منذ انتهاء المعارك المباشرة بين إسرائيل و«حزب الله» تجرى مفاوضات ونقاشات ووساطات حول نزع السلاح من المليشيات المتعددة وفي مقدمتها مليشيات «حزب الله» وبدا واضحا أن هذا الموضوع قد أصبح مسألة وطنية حكومية ودولية في نفس الوقت وذلك لثلاثة أسباب رئيسية:
الأول: أن الحرب الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل قد أدت إلى إضعاف هذا الحزب وتدمير جزء كبير من إمكانياته القيادية والتسليحية، ما جعل وضعه السياسي والأمني ضعيفا إلى حد ما، مما يسهل المفاوضات حول نزع سلاحه وتحرير المجتمع اللبناني من هذا النوع من المليشيات العسكرية والاكتفاء بالحضور السياسي للجماعات والأحزاب المختلفة عبر الصراع السياسي السلمي والقانوني ضمن قوانين ودستور الدولة اللبنانية.
الثاني: إن موضوع نزع السلاح من المليشيات عامة و«حزب الله» خاصة أصبح هنالك نوع من الإجماع الإقليمي حوله فجميع الاجتماعات واللقاءات مع السفراء وممثلي الدول والوسطاء أو قيادة القوات الأممية في جنوب لبنان ورؤساء الدول الأوروبية بوجه خاص جميعهم يؤكدون ضرورة أن تحتكر الدولة اللبنانية السلاح لوحدها وما سيترتب على ذلك من فوائد فورية وطويلة المدى، حيث إن أغلبية المؤسسات الدولية المالية تتردد في مساعدة لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية والمالية لأسباب عديدة لعل أهمها موضوع سلاح المليشيات، هذا السلاح الذي أصبح عائقا أمام الاستثمارات الأجنبية فطالما بقيت الأسلحة منفلتة ولا تسيطر عليها الدولة فإن مسألة مساعدة لبنان للخروج من أزمته صعبة للغاية حتى أن الدول الصديقة للبنان وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وفرنسان واللتان درجتا على دعم لبنان بكل الوسائل الممكنة أصبحت تؤكد ضرورة نزع أسلحة المليشيات وسيطرة الحكومة على الأمن الداخلي والحدود والسلاح.
الثالث: من مقتضيات تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان أن تسيطر الدولة اللبنانية والجيش اللبناني تحديدا على الجنوب وخروج قوات «حزب الله» من هذه المنطقة إلى شمال نهر الليطاني تمهيدا لبسط سيطرة الدولة اللبنانية سيطرتها على كافة الأراضي اللبنانية ولا يزال الوسطاء يعملون من خلال الضغط المستمر على الحكومة اللبنانية وحتى على «حزب الله» في اتجاه تسليم هذا الحزب سلاحه ووضعه تحت تصرف الدولة اللبنانية.
والأخطر من ذلك أن إسرائيل مازالت تحتل عددا من مرتفعات جنوب لبنان ومازالت تسيطر على بعض الأراضي اللبنانية الحدودية بل مازالت تنتهك سيادة لبنان بالقصف المستمر والقتل، حيث تسرح وتمرح الطائرات الإسرائيلية في سماء لبنان تحت ذريعة ضرب مواقع لـ«حزب الله» أو ضرب قيادات لحزب الله فأصبح احتلال إسرائيل لمناطق بجنوب لبنان معلنا وطالما أن «حزب الله» مصر على الاحتفاظ بسلاحه، فإن إسرائيل لن تخلي المناطق التي احتلتها في الجنوب ولن تتوقف عن انتهاك السيادة اللبنانية.
هذه العوامل الثلاثة يضاف إليها العنصر المحلي، حيث تشعر الأغلبية اللبنانية بأن «حزب الله» قد جلب لها الويلات والقتل والتدمير إضافة إلى استخدام سلاحه لترهيب الآخرين واختطاف قرار لبنان السياسي.
فإذا ما فشلت المفاوضات وإذا ما أصر «حزب الله» على الاحتفاظ بسلاحه فإن الأمر قد يأخذ منحى خطيرا على أمن واستقرار ومستقبل لبنان وقد يصبح هنالك تدخل من مجلس الأمن استنادا إلى القرارات الصادرة سابقا بشأن وقف اطلاق النار، فالمشاورات الحالية سواء داخل لبنان أو بين لبنان والوسطاء الدوليين أو بين أعضاء مجلس الأمن تدور في مجملها نحو الدفع في اتجاه مطالبة إسرائيل بالانسحاب من المناطق التي احتلتها في الجنوب خلال حربها الأخيرة، وذلك بموجب التفاهمات الخاصة بوقف إطلاق النار مقابل نزع سلاح «حزب الله» وتسليمه للدولة اللبنانية باعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة التي يجب أن تحتكر السلاح.
ولكن مع كل ذلك، فإن المؤشرات الحالية الصادرة عن «حزب الله» تؤكد أن هذا الحزب يماطل ويرفض أن يسلم سلاحه والتحول إلى العمل السياسي الخالص وهذا قد يعقد الموضوع في ظل إصرار الحكومة اللبنانية وأغلبية اللبنانيين على ضرورة نزع سلاح جميع المليشيات وفي مقدمتها «حزب الله».
إن لبنان الجديد أمام فرصة تاريخية لاستعادة أمنه واستقراره وسيادته ليتمكن من اجتياز الفوضى التي أصابت المنطقة وفي مقدمتها لبنان، خصوصا بعد انتخاب الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون الذي أكد، بوضوح لا لبس فيه، تعهداته باستعادة الدولة واحتكارها للسلاح واستمرار محاربتها للإرهاب وهذا التوجه يدعمه معظم اللبنانيين وكل شركاء لبنان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك