العدد : ١٧٣١٦ - الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٦ - الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ صفر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الفوضى في غير المواعيد (2)

اعترفت‭ ‬بالأمس‭ ‬بأنني‭ ‬غير‭ ‬مرتب‭ ‬ومنظم‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة،‭ ‬وبأن‭ ‬الشكل‭ ‬العام‭ ‬لمكتبي‭ ‬يسبب‭ ‬الربو‭ ‬والاكتئاب‭ ‬لمن‭ ‬يزوره،‭ ‬وفي‭ ‬مواقع‭ ‬كثيرة‭ ‬كانت‭ ‬عندي‭ ‬سكرتيرة‭ ‬ولكن‭ ‬يا‭ ‬ويلها‭ ‬وظلام‭ ‬ليلها‭ ‬لو‭ ‬حاولت‭ ‬ترتيب‭ ‬أشياء‭ ‬مكتبي،‭ ‬ففي‭ ‬مركز‭ ‬تلك‭ ‬الفوضى‭ ‬نظام‭ ‬معين‭ ‬مخزون‭ ‬في‭ ‬رأسي،‭ ‬وقد‭ ‬يطلب‭ ‬مني‭ ‬سي‭ ‬السيد‭ (‬المدير‭) ‬ورقة‭ ‬معينة‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬عندي،‭ ‬فأدخل‭ ‬يدي‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬وأسحب‭ ‬المستند‭ ‬المطلوب‭ ‬كالشعرة‭ ‬من‭ ‬العجين‭ (‬طالما‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬سحب‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬العجين‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬المخابز‭ ‬بذلك؟‭ ‬هل‭ ‬تذكرون‭ ‬حكاية‭ ‬كتبت‭ ‬عنها‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬مواطن‭ ‬عربي‭ ‬اشترى‭ ‬رغيفا‭ ‬من‭ ‬المخبز‭ ‬وذهب‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬ووضع‭ ‬الرغيفة‭ ‬على‭ ‬صينية‭ ‬فشاهد‭ ‬فأرا‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭.. ‬نعم‭ ‬فأر‭ ‬حي‭.. ‬بس‭ ‬الحكاية‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬هنا،‭ ‬فقد‭ ‬تحرك‭ ‬الفأر‭ ‬بضع‭ ‬خطوات،‭ ‬ثم‭ ‬تمطى‭ ‬وأنجب‭ ‬فأرين‭ ‬بيبي‭ ‬حلوين‭.. ‬أين‭ ‬في‭ ‬ذمتك‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تجد‭ ‬فأرة‭ ‬تسكن‭ ‬داخل‭ ‬رغيفة‭ ‬وتحمل‭ ‬وتتوجع‭ ‬بداخلها؟‭ ‬ويتهمنا‭ ‬الغرب‭ ‬الكافر‭ ‬بأننا‭ ‬نقسو‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭).‬

المهم‭ ‬إنني‭ ‬فوضوي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيءـ‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬والمواعيد،‭ ‬والمهارة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬أتفوق‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬حولي‭ ‬هي‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬الوقت‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أتهاون‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يخلفون‭ ‬المواعيد،‭ ‬ومن‭ ‬الفوائد‭ ‬التي‭ ‬جنيتها‭ ‬من‭ ‬احترامي‭ ‬للمواعيد،‭ ‬وغضبي‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يتقيدون‭ ‬بها،‭ ‬أنني‭ ‬صرت‭ ‬معفيا‭ ‬من‭ ‬عضوية‭ ‬اللجان،‭ ‬ولا‭ ‬أتلقى‭ ‬الدعوات‭ ‬لحضور‭ ‬اجتماعات‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬غيره،‭ ‬فقد‭ ‬حدث‭ ‬مرارا‭ ‬ان‭ ‬ذهبت‭ ‬الى‭ ‬مكان‭ ‬انعقاد‭ ‬الاجتماع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد،‭ ‬وبعد‭ ‬انقضاء‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬يكون‭ ‬نصف‭ ‬المدعوين‭ ‬قد‭ ‬وصل،‭ ‬وبلا‭ ‬تردد‭ ‬أترك‭ ‬مكان‭ ‬الاجتماع‭.. ‬وبما‭ ‬ان‭ ‬الدارج‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬اجتماع‭ ‬التاسعة‭ ‬صباحا‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬العاشرة،‭ ‬ويكون‭ ‬الكلام‭ ‬خلال‭ ‬الساعة‭ ‬الأولى‭ ‬منه‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال،‭ ‬فقد‭ ‬صرت‭ ‬أرفض‭ ‬عضوية‭ ‬اللجان‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬الاجتماعات‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬الآخرون‭ ‬يرفضون‭ ‬عضويتي‭ ‬في‭ ‬اللجان‭ ‬والاجتماعات‭ ‬التي‭ ‬يشاركون‭ ‬فيها‭: ‬خلونا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المتفلسف‭... ‬مسوي‭ ‬حاله‭ ‬خواجة‭.. ‬مدري‭ (‬لا‭ ‬أدري‭) ‬وش‭ ‬كان‭ ‬يسوي‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬لونه‭ ‬فاتح‭! ‬وبالضرورة‭ ‬هناك‭ ‬لجان‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬عضوا‭ ‬فيها‭ ‬ولكن‭ ‬بـ«الانتساب‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬لا‭ ‬أشارك‭ ‬في‭ ‬جلساتها‭ ‬والتزم‭ ‬بالتكليفات‭ ‬التي‭ ‬توكلها‭ ‬إليَّ‭.‬

ماذا‭ ‬جنيت‭ ‬من‭ ‬التشدد‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬المواعيد؟‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬بوظان‭ ‬الأعصاب‭ ‬والنرفزة‭.. ‬خسرت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬معارفي،‭ ‬ومن‭ ‬بقي‭ ‬وفيا‭ ‬لي‭ ‬منهم‭ ‬يتعامل‭ ‬معي‭ ‬بحذر‭! ‬على‭ ‬إيه؟‭ ‬طالما‭ ‬أنا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬تعني‭ ‬فيه‭ ‬الساعة‭ ‬السابعة‭ ‬صباحا،‭ ‬الثالثة‭ ‬والنصف‭ ‬بعد‭ ‬الظهر،‭ ‬فعلام‭ ‬الغضب‭ ‬كلما‭ ‬أخلف‭ ‬أحدهم‭ ‬موعدا‭ ‬معي؟‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬كثيرا‭ ‬مؤخرا،‭ ‬واستنتجت‭ ‬أن‭ ‬تشددي‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬المواعيد‭ ‬قد‭ ‬يعكس‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الغرور‭ ‬في‭ ‬شخصيتي‭: ‬أنا‭ ‬شخص‭ ‬مهم‭ ‬ومنضبط‭ ‬ولست‭ ‬مثلكم‭ ‬يا‭ ‬حوش‭ ‬يا‭ ‬روش‭ ‬يا‭ ‬أوباش‭ ‬وأي‭ ‬استخفاف‭ ‬بالمواعيد‭ ‬معي‭ ‬استخفاف‭ ‬بي‭ ‬شخصيا‭! ‬أنا‭ ‬بعكس‭ ‬ما‭ ‬تقولون‭ ‬كذبا‭ ‬عن‭ ‬السودانيين‭ ‬لست‭ ‬كسولا‭ ‬بل‭ ‬أتحلى‭ ‬بالضبط‭ ‬والربط‭ ‬العسكري‭! ‬وهكذا‭ ‬جربت‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬العمل‭ ‬بالمقولة‭ ‬الانجليزية‭ ‬‮«‬تيك‭ ‬إت‭ ‬إيزي‮»‬‭ ‬أي‭ ‬خذ‭ ‬الأمور‭ ‬ببساطة‭.. ‬عندي‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬‮«‬س‮»‬‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬معينة‭ ‬أذهب‭ ‬الى‭ ‬الموعد‭ ‬متأخرا‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭ ‬ليأتي‭ ‬هو‭ ‬متأخرا‭ ‬20‭ ‬دقيقة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬دقيقة‭! ‬هناك‭ ‬مهمة‭ ‬يجب‭ ‬إكمالها‭ ‬قبل‭ ‬العاشرة‭ ‬صباحا؟‭ ‬خليها‭ ‬لباكر،‭ ‬ولن‭ ‬يحدث‭ ‬شيء‭.. ‬عندنا‭ ‬خطط‭ ‬خمسية‭ ‬يتأجل‭ ‬تنفيذ‭ ‬75%‭ ‬منها‭ ‬لربع‭ ‬قرن‭ ‬بلا‭ ‬طنطنة‭ ‬ولا‭ ‬شنشنة‭.. ‬اشمعنى‭ ‬حبكت‭ ‬مسألة‭ ‬المواعيد‭ ‬معي‭.. ‬وبمجرد‭ ‬تخلصي‭ ‬النسبي‭ ‬من‭ ‬الهوس‭ ‬بالوقت‭ ‬والمواعيد‭ ‬صرت‭ ‬أقل‭ ‬توترا‭ ‬وأكثر‭ ‬انتماء‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا