العدد : ١٧٣٢٠ - الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٢٠ - الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

من ملامح الحضارة الإسلامية!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

لقد‭ ‬مَرَدَ‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬بـ‮«‬الغزو‭ ‬الاستعماري‮»‬،‭ ‬والزعم‭ ‬الكاذب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬قد‭ ‬انتشر‭ ‬بحد‭ ‬السيف،‭ ‬وليس‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بالحكمة‭ ‬والموعظة‭ ‬الحسنة،‭ ‬بل‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن،‭ ‬وواقع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬فتحها‭ ‬المسلمون‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬بقي‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬سلطانه‭ ‬قد‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬ووجود‭ ‬النصارى‭ ‬واليهود‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬القوميات‭ ‬الأخرى‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬سماحته،‭ ‬يقول‭ ‬المستشرق‭ ‬الفرنسي‭ ‬مارسيل‭ ‬بوزار‭ ‬عن‭ ‬أحوال‭ ‬الأقليات‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭: ‬لقد‭ ‬أظهرت‭ ‬الرسالة‭ ‬القرآنية‭ ‬وتعاليم‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬أنها‭ ‬تقدمية‭ ‬بشكل‭ ‬جوهري‭ ‬وتفسر‭ ‬هذه‭ ‬الخصائص‭ ‬انتشار‭ ‬الإسلام‭ ‬السريع‭ ‬بصورة‭ ‬خارقة‭ ‬خلال‭ ‬القرون‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬تاريخه‭. (‬إنسانية‭ ‬الإسلام‭ / ‬ص‭ ‬74‭ / ‬نقلًا‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭: ‬قالوا‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ / ‬د‭. ‬عماد‭ ‬الدين‭ ‬خليل‭ / ‬ص‭ ‬273‭).‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬غزوًا‭ ‬استعمارًا،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تحريرًا‭ ‬لإرادة‭ ‬هذه‭ ‬الشعوبً‭ ‬من‭ ‬طغيان‭ ‬الدول‭ ‬المستعمرة،‭ ‬ثم‭ ‬منحها‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬يحبون،‭ ‬يقول‭ ‬المؤرخ‭ ‬البريطاني‭ ‬أرنولد‭ ‬توينبي‭: ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الميلادي‭: ‬حرر‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬إغريقية‭ ‬رومانية‭ ‬مسيحية‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬شرقًا‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا‭ ‬غربًا‭ ‬عبر‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬يوناني‭ ‬أو‭ ‬روماني‭ ‬مدة‭ ‬ألف‭ ‬عام‭ ‬تقريبًا‭. (‬قالوا‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ / ‬د‭. ‬عماد‭ ‬الدين‭ ‬خليل‭ / ‬ص‭ ‬227‭).‬

ومن‭ ‬الملامح‭ ‬الحضارية‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬ليعلنها‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬تحرير‭ ‬الشعوب‭ ‬ومنحها‭ ‬حرية‭ ‬الإرادة‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬يريدون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إكراه‭ ‬أو‭ ‬قهر،‭ ‬يقول‭ ‬المؤرخ‭ ‬البريطاني‭ ‬أرنولد‭ ‬توينبي‭:.. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬القتل،‭ ‬ولكن‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والحرية،‭ ‬وتلك‭ ‬سياسة‭ ‬مستنيرة‭ ‬أجمعت‭ ‬الآراء‭ ‬على‭ ‬امتداحها‭. (‬المرجع‭ ‬السابق‭ / ‬ص‭ ‬278‭).‬

ومن‭ ‬المظاهر‭ ‬الحضارية‭ ‬أيضًا‭ ‬التي‭ ‬اتسم‭ ‬بها‭ ‬عصر‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬المستشرق‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيتان‭ ‬دينيه‭ ‬في‭ ‬شهادته‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬إن‭ ‬الإسلام‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬تماسك‭ ‬بنائه،‭ ‬ومن‭ ‬حرارة‭ ‬إيمان‭ ‬أهله،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يبهر‭ ‬العالم‭ ‬بوثبته‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬سجلات‭ ‬التاريخ‭ ‬مثيلًا،‭ ‬ففي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬ورغم‭ ‬قلة‭ ‬عددهم‭ ‬استطاع‭ ‬العرب‭ ‬الأمجاد‭ ‬وقد‭ ‬اندفعوا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخهم‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬جزيرتهم‭.. ‬أن‭ ‬يستولوا‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬المتحضر‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬إلى‭ ‬الأندلس‭. (‬قالوا‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ / ‬د‭. ‬عماد‭ ‬الدين‭ ‬خليل‭ / ‬ص‭ ‬284‭).‬

ويؤكد‭ ‬المؤرخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬ويل‭ ‬ديورانت‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬قصة‭ ‬الحضارة‮»‬‭ ‬أعظم‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬عنها‭ ‬ديورانت‭: ‬إن‭ ‬حادث‭ (‬الفتوحات‭) ‬الجلل‭ ‬الذي‭ ‬تمخضت‭ ‬عنه‭ ‬جزيرة‭ ‬العرب،‭ ‬والذي‭ ‬أعقبه‭ ‬استلاؤها‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬عالم‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬ونشر‭ ‬دينهم‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬ربوعه‭ ‬لهو‭ ‬أعجب‭ ‬الظواهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭. (‬المرجع‭ ‬السابق‭ ‬نقلًا‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭: ‬قصة‭ ‬الحضارة‭) ‬ومن‭ ‬الشهادات‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرون‭ ‬الغربيون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬لإجبار‭ ‬أهل‭ ‬البلاد‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬يقول‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الفرنسي‭ ‬إميل‭ ‬دوركايم‭ ‬دفعًا‭ ‬لهذه‭ ‬الشبهة‭ ‬أو‭ ‬التهمة‭: ‬لم‭ ‬يشرع‭ ‬الجهاد‭ ‬لهداية‭ ‬الناس‭ ‬بالسيف،‭ ‬ففي‭ ‬القرآن‭ ‬‮«‬لا‭ ‬إكراه‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬قد‭ ‬تبين‭ ‬الرشد‭ ‬من‭ ‬الغي‮»‬‭ ‬والقرآن‭ ‬يأمر‭ ‬المسلمين‭ ‬بالاعتدال‭ ‬وألا‭ ‬يبدأوا‭ ‬بالاعتداء‭ ‬‮…‬‭ / ‬قالوا‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ / ‬د‭. ‬عماد‭ ‬الدين‭ ‬خليل‭ / ‬ص‭ ‬281‭.‬

أما‭ ‬المستشرق‭ ‬الفرنسي‭ ‬هنري‭ ‬دي‭ ‬كاستري،‭ ‬فيقول‭: ‬إن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬لم‭ ‬ينتشر‭ ‬بالعنف‭ ‬والقوة‭ ‬بل‭ ‬الأقرب‭ ‬للصواب‭ ‬أن‭ ‬يقال‭: ‬إن‭ ‬كثرة‭ ‬مسالمة‭ ‬المسلمين‭ ‬ولين‭ ‬جانبهم‭ ‬كان‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬سقوط‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭. (‬المرجع‭ ‬السابق‭ / ‬ص‭ ‬283‭) ‬أي‭ ‬أن‭ ‬مبالغة‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬المعاملة‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬سقوط‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬المسلمين‭. ‬وخير‭ ‬للمسلمين‭ ‬أن‭ ‬يتهموا‭ ‬بالمبالغة‭ ‬في‭ ‬المعاملة‭ ‬الحسنة‭ ‬خير‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتهموا‭ ‬بعنف‭ ‬المعاملة‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أعناقًا،‭ ‬بل‭ ‬يريد‭ ‬قلوبًا‭ ‬خاشعة‭ ‬ونفوسًا‭ ‬مطمئنة‭.. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬الإسلام‭ ‬ويسعى‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬مبادئه‭ ‬وقيمه،‭ ‬فرسول‭ ‬الإسلام‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬إنما‭ ‬بعث‭ ‬لإتمام‭ ‬مكارم‭ ‬الأخلاق،‭ ‬ومحاسن‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال‭ ‬والأحوال،‭ ‬بهذا‭ ‬تتحقق‭ ‬عظمة‭ ‬الإسلام،‭ ‬ويعلو‭ ‬شأنه،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أرسل‭ ‬رسوله‭ ‬بالهدى‭ ‬ودين‭ ‬الحق‭ ‬ليظهره‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬كله‭ ‬ولو‭ ‬كره‭ ‬المشركون‮»‬‭. (‬التوبة‭/‬33‭).‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا