العدد : ١٧٣٠١ - الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠١ - الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

اعتراف «بريطانيا» بالدولة الفلسطينية.. هل هو «خطوة رمزية»؟

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الاثنين ٠٤ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

عقب‭ ‬فوز‭ ‬كير‭ ‬ستارمر،‭ ‬برئاسة‭ ‬وزراء‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬2024،‭ ‬تعهد‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة،‭ ‬مشددًا‭ ‬على‭ ‬الأهمية‭ ‬البالغة،‭ ‬لهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬لضمان‭ ‬سلام‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬إيمانه‭ ‬المطلق‭ ‬بها‭. ‬غير‭ ‬أنّه،‭ ‬فور‭ ‬تسلمه‭ ‬منصبه،‭ ‬تراجع‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التعهد‭ ‬وأسقطه‭ ‬من‭ ‬أجندته‭ ‬السياسية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أرجعته‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬بريطانية‭ ‬إلى‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬إثارة‭ ‬حفيظة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

وخلال‭ ‬العام‭ ‬التالي،‭ ‬التزم‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وحكومته‭ ‬الصمت‭ ‬تجاه‭ ‬أي‭ ‬تصريحات‭ ‬حول‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬متجاهلين‭ ‬تصاعد‭ ‬الدعوات‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان،‭ ‬وحقوقيين،‭ ‬وقانونيين،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مطالبات‭ ‬متنامية‭ ‬من‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬البريطاني،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬جدية‭ ‬لوقف‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭. ‬

غير‭ ‬أنّه،‭ ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬يوليو2025،‭ ‬أصبح‭ ‬حجم‭ ‬الموت‭ ‬والدمار‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬ألحقتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالمدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬كفيلاً‭ ‬بجعل‭ ‬استمرار‭ ‬صمت‭ ‬لندن،‭ ‬أمرًا‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭. ‬وفي‭ ‬تطور‭ ‬لاحق،‭ ‬أعلنت‭ ‬الحكومة،‭ ‬التزامها‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬مقتدية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بالرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬انعقاد‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬المقبل،‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬شروط‭ ‬سلام‭ ‬لا‭ ‬يُرجَّح‭ ‬أن‭ ‬توافق‭ ‬عليها‭ ‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬سلط‭ ‬جيريمي‭ ‬بوين،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬باعتباره‭ ‬تغييرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للمملكة‭ ‬المتحدة؛‭ ‬فقد‭ ‬رأت‭ ‬فيه‭ ‬برونوين‭ ‬مادوكس،‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬مجرد‭ ‬خطوة‭ ‬رمزية‭ ‬بحتة‭. ‬وبينما‭ ‬أعرب‭ ‬ستارمر،‭ ‬عن‭ ‬أمله‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬إعلانه‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الظروف‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬مُستقبلًا؛‭ ‬فإن‭ ‬الرفض‭ ‬الواضح‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ -‬وداعميها‭ ‬الأمريكيين‭- ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نهاية‭ ‬المساءلة‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬إصرار‭ ‬لندن،‭ ‬على‭ ‬تبرير‭ ‬توقيت‭ ‬قرارها،‭ ‬بالقول‭: ‬إن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خلافا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬مسألة‭ ‬متى‭ ‬يتم‭ ‬ذلك؛‭ ‬يبرز‭ ‬تساؤل‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬إحجامها‭ ‬عن‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬فورًا،‭ ‬ولماذا‭ ‬ربطت‭ ‬تنفيذها‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬تعهدات‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬تضمن‭ ‬التزامها‭ ‬بالمسار‭ ‬المطلوب‭. ‬ومع‭ ‬تصاعد‭ ‬تحذيرات‭ ‬التصنيف‭ ‬المرحلي‭ ‬المتكامل‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ (‬IPC‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬أسوأ‭ ‬سيناريو‭ ‬للمجاعة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬حدوث‭ ‬مجاعة‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق؛‭ ‬فإن‭ ‬التأخير‭ ‬غير‭ ‬المبرر‭ ‬للتحرك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الغربي‭ ‬لمدة‭ ‬شهرين‭ ‬ينذر‭ ‬بسقوط‭ ‬آلاف‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مبرر‭.‬

ومع‭ ‬إبراز‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬لحجم‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬خلّفته‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬واحتلالها،‭ ‬وتجويعها‭ ‬المتعمد‭ ‬للمدنيين‭ ‬الفلسطينيين؛‭ ‬تزايدت‭ ‬الضغوط‭ ‬الشعبية‭ ‬والبرلمانية‭ ‬على‭ ‬الحكومة،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬جدية‭ ‬وحاسمة‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭. ‬وأظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬رأي‭ ‬أجرته‭ ‬شركة‭ ‬سرفيشن،‭ ‬بين‭ ‬البريطانيين‭ ‬تأييد‭ ‬49%‭ ‬للاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬مقابل‭ ‬معارضة‭ ‬13%‭ ‬فقط‭. ‬ويعتقد‭ ‬49%‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬حكومتهم‭ ‬توجيه‭ ‬انتقاد‭ ‬أقوى‭ ‬لائتلاف‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرف،‭ ‬بينما‭ ‬يوافق‭ ‬44%‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬تعليق‭ ‬لندن‭ ‬لتجارتها‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وجه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ (‬220‭) ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأحزاب‭ ‬الرئيسية،‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬يوليو‭ ‬2025،‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬يدعونه‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬فرنسا‭ ‬السابق‭ ‬للاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وداخل‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر،‭ ‬سمت‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬أنجيلا‭ ‬راينر،‭ ‬نائبة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وإيفيت‭ ‬كوبر،‭ ‬وزيرة‭ ‬الداخلية،‭ ‬كأبرز‭ ‬الداعمين‭ ‬لهذا‭ ‬الاعتراف‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أوضح‭ ‬بوين،‭ ‬أنه‭ ‬وحتى‭ ‬الأسابيع‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬لم‭ ‬يبدو‭ ‬ستارمر،‭ ‬مقتنعًا،‭ ‬بمناسبة‭ ‬الوقت‭ ‬للاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين؛‭ ‬لكن‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬صور‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يموتون‭ ‬جوعًا‭ ‬في‭ ‬غزة؛‭ ‬خلقت‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬أرساها‭ ‬ماكرون،‭ ‬بإعلانه‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬نية‭ ‬باريس‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ -‬وفقًا‭ ‬لـمارك‭ ‬لاندلر،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭- ‬زخمًا‭ ‬لبناء‭ ‬إجماع‭ ‬أوسع‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭.‬

ومع‭ ‬اعتزام‭ ‬بريطانيا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومراعاة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تُبدِ‭ ‬أي‭ ‬استعداد‭ ‬لتنفيذ‭ ‬شروط‭ ‬السلام‭ ‬الدائم؛‭ ‬كتبت‭ ‬بيبا‭ ‬كريرار،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر،‭ ‬أعلنت‭ ‬الآن‭ ‬موافقتها‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬للسلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة؛‭ ‬لكن‭ ‬مادوكس،‭ ‬حذّرت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬تبقى‭ ‬رمزية‭ ‬فقط،‭ ‬وقد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬صرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬الأولوية‭ ‬العاجلة،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬أعمال‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تبنته‭ ‬أيضًا‭ ‬اللجنة‭ ‬البريطانية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬حثّت‭ ‬ستارمر،‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬الرمزي‭ ‬وسيلة‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬محاسبة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬القطاع‭.‬

ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التأثير‭ ‬المادي‭ ‬للإعلان‭ ‬البريطاني،‭ ‬بشأن‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬محدودًا‭ ‬للغاية‭. ‬وبينما‭ ‬استنكر‭ ‬برنامج‭ ‬الأغذية‭ ‬العالمي،‭ ‬عدم‭ ‬وصول‭ ‬سوى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬شاحنات‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬المخصصة‭ ‬للقطاع‭ ‬إلى‭ ‬المحتاجين؛‭ ‬تظل‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعهدت‭ ‬بإسقاط‭ ‬المساعدات‭ ‬جوا،‭ ‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬انتقاده‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬المراقبين،‭ ‬مثل‭ ‬ياسمين‭ ‬كوزوي،‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬جمعية‭ ‬المساعدة‭ ‬الفورية‭ ‬الخيرية،‭ ‬التي‭ ‬صرّحت‭: ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يُلقى‭ ‬فيه‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬وتُلقى‭ ‬القنابل‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬إدانة‭ ‬بريطانيا‭ ‬أيضًا‭ ‬لتأجيلها‭ ‬الاعتراف‭ ‬حتى‭ ‬انعقاد‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬القادم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتُبر‭ ‬بمثابة‭ ‬منْح‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لتغيير‭ ‬نهجها‭ ‬الإبادي،‭ ‬مقابل‭ ‬تأخير‭ ‬لندن،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬واضح‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬الأخيرة‭ ‬للاعتراف،‭ ‬مطالبة‭ ‬إسرائيل‭ ‬باتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬جوهرية،‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وعدم‭ ‬ضم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬والموافقة‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬سلام‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭. ‬فيما‭ ‬اشترطت‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬أيضا‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬جميع‭ ‬الرهائن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬المحتجزين‭ ‬لدى‭ ‬حماس،‭ ‬ونزع‭ ‬سلاح‭ ‬الحركة‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬وقبولها‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وعدم‭ ‬مشاركتها‭ ‬سياسيًا‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬غزة‭ ‬مستقبلاً‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬صرّحت‭ ‬سارة‭ ‬شامبيون،‭ ‬رئيسة‭ ‬لجنة‭ ‬التنمية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العموم،‭ ‬بأنها‭ ‬تشعر‭ ‬بـالارتياح،‭ ‬لتحرّك‭ ‬ستارمر،‭ ‬نحو‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬انزعاجها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬يبدو‭ ‬مشروطًا‭ ‬بأفعال‭ ‬إسرائيل‭. ‬وأكد‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬السابق،‭ ‬جيريمي‭ ‬كوربين،‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬ليس‭ ‬ورقة‭ ‬مساومة،‭ ‬بل‭ ‬حق‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتصرف‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬فيما‭ ‬وصفت‭ ‬سارة‭ ‬الحسيني،‭ ‬مديرة‭ ‬اللجنة‭ ‬البريطانية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وضع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬بأنه‭ ‬سخيف،‭ ‬ومصطنع،‭ ‬مشددة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬المساءلة‭ ‬الفورية‭ ‬عن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ووقف‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬البريطاني‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭.‬

ومع‭ ‬رفض‭ ‬الخارجية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بيان‭ ‬ستارمر،‭ ‬واعتباره‭ ‬بمثابة‭ ‬مكافأة‭ ‬لحركة‭ ‬حماس،‭ ‬علّق‭ ‬جيريمي‭ ‬بوين،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬بأن‭ ‬معدي‭ ‬خطابات‭ ‬ستارمر،‭ ‬يمكنهم‭ ‬الآن‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬ما‭ ‬سيقوله‭ ‬خلال‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تبقى‭ ‬النتيجة‭ ‬المحتملة‭ ‬لهذا‭ ‬التأخير‭ ‬غير‭ ‬واضحة،‭ ‬باستثناء‭ ‬تزايد‭ ‬أعداد‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

وخلال‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بشأن‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬الذي‭ ‬استضافته‭ ‬فرنسا‭ ‬والسعودية‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬يوليو‭ ‬أقر‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطاني،‭ ‬ديفيد‭ ‬لامي،‭ ‬بأن‭ ‬لندن‭ ‬تتحمل‭ ‬عبئًا‭ ‬خاصًا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية،‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬هذا‭ ‬الحل؛‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬دورها‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬بلفور،‭ ‬وانتدابها‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تصريح‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬بأن‭ ‬الوضع‭ ‬أصبح‭ ‬لا‭ ‬يُطاق‭ ‬في‭ ‬غزة؛‭ ‬ما‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬أخيرًا‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين،‭ ‬يُطرح‭ ‬سؤال‭ ‬جوهري‭: ‬لماذا‭ ‬تطلّب‭ ‬الأمر‭ ‬22‭ ‬شهرًا‭ ‬من‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬والموت‭ ‬والمعاناة‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬حكومته‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القرار؟

ومع‭ ‬تشديده‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حكومته‭ ‬تنتظر‭ ‬لحظة‭ ‬التأثير‭ ‬الأقصى،‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الاعتراف‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬حل‭ ‬الدولتين؛‭ ‬فإن‭ ‬الواقع‭ ‬يُظهر‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تحمي‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬الجرائم‭ ‬المرتكبة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬ويتجلى‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬المرافق‭ ‬لإعلان‭ ‬الاعتراف،‭ ‬والذي‭ ‬أكد‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬أولوية‭ ‬حكومته‭ ‬تبقى‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭.‬

وعند‭ ‬تقييم‭ ‬هذا‭ ‬القرار،‭ ‬واحتمال‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬أخرى‭ ‬له‭ ‬خلال‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة؛‭ ‬ينبغي‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬معارضة‭ ‬سياسية‭ ‬كبيرة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬قائمة‭ ‬داخل‭ ‬بريطانيا‭. ‬وذكرت‭ ‬شبكة‭ ‬سكاي‭ ‬نيوز،‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬نواب‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬لم‭ ‬يعلّقوا‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬ستارمر‭. ‬بينما‭ ‬وصفته‭ ‬كيمي‭ ‬بادنوخ،‭ ‬زعيمة‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين،‭ ‬بأنه‭ ‬موقف‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬صوره‭. ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬حمّلت‭ ‬مجموعة‭ ‬أصدقاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬العمال،‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬مسؤولية‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬خلّفته‭ ‬الحرب،‭ ‬وأعلنت‭ ‬أن‭ ‬التزام‭ ‬ستارمر،‭ ‬بالاعتراف‭ ‬سيكون‭ ‬مجرد‭ ‬عمل‭ ‬رمزي،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تستخدم‭ ‬بريطانيا،‭ ‬نفوذها‭ ‬لفرض‭ ‬مسار‭ ‬ذي‭ ‬معنى‭ ‬نحو‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬أشار‭ ‬بوين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نافذة‭ ‬السلام،‭ ‬عبر‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬بدت‭ ‬مغلقة‭ ‬تمامًا‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬المفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭. ‬واعتبر‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬البريطاني‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬هو‭ ‬حيلة‭ ‬دبلوماسية؛‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬إعادة‭ ‬فتح‭ ‬هذه‭ ‬النافذة‭. ‬ويعتمد‭ ‬نجاح‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬وفاء‭ ‬حكومة‭ ‬ستارمر‭ ‬بالتزاماتها،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬وقف‭ ‬تدمير‭ ‬غزة‭.‬

وفي‭ ‬رسالتها‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني،‭ ‬شددت‭ ‬اللجنة‭ ‬البريطانية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬المتفاقمة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬الذي‭ ‬وفرته‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بريطانيا،‭ ‬عبر‭ ‬دعمها‭ ‬العسكري،‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬والدبلوماسي،‭ ‬المتواصل‭ ‬لإسرائيل‭.‬

وبينما‭ ‬يرفض‭ ‬ستارمر،‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحدوث‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين؛‭ ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬حكومته‭ ‬ستجري‭ ‬تقييمًا‭ ‬في‭ ‬سبتمبر،‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬التزام‭ ‬الأطراف‭ ‬بشروطها‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬رأت‭ ‬مادوكس،‭ ‬أن‭ ‬الرسالة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬واضحة‭ -‬وهي‭ ‬أن‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الفوري‭ ‬ضرورة‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نتائج‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬رمزية‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الرفض‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والأمريكي‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬أو‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة،‭ ‬واستمرار‭ ‬غياب‭ ‬المساءلة‭ ‬الدولية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬والذي‭ ‬كرّسته‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا