يُعرف أن (نيكولو دي برناردو دي ميكافيلي) كان مفكرًا وفيلسوفًا سياسيًا إيطاليًّا إبان عصر النهضة. وقد أصبح مكيافيلي الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، الذي أصبحت فيما بعد عصب دراسات العلم السياسي، ومن أشهر كتبه على الإطلاق كتاب (الأمير)، الذي كان عملاً هدف منه أن يكتب نصائح لـلحاكم، نُشرَ الكتاب بعد موته، وأيد فيه فكرة أن ما هو مفيد فهو ضروري، والتي كان عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية، ولقد فُصلت نظريات ميكافيلي في القرن العشرين.
ملخص الكتاب؛
يمكن تلخيص الكتاب في الأمور الآتية:
1. الغاية تبرر الوسيلة؛ الميكافيلية تُختصر غالبًا بهذه العبارة، حيث يرى ميكافيلي أن الحاكم يجب أن يفعل كل ما يلزم للحفاظ على سلطته، حتى لو تطلب الأمر استخدام كافة أنواع الخداع أو العنف بأي صورة أو نوع، وحتى العنف غير المبرر.
2. أنواع الحكم؛ يميز بين الأنظمة الوراثية والأنظمة الجديدة، إذ يشرح كيف أن السيطرة على نظام جديد أصعب وتتطلب حنكة سياسية. ويشير إلى أن السيطرة على الشعوب المعتادة على الحرية تتطلب إما تدميرها وإما التعايش معها.
3. صفات الأمير الناجح؛ يقول كتاب الأمير ان الأمير يجب أن يكون ذكيًا، حازمًا، مرنًا، ومن الأفضل أن يُخاف الأمير على أن يُحب، لأن الخوف أكثر استقرارًا للحكم من الحب، وكذلك يجب أن يبدو بمعنى أن يمثل الأمير العدل والتدين، حتى لو لم يكن كذلك.
4. استخدام القوة والخداع؛ يشبّه ميكافيلي الأمير بـ(الأسد والثعلب)، فالأسد للقوة، والثعلب للمكر، ويرى أن الأخلاق التقليدية لا تنطبق على السياسة، فالحاكم يجب أن يتصرف وفقًا لما يخدم به نفسه.
5. الدين كأداة سياسية؛ يرى ميكافيلي أن الدين يمكن استخدامه لتثبيت الحكم، وليس بالضرورة أن يكون الحاكم مؤمنًا حقيقيًا.
يُعد كتاب الأمير من أهم الأعمال في الفكر السياسي الغربي، ويُنظر إليه كدليل عملي للحاكم حول كيفية اكتساب السلطة والحفاظ عليها، فهو أول نص سياسي يفصل بين الأخلاق والسياسة أو الدين والسياسة.
بعد أن أخذنا فكرة عن كتاب الأمير، نجد أنه من المهم ونحن نعيش هذه الأوضاع التي يعيشها الوطن العربي أن نسأل هذا السؤال؛ ما علاقة هذا الكتاب أو على الأقل المبادئ التي وردت في الكتاب وبين فكر رئيس وزراء دولة الاحتلال أو السلطة الاستعمارية في الولايات المتحدة؟
نتنياهو والسياسة الميكافيلية
من خلال مجموعة من الدراسات التي قامت بتحليل فكر رئيس دولة الاحتلال وجدنا الآتي، أن نتنياهو يُظهر العديد من الصفات التي تتماشى مع فلسفة ميكافيلي، وهي كالآتي:
1. التمسك بالسلطة بأي ثمن؛ أشارت التحاليل الإخبارية أن نتنياهو يسعى للبقاء في الحكم حتى لو تطلب الأمر تحالفات مع قوى يمينية متطرفة، كما حدث مع بن غفير وسموتريتش.
2. استخدام الإصلاحات القضائية كوسيلة للبقاء؛ يُنظر إلى محاولاته لتقييد سلطة القضاء كوسيلة للهروب من المحاكمات بتهم الفساد، وليس كإصلاح حقيقي. لذلك فهو يقيد القضاء الذي قد يؤدي إلى فوضى.
3. البراغماتية الشديدة؛ يتعامل مع الدول من منطلق أن الجميع بحاجة إلى إسرائيل، ويستخدم هذا كأداة ضغط في السياسة الخارجية.
4. تفضيل المصالح الشخصية على الوطنية؛ يُقال إنه يضع مصلحته فوق مصلحة الدولة، وهو ما يتماشى مع مقولة ميكافيلي «حبّي لنفسي دون حبّي لبلادي».
وتستند الدراسات والتحاليل الإخبارية التي تم ذكرها سابقًا والتي استنتج منها علاقة نتنياهو بفلسفة ميكافيلي، على التحليل المفصل لسياسات بنيامين نتنياهو في الفترة الأخيرة (2024 – 2025)، وذلك بناءً على أحدث التقارير، وهي الآتي:
1. التراجع عن المفاوضات وصفقة تبادل الأسرى؛ كان هناك توقعات بانفراجة في ملف تبادل الأسرى بين إسرائيل والمقاومة، لكن نتنياهو فاجأ الوسطاء والجميع بتراجعه في اللحظة الأخيرة، ورفع سقف التصعيد بالحديث عن إعادة احتلال غزة، هذا التراجع اعتُبر مناورة سياسية تهدف إلى:
* الهروب من الاستحقاقات الداخلية مثل لجان التحقيق في فشل 7 أكتوبر.
* الحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم، خصوصًا مع ضغط اليمين المتطرف الذي يرفض أي تنازل للمقاومة.
* تأجيل الانتخابات المبكرة عبر إبقاء الحرب مستمرة، مما يمنحه وقتًا لإعادة ترتيب أوراقه السياسية.
2. التصعيد العسكري كأداة للتفاوض؛ نتنياهو يستخدم التصعيد العسكري كوسيلة ضغط على المقاومة، وليس بالضرورة بهدف الحسم العسكري، بل لإعادة حركة حماس إلى طاولة المفاوضات بشروط إسرائيلية، وهذا يتماشى مع أسلوب ميكافيلي في استخدام القوة كأداة سياسية.
وكذلك استخدام الأساليب المحرمة دوليًا لإخضاع أهالي غزة، منها التجويع والحصار القاتل، من غير أي اعتبارات لأي أخلاقيات أو أنظمة أو قوانين، وهو يفعل كل هذا استنادًا على مبادئ ميكافيلي لإخضاع البشر.
3. أهداف استراتيجية وتكتيكية؛ وتتضمن:
* استخدام المفاوضات كغطاء، يوظفها كأداة ضغط لتحصيل تنازلات، ويتراجع عنها إن لم تحقق أهدافه.
* البحث عن (صورة انتصار)، يعتقد أن أي صفقة دون إنجاز ميداني ملموس تُعد هزيمة، لذلك يفضل التصعيد بحثًا عن ورقة تفاوض أقوى.
4. التأثير على الداخل الإسرائيلي؛ وتشمل:
* تآكل الثقة الشعبية، وُجد أن استطلاع الرأي أظهر أن 61% من الإسرائيليين لا يعتقدون أن العمليات العسكرية ستعيد الأسرى، و52% منهم يرون أن حكومة نتنياهو تعرقل التوصل إلى صفقة.
* تراجع مكانة الجيش، بدأ الجيش يفقد مكانته (المقدسة) في الوعي الإسرائيلي، مما يعزز فقدان الثقة بالمنظومة الأمنية.
5. سيناريوهات محتملة في غزة، يفكر نتنياهو أنه يمكن:
* تقسيم القطاع وفرض واقع تهجيري،
* اجتياح بري لمناطق مركزية بحثًا عن الأسرى،
* استراتيجية التآكل البطيء عبر ضربات جوية وضغوط إنسانية وسياسية.
وحينما نصل إلى هذه المرحلة من تحليل شخصية نتنياهو، يتضح أنها بطريقة أو بأخرى تتفق في الكثير من الجوانب مع الفلسفة الميكافيلية، ولكن حينها يراودنا سؤال: ألا توجد معارضة يمكن أن توقفه عند هذا الحد من التهور والدكتاتورية؟
يمكن أن نجيب عن هذا التساؤل بما يمكن مشاهدته على شاشات التلفزيون وما تناقلته وكالات الأنباء، أنه بالفعل توجد معارضة وهذه المعارضة تريد أن تقتلعه من جذوره، إلا أن هذه المعارضة لا تعارضه ولا تقف ضده لأنه يفعل ما يفعل في غزة، وإنما هذه المعارضة تريد أن تسيطر هي على الحكم شأنها شأن كل الجهات المعارضة في العالم، فالمعارضة الصهيونية بمختلف أنواعها تتفق على أنه يجب القضاء على المقاومة الفلسطينية والعربية بأي صورة كانت، ولكن لكل منهم طريقة وأسلوب. وإليكم أبرز ملامح المعارضة في حكومة الاحتلال لرئيس الوزراء:
1. انتقادات مباشرة من زعماء المعارضة، مثل:
* رئيس حزب (هناك مستقبل) يائير لابيد؛ وصف خطة إعادة احتلال غزة بأنها كارثة، واتهم نتنياهو بالانصياع لضغوط اليمين المتطرف، وبأن قراراته تتناقض مع توصيات القيادات العسكرية والأمنية.
* وزير الدفاع السابق (بيني جانتس)؛ اعتبر إقالة رئيس جهاز الشاباك (رونين بار) بأنها انتهاك لأمن الدولة، وجاءت لأسباب سياسية وشخصية.
2. احتجاجات شعبية واسعة: خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين في مظاهرات ضد نتنياهو، مطالبين بوقف الحرب، وإجراء انتخابات مبكرة، حيث شاركت في الاحتجاجات مجموعات متنوعة من: عائلات الرهائن المحتجزين في غزة، منتدى الدرع الواقي (وهم مسؤولون أمنيون سابقون)، والحركة من أجل جودة الحكم، المناهضة للفساد.
3. تفكك داخل المعارضة وتحركات جديدة: شهدت المعارضة استقالات وتحالفات جديدة، أبرزها استقالة شخصيات بارزة مثل غادي آيزنكوت ومتّان كهانا من المعسكر الوطني.
4. فرص الإطاحة بنتنياهو: وجد أنه لو تم إجراء استطلاعات الرأي فإنها حتمًا ستشير إلى أن نتنياهو سيخسر الانتخابات لو أُجريت الآن. وأنه تحالف المعارضة قد يصل حينها إلى 71 مقعدًا مقابل 49 للائتلاف الحالي، إذا نجحت المعارضة في التوحد خلف مرشح أو إطار سياسي واضح.
5. تحديات داخلية في حكومة نتنياهو: تشير التقديرات الى أن التحديات يمكن أن تتلخص في:
* خلافات مع الأحزاب الحريدية حول قانون إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.
* وكذلك بعض التهديدات من بعض الأحزاب بالتصويت مع المعارضة في الكنيست.
إذًا يمكن أن نقول إن المعارضة الإسرائيلية لنتنياهو ليست فقط سياسية، بل شعبية ومؤسساتية أيضًا، وكذلك فهناك تحركات جدية لإعادة تشكيل المشهد السياسي، وقد تكون الانتخابات المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل نتنياهو.
وبعد هذا التحليل يمكننا أن نقول إن نتنياهو يُجسد نموذجًا سياسيًا ميكافيليًا بامتياز، وذلك من خلال النقاط الآتية:
* يستخدم الحرب كأداة سياسية.
* يتراجع عن الاتفاقات في اللحظة الأخيرة لتحقيق مكاسب داخلية.
* يُفضل التصعيد على التنازل، حتى لو كان ذلك على حساب الاستقرار الإقليمي والدعم الشعبي.
هذه بعض الصفات وبعض التقارب بين فكرة رئيس وزراء دولة الاحتلال والفلسفة الميكافيلية، حاولنا أن نجمع بين الطرفين فوجدناهما طرفا واحدا.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك