العدد : ١٧٢٩٩ - الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٩ - الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

هندسة التجويع الصهيونية تبتلع الحياة في غزة

بقلم: د. زكريا خنجي

الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

حينما‭ ‬عجزت‭ ‬قريش‭ ‬عن‭ ‬إضعاف‭ ‬عزيمة‭ ‬وهمّة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ومن‭ ‬أسلم‭ ‬معه‭ ‬أو‭ ‬ثنيهم‭ ‬عن‭ ‬التمسك‭ ‬بالإسلام‭ ‬والعدالة‭ ‬والحق‭ ‬والحرية،‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬على‭ ‬قائد‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وبقية‭ ‬المسلمين،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬اعتقادهم‭ ‬أنه‭ ‬يمكنهم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬نفسه‭ ‬ببعض‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يتداولونها‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الندوة‭ ‬وهم‭ ‬سكارى‭. ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الزمن‭ ‬تفتقت‭ ‬أذهانهم‭ ‬عن‭ ‬المقاطعة‭ ‬العظمى،‭ ‬إذ‭ ‬تعاهدوا‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يتعاملوا‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬المعاملات‭ ‬كالبيع‭ ‬والشراء‭ ‬والزواج‭ ‬أي‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬واجتماعيًا،‭ ‬وحتى‭ ‬يضمنوا‭ ‬استمرارية‭ ‬وبقاء‭ ‬المعاهدة‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬وألا‭ ‬يخونهم‭ ‬أحد‭ ‬كتبوا‭ ‬صحيفة‭ ‬وعلقوها‭ ‬بهذا‭ ‬المضمون‭ ‬في‭ ‬الكعبة،‭ ‬وكانت‭ ‬الصحيفة‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬التالي‭: ‬‮«‬ألا‭ ‬يناكحوهم‭ ‬ولا‭ ‬يتزوجوا‭ ‬منهم،‭ ‬وألا‭ ‬يبايعوهم،‭ ‬ولا‭ ‬يبيعوا‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬يشتروا‭ ‬منهم،‭ ‬وألا‭ ‬يجالسوهم،‭ ‬ولا‭ ‬يخالطوهم،‭ ‬ولا‭ ‬يدخلوا‭ ‬بيوتهم،‭ ‬ولا‭ ‬يكلموهم،‭ ‬وألا‭ ‬يقبلوا‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬هاشم‭ ‬وبني‭ ‬المطلب‭ ‬صلحًا‭ ‬أبدًا،‭ ‬ولا‭ ‬تأخذهم‭ ‬بهم‭ ‬رأفة‭ ‬حتى‭ ‬يُسْلموا‭ ‬الرسول‭ ‬لهم‭ ‬للقتل‮»‬‭.‬

عندما‭ ‬علم‭ ‬أبو‭ ‬طالب‭ ‬بن‭ ‬عبدالمطلب جمع‭ ‬بني‭ ‬هاشم وأخبرهم‭ ‬بمكيدة قريش،‭ ‬فقرروا‭ ‬‭ ‬كلهم‭ ‬حتى‭ ‬المشركون‭ ‬منهم‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬ينحازوا‭ ‬للنبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬شعب‭ ‬بمكة‭ ‬يقال‭ ‬له‭: ‬شعب‭ ‬أبي‭ ‬طالب،‭ ‬وانحاز‭ ‬معهم‭ ‬حمية‭ ‬بنو‭ ‬المطلب‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬مناف‭.‬

وبدأ‭ ‬الحصار،‭ ‬واستمر‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬مظاهر‭ ‬الجوع‭ ‬والتجويع‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬سعد‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬وقاص،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬‮«‬خرجت‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬الشعب‭ ‬لأقضي‭ ‬حاجتي‭ ‬فسمعت‭ ‬قعقعة‭ ‬تحت‭ ‬البول،‭ ‬فإذا‭ ‬هي‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬جلد‭ ‬بعير‭ ‬يابسة،‭ ‬فأخذتها‭ ‬فغسلتها،‭ ‬ثم‭ ‬أحرقتها‭ ‬ثم‭ ‬رضضتها،‭ ‬وسففتها‭ ‬بالماء‭ ‬فتقويت‭ ‬بها‭ ‬ثلاث‭ ‬ليال‮»‬‭. ‬وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬يسربون‭ ‬بعض‭ ‬الأغذية‭ ‬والمؤن‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬خفيه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يراهم‭ ‬حراس‭ ‬قريش،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬المواد‭ ‬المسربة‭ ‬لا‭ ‬تفي‭ ‬بالغرض‭ ‬والتجويع‭ ‬الكبير‭.‬

وذات‭ ‬ليلة‭ ‬بعد‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬اجتمع‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬المشركين‭ ‬الذين‭ ‬أخذتهم‭ ‬النخوة‭ ‬العربية‭ ‬وهو‭ ‬هشام‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬وزهير‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬أمية‭ ‬وغيرهم‭ ‬بهدف‭ ‬رفع‭ ‬الحصار‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والمحاصرين‭ ‬في‭ ‬الشعب،‭ ‬وبعدما‭ ‬اتفقوا‭ ‬جاءوا‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬وفي‭ ‬الحرم‭ ‬المكي‭ ‬صرخ‭ ‬زهير‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬أمية‭ ‬بين‭ ‬جموع‭ ‬قريش‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أهل‭ ‬مكة‭ ‬أنأكل‭ ‬الطعام،‭ ‬ونلبس‭ ‬الثياب،‭ ‬وبنو‭ ‬هاشم‭ ‬هلكى،‭ ‬لا‭ ‬يباعون‭ ‬ولا‭ ‬يبتاع‭ ‬منهم،‭ ‬والله‭ ‬لا‭ ‬أقعد‭ ‬حتى‭ ‬تشق‭ ‬هذه‭ ‬الصحيفة‭ ‬القاطعة‭ ‬الظالمة‮»‬‭.‬

وقبيل‭ ‬هذا‭ ‬الحادث‭ ‬نزل‭ ‬الوحي‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يخبره‭ ‬أن‭ ‬الصحيفة‭ ‬قد‭ ‬سلط‭ ‬عليها‭ ‬دويبة‭ ‬ضعيفة‭ (‬ربما‭ ‬النمل‭ ‬الأبيض‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحشرات‭ ‬التي‭ ‬تأكل‭ ‬الورق‭) ‬فأكلت‭ ‬ورقتها‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭. ‬لما‭ ‬أخبر‭ ‬الرسول‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬عمه‭ ‬أبو‭ ‬طالب‭ ‬بذلك،‭ ‬انطلق‭ ‬إلى‭ ‬قريش‭ ‬يخبرهم‭ ‬بأمر‭ ‬الصحيفة‭ ‬وأن‭ ‬الأرضة‭ ‬قد‭ ‬أكلتها‭ ‬إلا‭ (‬اسم‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬ساومهم‭ ‬على‭ ‬الخبر‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬كان‭ ‬كلام‭ ‬ابن‭ ‬أخي‭ ‬حقًا‭ ‬فانتهوا‭ ‬عن‭ ‬قطيعتنا،‭ ‬وإن‭ ‬يك‭ ‬كاذبًا‭ ‬دفعته‭ ‬إليكم،‭ ‬فقالوا‭: ‬قد‭ ‬أنصفتنا‮»‬‭. ‬ومشوا‭ ‬إلى‭ ‬جوف‭ ‬الكعبة‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬زهير‭ ‬يتحدث،‭ ‬فوجدوا‭ ‬الصحيفة‭ ‬قد‭ ‬أكلتها‭ ‬الأرضة‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ (‬اسم‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬حينئذ‭ ‬سطع‭ ‬نور‭ ‬الحق‭ ‬فخرج‭ ‬بنو‭ ‬هاشم‭ ‬من‭ ‬الشعب،‭ ‬وانتصر‭ ‬الإسلام،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬الكفر‭ ‬لا‭ ‬يتغيرون‭.‬

واليوم‭ ‬تعود‭ ‬تلك‭ ‬المشاهد‭ ‬بصورة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬إلى‭ ‬واجهة‭ ‬الأحداث،‭ ‬فاليوم‭ ‬يعيش‭ ‬أخوة‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الكوارث‭ ‬الإنسانية‭ ‬فتكًا‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬كافة‭ ‬التقديرات،‭ ‬حيث‭ ‬يُستخدم‭ ‬التجويع‭ ‬الممنهج‭ ‬كسلاح‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ضد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬إنسان‭. ‬فمنذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬فرضت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬حصارًا‭ ‬شاملًا‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬إغلاق‭ ‬المعابر‭ ‬ومنع‭ ‬إدخال‭ ‬الغذاء‭ ‬والماء‭ ‬والدواء،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭.‬

ولكن‭ ‬ليكن‭ ‬معلومًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التجويع‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬وإنما‭ ‬تشير‭ ‬كافة‭ ‬الدلائل‭ ‬الى‭ ‬أنه‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬حيث‭ ‬خضعت‭ ‬غزة‭ ‬لحصار‭ ‬صهيوني‭ ‬متدرج‭ ‬فخنق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وأفقر‭ ‬السكان‭. ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الى‭ ‬أنها‭ ‬تجاوزت‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬45%،‭ ‬وبلغت‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الشباب‭ ‬والجامعيين‭ ‬67%،‭ ‬وكانت‭ ‬معظم‭ ‬الأسر‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المعونات‭ ‬لتلبية‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬احتياجاتها‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العدوان‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬مثّل‭ ‬انتقالًا‭ ‬نوعيا‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬من‭ ‬التدمير‭ ‬المتعمد‭ ‬والممنهج،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬صراحة‭ ‬استخدام‭ ‬التجويع‭ ‬كسلاح،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إغلاق‭ ‬المعابر،‭ ‬ومنع‭ ‬إدخال‭ ‬الغذاء،‭ ‬واستهداف‭ ‬مباشر‭ ‬للمخازن‭ ‬والمطاحن‭ ‬والمخابز،‭ ‬والأراضي‭ ‬الزراعية،‭ ‬والأسواق،‭ ‬وحتى‭ ‬المطابخ‭ ‬المجتمعية‭ ‬وتكايا‭ ‬الطعام،‭ ‬وهذه‭ ‬السياسة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عشوائية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬هندسة‭ ‬ممنهجة،‭ ‬ففي‭ ‬9‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬صرّح‭ ‬وزير‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬آنذاك‭ ‬يوآف‭ ‬غالانت‭: ‬‮«‬نفرض‭ ‬حصارًا‭ ‬كاملاً‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬لا‭ ‬كهرباء،‭ ‬لا‭ ‬طعام،‭ ‬لا‭ ‬ماء،‭ ‬لا‭ ‬غاز،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مغلق‭. ‬نحن‭ ‬نقاتل‭ ‬حيوانات‭ ‬بشرية‭ ‬ونتصرف‭ ‬وفقًا‭ ‬لذلك‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬تصريح‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬التصريحات‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬التي‭ ‬يُعد‭ ‬اعترافًا‭ ‬رسميًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬باستخدام‭ ‬الحصار‭ ‬والتجويع‭ ‬كأداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

ولقد‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬تعتمد‭ ‬معايير‭ ‬واضحة‭ ‬لإعلان‭ ‬المجاعة،‭ ‬وتتمثل‭ ‬في‭ ‬تحقق‭ ‬ثلاثة‭ ‬شروط،‭ ‬هي‭:‬

{‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬20%‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬مستويات‭ ‬شديدة‭ ‬من‭ ‬الجوع‭.‬

{‭ ‬أن‭ ‬يعاني‭ ‬30%‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬الهزال‭ ‬الحاد‭.‬

{‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬معدل‭ ‬الوفيات‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لكل‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬بالغ‭ ‬يوميًا،‭ ‬أو‭ ‬حالتين‭ ‬للأطفال‭.‬

ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أكثر‭ ‬تفاؤلاً،‭ ‬تشير‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬مجالاً‭ ‬للجدال‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التجويع‭ ‬المطبق‭ ‬حاليًا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مهندس‭ ‬بصورة‭ ‬احترافية‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬استيفاء‭ ‬كافة‭ ‬تلك‭ ‬المؤشرات‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬حالة‭ ‬مجاعة‭ ‬موثقة‭ ‬قانونيًا‭ ‬وإنسانيًا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭.‬

إذ‭ ‬أدى‭ ‬التجويع‭ ‬إلى‭ ‬وفاة‭ ‬المئات‭ ‬نتيجة‭ ‬الجوع‭ ‬والإجهاد‭ ‬وسوء‭ ‬التغذية،‭ ‬وتفاقمت‭ ‬حالات‭ ‬الهزال‭ ‬الحاد‭ ‬بين‭ ‬الأطفال،‭ ‬وانخفضت‭ ‬قدرة‭ ‬الأسر‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الغذاء،‭ ‬كما‭ ‬تسببت‭ ‬المجاعة‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ودفعت‭ ‬السكان‭ ‬نحو‭ ‬النزوح‭ ‬القسري‭ ‬أو‭ ‬الموت‭ ‬البطيء‭.‬

وتقول‭ ‬كافة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬أزمة‭ ‬إنسانية،‭ ‬بل‭ ‬جريمة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬مكتملة‭ ‬الأركان،‭ ‬تُرتكب‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬العالم‭. ‬فالتجويع‭ ‬كسلاح‭ ‬حرب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُدان‭ ‬دوليًا،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬لوقف‭ ‬هذه‭ ‬المأساة،‭ ‬ومحاسبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عنها،‭ ‬وضمان‭ ‬وصول‭ ‬الغذاء‭ ‬والماء‭ ‬والدواء‭ ‬إلى‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين،‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تحذيرات‭ ‬أممية‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬المجاعة‭ ‬الشاملة،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إرادة‭ ‬دولية‭ ‬جادة‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬ممرات‭ ‬إنسانية‭ ‬حقيقية‭ ‬أو‭ ‬وقف‭ ‬العدوان‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التراخي‭ ‬يعكس‭ ‬تفاهمًا‭ ‬غير‭ ‬معلن‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وبعض‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬غزة‭ ‬تحت‭ ‬الضغط،‭ ‬ضمن‭ ‬ترتيبات‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‭(‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭).‬

وكذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الحروب،‭ ‬ونقصد‭ ‬حرب‭ ‬التجويع،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُعد‭ ‬أداة‭ ‬دعائية‭ ‬تُستخدم‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الدولي‭ ‬لتسطيح‭ ‬الواقع‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬عبر‭ ‬تسويق‭ ‬المجاعة‭ ‬كأزمة‭ ‬إنسانية‭ ‬بلا‭ ‬سياق،‭ ‬وبلا‭ ‬فاعل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتم‭ ‬تغييب‭ ‬الاحتلال‭ ‬كمسبب‭ ‬مباشر،‭ ‬كما‭ ‬يُستخدم‭ ‬التجويع‭ ‬كوسيلة‭ ‬لإعادة‭ ‬هندسة‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وفرض‭ ‬وقائع‭ ‬جيوسياسية‭ ‬جديدة‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ (‬الضغط‭ ‬الإنساني‭).‬

نحن‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الهولوكوست‭ ‬النازي‭ ‬والهولوكوست‭ ‬الصهيوني

والان،‭ ‬دعونا‭ ‬نقوم‭ ‬بعمل‭ ‬مقارنة‭ ‬بسيطة‭ ‬بين‭ ‬الهولوكوست‭ ‬النازي‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1939‭ ‬إلى‭ ‬1945‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬والهولوكوست‭ ‬الصهيوني‭ ‬والمستمر‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬

أولًا‭: ‬الهولوكوست‭ ‬النازي‭: ‬

{‭ ‬الجهة‭ ‬المسؤولة؛‭ ‬النظام‭ ‬النازي‭ ‬بقيادة‭ ‬أدولف‭ ‬هتلر‭.‬

{‭ ‬الضحايا؛‭ ‬حوالي‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬يهودي‭ ‬قُتلوا‭ ‬في‭ ‬معسكرات‭ ‬الإبادة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الغجر،‭ ‬المثليين،‭ ‬المعاقين،‭ ‬والمعارضين‭ ‬السياسيين‭. ‬وكانت‭ ‬الأساليب‭ ‬المستخدمة‭: ‬غرف‭ ‬الغاز،‭ ‬التجويع،‭ ‬العمل‭ ‬القسري،‭ ‬وبعض‭ ‬التجارب‭ ‬الطبية‭.‬

{‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬جريمة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬موثقة،‭ ‬ومحاكمات‭ ‬نورمبرغ‭ ‬أدانت‭ ‬المسؤولين،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تدفع‭ ‬تبعات‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭.‬

ثانيًا‭: ‬الهولوكوست‭ ‬الصهيوني‭:‬

{‭ ‬الجهة‭ ‬المسؤولة؛‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬2007‭ ‬ومازالت‭ ‬مستمرة‭.‬

{‭ ‬الضحايا؛‭ ‬منذ‭ ‬2008‭ ‬حتى‭ ‬2024،‭ ‬قُتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬إنسان،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬المدنيين،‭ ‬بينهم‭ ‬آلاف‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬ومئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجرحى‭ ‬والمصابين‭ ‬بإعاقات‭ ‬دائمة‭.‬

{‭ ‬وكانت‭ ‬الأساليب‭ ‬المستخدمة؛‭ ‬حصار‭ ‬شامل،‭ ‬منع‭ ‬على‭ ‬أثرها‭: ‬الغذاء،‭ ‬الدواء،‭ ‬الكهرباء،‭ ‬والوقود،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬قصف‭ ‬جوي‭ ‬وبري‭ ‬وبحري،‭ ‬وتدمير‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭.‬

{‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأساسية؛‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬إنسانية‭ ‬كارثية،‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬الصحي،‭ ‬نقص‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬النظيفة‭ ‬والغذاء‭.‬

{‭ ‬وكانت‭ ‬نتيجة‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي؛‭ ‬أن‭ ‬وصفت‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬بعض‭ ‬الأفعال‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬والقضية‭ ‬مطروحة‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬ولقد‭ ‬تم‭ ‬البت‭ ‬فيها،‭ ‬ولكن‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬مازالت‭ ‬تتفرج‭ ‬وربما‭ ‬تقوم‭ ‬ببعض‭ ‬الأعمال‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأفعال‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحدث‭.‬

عمومًا،‭ ‬هذه‭ ‬حقائق‭ ‬وكل‭ ‬الذي‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬لديهم‭ ‬النخوة‭ ‬الإنسانية‭ ‬ليفكوا‭ ‬الحصار‭ ‬عن‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا