كان مجلس النواب في العراق على وشك تشريع قانون الحشد الشعبي، الذي من خلاله يتم الاعتراف رسمياً بالحشد، وهو مجموعة من المليشيات والتنظيمات الشيعية المسلحة، بصفتها مؤسسة رسمية مستقلة يكون رئيسها بدرجة وزير، حين صدرت الأوامر الأمريكية بحل الحشد ونزع سلاحه لما يشكله من خطر على الدولة واستقرارها وأمن المجتمع وسلامته.
تأخر الأمر الأمريكي سنوات، وكان من الممكن أن يتأخر سنوات أخرى لولا إصرار إيران وأتباعها في العراق على تثبيت وجود الحشد بقانون ملزم للحكومة، بغض النظر عن شخصية من يتزعمها. تحرك الأمريكيون في وقت شعروا فيه أن العراق سيخرج عن السيطرة، ويبقى زمناً طويلاً بمثابة الخط الدفاعي الأول عن إيران من خلال المليشيات التي يحميها القانون من دون أن تكون خاضعة له.
نفض نواب الدورة الحالية للمجلس أيديهم من القانون المذكور، وتم تأجيله صورياً إلى الدورة القادمة التي ستبدأ عملها بعد الانتخابات المقبلة في نوفمبر القادم.
أما حل الحشد الشعبي في سياق الأوامر الأمريكية، فهو ليس من اختصاص السلطة التشريعية. تلك مهمة عسيرة أوكلها البعض ساخرين إلى المرجعية الدينية.
فالحشد تأسس تلبية لفتوى أصدرها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، وهو ما يعني أنه يملك السلطة لحلّه من خلال فتوى جديدة. تلك كذبة ساخرة. فمؤسسة المرجعية، يعرف أعضاؤها، وعلى رأسهم السيستاني نفسه، أن فتوى تصدر لحل الحشد الشعبي لن ينفذها أحد، وبذلك ستضع المرجعية نفسها في موقف حرج، كما أن تلك الفتوى ستؤدي بالضرورة إلى إحراج إيران، التي من المتوقع أن تنقلب على المرجعية، فتخرج المرجعية خاسرة، محرومة من المليارات التي تجنيها.
ولأن المرجعية في العراق تريد الحفاظ على وضعيتها، فإنها لن تقع في ذلك الفخ الذي يمكن أن يحرم النجف من هالتها الرمزية.
أما الحكومة العراقية، التي يطمح رئيسها إلى ولاية ثانية بعد الانتخابات، وقد هيأ نفسه لخوض صراع شرس في مواجهة تحالف الإطار التنسيقي، وهو التحالف الحاكم الذي منحه فرصة اعتلاء كرسي السلطة، فإنها أضعف من أن تقول رأياً لا مع تثبيت الحشد واقعياً بقوة القانون ولا مع حله في سياق تنفيذ الأوامر الأمريكية، التي تعرف أنها ستكون مؤثرة على عملها لارتباطها بتعليمات وزارة الخزانة الأمريكية، وهي الجهة الوحيدة التي تملك حق التصرف بالإيرادات المالية التي يحصل عليها العراق من بيع نفطه. فالطرفان المتخاصمان حول الحشد الشعبي، وهما الولايات المتحدة وإيران، يعرفان جيداً أن الحكومة العراقية أضعف من أن تتخذ قراراً سيادياً من هذا النوع، لذلك فإن مصير الحشد سيُترك إلى أن تُعقد جولة جديدة من مفاوضاتهما، التي قد لا تُعقد في وقت قريب.
في انتظار ما يمكن أن تؤدي إليه مفاوضات الطرفين الراعيين للعراق، فإن خطر سلاح المليشيات الشيعية المنفلت سيظل قائماً في حياة العراقيين. وما حدث من اقتتال قبل أيام في منطقة الدورة بين فصيل من الحشد والقوات الأمنية، وكان موضوعه الخلاف حول إزاحة مدير في وزارة الزراعة من منصبه، وأدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، يمكن أن يتكرر في أيّ لحظة، وهو ليس الحادثة الأولى من نوعها.
كانت هناك الكثير من الوقائع التي عاش العراقيون رعبها، انتصرت المليشيات من خلالها على القوات الأمنية دون أن تجرؤ الحكومة على التحقيق فيها. ولكن ما يجب أن نعرفه أن وزارة الداخلية العراقية، التي تتولى عادة التحقيق في تلك النزاعات، إنما تُدار من قبل منظمة بدر، وهي ميليشيا يتزعمها هادي العامري، وسبق لها أن قاتلت العراق في عهد صدام في ثمانينات القرن الماضي إلى جانب إيران.
بغض النظر عمّا يشيعه المستفيدون من فوضى السلاح المنفلت من نظريات، يضربون من خلالها على الأوتار الطائفية، مثل أن يكون الحشد هو القوة التي تحمي العراق (الشيعي) من غزو داعشي يمهد لعودة البعثيين إلى الحكم، فإن ما يجري على الأرض يؤكد أن لمليشيات الحشد أجنداتها الخاصة التي لا علاقة لها بالعراق.
إن المنطلقات النظرية لتلك المليشيات لا تقوم أصلاً على احترام سيادة العراق والدفاع عن كرامة العراقيين وحريتهم. لقد تأسست تلك المليشيات في إيران أو برعاية وتمويل منها. سنكون أغبياء، وليس فقط ساذجين، إذا صدقنا أن إيران ستضع مليشياتها في خدمة المصلحة العراقية.
حتى في الحالة التي يحكم فيها أتباعها العراق، فإن إيران ستظل تنظر إلى العراق بصفته عدوّاً. هنا يكمن خطر الحشد الشعبي على مستقبل العراق.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك