العدد : ١٧٣١٥ - الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٥ - الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الإسلام.. دعوة إلى التخصص!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

الإرث‭ ‬المعرفي‭ ‬الذي‭ ‬تلقاه‭ ‬المسلمون‭ ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬إرث‭ ‬عظيم‭ ‬نجد‭ ‬ذلك‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وعلم‭ ‬آدم‭ ‬الأسماء‭ ‬كلها‭ ‬ثم‭ ‬عرضهم‭ ‬على‭ ‬الملائكة‭ ‬فقال‭ ‬أنبئوني‭ ‬بأسماء‭ ‬هؤلاء‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬صادقين‮»‬‭ ‬البقرة‭/‬31‭.‬

هذا‭ ‬إرث‭ ‬عظيم‭ ‬تلقاه‭ ‬الأحفاد‭ ‬عن‭ ‬الآباء،‭ ‬ومن‭ ‬الآباء‭ ‬إلى‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬آدم‭ (‬عليه‭ ‬السلام‭) ‬إلى‭ ‬بنيه‭ ‬من‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل‭ ‬الكرام‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬وكان‭ ‬حصيلة‭ ‬ذلك‭ ‬هذا‭ ‬الإرث‭ ‬العظيم‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ ‬الخاتم‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬رسول‭ ‬الإسلام‭ ‬العظيم‭ ‬محمد،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ولولا‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬عليك‭ ‬ورحمته‭ ‬لهمت‭ ‬طائفة‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يضلوك‭ ‬وما‭ ‬يضلون‭ ‬إلا‭ ‬أنفسهم‭ ‬وما‭ ‬يضرونك‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬وأنزل‭ ‬الله‭ ‬عليك‭ ‬الكتاب‭ ‬والحكمة‭ ‬وعلمك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعلم‭ ‬وكان‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬عليك‭ ‬عظيمًا‮»‬‭ ‬النساء‭/‬1113‭.‬

هذا‭ ‬الإرث‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬انتقل‭ ‬في‭ ‬الأصلاب‭ ‬ليصبح‭ ‬إرث‭ ‬الإسلام‭ ‬العظيم‭ ‬ليس‭ ‬للمسلمين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬إرثًا‭ ‬للبشرية‭. ‬ولقد‭ ‬دعا‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التخصص،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ولتكن‭ ‬منكم‭ ‬أمة‭ ‬يدعون‭ ‬إلى‭ ‬الخير‭ ‬ويأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وينهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وأولئك‭ ‬هم‭ ‬المفلحون‮»‬‭ ‬آل‭ ‬عمران‭/ ‬104‭. ‬فإذا‭ ‬داوموا‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وشدوا‭ ‬الإزار‭ ‬صار‭ ‬منهم‭ ‬أمة‭ ‬ديدنها‭ ‬الأمر‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهي‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬تأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وتؤمنون‭ ‬بالله‭ ‬ولو‭ ‬آمن‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب‭ ‬لكان‭ ‬خيرًا‭ ‬لهم‭ ‬منهم‭ ‬المؤمنون‭ ‬وأكثرهم‭ ‬الفاسقون‮»‬‭ ‬آل‭ ‬عمران‭/‬110‭.‬

والخطاب‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬بصيغة‭ ‬الماضي‭: ‬‮«‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‮»‬‭ ‬وهذا‭ ‬لتأكيد‭ ‬لزوم‭ ‬هذا‭ ‬الفعل،‭ ‬ودوام‭ ‬استمراره،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تفضلًا‭ ‬وتكريمًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬واجب‭ ‬دعوي‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬النهوض‭ ‬به،‭ ‬وأن‭ ‬تتفرغ‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬ليعلموا‭ ‬الناس‭ ‬الخير،‭ ‬وهذا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التخصص‭ ‬على‭ ‬الأمة،‭ ‬أو‭ ‬طائفة‭ ‬من‭ ‬الأمة‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬أعباءه،‭ ‬وتلزم‭ ‬نفسها‭ ‬بواجب‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الحروب،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وما‭ ‬كان‭ ‬المؤمنون‭ ‬لينفروا‭ ‬كافة‭ ‬فلولا‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬فرقة‭ ‬منهم‭ ‬طائفة‭ ‬ليتفقهوا‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬ولينذروا‭ ‬قومهم‭ ‬إذا‭ ‬رجعوا‭ ‬إليهم‭ ‬لعلهم‭ ‬يحذرون‮»‬‭ ‬التوبة‭/‬122‭.‬

إذًا،‭ ‬فالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التخصص‭ ‬ليست‭ ‬وقفًا‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬السلم،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الحرب،‭ ‬وعلى‭ ‬الأمة‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬مجلسًا‭ ‬استشاريًا‭ ‬تعود‭ ‬إليه‭ ‬الأمة‭ ‬ليتفقهوا‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا،‭ ‬ولقد‭ ‬أمرنا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بالمشاورة،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬الشورى‭ ‬مبدأ‭ ‬ينظم‭ ‬حياتنا،‭ ‬ويسدد‭ ‬خطانا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬صلاح‭ ‬الأمة،‭ ‬واستقامة‭ ‬أمرها‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والدين،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬والذين‭ ‬استجابوا‭ ‬لربهم‭ ‬وأقاموا‭ ‬الصلاة‭ ‬وأمرهم‭ ‬شورى‭ ‬بينهم‭ ‬ومما‭ ‬رزقناهم‭ ‬ينفقون‮»‬‭ ‬الشورى‭/‬38‭.‬

بل‭ ‬لقد‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إلى‭ ‬رسوله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬أمر‭ ‬صريح‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الالتباس‭ ‬فيه،‭ ‬ولقد‭ ‬شاور‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬الصحابة،‭ ‬ولقد‭ ‬استجاب‭ ‬لمشورتهم‭ ‬وعمل‭ ‬بها،‭ ‬وكان‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬يقطع‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬وحي‭ ‬فيه‭ ‬حتى‭ ‬يستشيرهم،‭ ‬فيمضيه‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬الوحي‭ ‬ما‭ ‬يعارضه‭ ‬أو‭ ‬يمنعه،‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬بدر‭ ‬وفي‭ ‬أحد،‭ ‬وفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬يأتيه‭ ‬الوحي،‭ ‬فيسدده‭ ‬أو‭ ‬يوافقه،‭ ‬لكن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬لمبدأ‭ ‬الشورى،‭ ‬ويقول‭ ‬حتى‭ ‬هزيمة‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬بعد‭ ‬استشارة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬أمرها‭ ‬لم‭ ‬يمنعه‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬استمراره‭ ‬في‭ ‬استشارة‭ ‬أصحابه،‭ ‬فالإسلام‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬التخصص،‭ ‬والحرص‭ ‬عليه،‭ ‬وبين‭ ‬للأمة‭ ‬ألا‭ ‬تنشغل‭ ‬بأمور‭ ‬الدنيا‭ ‬عن‭ ‬أمور‭ ‬الدين،‭ ‬بل‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬نصيبها‭ ‬ومن‭ ‬الآخرة‭ ‬حظها،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬ترث‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬صلوات‭ ‬الله‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه،‭ ‬وهذه‭ ‬الطائفة‭ ‬يرجع‭ ‬إليها‭ ‬أهل‭ ‬السلطان‭ ‬لمعرفة‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬الباطل،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ما‭ ‬أرسلنا‭. ‬قبلك‭ ‬إلا‭ ‬رجالًا‭ ‬نوحي‭ ‬إليهم‭ ‬فاسألوا‭ ‬أهل‭ ‬الذكر‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬لا‭ ‬تعلمون‮»‬‭ ‬الأنبياء‭/‬7‭.‬

إذًا،‭ ‬فهذه‭ ‬هي‭ ‬دعوة‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬التخصص،‭ ‬ولإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬المختلف‭ ‬حولها‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬مجاله،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬ديدن‭ ‬الإسلام‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الأمة،‭ ‬في‭ ‬دينها‭ ‬ودنياها‭.. ‬في‭ ‬عاجل‭ ‬أمرها،‭ ‬وآجله‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا