كريستيان سمولز، المواطن الأمريكي الأسود، من القيادات العمالية البارزة، فهو الذي أنشأ اتحاد عمال شركة أمازون وقاد به حملة ناجحة ضد الشركة صنعت تاريخًا. وسمولز كان على متن السفينة «حنظلة» مع 20 ناشطًا آخرين من شتى أنحاء العالم ساعين للوصول إلى شواطئ غزة ومعهم بعض المواد الغذائية والطبية. ومثلهم مثل زملائهم في سفن سبقتهم، كانوا على متن «حنظلة» يدركون جيدا أنهم يخاطرون بحياتهم، لا بمجرد الاعتقال. ففي عام 2010، اقتحمت القوات الإسرائيلية سفينة سابقة وقتلت عشرة ناشطين كانوا على متنها، ولكن تضحيتهم كان هدفها نشر الوعي بالعالم والالتفاف حول الإعلام الغربي المتواطئ.
وسمولز كان الوحيد على متن السفينة من أصحاب البشرة السوداء، فنكلت به إسرائيل مثلما لم تنكل بزملائه، من الحبس الانفرادي والتجريد من الملابس، ثم ضربوه ضربا مبرحًا وسعوا لخنقه لمنعه من التنفس، تمامًا كما فعلت الشرطة الأمريكية بجورج فلويد الذي فجر قتله حركة «حياة السود مهمة».
والحقيقة أن قصة سمولز تنطوي على دلالات بالغة الأهمية، أولاها أنها فضحت أمام العالم عنصرية إسرائيل التي طالما سعت الآلة الدعائية لإخفائها، وهي عنصرية ليست جديدة ولا تمارس فقط ضد الفلسطينيين. فإسرائيل تمارسها ضد داكني البشرة حتى من اليهود. فالإثيوبيون الذين هاجروا إلى إسرائيل أُخضعوا لعمليات تصيبهم عمدا بالعقم، ويتعرضون للفصل العنصري والتمييز في السكن والرعاية الصحية وبالمدارس والتوظيف. وطالبو اللجوء من اليهود الأفارقة يتم إيداعهم السجون ومراكز الاعتقال.
وثاني تلك الدلالات المهمة كان ما أشرت إليه الأسبوع الماضي، من تضامن حركات اجتماعية ذات أهداف مغايرة مع حركة مناصرة فلسطين. وها هو اتحاد عمال أمازون ينخرط في مناصرة غزة. وسمولز من خلال اتحاده يقود حملة أخرى لإلغاء ما يسمى «بمشروع نيمبز» وهو عقد أبرمته أمازون مع الجيش الإسرائيلي يوفر بشكل مباشر أجهزة للتتبع والتنصت فضلا عن المعدات التي تُمكّن إسرائيل من الاستمرار في سياسات الأبارتايد وطرد الفلسطينيين من أرضهم.
أما ثالث تلك الدلالات، فهي أن «حنظلة» كان على متنها لأول مرة سبعة أمريكيين من خلفيات متباينة، لكن حين اعتقلت إسرائيل أولئك المواطنين الأمريكيين وقادتهم الى سجون غير آدمية، ران الصمت المطبق على السلطات الأمريكية. وفي حالة سمولز تحديدًا، كانت العنصرية الأمريكية هي العنوان. فلا الإدارة الأمريكية نطقت بحرف ولا سمعنا صوتا في الكونجرس، باستثناء سامر لي، عضو مجلس النواب التقدمية السوداء، والتي يعمل لوبي إسرائيل جاهدا بالمناسبة ومنذ فترة لهزيمَتِها في الانتخابات القادمة، مثلما فعل مع غيرها من مناصري غزة. ولم يكن مستغربا أن السفارة الأمريكية لم ترسل من يستقبل سمولز لحظة الإفراج عنه، إذ وجد نفسه وحيدا على شواطئ الأردن فساعده فلسطينيون للاتصال بمنظمي «حنظلة»!
لكن كلمات سمولز كانت تكشف عما هو أهم. ففي عبارات قليلة قال ما هو أكثر بلاغة من الخطب العصماء. فبينما يدرك أن المساعدات التي حملوها على متن السفينة مجرد قطرة في بحر ما تحتاجه غزة، قال سمولز «ولكنها رسالة.. فنحن نريد أن نطعمهم الأمل».
غير أن الأهم على الإطلاق في القصة برمتها هو أنه حين سئل عن السبب وراء إقدامه على تلك المخاطرة بحياته، قال سمولز «أنا أب وأعشق أطفالي عشقا، ولا أريدهم أن يحيوا في عالم كهذا. وكمواطن أمريكي نعم أخاطر بحياتي ولكن القضية ليست حنظلة ونحن وإنما القضية أهل غزة. القضية هي فلسطين. لقد طفح الكيل». باختصار، فلسطين صارت قضية شخصية، لا فقط قضية عامة عند الملايين حول العالم!
{ باحثة في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك