القراء الأعزاء،
بدأت يومي بحديث شيّق مع شقيقتي التي كانت تعودني في مرضي الذي طال قليلاً، حيث استذكرت مقولة (غير معلومة المصدر على وجه اليقين) قرأتها كثيراً ولكني لم أدُر لها بالاً لأنني أمارسها أصلاً باعتبارها ثقافة واسلوب حياة، والمقولة كانت: (لا تتحدث عن اموالك امام فقير ولا عن صحتك امام عليل ولا عن قوتك امام ضعيف ولا عن سعادتك امام تعيس ولا عن حريتك امام سجين ولا عن اولادك امام عقيم ولا عن والدك امام يتيم، لا ترقص على جراح الآخرين لأن جراحهم لا تحتمل المزيد).
وهذه المقولة قد تناولت أكثر من جانب مهم في حياة الانسان، على الرغم من أن تركيز الذين يقومون بتوظيفها كان ينصب دائماً على جانبين الأول هو مراعاة مشاعر الآخرين، والثاني هو الخوف من العين والحسد، فيما أنني أرى جانباً مهماً لم يلتفت اليه الآخرون وهو حق الانسان في الخصوصية، أو حرمة الحياة الخاصة التي كفلتها المواثيق الدولية والقوانين الوطنية.
فالحق في حرمة الحياة الخاصة ينطوي على حق الانسان في خصوصية وحرمة أسرته وجميع شؤونها وحرمة مسكنه ومكان عمله ومراسلاته ومكالماته الهاتفية وشرفه وسمعته، لذا جرّم الدستور والقانون دخول المنازل من دون إذن مالكها وعاقب على ذلك، ونظّم القانون آلية تفتيش المنازل في حالات الضرورة بضوابط معينة وأذونات خاصة من جهات قضائية مختصة، كما حمى سمعة الأفراد وشرفهم، فجرّم فعل السبّ والقذف وأي سلوك قد يتنقص من قيمة الانسان وشرفه ويجعله محط ازدراء من المجتمع.
ومن المؤكد أن المصلحة المراد حمايتها هنا هي مصلحة الأفراد الخاصة، لذا يجوز لهم التمسك بها أو التنازل عنها بفضح خصوصيتهم كما يشاؤون، ولكن بما لا يخالف النظام العام والآداب ولا يمس حقوق وحريات الغير.
وهنا تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما في مساعدة وتشجيع الأفراد على فضح خصوصيتهم من مسكن ومأكل ومن خطط وبرامج داخل الوطن وخارجه، ولا أبرّء نفسي كثيرا من ذلك فإن النفس أمارة بالسوء، حيث أصبح النشر جزءا من عملية الاستمتاع بقضاء أوقات خاصة كان من المفترض أن تندرج ضمن الحق في الخصوصية.
فقد كانت للمنازل خصوصية ولا يعلم بتفاصيلها إلا أهلها ومن يزورهم في حدود الأجزاء المسموح لهم بالتنقل فيها ووفق ضوابط عاداتنا وتقاليدنا المستقاة أصلاً من الدين الإسلامي الذي حرص على حرمة المساكن وقيّد حتى النظر إلى موجوداتها، وما عادت هذه الخصوصية موجودة عند الكثير لأن أصحابها هم من يصورها وينشرها للآخرين.
وسأختم بهذه التساؤلات: إلى أين قد يوصلنا ذلك؟ وما الفائدة الحقيقة منه؟ ولا سيما مع علمنا بأن كل تفصيلة صغيرة على أجهزتنا الالكترونية التي أصبحت ملتصقة بنا أكثر من التصاقنا بأحبتنا الذين قد نفارقهم يوماً إلى غير لقاء، وعلينا أن نقتنص اللحظات ونصنع الكثير من الذكريات معهم ما استطعنا، فما أتعسنا حينما استبدلنا ما هو نابض بالحياة بما لا حياة فيه ولا مهمة له سوى رصد بياناتنا وحفظها إلى وقت توظيفها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك