العدد : ١٧٣١٤ - الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٤ - الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

مأساة برايان وبروس

وأُفٍ‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬تدّعونه

إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفوس‭ ‬رَدَاها‭ (‬هلاكها‭)‬

أعلم‭ ‬انني‭ ‬أوردت‭ ‬بيت‭ ‬الشعر‭ ‬أعلاه،‭ ‬وهو‭ ‬لأحمد‭ ‬شوقي‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬خلاصة‭ ‬رأي‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬اختراع‭ ‬الغواصة،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أمرا‭ ‬مذهلا،‭ ‬وانتصارا‭ ‬للعلم‭ ‬على‭ ‬الظروف‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬خطرا‭ ‬ماحقا‭ ‬على‭ ‬الملاحة‭ ‬البحرية،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فكلما‭ ‬قفز‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬خطوة‭ ‬الى‭ ‬الامام،‭ ‬قفزت‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬خطوتين‭ ‬الى‭ ‬الوراء،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬ان‭ ‬التطور‭ ‬والتقدم‭ ‬العلمي،‭ ‬يشكلان‭ ‬بالضرورة‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬الأخلاق،‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬أنهما‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬الوازع‭ ‬الديني‭ ‬والأخلاقي‭ ‬يسهمان‭ ‬في‭ ‬نسف‭ ‬أو‭ ‬إضعاف‭ ‬القيم‭ ‬المرعية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجتمعات‭.‬

وأكتب‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬إجازة،‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬تموت‭ ‬من‭ ‬البرد‭ ‬حيتانه،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬المتجمد،‭ ‬وأقصى‭ ‬درجة‭ ‬للحرارة‭ ‬فيه،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف،‭ ‬25‭ ‬درجة،‭ ‬ولكن‭ ‬أهله‭ ‬يزعمون‭ ‬أنهم‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الحر‭ ‬ويجعلون‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ذريعة‭ ‬لكشف‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬مستورا‭ ‬من‭ ‬أجسادهم‭/ ‬هن،‭ ‬واسمحوا‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أنكدكم‭ ‬وأقرف‭ ‬عيشتكم‭ ‬بحكاية‭ ‬عائلة‭ ‬ريمر‭ ‬الكندية‭ ‬التي‭  ‬رزقت‭ ‬عام‭ ‬1966‭ ‬بولدين‭ ‬توأم‭ ‬هما‭ ‬برايان‭ ‬وبروس‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬كلاهما‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬في‭ ‬التبول‭ ‬فأجريت‭ ‬عملية‭ ‬ختان‭ ‬ناجحة‭ ‬لبرايان‭ ‬ولكن‭ ‬الجراح‭ ‬رأى‭ ‬ان‭ ‬يكتفي‭ ‬بالكي‭ ‬الكهربائي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬بروس،‭ ‬فكان‭ ‬ان‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬تشويه‭ ‬تام‭ ‬لعضوه‭ ‬التناسلي‭ ‬بحيث‭ ‬قرر‭ ‬الأطباء‭ ‬انه‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬ان‭ ‬يمارس‭ ‬حياته‭ ‬الجنسية‭ ‬كرجل،‭ ‬وبعد‭ ‬الحادث‭ ‬بشهرين‭ ‬استمع‭ ‬والدا‭ ‬التوأم‭ ‬الى‭ ‬طبيب‭ ‬يدعى‭ ‬جون‭ ‬ماني‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬تلفزيوني‭ ‬ان‭ ‬التنشئة‭ ‬وليس‭ ‬الجينات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الشخص‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يعيش‭ ‬كامرأة‭ ‬او‭ ‬رجل،‭ ‬وأن‭ ‬العلاج‭ ‬بالهرمونات‭ ‬يكمل‭ ‬رحلة‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬بمساعدة‭ ‬جراحات‭ ‬استئصالية‭ ‬وتجميلية،‭ ‬وكان‭ ‬والد‭ ‬وأم‭ ‬التوأم‭ ‬يبلغان‭ ‬وقتها‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬20‭ ‬و18‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬فسافرا‭ ‬الى‭ ‬أمريكا‭ ‬حيث‭ ‬عيادة‭ ‬الدكتور‭ ‬ماني‭ ‬الذي‭ ‬رحب‭ ‬بهما‭ ‬ايما‭ ‬ترحيب‭ ‬لأنه‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬بروس‭ ‬فأر‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬يثبت‭ ‬به‭ ‬نظريته‭ ‬العجيبة،‭ ‬وأقنع‭ ‬الوالدين‭ ‬بأن‭ ‬بروس‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬بنت‭ ‬طبيعية‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الانجاب،‭ ‬وهكذا‭ ‬خضع‭ ‬الطفل‭ ‬لجراحات‭ ‬قاسية‭ ‬لفبركة‭ ‬اعضاء‭ ‬تناسلية‭ ‬انثوية‭ ‬له‭ ‬وتم‭ ‬حقنه‭ ‬بهرمونات‭ ‬الانوثة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬وتم‭ ‬تحويل‭ ‬اسمه‭ ‬من‭ ‬بروس‭ ‬الى‭ ‬بريندا،‭ ‬وكان‭ ‬الطبيب‭ ‬ماني‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬المشاعية‭ ‬الجنسية‭ ‬ويشجع‭ ‬المعاشرة‭ ‬بين‭ ‬المنتمين‭ ‬الى‭ ‬نفس‭ ‬الجنس‭ ‬ومع‭ ‬الجنس‭ ‬الآخر،‭ ‬وكان‭ ‬يأتي‭ ‬بالتوأم‭ ‬برايان‭ ‬وبروس‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬بريندا‭ ‬ليتعريا‭ ‬امامه‭ ‬بزعم‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬سيجعلها‭ ‬متحررين‭ ‬من‭ ‬العقد‭ ‬الجنسية‭.‬

‭ ‬وكي‭ ‬لا‭ ‬أقرفكم‭ ‬أكثر‭ ‬اقول‭ ‬ان‭ ‬بروس‭ ‬صار‭ ‬بنتا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الملامح،‭ ‬ولكنه‭ ‬ظل‭ ‬يحس‭ ‬بانه‭ ‬ولد،‭ ‬وكلما‭ ‬تعرض‭ ‬للتهكم‭ ‬والمضايقات‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ (‬لأن‭ ‬الدكتور‭ ‬ماني‭ ‬كان‭ ‬يتبجح‭ ‬عبر‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية‭ ‬عن‭ ‬تجربته‭ ‬‮«‬الرائدة‮»‬‭ ‬معه‭ ‬وإثبات‭ ‬صدق‭ ‬نظريته‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يتصرف‭ ‬كبنت‭ ‬بل‭ ‬يضرب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يستفزه،‭ ‬وكان‭ ‬طبيعيا‭ ‬ان‭ ‬يهجر‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولكن‭ ‬الاستفزازات‭ ‬ظلت‭ ‬تلاحقه‭ ‬اينما‭ ‬ذهب‭ ‬وعندما‭ ‬بلغ‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬قرر‭ ‬انه‭ ‬لن‭ ‬يبقى‭ ‬بنتا‭ ‬وخضع‭ ‬لجراحات‭ ‬تخلص‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬ثدييه‭ ‬الاصطناعيين،‭ ‬وزرع‭ ‬له‭ ‬الاطباء‭ ‬عضو‭ ‬ذكورة،‭ ‬وصار‭ ‬يكثر‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬كي‭ ‬يصبح‭ ‬بدينا‭ ‬ويغطي‭ ‬بالشحم‭ ‬على‭ ‬معالم‭ ‬الانوثة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبها‭ ‬بتعاطي‭ ‬الهرمونات‭.. ‬أما‭ ‬توأمه‭ ‬برايان‭ ‬فقد‭ ‬سببت‭ ‬له‭ ‬تجربة‭ ‬شقيقه‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية‭ ‬حادة‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬مجرما‭ ‬وضيفا‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬السجون،‭.. ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬بروس‭ ‬الذي‭ ‬استرد‭ ‬مظاهر‭ ‬الرجولة‭ ‬لم‭ ‬يتعاف‭ ‬قط‭ ‬من‭ ‬مرارة‭ ‬التجربة‭ ‬ولم‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬سخرية‭ ‬زملائه‭ ‬في‭ ‬المقصب‭ ‬الآلي،‭ ‬لأن‭ ‬الدكتور‭ ‬ماني‭ ‬ظل‭ ‬يتحدث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية‭ ‬والمطبوعات،‭.. ‬وهكذا‭ ‬قاد‭ ‬سيارته‭ ‬الى‭ ‬ضواحي‭ ‬المدينة‭ ‬الكندية‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬ووضع‭ ‬فوهة‭ ‬بندقية‭ ‬أسفل‭ ‬فكيه‭ ‬وضغط‭ ‬الزناد‭ ‬و‭..... ‬مات‭!! ‬ومات‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬وسيموت‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬كثيرون‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يدوس‭ ‬على‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الاخلاقية‭ ‬لإثبات‭ ‬نظريات‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬إحراز‭ ‬مجد‭ ‬شخصي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا