العدد : ١٧٣٠٣ - الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠٣ - الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

لماذا تبقى فلسطين خارج معادلة السلام العالمي؟

بقلم: د. عبد المنعم سعيد

الأربعاء ٠٦ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

أكثر‭ ‬الأسئلة‭ ‬إلحاحا‭ ‬الآن‭ ‬هو‭: ‬متى‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬المنطقة؟‭ ‬ويُقال‭ ‬معها‭ ‬إن‭ ‬الحروب‭ ‬تنتهي‭ ‬يوما‭ ‬وإن‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬سوف‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭. ‬الأمثلة‭ ‬التاريخية‭ ‬كثيرة،‭ ‬حرب‭ ‬المائة‭ ‬عام،‭ ‬وأخرى‭ ‬استمرت‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬والحروب‭ ‬الاستعمارية‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬18‭ ‬و19،‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬الاستقلال‭.‬

إن‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬تصور‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬تنتهي،‭ ‬وعندما‭ ‬انتهت‭ ‬قامت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬أيضا‭ ‬وكانت‭ ‬لها‭ ‬نهاية‭ ‬تراجيدية‭ ‬باستخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬لأول‭ ‬وآخر‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬أصبحت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬واليابان‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أشكال‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬صداقة؛‭ ‬وبين‭ ‬الدولتين‭ ‬معاهدة‭ ‬دفاع‭ ‬مشترك‭. ‬

انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬الكورية‭ ‬وحرب‭ ‬فيتنام‭ ‬كذلك‭ ‬وحتى‭ ‬حرب‭ ‬أفغانستان‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬مرة‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعني‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام،‭ ‬ولكن‭ ‬وقف‭ ‬القتال‭ ‬كان‭ ‬يبدأ‭ ‬بمرحلة‭ ‬من‭ ‬الهدوء‭ ‬والهدنة‭ ‬تكفي‭ ‬لالتقاط‭ ‬الأنفاس‭ ‬وتغيير‭ ‬الأوضاع؛‭ ‬وفى‭ ‬أحيان‭ ‬تتولد‭ ‬علاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬التحالف؛‭ ‬وينطبق‭ ‬عليها‭ ‬المثل‭ ‬المصري‭ ‬الشائع‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬المحبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لا‭ ‬تأتى‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬العداوة‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬هناك‭ ‬حربا‭ ‬واحدة‭ ‬تأبى‭ ‬أن‭ ‬ينطبق‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬النهاية‭ ‬والسلام،‭ ‬وهي‭ ‬الحرب‭ ‬العربية‭ ‬‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وفى‭ ‬أحوال‭ ‬أخرى‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬‭ ‬الفلسطينية‭.‬

انتهى‭ ‬القرن‭ ‬العشرون‭ ‬وبعد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬ولاتزال‭ ‬الحرب‭ ‬قائمة‭ ‬بعد‭ ‬صمود‭ ‬شهد‭ ‬تحرير‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬المستعمرة،‭ ‬وبعد‭ ‬قيام‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬والانتهاء‭ ‬منها؛‭ ‬فلسطين‭ ‬وحدها‭ ‬بقيت‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬محتلة‭ ‬كليا‭ ‬أو‭ ‬جزئيا،‭ ‬لكنها،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬زمام‭ ‬أمرها‭. ‬

ما‭ ‬انتهى‭ ‬كان‭ ‬بعدا‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وهو‭ ‬توقيع‭ ‬معاهدات‭ ‬للسلام‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬والأردن‭ ‬وإسرائيل؛‭ ‬وفى‭ ‬كليهما‭ ‬وصف‭ ‬السلام‭ ‬بالبرودة‭. ‬

ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تطبيع‭ ‬إقليمية‭ ‬اخرى‭ ‬فإن‭ ‬الدفء‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭. ‬ظلت‭ ‬الحرب‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قائمة‭ ‬علنا‭ ‬أو‭ ‬سرا،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬أتيحت‭ ‬الفرصة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينيات‭ ‬لإقامة‭ ‬أول‭ ‬سلطة‭ ‬وطنية‭ ‬فلسطينية‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فإن‭ ‬القمم‭ ‬الدولية،‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬العالمية‭ ‬لم‭ ‬تغير‭ ‬من‭ ‬الأمر‭ ‬كثيرا‭. ‬وباتت‭ ‬الحياة‭ ‬تعرف‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬وليس‭ ‬نوعا‭ ‬واحدا‭: ‬الانتفاضة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سلمية‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي؛‭ ‬والانتفاضة‭ ‬المسلحة‭ ‬مع‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الجديد‭.‬

لقد‭ ‬أخذت‭ ‬حروب‭ ‬غزة‭ ‬أرقاما‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬الخامسة‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023؛‭ ‬ولم‭ ‬تصل‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬نهاية،‭ ‬وحتى‭ ‬الهدنة‭ ‬فيها‭ ‬باتت‭ ‬مستعصية‭. ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يستعصِ‭ ‬كانت‭ ‬إمكانية‭ ‬تحول‭ ‬الحرب‭ ‬الجزئية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬تشمل‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وشرق‭ ‬المتوسط‭.‬

‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬لها‭ ‬نهاية‭ ‬ثنائية‭ ‬كانت‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين؛‭ ‬أو‭ ‬إقليمية‭ ‬تشمل‭ ‬معهما‭ ‬العرب‭ ‬والفرس‭ ‬والأتراك،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬حاضرة؛‭ ‬وطالما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك‭ ‬فسوف‭ ‬توجد‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلف‭ ‬الأطلنطي‭.‬

أسباب‭ ‬حدوث‭ ‬ذلك‭ ‬عجزت‭ ‬عنه‭ ‬عقول‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬أولها‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬إسحاق‭ ‬رابين‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬مخاطبا‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أنهم‭ ‬عندما‭ ‬جاءوا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬آخرون،‭ ‬ناس،‭ ‬وشعب‭. ‬العقدة‭ ‬ظلت‭ ‬مستحكمة،‭ ‬وباتت‭ ‬لها‭ ‬ترجمة‭ ‬يهودية‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الميعاد‮»‬؛‭ ‬وترجمة‭ ‬إسلامية‭ ‬أن‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬وقف‭ ‬إسلامي‭. ‬

لم‭ ‬يعرف‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أبدا،‭ ‬وقد‭ ‬أتوا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الأرض‭ ‬المقدسة‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬وجدوه‭ ‬يستدعى‭ ‬سلاما‭ ‬حتى‭ ‬يستقر‭ ‬الحلم‭ ‬اليهودي‭. ‬وثانيها‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬وظيفة‭ ‬الحركة‭ ‬هي‭ ‬إنشاء‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأن‭ ‬الدول‭ ‬تعني‭ ‬مؤسسات‭ ‬وبناء‭ ‬وهوية‭. ‬وأحد‭ ‬قوانين‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬قيادة‭ ‬واحدة‭ ‬وليس‭ ‬14‭ ‬فصيلا‭ ‬مسلحا،‭ ‬وواقعيا‭ ‬فان‭ ‬قيادة‭ ‬حركة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قضت‭ ‬نصف‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬بينهم‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬أو‭ ‬الجزائر‭ ‬أو‭ ‬أنقرة،‭ ‬وفى‭ ‬موسكو‭ ‬وبكين‭. ‬رأينا‭ ‬الفصائل‭ ‬جميعها‭ ‬تحمل‭ ‬السلاح‭ ‬وتتخذ‭ ‬قرارات‭ ‬الحرب‭ ‬والسلام‭.‬

والحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬أمرا‭ ‬يخص‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحدهما،‭ ‬ولكنه‭ ‬مسؤولية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الميليشيا‭ ‬ولا‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬وتعرف‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬البناء‭ ‬والتعمير‭. ‬وفى‭ ‬الواقع‭ ‬فإن‭ ‬السلام‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأوقات‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الإقليم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ذهب‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬ليكون‭ ‬السلام‭ ‬المصري‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬استخدم‭ ‬العاهل‭ ‬الأردني‭ ‬الراحل‭ ‬الملك‭ ‬حسين‭ ‬ترتيبات‭ ‬مؤتمر‭ ‬مدريد‭ ‬لكى‭ ‬يعقد‭ ‬السلام‭ ‬الأردني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اتخذ‭ ‬الزعيم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬مسار‭ ‬مفاوضات‭ ‬أوسلو‭ ‬حدثت‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬تحقيق‭ ‬سلام‭ ‬فلسطيني‭ ‬إسرائيلي‭.. ‬وهكذا‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬السلام‭ ‬كما‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬إلا‭ ‬إقليميا‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬تبدأ‭ ‬دول‭ ‬الإصلاح‭ ‬والسلام‭ ‬العربية‭ ‬بالقيادة‭ ‬المباشرة‭ ‬لمواجهة‭ ‬الحالة‭ ‬المنذرة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬العواقب‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬افي‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن؟‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا