العدد : ١٧٣٠٣ - الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠٣ - الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ماكرون والموقف الفرنسي من الاعتراف بالدولة الفلسطينية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬شهرًا‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬المتواصلة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القصف‭ ‬العشوائي‭ ‬الذي‭ ‬خلف‭ ‬دمارًا‭ ‬هائلًا،‭ ‬والتهجير‭ ‬القسري‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬شخص،‭ ‬ومنع‭ ‬دخول‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬واشنطن‭ ‬بوست‮»‬،‭ ‬بأنه‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬مجاعة‭ ‬جماعية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬الكبرى‭ ‬ترفض‭ ‬اتخاذ‭ ‬أي‭ ‬خطوات‭ ‬جادة‭ ‬ضد‭ ‬ائتلاف‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬أكده‭ ‬القانونيون‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أشار‭ ‬فيه‭ ‬جيريمي‭ ‬بوين،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬إلى‭ ‬نفاد‭ ‬صبر،‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبية‭ ‬إزاء‭ ‬النهج‭ ‬التدميري‭ ‬الذي‭ ‬تتبعه‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ورفضها‭ ‬المتكرر‭ ‬إدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬البيان‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأخير‭ -‬رغم‭ ‬لهجته‭ ‬الشديدة‭- ‬خلا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬التزام‭ ‬فعلي‭ ‬باتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬حازمة‭ ‬تجاه‭ ‬حكومة‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بآلية‭ ‬اتخاذ‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إجراءات‭ ‬ذات‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة‭ ‬لإنهاء‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فقد‭ ‬حث‭ ‬خبراء‭ ‬أمميون،‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2024،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬فرانشيسكا‭ ‬ألبانيز،‭ ‬المقررة‭ ‬الخاصة‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬وسيسيليا‭ ‬بيليه،‭ ‬خبيرة‭ ‬مستقلة‭ ‬معنية‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لتحقيق‭ ‬وقف‭ ‬فوري‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ونضالاته‭ ‬ومعاناته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬قد‭ ‬استجاب‭ ‬لهذه‭ ‬الدعوة،‭ ‬حيث‭ ‬كرر‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬يوليو‭ ‬2025‭ ‬نيته‭ ‬اعتراف‭ ‬بلاده‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬خلال‭ ‬انعقاد‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بنيويورك‭ ‬في‭ ‬سبتمبر،‭ ‬لينضم‭ ‬إلى‭ ‬140‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أبدوا‭ ‬استعدادهم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دول‭ ‬أوروبية،‭ ‬مثل‭ ‬إسبانيا،‭ ‬والنرويج،‭ ‬وجمهورية‭ ‬أيرلندا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تظل‭ ‬الشكوك‭ ‬قائمة‭ ‬بشأن‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬لصناع‭ ‬القرار‭ ‬الفرنسيين‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬التزامهم‭ ‬المُعلن،‭ ‬لاسيّما‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬إعلان‭ ‬ماكرون،‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬الماضي،‭ ‬عزمه‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭.‬

وتتعمق‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬استعداد‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬كوسيلة‭ ‬لوقف‭ ‬حملة‭ ‬التدمير‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬وحكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬وائتلافه‭ ‬المتشدد،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تصريحاته‭ ‬التي‭ ‬وصف‭ ‬فيها‭ ‬خطوة‭ ‬باريس‭ ‬بأنها‭ ‬مكافأة‭ ‬للإرهاب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ردده‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو،‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب‭ ‬ستواصلان‭ ‬ممارسة‭ ‬الترهيب‭ ‬السياسي‭ ‬لمنع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬تأييد‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭.‬

‮ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكية،‭ ‬أوضح‭ ‬مايكل‭ ‬ميلر،‭ ‬وفيكتوريا‭ ‬كرو،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬واشنطن‭ ‬بوست،‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬إعلان‭ ‬ماكرون،‭ ‬والتساؤل‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬ستحذو‭ ‬حذو‭ ‬فرنسا،‭ ‬لا‭ ‬يحدثان‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬فارقًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية،‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬المعاناة‭ ‬المستمرة‭ ‬لملايين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التحذير‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬وكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لغوث‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬الأونروا‭)‬،‭ ‬بأن‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬خمسة‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التغذية،‭ ‬وكيف‭ ‬بات‭ ‬سكان‭ ‬أحياء‭ ‬كاملة‭ ‬بمثابة‭ ‬جُثث‭ ‬متحركة،‭ ‬ليؤكد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬اتخاذ‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬إجراءات‭ ‬أبعد‭ ‬بكثير‭ ‬لكف‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ثم‭ ‬محاسبتها‭ ‬دوليًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اقترفته‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

‮ ‬وتساءلت‭ ‬شهرام‭ ‬أكبر‭ ‬زاده،‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬للشؤون‭ ‬العالمية،‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬إصرار‭ ‬قوة‭ ‬أوروبية‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يُعد‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة،‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬تعهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬الأولي‭ ‬قد‭ ‬خرج‭ ‬عن‭ ‬مساره‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬باتريك‭ ‬وينتور‭ ‬لكن‭ ‬ماكرون،‭ ‬شدد‭ ‬على‭ ‬تصميم‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭.‬

‮ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬تصريحه‭ ‬الثاني‭ ‬بأن‭ ‬فرنسا‭ ‬ستقدم‭ ‬إعلانًا‭ ‬رسميًا،‭ ‬بشأن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والذي‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬إنه‭ ‬التزام‭ ‬تاريخي‭ ‬بالعدالة‭ ‬بسلام‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ليس‭ ‬مُفاجئًا‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬قدّم‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬حول‭ ‬شروط‭ ‬وتوقعات‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬كيفية‭ ‬ضمان‭ ‬استمراريته،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القبول‭ ‬بنزع‭ ‬السلاح‭ ‬والاعتراف‭ ‬الكامل‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬بما‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬الجميع‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهذا‭ ‬يشمل،‭ ‬كما‭ ‬يقول،‭ ‬ضمانًا‭ ‬لنزع‭ ‬سلاح‭ ‬حماس‭ ‬بالكامل،‭ ‬وهي‭ ‬جميعها‭ ‬شروط‭ ‬تتجاوز‭ ‬قدرة‭ ‬فرنسا‭ (‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أوروبية‭ ‬غربية‭ ‬أخرى‭) ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بها‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬حكومة‭ ‬متطرفة‭ ‬عازمة‭ ‬على‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭ ‬قسريًا،‭ ‬وضم‭ ‬جميع‭ ‬الأراضي؛‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬لإقامة‭ ‬الدولة،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬حكومتها‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬ماكرون،‭ ‬الذي‭ ‬يعوزه‭ ‬أي‭ ‬بادرة‭ ‬تفاؤل‭.‬

وأشار‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مارك‭ ‬لينش،‭ ‬وشبلي‭ ‬تلحمي،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬أفيرز،‭ ‬إلى‭ ‬قلق‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬نتنياهو‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ولفتا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬العالمية‭ ‬للاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬يُعد‭ ‬تحولًا‭ ‬دراميًا‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُقدم‭ ‬عليه‭ ‬سوى‭ ‬قائد‭ ‬غير‭ ‬مُقيد‭ ‬بالاعتبارات‭ ‬السياسية‭ ‬التقليدية،‭ ‬مثل‭ ‬ترامب‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تفاؤل‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُقاس‭ ‬بأفعال‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬وآخرها‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬مفاوضات‭ ‬الدوحة‭. ‬ومع‭ ‬إعلان‭ ‬ستيف‭ ‬ويتكوف،‭ ‬مبعوث‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستدرس‭ ‬خيارات‭ ‬بديلة‭ ‬بشأن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬دبلوماسي‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب،‭ ‬تتضاءل‭ ‬فرص‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬أمريكي‭ ‬فعّال‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬

لكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬المد‭ ‬الشعبي‭ ‬الأوروبي‭ ‬المتزايد‭ ‬الداعم‭ ‬لفلسطين‭ ‬والمعارض‭ ‬للانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬وفقاً‭ ‬لأحدث‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬مؤسسة‭ ‬يوجوف،‭ ‬فقد‭ ‬تراجعت‭ ‬شعبية‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2025،‭ ‬حيث‭ ‬وصلت‭ ‬نسبة‭ ‬التأييد‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ -‬48‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬و‭-‬44‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬و‭-‬52‭ ‬في‭ ‬إيطاليا،‭ ‬و‭-‬54‭ ‬في‭ ‬الدنمارك‭.‬

وإدراكاً‭ ‬لهذا‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي،‭ ‬شدد‭ ‬جوزيب‭ ‬بوريل،‭ ‬وكاليبسو‭ ‬نيكولايديس،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬آفيرز،‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تحرك‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬التهميش‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إطلاق‭ ‬خطة‭ ‬أكثر‭ ‬حزماً‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭.‬

ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬ازداد‭ ‬الزخم‭ ‬الأوروبي‭ ‬نحو‭ ‬الاعتراف‭ ‬الجماعي‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬ماكرون،‭ ‬حيث‭ ‬شدد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسباني،‭ ‬بيدرو‭ ‬سانشيز‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬إدانة‭ ‬للجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬حماية‭ ‬ما‭ ‬يحاول‭ ‬نتنياهو‭ ‬تدميره‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬تاريخية‭ ‬خاصة‭ ‬تجاه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فقد‭ ‬طالب‭ ‬أعضاء‭ ‬لجنة‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ ‬أواخر‭ ‬يوليو،‭ ‬بعد‭ ‬مراجعة‭ ‬بيانات‭ ‬مئات‭ ‬الخبراء‭ ‬القانونيين‭ ‬ومسؤولين‭ ‬حكوميين‭ ‬سابقين‭ ‬وخبراء‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬يُربط‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بشروط‭ ‬يفرضها‭ ‬السياسيون‭ ‬البريطانيون‭. ‬وأكدت‭ ‬رئيسة‭ ‬اللجنة،‭ ‬إميلي‭ ‬ثورنبيري،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الاندبندنت،‭ ‬أن‭ ‬تصرفات‭ ‬بريطانيا‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭ ‬قليلة‭ ‬جداً‭ ‬ومتأخرة‭ ‬جداً،‭ ‬وشددت‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬لندن‭ ‬أن‭ ‬تحذو‭ ‬حذو‭ ‬باريس،‭ ‬طالما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬فلسطين‭ ‬يجب‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ماكرون،‭ ‬يأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تلتحق‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى‭ ‬بمبادرته،‭ ‬ويعكس‭ ‬ذلك‭ ‬كون‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسي‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬تفاؤلاً‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬بإمكانية‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬دبلوماسياً‭ ‬خلال‭ ‬العِقد‭ ‬المقبل‭ (‬رغم‭ ‬أن‭ ‬النسبة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬29%‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جيمس‭ ‬لانديل،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬باريس‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬لندن‭ ‬لتتبع‭ ‬خطاها،‭ ‬محذراً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انشقاقات‭ ‬تصويتية‭ ‬وتمردات‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬ضد‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬البريطانيين‭ ‬مازالوا‭ ‬يوازنون‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬الضغط‭ ‬الداخلي‭ ‬والضغوط‭ ‬الأمريكية‭ ‬المستمرة‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬هناك‭ ‬دول‭ ‬أوروبية،‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا،‭ ‬تعارض‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حالياً‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التوجه‭ ‬الأوروبي‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الضغوط‭ ‬الأمريكية،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬حكومتها‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تخطط‭ ‬للاعتراف‭ ‬بفلسطين،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬هو‭ ‬أولوية‭ ‬قصوى‭ ‬لها،‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التزاماتها‭ ‬المعلنة‭ ‬بدعم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

وفيما‭ ‬تستمر‭ ‬النقاشات‭ ‬بين‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬حول‭ ‬إمكانية‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬موحد‭ ‬بشأن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين،‭ ‬أشار‭ ‬لينش،‭ ‬وتلحمي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬حملة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬ممنهجة‭ ‬من‭ ‬القصف‭ ‬العشوائي‭ ‬والاحتلال،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬فرض‭ ‬السيطرة‭ ‬المباشرة،‭ ‬والتوسع‭ ‬الاستيطاني،‭ ‬والطرد‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التهجير‭ ‬المنهجي‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬يمهد‭ ‬أيضاً‭ ‬لضم‭ ‬إسرائيلي‭ ‬شامل‭ ‬هناك‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬ماكرون،‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬الأولوية‭ ‬العاجلة‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وإنقاذ‭ ‬المدنيين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬الفرنسي‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لن‭ ‬يوقف‭ ‬وحده‭ ‬القتل‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬ملايين‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬اليوم‭. ‬ومع‭ ‬إصدار‭ ‬28‭ ‬بلدا‭ ‬غربيا،‭ ‬بياناً‭ ‬مشتركاً،‭ ‬أدان‭ ‬المساعدات‭ ‬بالتنقيط،‭ ‬والقتل‭ ‬غير‭ ‬الإنساني‭ ‬للمدنيين،‭ ‬وأقر‭ ‬بوجود‭ ‬نظام‭ ‬إسرائيلي‭ ‬خطر‭ ‬يجرد‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬أي‭ ‬خطوات‭ ‬ملموسة‭ ‬لتلبية‭ ‬نداءات‭ ‬منظمات‭ ‬الإغاثة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تحذيرات‭ ‬رئيس‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬تيدروس‭ ‬جيبريسوس،‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬المجاعة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بأنها‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الإنسان‭ ‬بالكامل‭. ‬

وتشير‭ ‬بيانات‭ ‬مؤسسة‭ ‬يوجوف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬الأوروبيين‭ ‬يحملون‭ ‬مواقف‭ ‬سلبية‭ ‬تجاه‭ ‬إسرائيل‭. ‬ووفقًا‭ ‬للينش،‭ ‬وتلحمي،‭ ‬فإن‭ ‬حملة‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬لن‭ ‬تختفي‭. ‬ويذهب‭ ‬بعض‭ ‬الأكاديميين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحرك‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬للاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬يشكّل‭ ‬رمزًا‭ ‬قويًا‭ ‬على‭ ‬تصاعد‭ ‬الإحباط‭ ‬الدولي،‭ ‬ويقدّم‭ ‬بديلاً‭ ‬ملموسًا‭ ‬لمسار‭ ‬الإبادة‭ ‬والضم‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك،‭ ‬ترى‭ ‬زاده،‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬مواقف‭ ‬واشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب،‭ ‬وتتخذ‭ ‬خطوة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بفلسطين‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تبرز‭ ‬فرنسا‭ ‬باعتبارها‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬اتخذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة،‭ ‬ولو‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬متأخرة‭ ‬22‭ ‬شهراً‭ ‬عن‭ ‬فرصة‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬خلالها‭ ‬إنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬الآلاف‭ ‬ومنع‭ ‬معاناة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصورها‭ ‬لملايين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا