أكثر الأسئلة إلحاحا الآن هو: متى تنتهي الحرب الجارية في المنطقة؟ ويُقال معها إن الحروب تنتهي يوما وإن ما يوجد من معاناة سوف يصل إلى نهاية. الأمثلة التاريخية كثيرة، حرب المائة عام، وأخرى استمرت ثلاثين سنة، والحروب الاستعمارية في القرنين 18 و19، وما تلاها من حروب الاستقلال.
إن الجيل الذي عاش الحرب العالمية الأولى تصور أن الحرب لن تنتهي، وعندما انتهت قامت الحرب العالمية الثانية أيضا وكانت لها نهاية تراجيدية باستخدام السلاح النووي لأول وآخر مرة في التاريخ. بعد الحرب أصبحت الولايات المتحدة واليابان من أكثر أشكال العلاقات الدولية صداقة؛ وبين الدولتين معاهدة دفاع مشترك.
انتهت الحرب الكورية وحرب فيتنام كذلك وحتى حرب أفغانستان مع الاتحاد السوفيتي مرة والولايات المتحدة مرة أخرى. النهاية في كل الأحوال لم تكن تعني تحقيق السلام، ولكن وقف القتال كان يبدأ بمرحلة من الهدوء والهدنة تكفي لالتقاط الأنفاس وتغيير الأوضاع؛ وفى أحيان تتولد علاقات وثيقة تصل إلى التحالف؛ وينطبق عليها المثل المصري الشائع الذي يقول إن «المحبة الحقيقية لا تأتى إلا بعد العداوة».
ولكن هناك حربا واحدة تأبى أن ينطبق عليها القانون التاريخي في الوصول إلى نقطة النهاية والسلام، وهي الحرب العربية – الإسرائيلية، وفى أحوال أخرى الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية.
انتهى القرن العشرون وبعد ما يقرب من ربع قرن في القرن الحادي والعشرين ولاتزال الحرب قائمة بعد صمود شهد تحرير كل الشعوب المستعمرة، وبعد قيام الحرب الباردة والانتهاء منها؛ فلسطين وحدها بقيت على حالها محتلة كليا أو جزئيا، لكنها، في كل الأحوال، لا تملك زمام أمرها.
ما انتهى كان بعدا من أبعاد الصراع العربي الإسرائيلي وهو توقيع معاهدات للسلام بين مصر وإسرائيل، والأردن وإسرائيل؛ وفى كليهما وصف السلام بالبرودة.
ولكن عندما تم توقيع اتفاقيات تطبيع إقليمية اخرى فإن الدفء لم يأتِ. ظلت الحرب الفلسطينية الإسرائيلية قائمة علنا أو سرا، وحتى عندما أتيحت الفرصة في منتصف التسعينيات لإقامة أول سلطة وطنية فلسطينية عرفها التاريخ على الأرض الفلسطينية فإن القمم الدولية، والمؤتمرات العالمية لم تغير من الأمر كثيرا. وباتت الحياة تعرف نوعين من الحروب وليس نوعا واحدا: الانتفاضة الشعبية التي كانت سلمية في ثمانينيات القرن الماضي؛ والانتفاضة المسلحة مع العقد الأول من القرن الجديد.
لقد أخذت حروب غزة أرقاما حتى وصلت إلى الحرب الخامسة في 7 أكتوبر 2023؛ ولم تصل بعد إلى نهاية، وحتى الهدنة فيها باتت مستعصية. ما لم يستعصِ كانت إمكانية تحول الحرب الجزئية في قطاع غزة إلى حرب إقليمية تشمل المشرق العربي والخليج العربي والبحر الأحمر وشرق المتوسط.
ان هذه الحرب الأخيرة في المنطقة لا تبدو لها نهاية ثنائية كانت بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ أو إقليمية تشمل معهما العرب والفرس والأتراك، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن الولايات المتحدة سوف تكون حاضرة؛ وطالما كان ذلك كذلك فسوف توجد المملكة المتحدة وحلف الأطلنطي.
أسباب حدوث ذلك عجزت عنه عقول كثيرة، ولكن أولها ما ذكره إسحاق رابين ذات يوم بعد توقيع اتفاق أوسلو مخاطبا الإسرائيليين أنهم عندما جاءوا إلى هذه البلاد كان فيها آخرون، ناس، وشعب. العقدة ظلت مستحكمة، وباتت لها ترجمة يهودية عن «أرض الميعاد»؛ وترجمة إسلامية أن أرض فلسطين وقف إسلامي.
لم يعرف الإسرائيليون أبدا، وقد أتوا إلى ما أطلقوا عليه «الأرض المقدسة»، أن ما وجدوه يستدعى سلاما حتى يستقر الحلم اليهودي. وثانيها أن حركة التحرر الوطني الفلسطينية لم تعرف أبدا أن وظيفة الحركة هي إنشاء الدولة الفلسطينية، وأن الدول تعني مؤسسات وبناء وهوية. وأحد قوانين الدولة أن تكون لها قيادة واحدة وليس 14 فصيلا مسلحا، وواقعيا فان قيادة حركة التحرير الفلسطينية قضت نصف وقتها في تحقيق الوحدة بينهم سواء في القاهرة أو الجزائر أو أنقرة، وفى موسكو وبكين. رأينا الفصائل جميعها تحمل السلاح وتتخذ قرارات الحرب والسلام.
والحقيقة هي أن «اليوم التالي» ليس أمرا يخص إسرائيل أو الولايات المتحدة وحدهما، ولكنه مسؤولية الدول العربية التي لا تعرف الميليشيا ولا الحرب الأهلية، وتعرف الكثير عن البناء والتعمير. وفى الواقع فإن السلام تم في معظم الأوقات من داخل الإقليم بعد أن ذهب الرئيس السادات إلى القدس ليكون السلام المصري الإسرائيلي، وبعد ذلك استخدم العاهل الأردني الراحل الملك حسين ترتيبات مؤتمر مدريد لكى يعقد السلام الأردني الإسرائيلي، وبعد أن اتخذ الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مسار مفاوضات أوسلو حدثت أول خطوة في محاولات تحقيق سلام فلسطيني إسرائيلي.. وهكذا فإذا كان السلام كما الحرب لا يأتي إلا إقليميا فلماذا لا تبدأ دول الإصلاح والسلام العربية بالقيادة المباشرة لمواجهة الحالة المنذرة بكثير من العواقب التي يعيشها هذا الإقليم افي الوقت الراهن؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك