العدد : ١٧٢٩٩ - الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٩ - الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

التدبر.. وعوالم القرآن الرحبة!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

التدبر‭ ‬دعوة‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬إلى‭ ‬التفكر،‭ ‬ومحاولة‭ ‬لإدراك‭ ‬مقاصد‭ ‬الإسلام،‭ ‬وتحقيق‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬القرآن‭ ‬لتحقيقه،‭ ‬وإنشاء‭ ‬علاقة‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬القرآن‭ ‬وآياته‭ ‬وسوره‭ ‬والإنسان‭ ‬الذي‭ ‬تحدثت‭ ‬سورة‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬فضائله‭ ‬وقيمه‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬الإسلام‭ ‬تجسيدها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬ينشده‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وآتاكم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سألتموه‭ ‬وإن‭ ‬تعدوا‭ ‬نعمت‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬تحصوها‭ ‬إن‭ ‬الإنسان‭ ‬لظلوم‭ ‬كفَّار‮»‬‭ (‬إبراهيم‭/‬34‭).‬

ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬التدبر‭ ‬لفهم‭ ‬مقاصد‭ ‬القرآن‭ ‬هو‭ ‬الغاية‭ ‬المنشودة‭ ‬من‭ ‬التلاوة‭ ‬لأن‭ ‬العبرة‭ ‬في‭ ‬تلاوة‭ ‬القرآن‭ ‬ليس‭ ‬بعدد‭ ‬الختمات،‭ ‬وبطول‭ ‬الصحبة‭ ‬للقرآن،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬يحصله‭ ‬القارئ‭ ‬للقرآن‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬وعلوم‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬زاخرة‭ ‬بالبذل‭ ‬والعطاء،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬كتاب‭ ‬أنزلناه‭ ‬إليك‭ ‬مبارك‭ ‬ليدبروا‭ ‬آياته‭ ‬وليتذكر‭ ‬أولو‭ ‬الألباب‮»‬‭. ‬سورة‭ (‬ص‭/‬29‭). ‬وتأكيدًا‭ ‬لحرص‭ ‬القرآن‭ ‬على‭ ‬التزام‭ ‬المسلم‭ ‬نهج‭ ‬التدبر‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بمجرد‭ ‬التلاوة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬يتتبعوا‭ ‬الكلمة‭ ‬القرآنية‭ ‬حتى‭ ‬يتبين‭ ‬أصلها‭ ‬وفصلها‭ ‬ليتحقق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الفهم‭ ‬الصحيح،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬صالح‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬عليه‭ ‬دائمًا‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وعملوا‭ ‬الصالحات‮»‬،‭ ‬ونجد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ألم‭ ‬تر‭ ‬كيف‭ ‬ضرب‭ ‬الله‭ ‬مثلًا‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة‭ ‬كشجرة‭ ‬طيبة‭ ‬أصلها‭ ‬ثابت‭ ‬وفرعها‭ ‬في‭ ‬السماء‭ (‬24‭) ‬تؤتي‭ ‬أُكلها‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬بإذن‭ ‬ربها‭ ‬ويضرب‭ ‬الله‭ ‬الأمثال‭ ‬للناس‭ ‬لعلهم‭ ‬يتذكرون‭ (‬25‭)‬‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬إبراهيم‭.‬

وحين‭ ‬يكون‭ ‬الغرس‭ ‬صالحًا‭ ‬يتحقق‭ ‬صلاح‭ ‬العمل،‭ ‬فيجتمع‭ ‬الإيمان‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬فيثمرا‭ ‬هذا‭ ‬الغرس‭ ‬الطيب‭ ‬ثمارًا‭ ‬يانعة‭ ‬قطوفها‭ ‬دانية،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬‮«‬من‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬العزة‭ ‬فلله‭ ‬العزة‭ ‬جميعًا‭ ‬إليه‭ ‬يصعد‭ ‬الكلم‭ ‬الطيب‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح‭ ‬يرفعه‭ ‬والذين‭ ‬يمكرون‭ ‬السيئات‭ ‬لهم‭ ‬عذاب‭ ‬شديد‭ ‬ومكر‭ ‬أولئك‭ ‬هو‭ ‬يبور‮»‬‭ (‬فاطر‭/‬10‭).‬

والكلم‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬طيبًا،‭ ‬وفيه‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬السامية‭ ‬ما‭ ‬يعلو‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬رافعة‭ ‬تُفَعِلْ‭ ‬الكلم‭ ‬الطيب‭ ‬وتبلغ‭ ‬به‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬يريدها‭ ‬الإنسان‭ ‬ويسعى‭ ‬إليها‭.‬

والقوة‭ ‬الرافعة‭ ‬التي‭ ‬ينشدها‭ ‬الكلم‭ ‬الطيب‭ ‬لتصل‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الغاية‭ ‬المطلوبة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬المعادلة‭ ‬الإيمانيّة‭ ‬التي‭ ‬يجتمع‭ ‬فيها‭ ‬الإيمان‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬والذي‭ ‬يتكرر‭ ‬ذكره‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لأن‭ ‬الإيمان‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭ ‬لا‭ ‬يحقق‭ ‬الغاية‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وكذلك‭ ‬العمل‭ ‬بلا‭ ‬إيمان‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬يطلبه‭ ‬المؤمن‭ ‬ويلح‭ ‬في‭ ‬طلبه‭ ‬دومًا،‭ ‬لذلك‭ ‬نجد‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يكرر‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬القمر‭: ‬‮«‬ولقد‭ ‬يسرنا‭ ‬القرآن‭ ‬للذكر‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مدكر‮»‬‭ (‬القمر‭/‬17‭) ‬ويكرر‭ ‬ذكر‭ ‬ذلك‭ ‬أربع‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬الآيات‭: (‬22،32،‭ ‬40‭) ‬والتكرار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآيات‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬القمر‭ ‬ليس‭ ‬لمجرد‭ ‬التكرار،‭ ‬بل‭ ‬لتأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬القضية‭ ‬وخطورتها،

ومن‭ ‬أجل‭ ‬استنطاق‭ ‬الكلمة‭ ‬القرآنية‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬حدودها‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مستحيلا‭ ‬لأن‭ ‬مراد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬بشر،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬شيء‭ ‬أقرب‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يلقيه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬عبدٍ‭ ‬من‭ ‬عباده‭ ‬سبحانه‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬وردت‭ ‬اللفظة‭ ‬القرآنية‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬من‭ ‬مواضع‭ ‬القرآن‭ ‬تجد‭ ‬المعاني‭ ‬الكثيرة‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬فيعيننا‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬مراد‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وتتكامل‭ ‬اللفظة‭ ‬القرآنية‭ ‬بجميع‭ ‬معانيها‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬حاضرة‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬المتلوة‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬الوقت‭ ‬لتلاوتها،‭ ‬وتبقى‭ ‬مخزونة‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬المعرفي‭ ‬يستدعيها‭ ‬القارئ‭ ‬للقرآن‭ ‬متى‭ ‬يشاء،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬دعوة‭ ‬صريحة‭ ‬للتدبر،‭ ‬ولولا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬عباده‭ ‬المؤمنين‭ ‬أن‭ ‬يدبروا‭ ‬آيات‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الحكيم‭ ‬لما‭ ‬تولى‭ ‬بذاته‭ ‬سبحانه‭ ‬أمر‭ ‬تيسيره‭ ‬ولم‭ ‬يدع‭ ‬ذلك‭ ‬لأحدٍ‭ ‬من‭ ‬خلقه‭.‬

ومن‭ ‬الدلالات‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬لنا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بتيسيره‭ ‬للقرآن‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يأتي‭ ‬مستدركا،‭ ‬ليستدرك‭ ‬على‭ ‬القرآن،‭ ‬وللدلالة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬وحي‭ ‬يوحى‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬أفلا‭ ‬يتدبرون‭ ‬القرآن‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬غير‭ ‬الله‭ ‬لوجدوا‭ ‬فيه‭ ‬اختلافًا‭ ‬كثيرا‮»‬‭ (‬النساء‭/‬82‭).‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ليكون‭ ‬المعجزة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لتكون‭ ‬خاتمة‭ ‬المعجزات‭ ‬لخاتم‭ ‬رسله‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ )‬،‭ ‬وأنها‭ ‬ستظل‭ ‬معجزة‭ ‬متجددة‭ ‬بتجدد‭ ‬الزمان‭ ‬وتجدد‭ ‬المكان،‭ ‬وتجدد‭ ‬الأمم‭ ‬والأقوام،‭ ‬وأنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬معجزة‭ ‬موقوتة‭ ‬ينتهي‭ ‬إعجازها‭ ‬بانتهاء‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬والإنسان،‭ ‬وتحديها‭ ‬قائم‭ ‬ومستمر،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معجزة‭ ‬لن‭ ‬تتكرر‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الزمان‭ ‬كله،‭ ‬والمكان‭ ‬كله‭ ‬والإنسان‭ ‬بعمومه‭ ‬وخصوصه،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬قل‭ ‬لئن‭ ‬اجتمعت‭ ‬الإنس‭ ‬والجن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬لا‭ ‬يأتون‭ ‬بمثله‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬لبعض‭ ‬ظهيرا‮»‬‭ (‬الإسراء‭/‬88‭).‬

وللقرآن‭ ‬مفاتيح‭ ‬إذا‭ ‬علمها‭ ‬المسلمون‭ ‬يستطيعون‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬يفضوا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬القرآن،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬عوالمه‭ ‬الرحبة،‭ ‬هذه‭ ‬المفاتيح‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬يفتحوا‭ ‬قلوبهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفتحوا‭ ‬مصاحفهم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا