العدد : ١٧٣٠٣ - الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠٣ - الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

دور المال في إفساد الحياة السياسية الأمريكية

بقلم: د. جيمس زغبي {

الأربعاء ٠٦ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

تتخبط‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭. ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيسي‭ ‬لسياسة‭ ‬البلاد،‭ ‬فقد‭ ‬حلّت‭ ‬محلها‭ ‬شخصيات‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وجماعات‭ ‬سياسية‭ ‬غير‭ ‬ربحية،‭ ‬ولجان‭ ‬عمل‭ ‬سياسي‭ ‬كبيرة‭ ‬‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المليارديرات‭ ‬الذين‭ ‬يمولونها،‭ ‬والمجموعات‭ ‬الاستشارية‭ ‬التي‭ ‬توظفها‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭.‬

قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أجيال،‭ ‬كانت‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تُنظّم‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وفي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صلة‭ ‬عضوية‭ ‬بين‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬وأعضائها،‭ ‬وقد‭ ‬وفرت‭ ‬الأحزاب‭ ‬هيكلًا‭ ‬تنظيميًا‭ ‬وأتاحت‭ ‬فرصًا‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المناصب‭ ‬والمواقع،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬بعض‭ ‬المزايا‭ ‬لمن‭ ‬انضموا‭ ‬إليها‭ ‬وشاركوا‭ ‬في‭ ‬عملها‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬معظم‭ ‬الأمريكيين‭. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬اليوم‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬علامات‭ ‬تجارية‮»‬‭ ‬يُطلب‭ ‬من‭ ‬الناخبين‭ ‬دعمها‭ ‬وتأييد‭ ‬برامجها‭. ‬إن‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬أدوات‭ ‬لجمع‭ ‬التبرعات‭ ‬لتمويل‭ ‬عملياتها‭ ‬وتمويل‭ ‬المجموعات‭ ‬الاستشارية‭ ‬التي‭ ‬تُقدم‭ ‬الآن‭ ‬‮«‬الخدمات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬رسائل‭ ‬الناخبين،‭ ‬وملفات‭ ‬بياناتهم،‭ ‬والإعلانات،‭ ‬والاتصالات‭.‬

وبعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬معظم‭ ‬الناخبين‭ ‬والأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬تقتصر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬فضفاضة‭ ‬مع‭ ‬العلامة‭ ‬التجارية‭ ‬والتواجد‭ ‬في‭ ‬قوائم‭ ‬رسائل‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لجمع‭ ‬التبرعات،‭ ‬والرسائل‭ ‬النصية،‭ ‬والمنشورات‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬المكالمات‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬تطلب‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬الأصوات‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬بعض‭ ‬الأموال،‭ ‬فإن‭ ‬المبالغ‭ ‬تتضاءل‭ ‬مقارنة‭ ‬بمئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬التي‭ ‬يسهم‭ ‬بها‭ ‬المانحون‭ ‬من‭ ‬المليارديرات‭ ‬الذين‭ ‬يملؤون‭ ‬خزائن‭ ‬الأحزاب‭ ‬وجماعات‭ ‬المصالح‭ ‬‮«‬غير‭ ‬التابعة‮»‬‭ ‬الليبرالية‭ ‬أو‭ ‬المحافظة‭ ‬المتنامية‭ ‬القوة‭ ‬ولجان‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭.‬

في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬جربت‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬جمعت‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬اللجان‭ ‬المستقلة‭ ‬الليبرالية‭ ‬وأنفقت‭ ‬مبالغ‭ ‬ضخمة‭ ‬تكاد‭ ‬تضاهي‭ ‬ما‭ ‬أنفقته‭ ‬حملة‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ (‬حوالي‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭) ‬على‭ ‬رسائل‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬متعارضة‭ ‬مع‭ ‬حملة‭ ‬مرشحة‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أنها‭ ‬تدعمها‭.‬

قامت‭ ‬جماعات‭ ‬الإنفاق‭ ‬المستقلة‭ ‬الجمهورية‭ ‬بالشيء‭ ‬نفسه‭ ‬تقريبًا،‭ ‬حيث‭ ‬أنفقت‭ ‬إحداها‭ ‬ربع‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬الناخبين‭ ‬العرب‭ ‬واليهود‭ ‬برسائل‭ ‬بريدية‭ ‬وإعلانات‭ ‬مضللة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬قمع‭ ‬أصواتهم‭. ‬وفي‭ ‬النهاية،‭ ‬أغرقت‭ ‬المليارات‭ ‬التي‭ ‬أنفقتها‭ ‬الحملات‭ ‬الانتخابية‭ ‬والجماعات‭ ‬المستقلة‭ ‬الناخبين‭ ‬برسائل‭ ‬ورسائل‭ ‬مضادة،‭ ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إرباكهم‭ ‬وعزلهم‭.‬

وحتى‭ ‬عندما‭ ‬قدمت‭ ‬الأحزاب‭ ‬التمويل‭ ‬للمستشارين‭ ‬لإجراء‭ ‬اتصالات‭ ‬شخصية‭ ‬مع‭ ‬الناخبين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعيين‭ ‬أشخاص‭ ‬يقومون‭ ‬بحملات‭ ‬انتخابية‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬إلى‭ ‬باب‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قوائم‭ ‬الناخبين،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الجهود‭ ‬سطحية‭ ‬وغير‭ ‬مقنعة‭ ‬لأن‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بحملات‭ ‬انتخابية‭ ‬أو‭ ‬المتصلين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديهم‭ ‬أي‭ ‬روابط‭ ‬عضوية‭ ‬مع‭ ‬الناخبين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتعاملون‭ ‬معهم‭.‬

يتناقض‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سائدا‭ ‬قبل‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬الحملات‭ ‬الانتخابية‭ ‬والمتصلون‭ ‬بها‭ ‬هم‭ ‬قادة‭ ‬أحزاب‭ ‬منتخبون‭ ‬محلياً‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬جيرانهم‭ ‬الذين‭ ‬تربطهم‭ ‬بهم‭ ‬علاقات‭ ‬شخصية‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الافتقار‭ ‬إلى‭ ‬الاتصال‭ ‬العضوي‭ ‬مع‭ ‬الناخبين،‭ ‬وضعف‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬للحزب،‭ ‬وطوفان‭ ‬التلفزيون‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الرسائل‭ ‬الرقمية‭ ‬تمثل‭ ‬بعض‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الهوية‭ ‬الحزبية‭ ‬في‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياتها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬43%‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الآن‭ ‬مستقلين،‭ ‬بينما‭ ‬يتعادل‭ ‬الجمهوريون‭ ‬والديمقراطيون‭ ‬بنسبة‭ ‬27%‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭.‬

فقدت‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬أيضًا‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬عملياتها‭ ‬الانتخابية‭ ‬لصالح‭ ‬المليارديرات‭ ‬وجماعات‭ ‬المصالح‭. ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬المليارديرات‭ ‬وجماعات‭ ‬المصالح‭ ‬في‭ ‬هزيمة‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونغرس‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬الحاليين‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أو‭ ‬كيف‭ ‬يتخطى‭ ‬المانحون‭ ‬المليارديرات‭ ‬إرادة‭ ‬الناخبين‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬عمدة‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭ ‬المقبل‭.‬

خلال‭ ‬المنافسة‭ ‬الأولية،‭ ‬أنفقت‭ ‬جماعات‭ ‬ولوبيات‭ ‬المصالح‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬الإعلانات‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتشويه‭ ‬سمعة‭ ‬المرشح‭ ‬التقدمي،‭ ‬زهران‭ ‬ممداني،‭ ‬وإلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬به‭.‬

والآن،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الفوز‭ ‬الحاسم‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬ازهران‭ ‬ممداني‭ ‬كمرشح‭ ‬للحزب‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬فقد‭ ‬حشد‭ ‬نفس‭ ‬المليارديرات‭ ‬ولوبيات‭ ‬المصالح‭ ‬أموالهم‭ ‬لدعم‭ ‬مرشح‭ ‬مستقل‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬ستجري‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬والتي‭ ‬ستحسم‭ ‬اسم‭ ‬الفائز‭ ‬بمنصب‭ ‬عمدة‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭.‬

لعل‭ ‬ما‭ ‬يلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬ينتقد‭ ‬المسؤولون‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬قانون‭ ‬الحزب‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المستشارين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬ضد‭ ‬المرشحين‭ ‬أو‭ ‬شاغلي‭ ‬المناصب‭ ‬الذين‭ ‬يدعمهم‭ ‬الناخبون‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬لن‭ ‬يكونوا‭ ‬مؤهلين‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬عقود‭ ‬ممولة‭ ‬من‭ ‬الحزب‭.‬

ولم‭ ‬يتم‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬العقوبة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المجموعات‭ ‬التي‭ ‬قبلت‭ ‬عقوداً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بالديمقراطيين‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬من‭ ‬المؤيدين‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬دليلاً‭ ‬واضحاً‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬الحزب‭ ‬‮«‬الرسمي‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ما‭ ‬ينفقه‭ ‬المليارديرات‭ ‬ولوبيات‭ ‬المصالح‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬طائلة‭. ‬

وبعد‭ ‬خسارة‭ ‬1200‭ ‬مقعد‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬التشريعي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬ومجالس‭ ‬الولايات‭ ‬خلال‭ ‬عهد‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬وتكبد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الانتكاسات‭ ‬والهزائم‭ ‬في‭ ‬اثنتين‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الثلاث‭ ‬الأخيرة،‭ ‬كنت‭ ‬متفائلاً‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬عندما‭ ‬رأيت‭ ‬عنوانين‭ ‬رئيسيين‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أعدادها‭ ‬الصادر‭ ‬مؤخرا،‭ ‬وأحدهما‭ ‬يقول‭: ‬الديمقراطيون‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬مسار‭ ‬الحملة‭ ‬الانتخابية‭ ‬لعام‭ ‬2026‭: ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الأمور‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬‮«‬التشريح‮»‬‭ ‬تُجرى‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭ ‬لفهم‭ ‬سبب‭ ‬خسارة‭ ‬الديمقراطيين‭. ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬قراءة‭ ‬المقال،‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بعمليات‭ ‬المراجعة‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬جهات‭ ‬استشارية‭ ‬مستقلة‭ ‬للغاية،‭ ‬ممولة‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬التبرعات،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬أصل‭ ‬المشكلة‭ ‬وسبب‭ ‬المعضلة‭.‬

يقترح‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستشارين‭ ‬كحل‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الناخبين،‭ ‬وتطوير‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والرسائل‭ ‬الرقمية،‭ ‬إلخ‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬ادفعوا‭ ‬لنا‭ ‬أكثر،‭ ‬وسنحفر‭ ‬جبًّا‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا‭ ‬يغرقنا‭ ‬في‭ ‬مشاكل‭ ‬أكبر‭. ‬إننا‭ ‬لم‭ ‬نتعلم‭ ‬أي‭ ‬دروس‭!‬

ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬ومازال‭ ‬غير‭ ‬مدرج‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الأحزاب‭ ‬بإصلاح‭ ‬نفسها‭ ‬وإعادة‭ ‬الاتصال‭ ‬بالناخبين‭ ‬وكسب‭ ‬ثقتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الولاية‭ ‬والمستوى‭ ‬المحلي‭.‬

هناك‭ ‬دفعٌ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬يُبذل‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬بعض‭ ‬قادته‭ ‬المنتخبين‭ ‬حديثًا‭. ‬وبتشجيعٍ‭ ‬من‭ ‬مُصلحي‭ ‬الحزب،‭ ‬زادوا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬الأموال‭ ‬المُخصصة‭ ‬لأحزاب‭ ‬الولايات،‭ ‬مُقلِّلين‭ ‬بذلك‭ ‬المبالغ‭ ‬المُرسَلة‭ ‬إلى‭ ‬المُستشارين‭ ‬الخارجيين‭.‬

ولكن‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬المجموعات‭ ‬الممولة‭ ‬من‭ ‬المليارديرات‭ ‬هي‭ ‬اللاعب‭ ‬المهيمن‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية،‭ ‬فسوف‭ ‬يستمر‭ ‬الإصلاحيون‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬معركة‭ ‬شاقة‭ ‬لاستعادة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬وإدارة‭ ‬شؤون‭ ‬الحزب‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬الجمهوري‭ ‬سيخسر‭ ‬بدوره‭ ‬الكثير‭. ‬فقد‭ ‬تمكّن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحالي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬وحركته‭ ‬‮«‬ماغا‮»‬‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬ضعف‭ ‬تنظيم‭ ‬حزبهم‭ ‬الجمهوري،‭ ‬وإجباره‭ ‬على‭ ‬الخضوع،‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬شركة‭ ‬تابعة‭ ‬مملوكة‭ ‬بالكامل‭ ‬لترامب‭.‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الجمهوريين‭ ‬الذين‭ ‬عارضوا‭ ‬هيمنة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬وإسكاتهم‭ ‬أو‭ ‬ابتعدوا‭ ‬عن‭ ‬تشكيل‭ ‬لجان‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬التي‭ ‬ركزت‭ ‬مواردها‭ ‬على‭ ‬الحملات‭ ‬الإعلانية‭ ‬‮«‬المناهضة‭ ‬لترامب‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬احتفال‭ ‬بعض‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬بها،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭.‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬صراعًا‭ ‬بين‭ ‬حزبين‭ ‬منظمين‭ ‬متنافسين،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬منافسة‭ ‬بين‭ ‬كيانات‭ ‬ممولة‭ ‬من‭ ‬مليارديرات‭ ‬تشن‭ ‬حملات‭ ‬افتراضية‭ ‬تسعى‭ ‬لجذب‭ ‬الناخبين‭ ‬لتأييد‭ ‬‮«‬علاماتها‭ ‬التجارية‮»‬‭. ‬

وفي‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬تُبذل‭ ‬جهود‭ ‬جادة‭ ‬وحقيقية‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬وتأطير‭ ‬الدور‭ ‬المدمر‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬الأموال‭ ‬الطائلة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬سيستمر‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬حاله،‭ ‬وكذلك‭ ‬سيستمر‭ ‬استياء‭ ‬الناخبين‭ ‬ونفورهم‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا