العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ماذا تعني الإشارات الأمريكية عن تغيير حدود «سايكس بيكو»؟

بقلم: باسم برهوم

الجمعة ١٥ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

تلميحات‭ ‬مبعوث‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬للبنان‭ ‬وسورية‭ ‬توم‭ ‬براك‭ ‬أعادت‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬البحث‭ ‬النقاش‭ ‬القديم‭ ‬حول‭ ‬خرائط‭ ‬وحدود‭ ‬الاتفاق‭ ‬الاستعماري‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬عام‭ ‬1916،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬التلميحات‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬وخصوصا‭ ‬مما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬واسعة‭ ‬غيرت‭ ‬موازين‭ ‬القوى،‭ ‬فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬بعد‭ ‬حروب‭ ‬كهذه‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬السيناريوهات‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬تقليدي،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬دارجا‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬رهينة‭ ‬للخارطة‭ ‬التي‭ ‬رسمتها‭ ‬أقوى‭ ‬امبراطوريتين‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مصالحهما‭ ‬الاستعمارية‭. ‬

ما‭ ‬كان‭ ‬يحرك‭ ‬بريطانيا‭ ‬وهي‭ ‬تفكر‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أمران،‭ ‬الأول‭ ‬ضمان‭ ‬طريق‭ ‬بري‭ ‬مفتوح‭ ‬من‭ ‬شواطئ‭ ‬البحر‭ ‬المتوسطة‭ ‬الشرقية‭ ‬إلى‭ ‬الهند،‭ ‬المستعمرة‭ ‬الأهم‭ ‬للإمبراطورية،‭ ‬والثاني‭ ‬ضمان‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬من‭ ‬الشرق،‭ ‬أما‭ ‬فرنسا‭ ‬فكانت‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬شواطئ‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬هي‭ ‬امتداد‭ ‬لها‭ ‬ولنفوذها،‭ ‬وأن‭ ‬فرنسا‭ ‬هي‭ ‬اول‭ ‬من‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬الشواطئ‭ ‬السورية‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الحملات‭ ‬الصليبية‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬حدود‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬قد‭ ‬جرى‭ ‬تغييرها‭ ‬جوهريا‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬إحلال‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬مكان‭ ‬فلسطين،‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬ضمن‭ ‬التقسيمات‭ ‬البريطانية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وتم‭ ‬إلغاء‭ ‬فلسطين‭ ‬عن‭ ‬الخريطة‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تغيير‭ ‬الحدود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬عندما‭ ‬احتلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬هضبة‭ ‬الجولان‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬وشبه‭ ‬جزيرة‭ ‬سيناء‭.‬

بدأ‭ ‬تقاسم‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بخط‭ ‬رسمه‭ ‬مارك‭ ‬سايكس‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬المنطقة‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬كانت‭ ‬موضوعة‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬وزارة‭ ‬الحرب‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬بدأ‭ ‬الخط‭ ‬الذي‭ ‬رسمه‭ ‬سايكس‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬شمال‭ ‬حيفا‭ ‬وذهب‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الموصل‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬فارس،‭ ‬وخاطب‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬مكتب‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬قائلا‭: ‬جنوب‭ ‬الخط‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬بأيدي‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وشمال‭ ‬الخط‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لفرنسا‭. ‬وعندما‭ ‬تم‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬عام‭ ‬1916‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬كان‭ ‬هم‭ ‬مارك‭ ‬سايكس‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬بريطانيا‭ ‬ما‭ ‬أرادته،‭ ‬وعندما‭ ‬أصرت‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬حصتها،‭ ‬كان‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬لكي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بريطانيا‭ ‬بفلسطين،‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬وضمان‭ ‬الطريق‭ ‬البري‭ ‬للهند‭. ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬وأثناء‭ ‬رسم‭ ‬الحدود‭ ‬والخرائط‭ ‬تفجرت‭ ‬نزاعات‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬بين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والإنجليز‭ ‬ليصلوا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬الخريطة‭ ‬والحدود‭ ‬التي‭ ‬نعرفها‭ ‬اليوم،‭ ‬استمرت‭ ‬عملية‭ ‬رسم‭ ‬الحدود‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬تخللتها‭ ‬مؤامرات‭ ‬ودسائس‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وكانت‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬لتضمن‭ ‬لنفسها‭ ‬حدودا‭ ‬اوسع‭ ‬للدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وغاب‭ ‬عنها‭ ‬العرب‭ ‬تماما‭. ‬

الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تغييبه‭ ‬عن‭ ‬خريطة‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬هو‭ ‬فلسطين،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬ثبتها‭ ‬جزئيا‭ ‬قرار‭ ‬التقسيم‭ ‬لعام‭ ‬1947،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لتشابك‭ ‬المصالح،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬رغبة‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬تم‭ ‬تمزيق‭ ‬فلسطين‭ ‬وإلغاء‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬الخرائط‭. ‬بعد‭ ‬إلغاء‭ ‬فلسطين‭ ‬بطريقة‭ ‬ظالمة،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬يستقر‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬عشرات‭ ‬الحروب‭ ‬والتمردات‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية،‭ ‬وطوال‭ ‬الوقت‭ ‬واصلت‭ ‬الصهيونية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إسرائيل‭ ‬التنكر‭ ‬لوجود‭ ‬فلسطين‭ ‬والفلسطينيين،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬اعترفت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بوجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬عمل‭ ‬التيار‭ ‬الصهيوني‭ ‬المتطرف‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬وتفريغها‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬مضمون‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يتطور‭ ‬الكيان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬أتاحت‭ ‬وجوده‭ ‬الاتفاقية‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭.‬

اليوم‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الإقليمية،‭ ‬فإن‭ ‬واشنطن‭ ‬تشعر‭ ‬انها‭ ‬صاحبة‭ ‬اليد‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبإمكانها‭ ‬ان‭ ‬تعيد‭ ‬صياغتها‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬هناك‭ ‬مفهوم‭ ‬تحدث‭ ‬به‭ ‬المنظرون‭ ‬الأمريكان‭ ‬بعيد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬عندما‭ ‬انفتحت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬قال‭ ‬هؤلاء‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬يريد‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬توسع‭ ‬الاخرين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬عليه‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬اليوم‭ ‬بحيث‭ ‬بإمكان‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أن‭ ‬تمنع‭ ‬التمدد‭ ‬الصيني‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬

نعود‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬تحريك‭ ‬حدود‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬فإن‭ ‬واشنطن‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إزاحات‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬لتوسيع‭ ‬دول‭ ‬وتضييق‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬إنتاج‭ ‬دول‭ ‬جديدة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬سنكون‭ ‬أمام‭ ‬خريطة‭ ‬مختلفة،‭ ‬هناك‭ ‬سؤال‭ ‬مهم‭ ‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬واشنطن‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الإزاحات‭ ‬أو‭ ‬التغييرات؟

قد‭ ‬يعاد‭ ‬رسم‭ ‬الخرائط‭ ‬حسب‭ ‬الامتدادات‭ ‬العرقية‭ ‬والطائفية‭ ‬والمذهبية‭. ‬فكما‭ ‬قال‭ ‬المبعوث‭ ‬الأمريكي‭ ‬توم‭ ‬براك‭ ‬إن‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬تقاسمتا‭ ‬المنطقة‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مصالحهما‭ ‬الامبريالية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬سلام‭ ‬المنطقة‭ ‬واستقرارها،‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ستترك‭ ‬الأمر‭ ‬لشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬لتقرر‭ ‬هي‭ ‬مصيرها‭ ‬بنفسها‭.‬

لا‭ ‬نعرف‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬إعادة‭ ‬النقاشات‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬السطح‭ ‬مجددا‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬جدية‭ ‬أم‭ ‬إنها‭ ‬مجرد‭ ‬ضغوط‭ ‬لتقبل‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬بما‭ ‬تراه‭ ‬واشنطن‭ ‬لها،‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬حديث‭ ‬جدي‭. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جدية‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬فإن‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬نترقب‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬كعرب‭ ‬مسبقا‭ ‬ماذا‭ ‬نريد؟

 

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا