الإرث المعرفي الذي تلقاه المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم، إرث عظيم نجد ذلك واضحًا في قوله تعالى: «وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين» البقرة/31.
هذا إرث عظيم تلقاه الأحفاد عن الآباء، ومن الآباء إلى الأبناء من آدم (عليه السلام) إلى بنيه من الأنبياء والرسل الكرام عليهم من الله الصلاة والسلام، وكان حصيلة ذلك هذا الإرث العظيم كله إلى النبي الخاتم (صلى الله عليه وسلم) رسول الإسلام العظيم محمد، قال تعالى: «ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا» النساء/1113.
هذا الإرث العظيم الذي انتقل في الأصلاب ليصبح إرث الإسلام العظيم ليس للمسلمين فقط، بل صار إرثًا للبشرية. ولقد دعا الإسلام إلى نوع من التخصص، وذلك في قوله تعالى: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» آل عمران/ 104. فإذا داوموا على ذلك، وشدوا الإزار صار منهم أمة ديدنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون» آل عمران/110.
والخطاب هنا جاء بصيغة الماضي: «كنتم خير أمة» وهذا لتأكيد لزوم هذا الفعل، ودوام استمراره، كما أنه لم يكن تفضلًا وتكريمًا، بل هو واجب دعوي على الأمة النهوض به، وأن تتفرغ طائفة من المؤمنين ليعلموا الناس الخير، وهذا نوع من التخصص على الأمة، أو طائفة من الأمة أن تتحمل أعباءه، وتلزم نفسها بواجب القيام به حتى في حالة الحروب، يقول تعالى: «وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون» التوبة/122.
إذًا، فالدعوة إلى التخصص ليست وقفًا على أهل العلم في حالة السلم، بل حتى في حالة الحرب، وعلى الأمة أن تخصص مجلسًا استشاريًا تعود إليه الأمة ليتفقهوا في الدين والدنيا، ولقد أمرنا الله تعالى بالمشاورة، وأن تكون الشورى مبدأ ينظم حياتنا، ويسدد خطانا إلى ما فيه صلاح الأمة، واستقامة أمرها في الدنيا والدين، يقول تعالى: «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون» الشورى/38.
بل لقد صدر من الله تعالى إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم) أمر صريح لا يمكن الالتباس فيه، ولقد شاور الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحابة، ولقد استجاب لمشورتهم وعمل بها، وكان صلوات ربي وسلامه عليه لا يقطع في أمر لا وحي فيه حتى يستشيرهم، فيمضيه إذا لم يجد في الوحي ما يعارضه أو يمنعه، حدث ذلك في بدر وفي أحد، وفي الكثير من المواقف رغم أنه صلى الله عليه وسلم ليس في حاجة إلى ذلك لأنه يأتيه الوحي، فيسدده أو يوافقه، لكن الله سبحانه وتعالى يريد أن يؤسس لمبدأ الشورى، ويقول حتى هزيمة المسلمين في أحد بعد استشارة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أمرها لم يمنعه هذا من استمراره في استشارة أصحابه، فالإسلام دعا إلى التخصص، والحرص عليه، وبين للأمة ألا تنشغل بأمور الدنيا عن أمور الدين، بل تأخذ من الدنيا نصيبها ومن الآخرة حظها، وذلك حتى ترث الأمة من بعده صلوات الله وسلامه عليه، وهذه الطائفة يرجع إليها أهل السلطان لمعرفة الحق من الباطل، يقول تعالى: «ما أرسلنا. قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» الأنبياء/7.
إذًا، فهذه هي دعوة الإسلام إلى التخصص، ولإبداء الرأي في القضايا المختلف حولها كل في مجاله، وهذا هو ديدن الإسلام فيما يخص الأمة، في دينها ودنياها.. في عاجل أمرها، وآجله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك