العدد : ١٧٣٠١ - الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠١ - الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

إلى أين تتجه إيران بعد الحرب مع إسرائيل؟

بقلم: فاروق يوسف {

الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

أحدثت‭ ‬إيران‭ ‬قلقا‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الإقليمي‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬نجح‭ ‬الملالي‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الخميني‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬عن‭ ‬عرشه‭ ‬وإعلان‭ ‬قيام‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭.‬

في‭ ‬زمن‭ ‬الشاه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬العلاقات‭ ‬الإيرانية‭-‬العربية‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬أحوالها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬قليلة‭. ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سيئة‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الملالي‭.‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬سيئة‭ ‬لأن‭ ‬إيران‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شرطي‭ ‬الخليج‭ ‬بقيادة‭ ‬الشاه‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬أطماعه‭ ‬المحدودة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الشرطي‭ ‬كان‭ ‬منضبطا‭ ‬وملتزما‭ ‬بالقوانين‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬يحترمها‭.‬

أما‭ ‬حين‭ ‬قام‭ ‬نظام‭ ‬الجمهورية‭ ‬بقيادة‭ ‬الخميني‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬تلك‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬علاقات‭ ‬الجوار‭ ‬والمصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬لتحظى‭ ‬بأي‭ ‬احترام‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬نظرية‭ ‬الهيجان‭ ‬العقائدي‭.‬

لقد‭ ‬حل‭ ‬مبدأ‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬محل‭ ‬مبادئ‭ ‬حسن‭ ‬الجوار‭ ‬وأعلن‭ ‬الخميني‭ ‬بنفسه‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬جيشه‭ ‬أو‭ ‬حرسه‭ ‬الثوري‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬كربلاء‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬الخمينية‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬منذ‭ ‬البدء‭ ‬عداءها‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضربها‭ ‬للقواعد‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬حين‭ ‬سمحت‭ ‬باحتلال‭ ‬مبنى‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬واختطاف‭ ‬موظفيها،‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬اشتبكت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مع‭ ‬العراق‭ ‬وأصرت‭ ‬على‭ ‬استمرارها‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الانسحاب‭ ‬العراقي‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوغل‭ ‬فيها‭ ‬داخل‭ ‬إيران،‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬بمثابة‭ ‬حاضنة‭ ‬لعنف‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬ستعيشه‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬الأربعين‭ ‬سنة‭ ‬اللاحقة‭. ‬ذلك‭ ‬العنف‭ ‬كان‭ ‬ضروريا‭ ‬لاستمرار‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬كونه‭ ‬الغطاء‭ ‬الذي‭ ‬استعملته‭ ‬إيران‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مشروعها‭ ‬التوسعي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

بكل‭ ‬المعايير‭ ‬فإن‭ ‬إيران‭ ‬الجديدة‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬انهيارات‭ ‬ساعدتها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬كانت‭ ‬تتحين‭ ‬الفرص‭ ‬لإضعاف‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ونهب‭ ‬ثرواته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أفقدته‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراره‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬المستقل‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سيادته‭.‬

وليس‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المصادفة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إيران‭ ‬القوة‭ ‬الإقليمية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬الدعم‭ ‬لمشروع‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬وساندته‭ ‬حين‭ ‬وضعت‭ ‬أتباعها‭ ‬في‭ ‬خدمته‭. ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬الإيرانيون‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬فضل‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬والتخطيط‭ ‬للفتنة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬القوات‭ ‬الأميركية‭ ‬من‭ ‬ضربات‭ ‬المقاومة‭.‬

إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تخادم‭ ‬مبيت‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكان‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬توقيعه‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ثمار‭ ‬عديدة‭ ‬لذلك‭ ‬التخادم‭. ‬وليس‭ ‬سرا‭ ‬أن‭ ‬الإدارات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬كانت‭ ‬تُدير‭ ‬ظهرها‭ ‬لنشر‭ ‬إيران‭ ‬مليشياتها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬تمهيدا‭ ‬لإعلانها‭ ‬القوة‭ ‬الإقليمية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬ضبط‭ ‬الأوضاع‭ ‬لضمان‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬عناصر‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬الأمريكي‭. ‬كان‭ ‬المهم‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وكانت‭ ‬إيران‭ ‬مستعدة‭ ‬للقيام‭ ‬بذلك‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬نظامها‭ ‬العقائدي‭ ‬بكل‭ ‬غروره‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة،‭ ‬شعر‭ ‬فيها‭ ‬بأنه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬شروط‭ ‬هيمنته‭ ‬عالميا‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬نفت‭ ‬مرارا‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬المعطيات‭ ‬كانت‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬يد‭ ‬فيما‭ ‬حدث،‭ ‬بدليل‭ ‬أنها‭ ‬أمرت‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬بالاشتراك‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬متوهمة‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الضغوط‭ ‬ستدفع‭ ‬بإسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬طريقتها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬بحيث‭ ‬تجبر‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬تمرير‭ ‬الاتفاق‭ ‬الجديد‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬المصلحة‭ ‬الإيرانية‭.‬

بسبب‭ ‬تعاليهم‭ ‬وغرورهم‭ ‬ارتكب‭ ‬الإيرانيون‭ ‬أخطاء‭ ‬جسيمة‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬المتغيرات‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية‭. ‬لم‭ ‬يخطر‭ ‬في‭ ‬بالهم‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬قد‭ ‬وجدت‭ ‬فيما‭ ‬جرى‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬فرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬الأوضاع‭ ‬من‭ ‬حولها،‭ ‬بحيث‭ ‬تجعل‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬المشؤوم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬أمرا‭ ‬مستحيلا‭ ‬وأن‭ ‬تتخلص‭ ‬من‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬أمنها‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

ألم‭ ‬يتوقع‭ ‬الإيرانيون‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬القبيل؟

هم‭ ‬ليسوا‭ ‬بتلك‭ ‬السذاجة‭ ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬حين‭ ‬ضحوا‭ ‬بأتباعهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يتوقعون‭ ‬أن‭ ‬نار‭ ‬الحرب‭ ‬ستشتعل‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإيراني‭. ‬كانت‭ ‬سياستهم‭ ‬قائمة‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬تجنب‭ ‬الصدام‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬إسرائيل‭. ‬اعتقدوا‭ ‬بأن‭ ‬التهديد‭ ‬بإشعال‭ ‬المنطقة‭ ‬سيكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لردع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬مهاجمتهم‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬خطأهم‭ ‬القاتل‭.‬

اليوم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تلقت‭ ‬إيران‭ ‬ضربات‭ ‬نوعية‭ ‬متقنة‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬مأزقها‭ ‬التقني‭ ‬والاستخباراتي‭ ‬والعسكري‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬لقد‭ ‬ذهبت‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬وبطريقة‭ ‬مواربة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬رجعة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬داخلها‭ ‬بمشروعه‭ ‬النووي‭ ‬وحرسه‭ ‬الثوري‭ ‬ومخازن‭ ‬ومصانع‭ ‬أسلحته‭ ‬صار‭ ‬مكشوفا‭ ‬ومعرضا‭ ‬للضرب‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬مظلة‭ ‬قوية‭ ‬للدفاع‭ ‬الجوي‭.‬

إيران‭ ‬التي‭ ‬أضرت‭ ‬بسلام‭ ‬المنطقة‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬وكانت‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬مجتمعات‭ ‬وتدمير‭ ‬بنى‭ ‬اجتماعية‭ ‬ونشر‭ ‬القلاقل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تزعمت‭ ‬محور‭ ‬المقاومة،‭ ‬صارت‭ ‬اليوم‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تزيح‭ ‬عن‭ ‬وجهها‭ ‬القناع‭ ‬المذهبي‭ ‬لتعلن‭ ‬اكتفاءها‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬أراضيها‭ ‬ونظامها‭ ‬السياسي‭ ‬ورغبتها‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬نفطها‭ ‬أسوة‭ ‬بالدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬الضارة‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬زمنها‭ ‬انتهى‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا