العدد : ١٧٣١٥ - الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٥ - الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

قضية الأحرار في كل العالم

بقلم: د. منار الشوربجي {

الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

كريستيان‭ ‬سمولز،‭ ‬المواطن‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسود،‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬العمالية‭ ‬البارزة،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬أنشأ‭ ‬اتحاد‭ ‬عمال‭ ‬شركة‭ ‬أمازون‭ ‬وقاد‭ ‬به‭ ‬حملة‭ ‬ناجحة‭ ‬ضد‭ ‬الشركة‭ ‬صنعت‭ ‬تاريخًا‭. ‬وسمولز‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفينة‭ ‬‮«‬حنظلة‮»‬‭ ‬مع‭ ‬20‭ ‬ناشطًا‭ ‬آخرين‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬ساعين‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬شواطئ‭ ‬غزة‭ ‬ومعهم‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والطبية‭. ‬ومثلهم‭ ‬مثل‭ ‬زملائهم‭ ‬في‭ ‬سفن‭ ‬سبقتهم،‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬‮«‬حنظلة‮»‬‭ ‬يدركون‭ ‬جيدا‭ ‬أنهم‭ ‬يخاطرون‭ ‬بحياتهم،‭ ‬لا‭ ‬بمجرد‭ ‬الاعتقال‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬اقتحمت‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬سفينة‭ ‬سابقة‭ ‬وقتلت‭ ‬عشرة‭ ‬ناشطين‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬متنها،‭ ‬ولكن‭ ‬تضحيتهم‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬بالعالم‭ ‬والالتفاف‭ ‬حول‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬المتواطئ‭.‬

وسمولز‭ ‬كان‭ ‬الوحيد‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفينة‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬البشرة‭ ‬السوداء،‭ ‬فنكلت‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬مثلما‭ ‬لم‭ ‬تنكل‭ ‬بزملائه،‭ ‬من‭ ‬الحبس‭ ‬الانفرادي‭ ‬والتجريد‭ ‬من‭ ‬الملابس،‭ ‬ثم‭ ‬ضربوه‭ ‬ضربا‭ ‬مبرحًا‭ ‬وسعوا‭ ‬لخنقه‭ ‬لمنعه‭ ‬من‭ ‬التنفس،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬الشرطة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بجورج‭ ‬فلويد‭ ‬الذي‭ ‬فجر‭ ‬قتله‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حياة‭ ‬السود‭ ‬مهمة‮»‬‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬قصة‭ ‬سمولز‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬دلالات‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية،‭ ‬أولاها‭ ‬أنها‭ ‬فضحت‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬عنصرية‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬سعت‭ ‬الآلة‭ ‬الدعائية‭ ‬لإخفائها،‭ ‬وهي‭ ‬عنصرية‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬ولا‭ ‬تمارس‭ ‬فقط‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬فإسرائيل‭ ‬تمارسها‭ ‬ضد‭ ‬داكني‭ ‬البشرة‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬اليهود‭. ‬فالإثيوبيون‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬أُخضعوا‭ ‬لعمليات‭ ‬تصيبهم‭ ‬عمدا‭ ‬بالعقم،‭ ‬ويتعرضون‭ ‬للفصل‭ ‬العنصري‭ ‬والتمييز‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬وبالمدارس‭ ‬والتوظيف‭. ‬وطالبو‭ ‬اللجوء‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬الأفارقة‭ ‬يتم‭ ‬إيداعهم‭ ‬السجون‭ ‬ومراكز‭ ‬الاعتقال‭.‬

وثاني‭ ‬تلك‭ ‬الدلالات‭ ‬المهمة‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬أشرت‭ ‬إليه‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬من‭ ‬تضامن‭ ‬حركات‭ ‬اجتماعية‭ ‬ذات‭ ‬أهداف‭ ‬مغايرة‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬مناصرة‭ ‬فلسطين‭. ‬وها‭ ‬هو‭ ‬اتحاد‭ ‬عمال‭ ‬أمازون‭ ‬ينخرط‭ ‬في‭ ‬مناصرة‭ ‬غزة‭. ‬وسمولز‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتحاده‭ ‬يقود‭ ‬حملة‭ ‬أخرى‭ ‬لإلغاء‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬بمشروع‭ ‬نيمبز‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬عقد‭ ‬أبرمته‭ ‬أمازون‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يوفر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أجهزة‭ ‬للتتبع‭ ‬والتنصت‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المعدات‭ ‬التي‭ ‬تُمكّن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬الأبارتايد‭ ‬وطرد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭.‬

أما‭ ‬ثالث‭ ‬تلك‭ ‬الدلالات،‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حنظلة‮»‬‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬متنها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬سبعة‭ ‬أمريكيين‭ ‬من‭ ‬خلفيات‭ ‬متباينة،‭ ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬اعتقلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أولئك‭ ‬المواطنين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬وقادتهم‭ ‬الى‭ ‬سجون‭ ‬غير‭ ‬آدمية،‭ ‬ران‭ ‬الصمت‭ ‬المطبق‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬الأمريكية‭. ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬سمولز‭ ‬تحديدًا،‭ ‬كانت‭ ‬العنصرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬العنوان‭. ‬فلا‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬نطقت‭ ‬بحرف‭ ‬ولا‭ ‬سمعنا‭ ‬صوتا‭ ‬في‭ ‬الكونجرس،‭ ‬باستثناء‭ ‬سامر‭ ‬لي،‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬التقدمية‭ ‬السوداء،‭ ‬والتي‭ ‬يعمل‭ ‬لوبي‭ ‬إسرائيل‭ ‬جاهدا‭ ‬بالمناسبة‭ ‬ومنذ‭ ‬فترة‭ ‬لهزيمَتِها‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة،‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬مع‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬مناصري‭ ‬غزة‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬ترسل‭ ‬من‭ ‬يستقبل‭ ‬سمولز‭ ‬لحظة‭ ‬الإفراج‭ ‬عنه،‭ ‬إذ‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬وحيدا‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬الأردن‭ ‬فساعده‭ ‬فلسطينيون‭ ‬للاتصال‭ ‬بمنظمي‭ ‬‮«‬حنظلة‮»‬‭!‬

لكن‭ ‬كلمات‭ ‬سمولز‭ ‬كانت‭ ‬تكشف‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬أهم‭. ‬ففي‭ ‬عبارات‭ ‬قليلة‭ ‬قال‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬بلاغة‭ ‬من‭ ‬الخطب‭ ‬العصماء‭. ‬فبينما‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬المساعدات‭ ‬التي‭ ‬حملوها‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفينة‭ ‬مجرد‭ ‬قطرة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬غزة،‭ ‬قال‭ ‬سمولز‭ ‬‮«‬ولكنها‭ ‬رسالة‭.. ‬فنحن‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نطعمهم‭ ‬الأمل‮»‬‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الأهم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬برمتها‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬سئل‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬إقدامه‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المخاطرة‭ ‬بحياته،‭ ‬قال‭ ‬سمولز‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬أب‭ ‬وأعشق‭ ‬أطفالي‭ ‬عشقا،‭ ‬ولا‭ ‬أريدهم‭ ‬أن‭ ‬يحيوا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬كهذا‭. ‬وكمواطن‭ ‬أمريكي‭ ‬نعم‭ ‬أخاطر‭ ‬بحياتي‭ ‬ولكن‭ ‬القضية‭ ‬ليست‭ ‬حنظلة‭ ‬ونحن‭ ‬وإنما‭ ‬القضية‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭. ‬القضية‭ ‬هي‭ ‬فلسطين‭. ‬لقد‭ ‬طفح‭ ‬الكيل‮»‬‭. ‬باختصار،‭ ‬فلسطين‭ ‬صارت‭ ‬قضية‭ ‬شخصية،‭ ‬لا‭ ‬فقط‭ ‬قضية‭ ‬عامة‭ ‬عند‭ ‬الملايين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭!‬

 

{ باحثة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا