العدد : ١٧٣٢٠ - الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٢٠ - الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

مقالات

دعونا لا نتنازل عن خصوصيتنا وإنسانيتنا

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

بدأت‭ ‬يومي‭ ‬بحديث‭ ‬شيّق‭ ‬مع‭ ‬شقيقتي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعودني‭ ‬في‭ ‬مرضي‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬قليلاً،‭ ‬حيث‭ ‬استذكرت‭ ‬مقولة‭ (‬غير‭ ‬معلومة‭ ‬المصدر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬اليقين‭) ‬قرأتها‭ ‬كثيراً‭ ‬ولكني‭ ‬لم‭ ‬أدُر‭ ‬لها‭ ‬بالاً‭ ‬لأنني‭ ‬أمارسها‭ ‬أصلاً‭ ‬باعتبارها‭ ‬ثقافة‭ ‬واسلوب‭ ‬حياة،‭ ‬والمقولة‭ ‬كانت‭: (‬لا‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬اموالك‭ ‬امام‭ ‬فقير‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬صحتك‭ ‬امام‭ ‬عليل‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬قوتك‭ ‬امام‭ ‬ضعيف‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬سعادتك‭ ‬امام‭ ‬تعيس‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬حريتك‭ ‬امام‭ ‬سجين‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬اولادك‭ ‬امام‭ ‬عقيم‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬والدك‭ ‬امام‭ ‬يتيم،‭ ‬لا‭ ‬ترقص‭ ‬على‭ ‬جراح‭ ‬الآخرين‭ ‬لأن‭ ‬جراحهم‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬المزيد‭).‬

وهذه‭ ‬المقولة‭ ‬قد‭ ‬تناولت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الانسان،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بتوظيفها‭ ‬كان‭ ‬ينصب‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬جانبين‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬مراعاة‭ ‬مشاعر‭ ‬الآخرين،‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬العين‭ ‬والحسد،‭ ‬فيما‭ ‬أنني‭ ‬أرى‭ ‬جانباً‭ ‬مهماً‭ ‬لم‭ ‬يلتفت‭ ‬اليه‭ ‬الآخرون‭ ‬وهو‭ ‬حق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬الخصوصية،‭ ‬أو‭ ‬حرمة‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬كفلتها‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬والقوانين‭ ‬الوطنية‭.‬

فالحق‭ ‬في‭ ‬حرمة‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬خصوصية‭ ‬وحرمة‭ ‬أسرته‭ ‬وجميع‭ ‬شؤونها‭ ‬وحرمة‭ ‬مسكنه‭ ‬ومكان‭ ‬عمله‭ ‬ومراسلاته‭ ‬ومكالماته‭ ‬الهاتفية‭ ‬وشرفه‭ ‬وسمعته،‭ ‬لذا‭ ‬جرّم‭ ‬الدستور‭ ‬والقانون‭ ‬دخول‭ ‬المنازل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إذن‭ ‬مالكها‭ ‬وعاقب‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ونظّم‭ ‬القانون‭ ‬آلية‭ ‬تفتيش‭ ‬المنازل‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الضرورة‭ ‬بضوابط‭ ‬معينة‭ ‬وأذونات‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬قضائية‭ ‬مختصة،‭ ‬كما‭ ‬حمى‭ ‬سمعة‭ ‬الأفراد‭ ‬وشرفهم،‭ ‬فجرّم‭ ‬فعل‭ ‬السبّ‭ ‬والقذف‭ ‬وأي‭ ‬سلوك‭ ‬قد‭ ‬يتنقص‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الانسان‭ ‬وشرفه‭ ‬ويجعله‭ ‬محط‭ ‬ازدراء‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬المصلحة‭ ‬المراد‭ ‬حمايتها‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬مصلحة‭ ‬الأفراد‭ ‬الخاصة،‭ ‬لذا‭ ‬يجوز‭ ‬لهم‭ ‬التمسك‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬التنازل‭ ‬عنها‭ ‬بفضح‭ ‬خصوصيتهم‭ ‬كما‭ ‬يشاؤون،‭ ‬ولكن‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يخالف‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬والآداب‭ ‬ولا‭ ‬يمس‭ ‬حقوق‭ ‬وحريات‭ ‬الغير‭.‬

وهنا‭ ‬تلعب‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬وتشجيع‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬فضح‭ ‬خصوصيتهم‭ ‬من‭ ‬مسكن‭ ‬ومأكل‭ ‬ومن‭ ‬خطط‭ ‬وبرامج‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬وخارجه،‭ ‬ولا‭ ‬أبرّء‭ ‬نفسي‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬النفس‭ ‬أمارة‭ ‬بالسوء،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬النشر‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بقضاء‭ ‬أوقات‭ ‬خاصة‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الخصوصية‭.‬

فقد‭ ‬كانت‭ ‬للمنازل‭ ‬خصوصية‭ ‬ولا‭ ‬يعلم‭ ‬بتفاصيلها‭ ‬إلا‭ ‬أهلها‭ ‬ومن‭ ‬يزورهم‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الأجزاء‭ ‬المسموح‭ ‬لهم‭ ‬بالتنقل‭ ‬فيها‭ ‬ووفق‭ ‬ضوابط‭ ‬عاداتنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬المستقاة‭ ‬أصلاً‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬حرمة‭ ‬المساكن‭ ‬وقيّد‭ ‬حتى‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬موجوداتها،‭ ‬وما‭ ‬عادت‭ ‬هذه‭ ‬الخصوصية‭ ‬موجودة‭ ‬عند‭ ‬الكثير‭ ‬لأن‭ ‬أصحابها‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يصورها‭ ‬وينشرها‭ ‬للآخرين‭.‬

وسأختم‭ ‬بهذه‭ ‬التساؤلات‭: ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬قد‭ ‬يوصلنا‭ ‬ذلك؟‭ ‬وما‭ ‬الفائدة‭ ‬الحقيقة‭ ‬منه؟‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬علمنا‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬تفصيلة‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬أجهزتنا‭ ‬الالكترونية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬ملتصقة‭ ‬بنا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬التصاقنا‭ ‬بأحبتنا‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬نفارقهم‭ ‬يوماً‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬لقاء،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نقتنص‭ ‬اللحظات‭ ‬ونصنع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭ ‬معهم‭ ‬ما‭ ‬استطعنا،‭ ‬فما‭ ‬أتعسنا‭ ‬حينما‭ ‬استبدلنا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬نابض‭ ‬بالحياة‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬مهمة‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬رصد‭ ‬بياناتنا‭ ‬وحفظها‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬توظيفها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا