رصدت التحليلات الغربية، في أعقاب الحرب التي اندلعت بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى في يونيو 2025، مواقف الصين وروسيا، الحليفين الأبرز لطهران. ورغم العلاقات الوثيقة والاتفاقيات الاستراتيجية، بدت ردود بكين وموسكو باهتة أمام التصعيد العسكري الكبير، ما فتح باب التساؤلات حول متانة هذا المحور الثلاثي ومستقبله في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتصاعدة.
وفي مقالها بمجلة فورين أفيرز، كتبت سوزان مالوني، نائبة رئيس مؤسسة بروكينغز والمستشارة السابقة بوزارة الخارجية الأمريكية، أن الضربات الإسرائيلية ضد إيران في 13 يونيو 2025، والتي توسعت بمشاركة أمريكية في 22 يونيو، شكّلت صدمة للنظام الإيراني وجزء كبير من العالم، رغم التحذيرات السابقة والاستعدادات المعلنة.
وأشارت إلى أن رد الصين وروسيا، أبرز شركاء إيران، لم يتجاوز إدانات فاترة، دون تحرك ملموس لردع التصعيد. وكتب جرانت روملي، بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وكريج سينجلتون بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في فورين بوليسي أن الرد الصيني اقتصر على سيل من البيانات الخطابية، دون فائدة.
ورغم دعم طهران لحرب موسكو ضد أوكرانيا عبر إرسال أسلحة ومعدات، أوضحت إلينا دافليكانوفا، بمركز تحليل السياسات الأوروبية، أن روسيا لم ترد بالمثل في يونيو 2025. واستخلص ألكسندر بالمر وصوفيا سيزونينكو، بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن هذه التجربة كشفت للقيادة الإيرانية ماهية صداقة روسيا الحقيقية.
ومع استمرار ابتعاد بكين وموسكو عن الأزمة الإيرانية دون تدخل دبلوماسي أو عسكري فعّال، بات تأثيرهما على مجريات الأحداث في المنطقة محدودًا، شأنه شأن قدرتهما على حماية مصالحهما الجيوسياسية والاقتصادية. أشار أحمد أبو دوح، بالمعهد الملكي للشؤون الدولية، إلى أن التجارة والاستثمارات الصينية لا تزال بمنأى عن المواجهة، لكن أي تصعيد إقليمي مستقبلي سيزيد من الضغط على مصالح الصين، خاصة واردات الطاقة من الخليج العربي.
ومنذ دخول وقف إطلاق النار المؤقت بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ في 24 يونيو، ناقش العديد من المعلقين الغربيين آثار الصراع على التوازن الجيوسياسي. وأشارت سوزان مالوني إلى أن الانتكاسات التي تعرّض لها النظام الإيراني فاقمت من انهيار المسرح الجيوسياسي الإيراني، الذي بدأ مع التوترات في لبنان وانهيار نظام الأسد في سوريا.
أما ليون آرون، بمعهد أمريكان إنتربرايز، فأشار إلى أن محور إيران وروسيا انهار تحت الضغط، رغم مخاوف الغرب الطويلة منه. وعلى صعيد العلاقة مع الصين، رأت دينا إسبانديان وآنا جاكوبس، بمجموعة الأزمة الدولية، أن بكين لعبت دورًا حاسمًا في وساطتها بين طهران والرياض عام 2023، عبر تقديم ضمانات ومساعدة الجانبين في تجاوز مخاوفهما.
ووفقًا لمعهد الشرق الأوسط، اعتُبرت الوساطة الصينية بداية لتقويض الهيمنة الغربية في المنطقة، لا سيما مع استقبال بكين وفودًا من كبار المسؤولين لمناقشة العديد من قضايا الأعمال والتجارة. وعلّق أندريا جيزيلي، بجامعة إكستر البريطانية، بأن الصين عززت دورها في المنطقة، ولم تعد مجرد لاعب بعيد أو ثانوي.
وخلال الصراع الذي استمر 12 يومًا في يونيو 2025، وثّق جرانت روملي وكريج سينجلتون كيف اكتفت بكين بإصدار بيانات صحفية تُدين التصعيد، دون اتخاذ أي خطوات ملموسة. وفي السياق ذاته، أشار جون كالابريز من معهد الشرق الأوسط إلى أن رد فعل الصين جاء منسجمًا مع نهجها المعروف بـعدم التحالف النشط، بهدف ترسيخ صورتها كـفاعل دولي مسؤول.
ومن جانبه، نوّه أحمد أبو دوح إلى افتقار الصين للنفوذ السياسي في المنطقة، حيث لم تكن قادرة على تقديم نفسها كوسيط، بسبب انعدام الثقة المتبادل مع طهران، بالإضافة إلى عجزها عن التأثير في سلوك ائتلاف بنيامين نتنياهو المتشدد.
وفي ظل تحفظها الدائم تجاه الانخراط في نزاعات الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تشمل تدخلًا أمريكيًا، لم يكن مفاجئًا أن تثير دافليكانوفا مسألة خيبة الأمل الإيرانية العميقة من رد الفعل المخزي لموسكو تجاه الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، رغم توقيع البلدين في يناير معاهدة شراكة استراتيجية، تعهدت فيها روسيا بتعزيز العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية مع إيران. وفي نهاية المطاف، لم يصدر عن فلاديمير بوتين سوى تصريح مقتضب وصف فيه القصف الأمريكي لإيران بأنه عدوان غير مبرر.
ويُذكر أيضًا أن روسيا استخدمت آلاف الطائرات المُسيّرة الإيرانية المسلحة في حربها بأوكرانيا، إلى جانب صواريخ باليستية قصيرة المدى. وقد علّق فابيان هينز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في سبتمبر 2024، بأن تسليم هذه الصواريخ يمثل مرحلة جديدة من التعاون العسكري بين موسكو وطهران.
وفي الشهر نفسه، قيّم مارك ن. كاتز، الزميل الأقدم غير المقيم في المجلس الأطلسي، رغبة إيران في الحصول على مقاتلات سو-35 وأنظمة إس-400 من روسيا، لكن نظام بوتين بدا مترددًا في الاستجابة. وبعد الغارات الجوية على منشآت ومدن نووية إيرانية دون رد، أفادت تقارير يوليو 2025 بأن الجيش الإيراني أجرى أول اختباراته الداخلية لنظام إس-400.
أما عن غياب دعم الصين وروسيا في مواجهة الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، فرجّح أبو دوح أن السبب يعود إلى مخاوف الصين بشأن ضعف الجيش الإيراني، بينما أشار جيزيلي إلى أن الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط ليست ضمن أولويات بكين القصوى، ما يفسر نهجها منخفض الالتزام خلال الأزمات.
وعن روسيا، ترى دافليكانوفا أن ترددها أصبح سمة مميزة لسياستها الخارجية، مشيرة إلى رفض الكرملين دعم أرمينيا ضد أذربيجان، وعجزه عن مساندة الأسد خلال هجوم المتمردين في ديسمبر 2024.
قدّم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تفسيرًا لرد الفعل الهادئ من الصين وروسيا، معتبرًا أن قادتهما يراقبون الضربات الأمريكية في 22 يونيو، ويرون أن الولايات المتحدة لا تزال تمتلك أقوى جيش في العالم.
في المقابل، أشار أبو دوح إلى أن الصين حققت انتصارات كبيرة من التصعيد، أبرزها شراء النفط الإيراني دون عقوبات وتأمين عقود لإعادة بناء اقتصاد إيران، إضافة إلى تشتيت انتباه إدارة ترامب عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ. أما روسيا، فبحسب بالمر وسيزونينكو، فهي تسعى إلى موازنة شراكتها مع إيران مع حماية مصالحها الأوسع في الشرق الأوسط، ما يجعلها الرابح استراتيجيًا.
ورغم امتناع شركاء إيران الدوليين عن التدخل، يرى محللون غربيون أن طهران ستستمر في إحياء برنامجها النووي. وقد تساءل مارك فيتزباتريك، بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، كيف أن النظام، مدفوع بالغضب القومي والدفاع، قد يتجه سرًا نحو إنتاج عدد محدود من الأسلحة النووية.
وبعد قرابة الشهرين على الضربات الأمريكية والإسرائيلية، أشارت داريا دولزيكوفا وماثيو سافيل، بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، إلى أن حجم الضرر الفعلي للبرنامج النووي الإيراني لا يزال غير معروف. ورغم تأكيد ترامب تدمير المنشآت الأساسية، أفاد تقرير من وزارة الدفاع الأمريكية بأن البرنامج يمكن استعادته خلال أشهر. ومع بقاء مخزون اليورانيوم المخصب الذي يفوق 8000 كيلوجرام من دون خسائر كبيرة، رجّح فيتزباتريك إمكانية إنتاج إيران ما يصل إلى عشر قنابل نووية خلال ستة أشهر.
وفي سياق متصل، كشفت فاينانشال تايمز عن زيارات سرية لعلماء نوويين إيرانيين إلى روسيا منذ 2024. وبينما أشار إيان ستيوارت، بمركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار، إلى وجود تفسيرات مدنية ممكنة، فإنه استنتج أن منظمة الابتكار والبحث الدفاعي الإيرانية تسعى للحفاظ على معرفتها النووية عبر الخبرة الروسية.
وانطلاقًا من أن البرنامج لم يُقضَ عليه وقد يحصل على دعم خارجي متزايد، ترى مالوني أن القضاء عليه يتطلب إما الدبلوماسية أو تغيير النظام، مؤكدة أن الخيار الدبلوماسي هو الوحيد المتاح حاليًا. وبناء عليه، فإن احتمال شن الولايات المتحدة وإسرائيل هجمات جديدة ضد إيران يبدو واقعيًا في الأشهر المقبلة.
وأوضح أبو دوح أن معضلة هرمز أصبحت أكثر خطورة بالنسبة إلى الصين، التي تعتمد بشكل كبير على نفط الخليج، مما يجعل أمن الطاقة والتنمية الوطنية في بكين عرضة لأي تصعيد. وخلص إلى أن السيناريو المثالي للصين هو اتفاق دبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة لتقليل خطر الصراع.
ومن جانبه، أشار جيزيلي إلى أن نفوذ الصين يتوسع عندما تكون الظروف الإقليمية مواتية، لذا يُتوقع أن تحافظ على استراتيجيتها التحوطية، بما يشمل إصلاح علاقاتها مع إسرائيل، وتشجيع إيران على اتفاق نووي مع واشنطن، مع الاستمرار في استيراد النفط الإيراني لدعم اقتصادها.
أما روسيا، فبحسب دافليكانوفا، فإن انشغالها في أوكرانيا قلل من شهية أو قدرة موسكو على خوض مواجهات جديدة، وهو ما شكّل مفاجأة غير سارة لطهران رغم دعمها السابق لروسيا. ومع ذلك، أكد فيتزباتريك أن دافع إيران للردع النووي لا يزال قائمًا، وأن استمرار برنامجها النووي سيُبقي التهديدات الأمريكية والإسرائيلية نشطة، مما يزيد الضغط على علاقاتها مع الصين وروسيا ويختبر مدى صلابتها إقليميًا.
وتُظهر القراءة الغربية لما بعد الحرب أن إيران خرجت من المواجهة بحلفاء مترددين، وتحديات إقليمية متفاقمة، وبرنامج نووي تحت الرقابة لكنه لم يُقضَ عليه. وبين صمت الصين، وتردّد روسيا، وتعاظم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، تجد طهران نفسها أمام معادلة معقّدة تتطلب إعادة حسابات في تحالفاتها، واستراتيجية حذرة في مواجهة المتغيرات الدولية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك