لقد مَرَدَ بعض المثقفين العرب على وصف الفتوحات الإسلامية بـ«الغزو الاستعماري»، والزعم الكاذب في أن الإسلام قد انتشر بحد السيف، وليس بالدعوة إلى سبيل الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، بل بالتي هي أحسن، وواقع الدول التي فتحها المسلمون يدل على ذلك، فقد بقي الإسلام في هذه الدول رغم أن سلطانه قد غاب عن هذه الدول، ووجود النصارى واليهود وغيرهم من القوميات الأخرى دليل على سماحته، يقول المستشرق الفرنسي مارسيل بوزار عن أحوال الأقليات في دولة الإسلام: لقد أظهرت الرسالة القرآنية وتعاليم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أنها تقدمية بشكل جوهري وتفسر هذه الخصائص انتشار الإسلام السريع بصورة خارقة خلال القرون الأولى من تاريخه. (إنسانية الإسلام / ص 74 / نقلًا عن كتاب: قالوا عن الإسلام / د. عماد الدين خليل / ص 273).
لم تكن الفتوحات الإسلامية غزوًا استعمارًا، بل كانت تحريرًا لإرادة هذه الشعوبً من طغيان الدول المستعمرة، ثم منحها الحرية في اختيار الدين الذي يحبون، يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي: في القرن السابع الميلادي: حرر العرب والمسلمون سلسلة من الدول الشرقية من سطوة إغريقية رومانية مسيحية من سوريا شرقًا إلى إسبانيا غربًا عبر شمال إفريقيا، وكانت هذه الدول تحت حكم يوناني أو روماني مدة ألف عام تقريبًا. (قالوا عن الإسلام / د. عماد الدين خليل / ص 227).
ومن الملامح الحضارية التي جاء الإسلام ليعلنها بين الناس تحرير الشعوب ومنحها حرية الإرادة في اختيار الدين الذي يريدون من دون إكراه أو قهر، يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي:.. لم يكن الاختيار بين الإسلام أو القتل، ولكن بين الإسلام والحرية، وتلك سياسة مستنيرة أجمعت الآراء على امتداحها. (المرجع السابق / ص 278).
ومن المظاهر الحضارية أيضًا التي اتسم بها عصر الدولة الإسلامية ما أكده المستشرق الفرنسي إيتان دينيه في شهادته عندما قال: إن الإسلام بلغ من تماسك بنائه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلًا، ففي أقل من مائة عام ورغم قلة عددهم استطاع العرب الأمجاد وقد اندفعوا لأول مرة في تاريخهم خارج حدود جزيرتهم.. أن يستولوا على أغلب بقاع العالم المتحضر القديم من الهند إلى الأندلس. (قالوا عن الإسلام / د. عماد الدين خليل / ص 284).
ويؤكد المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت صاحب كتاب «قصة الحضارة» أعظم الظواهر الاجتماعية، التي يقول عنها ديورانت: إن حادث (الفتوحات) الجلل الذي تمخضت عنه جزيرة العرب، والذي أعقبه استلاؤها على نصف عالم البحر المتوسط ونشر دينهم الجديد في ربوعه لهو أعجب الظواهر الاجتماعية في العصور الوسطى. (المرجع السابق نقلًا عن كتاب: قصة الحضارة) ومن الشهادات التي يقدمها العلماء والمفكرون الغربيون على أن الفتوحات الإسلامية لم تكن في يوم من الأيام لإجبار أهل البلاد المفتوحة على الدخول في الإسلام، يقول عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم دفعًا لهذه الشبهة أو التهمة: لم يشرع الجهاد لهداية الناس بالسيف، ففي القرآن «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» والقرآن يأمر المسلمين بالاعتدال وألا يبدأوا بالاعتداء … / قالوا عن الإسلام / د. عماد الدين خليل / ص 281.
أما المستشرق الفرنسي هنري دي كاستري، فيقول: إن الدين الإسلامي لم ينتشر بالعنف والقوة بل الأقرب للصواب أن يقال: إن كثرة مسالمة المسلمين ولين جانبهم كان سببًا في سقوط المملكة العربية في الأندلس. (المرجع السابق / ص 283) أي أن مبالغة المسلمين في حسن المعاملة كانت وراء سقوط بعض الدول التي كانت تحت سلطة المسلمين. وخير للمسلمين أن يتهموا بالمبالغة في المعاملة الحسنة خير لهم من أن يتهموا بعنف المعاملة لأن الله تعالى لا يريد أعناقًا، بل يريد قلوبًا خاشعة ونفوسًا مطمئنة.. هذا ما يريده الإسلام ويسعى إلى نشر مبادئه وقيمه، فرسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم)، إنما بعث لإتمام مكارم الأخلاق، ومحاسن الأقوال والأفعال والأحوال، بهذا تتحقق عظمة الإسلام، ويعلو شأنه، قال تعالى: «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون». (التوبة/33).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك