العدد : ١٧٣٠٨ - الثلاثاء ١٢ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠٨ - الثلاثاء ١٢ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

الأبعاد الصحية للمخلفات المايكروبلاستيكية

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ٠٨ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

بدأ‭ ‬العلماء‭ ‬اليوم‭ ‬سباقاً‭ ‬ماراثونياً‭ ‬جديداً‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬ينتهي،‭ ‬ومتى‭ ‬سينتهي،‭ ‬فهو‭ ‬سباق‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬زمني‭ ‬ولا‭ ‬مكاني‭ ‬له،‭ ‬ويغطي‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬برمتها،‭ ‬ومجال‭ ‬هذا‭ ‬السباق‭ ‬البحثي‭ ‬الطويل‭ ‬هو‭ ‬التعرف‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬الصحية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمخلفات‭ ‬البلاستيكية،‭ ‬أو‭ ‬الجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الدقيقة‭ ‬والصغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬التي‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تسبح‭ ‬وتمرح‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬شبرٍ‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬وخلايا‭ ‬أجسامنا‭.‬

فبعد‭ ‬أن‭ ‬انتهى‭ ‬العلماء‭ ‬قبيل‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬السباق‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬استغرق‭ ‬قرابة‭ ‬50‭ ‬عاماً،‭ ‬شرعوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السباق‭ ‬الحديث‭ ‬الثاني‭ ‬المعقد،‭ ‬وكثير‭ ‬التحديات‭ ‬والغموض‭. ‬فأما‭ ‬السباق‭ ‬القديم‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬كان‭ ‬مجاله‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الكبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬التي‭ ‬يرميها‭ ‬الإنسان‭ ‬ويتخلص‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬والبحر،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬سلات‭ ‬وحاويات‭ ‬المخلفات‭ ‬والقمامة‭ ‬المنزلية،‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬مياه‭ ‬المجاري‭. ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المخلفات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يختفي‭ ‬عندما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬عناصر‭ ‬بيئتنا،‭ ‬من‭ ‬هواءٍ،‭ ‬وماءٍ،‭ ‬وتربة،‭ ‬فهي‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بوضوح‭ ‬وتبدو‭ ‬جلية‭ ‬مشهودة‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬الناس‭. ‬فهذه‭ ‬المخلفات،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الأكياس‭ ‬البلاستيكية‭ ‬نراها‭ ‬تطير‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬حرة‭ ‬طليقة،‭ ‬وبعضها‭ ‬نجدها‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬أغصان‭ ‬الأشجار،‭ ‬وكأنها‭ ‬قناديل‭ ‬تزين‭ ‬بها‭ ‬الأشجار،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وفي‭ ‬الطرقات،‭ ‬كما‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬الصحراوية‭ ‬والبحرية،‭ ‬فتسبب‭ ‬تلوثاً‭ ‬وتشوهاً‭ ‬جمالياً‭ ‬لهذه‭ ‬البيئات‭ ‬الفطرية‭ ‬الطبيعية‭ ‬الجميلة،‭ ‬وتعكر‭ ‬صفاء‭ ‬ونقاوة‭ ‬منظرها‭.‬

وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المخلفات‭ ‬كوَّن‭ ‬ظاهرة‭ ‬بحرية‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬وغريبة‭ ‬جداً‭ ‬لم‭ ‬يشهدها‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وهي‭ ‬تجمعها‭ ‬وتراكمها‭ ‬بأحجام‭ ‬ضخمة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬البحرية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬حيث‭ ‬تشكلت‭ ‬مقبرة‭ ‬جماعية‭ ‬واسعة‭ ‬جداً،‭ ‬وتحتوي‭ ‬على‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخطر‭ ‬ببالك‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يخطر‭ ‬ببالك‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والصغيرة‭ ‬الحجم‭. ‬واليوم‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬المقبرة‭ ‬دائمة،‭ ‬تدور‭ ‬فيها‭ ‬المخلفات‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬بفعل‭ ‬التيارات‭ ‬والموجات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬مغلقة‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬منها،‭ ‬وكأنها‭ ‬دخلت‭ ‬سجناً‭ ‬عظيماً‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الهروب‭ ‬منه‭. ‬وهذه‭ ‬المساحة‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬تَجَمَّعَ‭ ‬فيها‭ ‬المخلفات‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬أُطلقُ‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬المدفن‭ ‬البحري‮»‬،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ ‬العلماء‭ ‬عادةً‭ ‬ببقعة‭ ‬القمامة‭ ‬العظيمة‭ ‬‭(‬Great‭ ‬Pacific‭ ‬Garbage‭ ‬Patch‭)‬،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬مساحته‭ ‬الآن‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬قرابة‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬وبعمق‭ ‬قرابة‭ ‬عشرة‭ ‬أمتار‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬المحيط،‭ ‬أي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬البحرين‭ ‬بنحو‭ ‬970‭ ‬مرة،‭ ‬ويحمل‭ ‬في‭ ‬بطنه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬طنٍ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬المخلفات‭ ‬الطافية‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬عمود‭ ‬الماء،‭ ‬ومعظمها‭ ‬مخلفات‭ ‬بلاستيكية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المدفن‭ ‬البحري‭ ‬الكبير‭ ‬تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المساحة‭ ‬والحجم‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬بين‭ ‬برمودا‭ ‬وجزر‭ ‬أزورس‭ ‬البرتغالية‭ ‬بحسب‭ ‬نتائج‭ ‬الدراسة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬مايو‭ ‬2012‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬بريطانية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬رسائل‭ ‬علم‭ ‬الأحياء‮»‬‭.‬

ومع‭ ‬الأيام‭ ‬اكتشف‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وأشكالها‭ ‬وأحجامها‭ ‬قد‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬أجسام‭ ‬الكائنات‭ ‬الفطرية‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬والبر،‭ ‬حيث‭ ‬تعتبرها‭ ‬هذه‭ ‬الأحياء‭ ‬مواد‭ ‬غذائية،‭ ‬فتلتقمها‭ ‬وتبتلعها‭ ‬وتسبب‭ ‬لها‭ ‬مشكلات‭ ‬صحية‭ ‬حادة،‭ ‬مثل‭ ‬انسداد‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نفوقها‭. ‬كما‭ ‬كشفت‭ ‬الدراسة‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬جديدة‭ ‬حول‭ ‬سلوك‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات،‭ ‬حيث‭ ‬أفادت‭ ‬بأن‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والصغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬تعمل‭ ‬كالإسفنج‭ ‬على‭ ‬امتصاص‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬السامة‭ ‬التي‭ ‬تُصرف‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية،‭ ‬وخاصة‭ ‬المركبات‭ ‬العضوية‭ ‬الثابتة‭ ‬والمستقرة،‭ ‬فتتراكم‭ ‬هذه‭ ‬السموم‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬ويزيد‭ ‬تركيزها،‭ ‬وعندما‭ ‬تتغذى‭ ‬عليها‭ ‬الأسماك،‭ ‬ثم‭ ‬الإنسان،‭ ‬تَكُون‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬تركيزٍ‭ ‬عالٍ‭ ‬قد‭ ‬يهدد‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬الكائنات‭ ‬البحرية‭ ‬والإنسان‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تعمل‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬كمستعمرات‭ ‬تنمو‭ ‬وتتكاثر‭ ‬عليها‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬المجرية‭ ‬من‭ ‬فيروسات،‭ ‬وبكتيريا،‭ ‬وغيرهما،‭ ‬وتنتقل‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭.‬‮ ‬

وأثناء‭ ‬السباق‭ ‬الماراثوني‭ ‬الأول‭ ‬اكتشف‭ ‬العلماء‭ ‬ظاهرة‭ ‬وحقيقة‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة‭ ‬متعلقة‭ ‬بمصير‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الكبيرة‭ ‬وكيفية‭ ‬تصرفها‭ ‬عندما‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة،‭ ‬والتحولات‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭. ‬فقد‭ ‬تبين‭ ‬للعلماء‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الكبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحجم،‭ ‬وإنما‭ ‬وبفعل‭ ‬الظروف‭ ‬المناخية‭ ‬من‭ ‬ضوء،‭ ‬وحرارة،‭ ‬ورياح‭ ‬وتيارات‭ ‬وأمواج‭ ‬بحرية،‭ ‬وكائنات‭ ‬دقيقة،‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬التفتت،‭ ‬والتكسر،‭ ‬والتحول‭ ‬إلى‭ ‬أجزاء‭ ‬أصغر‭ ‬فأصغر‭ ‬حتى‭ ‬تبلغ‭ ‬حجم‭ ‬الجسيمات‭ ‬غير‭ ‬المرئية‭ ‬كالمساحيق،‭ ‬حيث‭ ‬نُشر‭ ‬أول‭ ‬بحث‭ ‬يصف‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬والظاهرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬وتم‭ ‬اكتشاف‭ ‬جسيمات‭ ‬دقيقة‭ ‬قطرها‭ ‬20‭ ‬ميكرومتراً‭ ‬في‭ ‬الكائنات‭ ‬البحرية‭ ‬العالقة‭ ‬في‭ ‬عمود‭ ‬الماء،‭ ‬وأُطلقَ‭ ‬عليها‭ ‬بالجسيمات‭ ‬‮«‬الميكروبلاستيكية‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬البحث‭ ‬مهَّد‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬العلماء،‭ ‬وفتح‭ ‬لهم‭ ‬باباً‭ ‬واسعاً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬غلقه،‭ ‬وهو‭ ‬باب‭ ‬وجود‭ ‬الجسيمات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أعضاء‭ ‬وخلايا‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭. ‬فمع‭ ‬البحث‭ ‬الميداني‭ ‬وازدياد‭ ‬أعداد‭ ‬الأبحاث‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬تعريف‭ ‬للجسيمات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ (‬جزء‭ ‬من‭ ‬المليون‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قطرها‭ ‬يساوي‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬مليمترات،‭ ‬أو‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬شعر‭ ‬الإنسان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬النانوبلاستيك،‭ ‬أو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬البليون‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تحديد‭ ‬مصادر‭ ‬هذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬المتناهية‭ ‬في‭ ‬الصغر،‭ ‬فمنها‭ ‬مصادر‭ ‬أولية‭ ‬كالميكروبيدز‭ ‬(microbeads)‭ ‬التي‭ ‬تُضاف‭ ‬إلى‭ ‬منتجات‭ ‬الزينة‭ ‬والتبرج‭ ‬ومعجون‭ ‬الأسنان‭ ‬والدهان‭ ‬وغيرها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬المصادر‭ ‬الثانوية‭ ‬مثل‭ ‬انبعاث‭ ‬الجسيمات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬من‭ ‬إطارات‭ ‬السيارات‭ ‬أثناء‭ ‬احتكاكها‭ ‬بالشارع،‭ ‬والعبوات‭ ‬البلاستيكية،‭ ‬والملابس‭ ‬أو‭ ‬الألياف‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬التي‭ ‬تتسرب‭ ‬من‭ ‬الأقمشة‭ ‬أثناء‭ ‬الغسيل،‭ ‬ومنها‭ ‬أيضاً‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬تكسير‭ ‬وتفتت‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬بالعمليات‭ ‬الحيوية،‭ ‬والكيميائية،‭ ‬والطبيعية‭ ‬كأشعة‭ ‬الشمس،‭ ‬والضوء،‭ ‬والتيارات‭ ‬والموجات‭ ‬البحرية‭. ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ ‬يتعرض‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬إما‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الهواء‭ ‬بالتنفس،‭ ‬أو‭ ‬الامتصاص‭ ‬الجلدي،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أكل‭ ‬وشرب‭ ‬مواد‭ ‬غذائية‭ ‬تحتوي‭ ‬عليها‭.‬

واليوم‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬السباق‭ ‬الماراثوني‭ ‬الأول‭ ‬نؤكد‭ ‬حقيقة‭ ‬علمية‭ ‬يُجمع‭ ‬عليها‭ ‬العلماء،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬المجهرية‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شبرٍ‭ ‬من‭ ‬بيئتنا،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة‭ ‬أو‭ ‬نائية‭ ‬وبعيدة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬اكتشافها‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬المدن‭ ‬الحضرية‭ ‬والزراعية،‭ ‬وفي‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬وفي‭ ‬مياه‭ ‬الشرب،‭ ‬وفي‭ ‬أعالي‭ ‬الجبال‭ ‬الشاهقة،‭ ‬وفي‭ ‬أعماق‭ ‬المحيطات‭ ‬السحيقة‭ ‬الباردة‭ ‬والمظلمة‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬كيلومترات‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وفي‭ ‬ثلوج‭ ‬ومياه‭ ‬القطبين‭ ‬الشمالي‭ ‬والجنوبي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وما‭ ‬يدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬هو‭ ‬اكتشاف‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬فهي‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬اللعاب،‭ ‬والرئة،‭ ‬والكبد،‭ ‬والكلية،‭ ‬وأنسجة‭ ‬القلب،‭ ‬وفي‭ ‬الحيوانات‭ ‬المنوية،‭ ‬وفي‭ ‬الخصية،‭ ‬وفي‭ ‬المشيمة،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تخطت‭ ‬وكسرت‭ ‬الحاجز‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬الدم‭ ‬والخلايا،‭ ‬فانتقلت‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬خلايا‭ ‬الإنسان،‭ ‬وبدأت‭ ‬تتراكم‭ ‬فيها‭ ‬ويرتفع‭ ‬تركيزها‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭.‬

فهذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬الأخير‭ ‬بدأ‭ ‬الآن‭ ‬سباقاً‭ ‬ماراثونياً‭ ‬جديداً‭ ‬ثانياً‭ ‬يُشارك‭ ‬فيه‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والأطباء‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬ويهدف‭ ‬إلى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬خط‭ ‬السباق‭ ‬بالإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤالين‭ ‬التالين‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬التأثيرات‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬المخلفات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬وخلايا‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬ستسببها‭ ‬مع‭ ‬الزمن؟

فنحن‭ ‬الآن‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬تحدٍ‭ ‬جديد،‭ ‬ولغز‭ ‬محير‭ ‬ومعقد‭ ‬سيحاول‭ ‬العلماء‭ ‬فك‭ ‬رموزه،‭ ‬واكتشاف‭ ‬أسراره،‭ ‬فوجود‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬والنانوبلاستيكية‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭ ‬كلها،‭ ‬وفي‭ ‬أعضاء‭ ‬الكائنات‭ ‬الفطرية‭ ‬الحية،‭ ‬وفي‭ ‬الإنسان،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬صحية‭ ‬خطيرة،‭ ‬ويسبب‭ ‬أمراضاً‭ ‬مزمنة‭ ‬للإنسان،‭ ‬وسنعرف‭ ‬الإجابة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬السباق‭ ‬الشاق‭ ‬والطويل،‭ ‬فمتى‭ ‬ستكون‭ ‬النهاية؟‭  ‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا