ ‬لله‮»‬‭ ‬أبدا‭.‬

‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أُكرر‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬اعتبر‭ ‬الثراء‭ ‬رهنا‭ ‬بامتلاك‭ ‬الملايين،‭ ‬وأقول‭ ‬إنني‭ ‬ولدت‭ ‬ثريا‭ ‬وعشت‭ ‬معظم‭ ‬سنوات‭ ‬عمري‭ ‬ثريا‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الوجبات‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬اتناولها‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬يعافها‭ ‬الدجاج‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭. ‬وفي‭ ‬حالي‭ ‬الراهن‭ ‬فكل‭ ‬حيلتي‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬راتبي‭ ‬الشهري،‭ ‬ولكنه‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬يكفيني،‭ ‬بل‭ ‬أستطيع‭ ‬تقديم‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬لأفراد‭ ‬أسرتي‭ ‬الممتدة‭ ‬الذين‭ ‬حبا‭ ‬الله‭ ‬بعضهم‭ ‬بشهية‭ ‬جهنمية‭ ‬فكلما‭ ‬أعطيتهم‭ ‬صاحوا‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬مزيد؟‭ (‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المنّ،‭ ‬لأنني‭ ‬أقوله‭ ‬في‭ ‬وجوههم،‭ ‬ويتقبلونه‭ ‬ضاحكين‭ ‬لأنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬انه‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬قلب‭ ‬محب‭ ‬لهم‭)‬

ما‭ ‬فتح‭ ‬موال‭ ‬الغنى‭ ‬والقناعة‭ ‬مجددا،‭ ‬هو‭ ‬حكاية‭ ‬السيدة‭ ‬اليمنية‭ ‬التي‭ ‬نقلتها‭ ‬وكالة‭ ‬الأنباء‭ ‬الألمانية‭ (‬د‭. ‬ب‭. ‬أ‭).. ‬ماتت‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تجاوزت‭ ‬العقد‭ ‬الثامن‭ ‬وورث‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬ابناء‭ ‬عمومتها‭ ‬ملايينها‭ (‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬هذين‭ ‬أقرب‭ ‬اليها‭ ‬بالدم‭). ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬آلاف‭ ‬القطع‭ ‬الذهبية‭.. ‬تركت‭ ‬فيما‭ ‬تركت‭ ‬3000‭ ‬ريال‭ ‬ماريا‭ ‬تيريزا‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬متداولا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬الأصلي‭ ‬النمسا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1914م‭ ‬وكان‭ ‬مستخدما‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬ومصر‭ ‬والسودان‭ ‬حتى‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وملايين‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬عملة‭ ‬يمنية‭ ‬سحبت‭ ‬من‭ ‬التداول‭ ‬قبل‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭.. ‬قال‭ ‬الوريثان‭ ‬ان‭ ‬قريبتهما‭ ‬المليونيرة‭ ‬هذه‭ ‬تركت‭ ‬عشرات‭ ‬العقارات‭ ‬ومساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬محافظات‭ ‬اليمن‭.. ‬ولكنها‭ ‬عاشت‭ ‬عمرها‭ ‬كله‭ ‬وهي‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬وبؤس‭ ‬الحال‭.. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬أسرة‭ ‬حميد‭ ‬الدين‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬المليونير‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬ألف‭ ‬ريال‭ ‬كانت‭ ‬الراحلة‭ ‬تملك‭ ‬الملايين،‭ ‬لكنها‭ ‬غفر‭ ‬الله‭ ‬لها‭ ‬ولنا‭ ‬كانت‭ ‬مزلوعة‭.. ‬همها‭ ‬جمع‭ ‬وتخزين‭ ‬المال‭! ‬لماذا؟‭ ‬كلك‭ ‬نظر‭.. ‬فهناك‭ ‬أناس‭ ‬ابتلاهم‭ ‬الله‭ ‬بحب‭ ‬التكويش،‭ ‬وكلما‭ ‬كوشوا‭ ‬ثروة‭ ‬ازدادوا‭ ‬زلعة‭.. ‬لا‭ ‬يتسنى‭ ‬لهم‭ ‬قط‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بما‭ ‬عندهم،‭ ‬فيكتب‭ ‬الله‭ ‬لأبناء‭ ‬عمومة‭ ‬يعرفون‭ ‬قيمة‭ ‬المال‭ ‬واستخداماته‭ ‬ان‭ ‬‮«‬يأكلوها‭ ‬والعة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬ممن‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬‮«‬قام‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬ولقي‭ ‬الكوم‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا