العدد : ١٧٣١٥ - الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٥ - الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

اعتقال المتظاهرين في لندن: إجراء قانوني أم تقييد للحريات؟

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

شهدت‭ ‬العاصمة‭ ‬البريطانية‭ ‬لندن،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬تصاعد‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المؤيدة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬داخل‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬حملة‭ ‬اعتقالات‭ ‬طالت‭ ‬مئات‭ ‬المتظاهرين‭ ‬السلميين،‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬نقاشًا‭ ‬واسعًا‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الحقوقية‭ ‬والسياسية‭ ‬حول‭ ‬توازن‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬بين‭ ‬حفظ‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬وضمان‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.‬

ورغم‭ ‬التأكيدات‭ ‬الرسمية‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬ومبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فإن‭ ‬تعامل‭ ‬السلطات‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التظاهرات‭ ‬يسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬تعقيدات‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬البريطاني،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمواقف‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومدى‭ ‬انسجام‭ ‬السياسات‭ ‬الحكومية‭ ‬مع‭ ‬آراء‭ ‬أغلبية‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬البريطاني‭.‬

فقد‭ ‬صعّدت‭ ‬حكومة‭ ‬السير‭ ‬كير‭ ‬ستارمر،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬من‭ ‬نبرة‭ ‬إدانتها‭ ‬لتصرفات‭ ‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وإنْ‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬متأخرًا،‭ ‬متعهدةً‭ ‬بالاعتراف‭ ‬المشروط‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬خلال‭ ‬اجتماع‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المقبل‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أكد‭ ‬كريس‭ ‬دويل،‭ ‬مدير‭ ‬مجلس‭ ‬التفاهم‭ ‬العربي‭ ‬البريطاني،‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬المملكة‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬‮«‬على‭ ‬خلاف‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ومع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‮»‬‭.‬

وتتجلى‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬وزيرة‭ ‬الداخلية‭ ‬البريطانية،‭ ‬إيفيت‭ ‬كوبر،‭ ‬بتصنيف‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬أكشن‮»‬‭ ‬المؤيدة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كمنظمة‭ ‬إرهابية،‭ ‬وحظر‭ ‬عضويتها،‭ ‬وتجريم‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬علني‭ ‬لها،‭ ‬مع‭ ‬فرض‭ ‬تهديدات‭ ‬بالسجن‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭ ‬وغرامات‭ ‬باهظة‭. ‬وقد‭ ‬لاقت‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬إدانة‭ ‬واسعة،‭ ‬ووصفت‭ ‬بأنها‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬للصلاحيات‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬وتقييد‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬البلاد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬مفوض‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬السامي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

وقد‭ ‬أدت‭ ‬المظاهرات‭ ‬الحاشدة‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬بعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬رفضًا‭ ‬لقرار‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬اعتقال‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭ ‬السلميين‭. ‬ففي‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬أغسطس،‭ ‬شهد‭ ‬وسط‭ ‬لندن‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬هذه‭ ‬المسيرات،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬الشرطة‭ ‬باعتقال‭ ‬532‭ ‬شخصًا،‭ ‬وأشارت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الغارديان‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معظمهم‭ ‬كانوا‭ ‬يرفعون‭ ‬لافتات‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬دعمهم‭ ‬لفلسطين‭.‬

ووصفت‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية،‭ ‬مثل‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬ومجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬مشاهد‭ ‬اعتقال‭ ‬المتظاهرين‭ ‬‭ ‬الذين‭ ‬تجاوز‭ ‬نصفهم‭ ‬تقريبًا‭ ‬سن‭ ‬الستين‭ ‬‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬مقلقة‭ ‬للغاية‮»‬‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬سماح‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬البريطانية‭ ‬لجماعة‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬أكشن‮»‬‭ ‬بالطعن‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬حظرها،‭ ‬فإن‭ ‬استهداف‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬لهذه‭ ‬الجماعة‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬سيتوقف،‭ ‬حيث‭ ‬وُجّهت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬تُهم‭ ‬بالإرهاب‭ ‬إلى‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬أعضائها‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬الإرهاب‭ ‬لعام‭ ‬2000‭. ‬وردّت‭ ‬كوبر‭ ‬على‭ ‬الانتقادات‭ ‬قائلة‭ ‬إن‭ ‬المتظاهرين‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬طبيعة‭ ‬الجماعة‭ ‬الحقيقية‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات،‭ ‬يُذكر‭ ‬أن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬البريطاني‭ ‬يُظهر‭ ‬دعمًا‭ ‬واضحًا‭ ‬لاحترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الحملة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬العدوانية‭ ‬الإجرامية‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬23‭ ‬شهرًا‭. ‬ووفقًا‭ ‬لاستطلاع‭ ‬رأي‭ ‬أجرته‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬يوجوف‮»‬،‭ ‬أعرب‭ ‬37%‭ ‬من‭ ‬البريطانيين‭ ‬عن‭ ‬تعاطفهم‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬مقابل‭ ‬15%‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬و17%‭ ‬تعاطفوا‭ ‬مع‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬واعتبر‭ ‬51%‭ ‬من‭ ‬المستطلَعين‭ ‬أن‭ ‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬غير‭ ‬مبررة‭ ‬إطلاقًا‭.‬

وبيّن‭ ‬الاستطلاع‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬41%‭ ‬من‭ ‬البريطانيين‭ ‬يؤيدون‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ14%‭ ‬يعارضون‭ ‬ذلك،‭ ‬فيما‭ ‬أيّد‭ ‬57%‭ ‬تعليق‭ ‬صادرات‭ ‬الأسلحة‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬و48%‭ ‬دعموا‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬تجاري‭ ‬عليها‭. ‬

وعند‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬البريطاني‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬أوروبي‭ ‬أوسع،‭ ‬تُظهر‭ ‬نتائج‭ ‬استطلاع‭ ‬‮«‬يوجوف‮»‬‭ ‬تراجعًا‭ ‬حادًا‭ ‬في‭ ‬التأييد‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بنسبة‭ ‬46%‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬البريطانيين،‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬التراجع‭ -‬54%‭ ‬في‭ ‬الدنمارك،‭ -‬53%‭ ‬في‭ ‬إسبانيا،‭ -‬52%‭ ‬في‭ ‬إيطاليا،‭ -‬48%‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬و‭-‬44%‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭.‬

رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬سلكت‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬نهجًا‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬مواقف‭ ‬شعوبها‭. ‬فبينما‭ ‬التزمت‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر‭ ‬بموقف‭ ‬مشابه‭ ‬للرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬ماكرون‭ ‬بدعم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬رفضت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬تحذو‭ ‬حذو‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬تعليق‭ ‬صادرات‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭. ‬ورغم‭ ‬فرض‭ ‬تعليق‭ ‬جزئي‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تصدير‭ ‬معدات‭ ‬عسكرية‭ ‬بقيمة‭ ‬تفوق‭ ‬127‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬إسترليني‭ ‬بين‭ ‬أكتوبر‭ ‬وديسمبر‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬العام،‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تم‭ ‬تصديره‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2020‭ ‬و2023‭ ‬مجتمعة،‭ ‬وفقا‭ ‬لما‭ ‬كشفت‭ ‬عنه‭ ‬‮«‬حملة‭ ‬مناهضة‭ ‬تجارة‭ ‬الأسلحة‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬أروقة‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الانتقادات‭ ‬الداخلية‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬تراجعت‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬أرسلها‭ ‬مئات‭ ‬موظفي‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬إلى‭ ‬الوزير‭ ‬ديفيد‭ ‬لامي،‭ ‬يعبرون‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬مخاوفهم‭ ‬الجدية‭ ‬تجاه‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للمملكة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭ ‬لهم‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الاستقالة‭ ‬هي‭ ‬خيارهم‭ ‬الأخير‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬مارك‭ ‬سميث‭ ‬إلى‭ ‬الاستقالة‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2024،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬جميع‭ ‬الشكاوى‭ ‬الداخلية‭ ‬تم‭ ‬تجاهلها‭ ‬بشكل‭ ‬تام‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريبًا‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬وزيرة‭ ‬الداخلية‭ ‬البريطانية‭ ‬اتهاماتها‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬أكشن‮»‬،‭ ‬زاعمة‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬تنشر‭ ‬الذعر‭ ‬بين‭ ‬الأبرياء‮»‬‭ ‬وتتسبب‭ ‬بأضرار‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬للأمن‭ ‬القومي،‭ ‬وهي‭ ‬مزاعم‭ ‬وصفتها‭ ‬هدى‭ ‬عموري،‭ ‬إحدى‭ ‬مؤسسي‭ ‬الجماعة،‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬كاذبة‭ ‬وتشهيرية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬استشهد‭ ‬صحفيا‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬،‭ ‬هارون‭ ‬صديق‭ ‬وروب‭ ‬إيفانز،‭ ‬بتقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬تحليل‭ ‬الإرهاب‭ ‬المشترك‭ ‬التابع‭ ‬لـجهاز‭ ‬الاستخبارات‭ ‬البريطاني‭ ‬‮«‬إم‭ ‬آي‭ ‬5‮»‬‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2025،‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬أنشطة‭ ‬الجماعة‭ ‬‭ ‬مثل‭ ‬كتابة‭ ‬الشعارات‭ ‬على‭ ‬الجدران،‭ ‬والتشويه‭ ‬البسيط،‭ ‬والسيطرة‭ ‬المؤقتة‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬تصنيفها‭ ‬كأعمال‭ ‬إرهابية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تقرر‭ ‬حظرها‭.‬

وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬تأكيد‭ ‬الحظر،‭ ‬ألقت‭ ‬الشرطة‭ ‬البريطانية‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬متظاهر‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬خرجت‭ ‬يوم‭ ‬19‭ ‬يوليو‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬ومانشستر‭ ‬وإدنبرة‭ ‬وبريستول‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬صعّدت‭ ‬السلطات‭ ‬حملتها‭ ‬ضد‭ ‬الدعم‭ ‬العلني‭ ‬للجماعة،‭ ‬حيث‭ ‬سجلت‭ ‬الشرطة‭ ‬522‭ ‬حالة‭ ‬اعتقال‭ ‬بدعوى‭ ‬‮«‬رفع‭ ‬لافتات‮»‬‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مظاهرة‭ ‬9‭ ‬أغسطس‭.‬

وأكدت‭ ‬تقارير‭ ‬صحفية‭ ‬أن‭ ‬شرطة‭ ‬لندن‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تأهب‭ ‬مسبق،‭ ‬واستعدت‭ ‬لشن‭ ‬أكبر‭ ‬حملة‭ ‬اعتقالات‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬نقل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬800‭ ‬سجين‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬سجون‭ ‬العاصمة‭ ‬ازدحامًا‭ ‬قبل‭ ‬انطلاق‭ ‬الاحتجاج‭. ‬وأشار‭ ‬الصحفي‭ ‬بن‭ ‬كوين‭ ‬من‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬نصف‭ ‬المعتقلين‭ ‬كانوا‭ ‬يبلغون‭ ‬60‭ ‬عامًا‭ ‬فأكثر،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬قرابة‭ ‬100‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬و15‭ ‬شخصًا‭ ‬تجاوزوا‭ ‬الثمانين‭.‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬المعتقلين،‭ ‬السير‭ ‬جوناثان‭ ‬بوريت،‭ ‬المستشار‭ ‬السابق‭ ‬للحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬الذي‭ ‬انتقد‭ ‬حظر‭ ‬الجماعة‭ ‬بشدة،‭ ‬واصفًا‭ ‬القرار‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬مثال‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬الحكومة‭ ‬لكافة‭ ‬سلطاتها‭ ‬لقمع‭ ‬الأصوات‭ ‬المعارضة،‭ ‬بينما‭ ‬تتجاهل‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬الجرائم‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬تُرتكب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬ساشا‭ ‬ديشموك،‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمنظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬أن‭ ‬المتظاهرين‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬البرلمان‭ ‬‮«‬لم‭ ‬يدعوا‭ ‬إلى‭ ‬العنف‮»‬،‭ ‬وأنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أبدًا‭ ‬معاملتهم‭ ‬كإرهابيين‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬سريان‭ ‬الحظر،‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬يخضع‭ ‬القرار‭ ‬لمراجعة‭ ‬قضائية‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬المقبل‭ ‬لتحديد‭ ‬مدى‭ ‬قانونيته‭. ‬وقد‭ ‬أقر‭ ‬مارتن‭ ‬تشامبرلين،‭ ‬قاضي‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬البريطانية،‭ ‬بأن‭ ‬قرار‭ ‬الحكومة‭ ‬قد‭ ‬يُلحق‭ ‬‮«‬ضررًا‭ ‬بالغًا‭ ‬بالمصلحة‭ ‬العامة‮»‬‭ ‬ويخلق‭ ‬‮«‬أثرًا‭ ‬مُخيفًا‮»‬‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬السياسي‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬اتهم‭ ‬الناشط‭ ‬والمحامي‭ ‬تيم‭ ‬كروسلاند،‭ ‬الذي‭ ‬أُلقي‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬خلال‭ ‬مظاهرة‭ ‬لندن،‭ ‬وزيرة‭ ‬الداخلية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬استثمار‭ ‬قرار‭ ‬الحظر‭ ‬سياسيًا‮»‬،‭ ‬وأنها‭ ‬‮«‬ستواصل‭ ‬ببساطة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬اعتقال‭ ‬المتظاهرين‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الاستطلاعات‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬دعمًا‭ ‬واسعًا‭ ‬لحقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬البريطاني،‭ ‬برزت‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬إمكانية‭ ‬تحرك‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬لمعارضة‭ ‬سياسة‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭. ‬وأشارت‭ ‬أليس‭ ‬أوزوالد،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬أكسفورد‭ ‬والمعتقلة‭ ‬ضمن‭ ‬المتظاهرين،‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬استياء‭ ‬داخل‭ ‬صفوف‭ ‬الشرطة،‭ ‬وحثت‭ ‬الضباط‭ ‬على‭ ‬مراسلة‭ ‬الوزيرة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬رفضهم‭ ‬للقرارات‭. ‬بدوره،‭ ‬توقع‭ ‬كروسلاند‭ ‬تنامي‭ ‬هذا‭ ‬الاستياء،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬‮«‬اضطرار‭ ‬الشرطة‭ ‬إلى‭ ‬اعتقال‭ ‬أشخاص‭ ‬يحملون‭ ‬لافتات‭ ‬تعارض‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬تعاني‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬من‭ ‬تخفيضات‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭.‬

كما‭ ‬قال‭ ‬ديشموك‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تجريم‭ ‬المتظاهرين‭ ‬السلميين‭ ‬الذين‭ ‬يطالبون‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬حازمة‭ ‬وعاجلة‭ ‬لوقف‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ووقف‭ ‬أي‭ ‬تواطؤ‭ ‬معها‮»‬‭. ‬فالتراجع‭ ‬الطفيف‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬السياسات‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬لا‭ ‬يُلغي‭ ‬التواطؤ‭ ‬الحكومي‭ ‬المستمر‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬مع‭ ‬انتهاكات‭ ‬إسرائيل‭ ‬وجرائمها،‭ ‬وتغاضي‭ ‬الحكومات‭ ‬البريطانية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬عن‭ ‬مسؤولية‭ ‬المملكة‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الكارثي‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬بدمار‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام‭.‬

وبينما‭ ‬يُنتظر‭ ‬البتّ‭ ‬في‭ ‬قانونية‭ ‬الحظر‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬أكشن‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬استماع‭ ‬قضائية‭ ‬مدتها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬نوفمبر،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬وقوات‭ ‬الشرطة‭ ‬ماضيتان‭ ‬في‭ ‬قمع‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم‭ ‬العلني‭ ‬للجماعة‭. ‬وكما‭ ‬حذرت‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عند‭ ‬فرض‭ ‬الحظر،‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬بالفعل‭ ‬حالات‭ ‬تهديد‭ ‬واعتقال‭ ‬لمتظاهرين‭ ‬سلميين‭ ‬بتهم‭ ‬تتعلق‭ ‬بالإرهاب‭ ‬لمجرد‭ ‬حمل‭ ‬لافتات‭ ‬كتب‭ ‬عليها‭ ‬شعارات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حرّروا‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬ترتكب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‮»‬‭. ‬لذلك،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬أن‭ ‬تدّعي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬أنها‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تعمل‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬قمع‭ ‬تعاطف‭ ‬مواطنيها‭ ‬مع‭ ‬قضيتهم‭ ‬العادلة‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تبقى‭ ‬الحاجة‭ ‬ملحّة‭ ‬أمام‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وبحرية‭ ‬التعبير‭ ‬وحق‭ ‬التظاهر،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬حين‭ ‬تتصل‭ ‬بقضايا‭ ‬سياسية‭ ‬عادلة‭ ‬تحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬واسع‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭. ‬فالحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬والنظام‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وضمان‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للمواطنين‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يشكّل‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬لأي‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا