زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الزلعة التي هي ...
يكون الانسان غنيا حقا إذا كان مزاجه وعقله غنيا، أي ممتلئا عافية وأملا، وحبا للأهل وعموم الناس، ويسعد ويستمتع بما عنده. ويكون فقيرا برغم الملايين لأنه لا يحمد الله، ويظل يجاهد ليل نهار لزيادة ثروته، ولمثل هذا يقال إنه لن يملأ عينه سوى التراب، وبالتالي لن يعرف للثراء طعما سوى الاستمتاع بـ«الأرقام» والأرصدة على الورق. وبداهة فإنني أتعاطف مع ذلك الذي يشيل هم مصاريف دراسة العيال والنفقات المترتبة على انبعاج كرش الزوجة: ومن يدري فقد تكون كرشها الممتدة أمامها لمتر ونصف المتر تحوي توأما! ومن أين لي ان أقطع الشك باليقين وليس لدي المال اللازم لتصوير كرشها بالموجات الصوتية (التي صار حتى الأطباء يسمونها تلفزيون).. نعم هناك درجة من الفقر يتعذر معها الشعور بالطمأنينة التامة إزاء متطلبات الحياة.. والفقر مذلة وبهدلة، بل لا بد أنه وخلال الشهر رمضان الفضيل من كل عام تكون هناك ملايين الأسر التي لا تعرف مع مطلع كل شمس ما إذا كان ممكنا توفير طبق من الفول والبصل للإفطار، بينما هناك عائلات تتعامل مع إفطار رمضان بطريقة ما يطلبه المستمعون: كل فرد في الأسرة يطلب طبقا معينا او أكثر (وقد يكتفي معظمهم عند الإفطار بحبة تمر وكوب عصير وتذهب الأطعمة المشتهاة الى القطط الضالة).. أما الذين لا أتعاطف معهم فهم من نسميهم في العامية السودانية بالمزلوعين (نقول في السودان إن فلانا عنده زلعة)، ونعني بها حالة الهلع والنهم والقلق تجاه كل ما هو مادي، سواء كان طعاما او لباسا او مواد تزين، وأسوأ المزلوعين هو من يملك من المال ما هو أكثر مما يتطلبه ستر الحال والاستغناء عن السؤال، ومع هذا يتصرف كمحتاج ولا يقول «الحمد لله» أبدا.
مرة أخرى أُكرر أنني لا اعتبر الثراء رهنا بامتلاك الملايين، وأقول إنني ولدت ثريا وعشت معظم سنوات عمري ثريا رغم أن بعض الوجبات التي كنت اتناولها في طفولتي يعافها الدجاج في أيامنا هذه. وفي حالي الراهن فكل حيلتي في الدنيا راتبي الشهري، ولكنه ولله الحمد يكفيني، بل أستطيع تقديم يد العون لأفراد أسرتي الممتدة الذين حبا الله بعضهم بشهية جهنمية فكلما أعطيتهم صاحوا: هل من مزيد؟ (هذا ليس من باب المنّ، لأنني أقوله في وجوههم، ويتقبلونه ضاحكين لأنهم يعرفون انه يصدر عن قلب محب لهم)
ما فتح موال الغنى والقناعة مجددا، هو حكاية السيدة اليمنية التي نقلتها وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ).. ماتت بعد ان تجاوزت العقد الثامن وورث اثنان من ابناء عمومتها ملايينها (ربما لم يكن لديها من هذين أقرب اليها بالدم). ومن بينها آلاف القطع الذهبية.. تركت فيما تركت 3000 ريال ماريا تيريزا الذي لم يعد متداولا حتى في بلده الأصلي النمسا منذ عام 1914م وكان مستخدما في الجزيرة العربية ومصر والسودان حتى خمسينيات القرن الماضي، وملايين أخرى من عملة يمنية سحبت من التداول قبل خمسين سنة.. قال الوريثان ان قريبتهما المليونيرة هذه تركت عشرات العقارات ومساحات شاسعة من الأراضي في مختلف محافظات اليمن.. ولكنها عاشت عمرها كله وهي تشكو من الفقر وبؤس الحال.. حتى في ظل حكم أسرة حميد الدين حيث كان المليونير هو من يملك ألف ريال كانت الراحلة تملك الملايين، لكنها –غفر الله لها ولنا– كانت مزلوعة.. همها جمع وتخزين المال! لماذا؟ كلك نظر.. فهناك أناس ابتلاهم الله بحب التكويش، وكلما كوشوا ثروة ازدادوا زلعة.. لا يتسنى لهم قط الاستمتاع بما عندهم، فيكتب الله لأبناء عمومة يعرفون قيمة المال واستخداماته ان «يأكلوها والعة»، أي أنهم ممن يقال عن الواحد منهم «قام من النوم ولقي الكوم».

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك