زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
أرفض تسليع النساء
علاقتي بالرياضة لا تختلف عن علاقتي بإسرائيل، يعني لا علاقة أو علاقة نفور، وكرة القدم هي أكثر الرياضات شعبية في العالم، لأنها لعبة ديمقراطية يمارسها الفقراء والأغنياء، ولا تحتاج الى مضرب او زي معين لتمارسها في الحي او المدرسة، ومع هذا فإن علاقتي بها فاترة جدا، ولن استطيع ان اتابع مباراة كرة قدم من البداية إلى النهاية، حتى يجيء اليوم الذي استمع فيه لأغنية من ام كلثوم من البداية الى النهاية، وهو أمر مستبعد تماما.
ولكنني شغوف بالألعاب الأولمبية التي تقوم على المهارات الفردية، وأستطيع أن أتابع مباريات كرتي السلة والطائرة لبضع دقائق، وكنت قبل يومين اتابع مع ولدي لقطات من دورة اولمبية على يوتيوب، عندما جاء الدور على الكرة الطائرة النسائية، فسألني ولدي: لماذا يرتدين شورتات ضيقة تلتصق بأفخاذهن، في حين أنه لو ارتدين بنطلونات الرياضة أو حتى شورتات من النوع الذي يرتديه الرياضيون الرجال، لكان ذلك مريحا لهن ويسهِّل حركتهن. هذه الملاحظة جعلتني أنتبه الى أنه حتى في مجالات الرياضة، حيث الحديث عن «القيم السامية» فإن الاستغلال الجنسي لجسد المرأة أمر متعمد ومخطط له بعناية. والمسألة فعلا بحاجة الى رابط وضابط: لماذا تشترك نساء في منافسات غير السباحة بملابس السباحة؟ لماذا كل الملابس النسائية في الأولمبياد محزقة وتضغط على مواطن العفة والإثارة في أجساد المشاركات؟ والملابس الضيقة تسبب الضيق لأنها غير مريحة سواء في البيت او الشارع او الملعب الرياضي، ولو كانت هذه النوعية من الملابس تسهم – بأي درجة – في تسهيل حركة اللاعب، لكان الرجال – وعدد الرياضيين منهم مئات أضعاف أعداد من يمارس الرياضة من النساء – أول من يرتديها.
لاعبة التنس الروسية آنا كورنيكوفا هي أشهر من مارس الرياضة بغرض الإثارة الجنسية، وخاضت بطولات دولية في التنس، رغم أنه لم يكن واردا ان تفوز على أبي العلاء المعري في أي مباراة، لأن ما تكشفه من جسمها كان كفيلا بجذب الجماهير. ثم «جابتها من قاصرها» وهجرت التنس وتفرغت لأغلفة المجلات الخليعة وإعلانات الملابس النسائية «اللي زي قِلِّتها». فهل الرجال بريئون من تهمة إرغام الرياضيات على ارتداء الملابس المثيرة؟ أشك في ذلك. في دورة بيجين الأولمبية، كان واضحا أن الكثير من المتباريات تعمدن عرض بضاعتهن، وعيونهن على عقود الإعلانات التجارية. شابة أمريكية خرجت من حوض السباحة وشلحت ملابسها كلها أمام عشرات الآلاف حول الحوض، ومئات الملايين من مشاهدي التلفزيون، ولا تستطيع تلك الشابة ان تقول: جلَّ من لا يسهو! لأنه ما من شخص نصف عاقل يتعرى بعد خروجه حتى من حمام بيته.
وأربع من الأوربيات اللواتي كن من المتنافسات في الصين نشرت لهن النسخة الألمانية من مجلة بلاي بوي، صورا بلا سنتيمتر واحد من الملابس. وتقاضت كل واحدة منهن الملايين نظير تلك الصور، والفائزات بالذهب على نحو خاص يعرفن أنهن سيغرفن الذهب بالجاروف من العروض التي تأتيهن للترويج للسلع. لاحظ أن استغلال النساء لتلك الغاية لا يقتصر على الملابس الداخلية، فحتى إعلانات السيارات تحرص على كشف ساق وفخذ امرأة وهي تدخل سيارة أو تخرج منها. والغريب في الأمر ان من يشاركن في إعلانات تتطلب التجرد من الملابس والحياء، هن الأعلى صوتا في الحديث عن ضرورة المساواة بين الرجال والنساء. دعونا من إعلانات التلفزيون: لماذا يلبس الرجال المشاركون في ألعاب الجمباز والمتوازي والعُقلة البنطلونات الفضفاضة بينما ترتدي النساء المشاركات فيها ملابس لا يمكن خلعها – أو بالأحرى – نزعها – إلا بمقص جراحي أو باستخدام الشحم أو الفازلين؟ المساواة بين الجنسين لا تأتي بالتعري، بل تأتي برفض امتهان جسد المرأة وتحويله إلى سلعة او فاترينة.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك