العدد : ١٧٣١٤ - الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٤ - الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

مهددون بالانقراض

أحسب‭ ‬أننا‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬ننظر‭ ‬الى‭ ‬الأمور‭ ‬وكأننا‭ ‬كوكب‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬حيث‭ ‬بقية‭ ‬الأجناس‭ ‬والبلدان،‭ ‬وقياسا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إننا‭ ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬محافظة‭ ‬البيئة‭ ‬بمقتضى‭ ‬حكم‭ ‬صلاة‭ ‬الجنازة،‭ ‬فطالما‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬‮«‬يحمل‭ ‬همّ‮»‬‭ ‬البيئة‭ ‬فلا‭ ‬علينا‭ ‬لو‭ ‬تلوثت‭ ‬أو‭ ‬اندثرت،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دواعي‭ ‬الإنصاف‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إننا‭ ‬حساسون‭ ‬تجاه‭ ‬التلوث‭ ‬البصري‭ (‬الأوساخ‭)‬،‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نشكو‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬السمعي‭ (‬الضوضاء‭).‬

في‭ ‬كافة‭ ‬مدننا‭ ‬الكبرى،‭ ‬يكون‭ ‬المسجد‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬خمسين‭ ‬مترا‭ ‬من‭ ‬بيتك،‭ ‬ولكنك‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬موعد‭ ‬الصلاة‭ ‬او‭ ‬افطار‭ ‬رمضان‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬التلفزيون،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الضجيج‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والحواري،‭ ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬بذلك‭ ‬فقط‭ ‬هدير‭ ‬محركات‭ ‬السيارات‭ ‬بل‭ ‬الصراخ‭ ‬المتواصل‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬البشر،‭ ‬فنحن‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬صراخا،‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الاحيان‭ ‬ما‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬الشخصان‭ ‬اللذان‭ ‬يتحاوران‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬منك‭ ‬يتشاجران‭ ‬او‭ ‬يتغشمران‭ ‬أي‭ ‬يمارسان‭ ‬الهذر‭/ ‬الهزار،‭ ‬وأعترف‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬استطيع‭ ‬التحدث‭ ‬بصوت‭ ‬منخفض‭ ‬وبالتالي‭ ‬فان‭ ‬معظم‭ ‬مكالماتي‭ ‬الهاتفية‭ ‬تكون‭ ‬مسموعة‭ ‬لمن‭ ‬حولي،‭ ‬ولكن‭ ‬وبعد‭ ‬ظهور‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬صار‭ ‬بمقدوري‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬لإكمال‭ ‬المحادثة‭ ‬الهاتفية،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تكون‭ ‬زوجتك‭ ‬وقريباتها‭ ‬أو‭ ‬صديقاتها‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬قصي‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬ولكن‭ ‬أصواتهن‭ ‬تتناهى‭ ‬الى‭ ‬مسامعك‭ ‬فتحسب‭ ‬ان‭ ‬الإذاعة‭ ‬تقوم‭ ‬بنقل‭ ‬حي‭ ‬لمظاهرة‭ ‬سلمية،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬حملتك‭ ‬نفسك‭ ‬على‭ ‬التنصت‭ ‬لما‭ ‬يقلنه،‭ ‬فإنك‭ ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬لأنهن‭ ‬يتكلمن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬البورصات‭ ‬واسواق‭ ‬الاوراق‭ ‬المالية،‭ ‬حيث‭ ‬يقف‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعتوهين‭ ‬وسط‭ ‬آلاف‭ ‬الناس‭ ‬ويصيحون‭ ‬بمفردات‭ ‬عجيبة‭ ‬ويرفعون‭ ‬أصابعهم‭ ‬بإشارات‭ ‬تماثل‭ ‬لغة‭ ‬الصم‭ ‬والبكم،‭ ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المدينة‭ ‬فإنك‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬الاستماع‭ ‬جيدا‭ ‬لا‭ ‬الى‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‭ ‬او‭ ‬البث‭ ‬الاذاعي‭ ‬او‭ ‬التلفزيوني‭ ‬لأن‭ ‬العويل‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬آلاف‭ ‬البشر‭ ‬والسيارات‭ ‬يغطي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصوات،‭.. ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬يكون‭ ‬قلب‭ ‬المدينة‭ ‬مركزا‭ ‬تجاريا‭ ‬اما‭ ‬في‭ ‬مدننا‭ ‬فان‭ ‬السكن‭ ‬فيها‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬دليلا‮»‬‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المرموق‭!‬

كان‭ ‬جيل‭ ‬آبائنا‭ ‬ينجب‭ ‬العيال‭ ‬بالدستة‭ ‬او‭ ‬الدرزن،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يأكلون‭ ‬البيرجر‭ ‬او‭ ‬اي‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬السندويتشات‭ ‬السكند‭ ‬هاند‭ (‬وكل‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬سكند‭ ‬هاند‭ ‬لأنها‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال‭ ‬جاهزة‭ ‬ومجمدة‭ ‬من‭ ‬الشركة‭ ‬الأم،‭ ‬ويتم‭ ‬تسخينها‭ ‬أمام‭ ‬الزبون‭ ‬لإيهامه‭ ‬بأنه‭ ‬طعام‭ ‬فريش‭.. ‬لا‭ ‬تستخدم‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬طازج‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتهمك‭ ‬الآخرون‭ ‬بالتخلف‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يلزمون‭ ‬بيوتهم‭ ‬مبكرا،‭ ‬وينامون‭ ‬قبل‭ ‬دجاجاتهم‭ ‬ويستيقظون‭ ‬قبل‭ ‬الديكة،‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬تلوُّث‭ ‬الضوضاء،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كانوا‭ ‬أهل‭ ‬مروءة‭. ‬كان‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬ينهضون‭ ‬فجأة‭ ‬لأن‭ ‬صوتا‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬الجار‭ ‬السابع‭: ‬الله‭ ‬يستر،‭.. ‬فالحاج‭ ‬هاشم‭ ‬ظل‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬مزمن‭... ‬وربما‭ ‬داهم‭ ‬الطلق‭ ‬نفيسة‭ ‬التي‭ ‬انتفخت‭ ‬بطنها‭ ‬مؤخرا‭ (‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬النساء‭ ‬وقتها‭ ‬مهووسات‭ ‬بحساب‭ ‬مدة‭ ‬الحمل‭.. ‬فالمولود‭ ‬سيأتي‭ ‬عندما‭ ‬يريد‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬ان‭ ‬يأتي‭.. ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬الآن‭: ‬بروح‭ ‬أسوي‭ ‬تلفزيون‭ ‬عشان‭ ‬أعرف‭ ‬ولد‭ ‬وللا‭ ‬بنت‭!! ‬بالمناسبة‭ ‬ما‭ ‬قيمة‭ ‬او‭ ‬معنى‭ ‬ان‭ ‬تعرف‭ ‬الام‭ ‬او‭ ‬الأب‭ ‬ان‭ ‬المولود‭ ‬الآتي‭ ‬ولد‭ ‬او‭ ‬بنت؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬طريقة‭ ‬لتحويل‭ ‬جنس‭ ‬المولود‭ ‬حسب‭ ‬الطلب‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬يتشكل؟‭ ‬أم‭ ‬لشراء‭ ‬المونوكير‭ ‬والأحمر‭ ‬والفيونكات‭ ‬والبودرة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬بنتا؟‭ ‬والدراجة‭ ‬والزلاجات‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ولدا؟‭).‬

المهم‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الثابت‭ ‬علميا‭ ‬اليوم‭ ‬ان‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬كلها‭ ‬ضجيج‭ ‬يسبب‭ ‬‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬التوتر‭ ‬العصبي‭ ‬والنفسي‭ ‬‭ ‬بل‭ ‬يفقد‭ ‬الرجال‭ ‬خصوبتهم،‭ ‬فقد‭ ‬اتضح‭ ‬ان‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مصانع‭ ‬ذات‭ ‬هدير‭ ‬مرتفع‭ ‬تتدنى‭ ‬خصوبتهم‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة‭ ‬وينطبق‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬المدن‭ ‬المزدحمة‭ ‬التي‭ ‬يعتبر‭ ‬سكانها‭ ‬البوري‭ ‬اي‭ ‬بوق‭ ‬السيارة‭ ‬آلة‭ ‬موسيقية‭ ‬شعبية‭! ‬وطالما‭ ‬اننا‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للضوضاء‭ ‬فمعنى‭ ‬ذلك‭ ‬اننا‭ ‬معرضون‭ ‬للانقراض،‭ ‬وربما‭ ‬أدركت‭ ‬امريكا‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬فصارت‭ ‬تبدي‭ ‬حرصا‭ ‬على‭ ‬‮«‬سلامتنا‮»‬‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬‮«‬البيئة‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا