العدد : ١٧٣٠١ - الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠١ - الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ صفر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

مربكون وليسوا مبروكين

كتبت‭ ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬عن‭ ‬سيدة‭ ‬بنغلاديشية‭ ‬أنجبت‭ ‬طفلا‭ ‬برأسين،‭ ‬أي‭ ‬جمجمتين‭ ‬ووجهين،‭ ‬وكان‭ ‬الطفل‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬الرضاعة‭ ‬والبكاء‭ ‬بفمين،‭ ‬وما‭ ‬ان‭ ‬ذاع‭ ‬أمره‭ ‬حتى‭ ‬حاصر‭ ‬بيت‭ ‬عائلته‭ ‬آلاف‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬أصقاع‭ ‬البلاد،‭ ‬ليس‭ ‬بدافع‭ ‬حب‭ ‬الاستطلاع‭ ‬ولكن‭ ‬بسبب‭ ‬الغباء‭ ‬الوبائي‭ ‬المستفحل‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المسلمة،‭ ‬والذي‭ ‬يجعل‭ ‬كل‭ ‬كائن،‭ ‬آدميا‭ ‬كان‭ ‬ام‭ ‬حيوانا‭ ‬او‭ ‬نباتا‭ ‬يخرج‭ ‬شكله‭ ‬وسلوكه‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬مألوف،‭ ‬من‭ ‬‮«‬أصحاب‭ ‬البركات‭ ‬والكرامات‮»‬‭. ‬شخصيا‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬الذي‭ ‬صادف‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المعظم،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬تبرع‭ ‬بإضفاء‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬المبروك‮»‬‭ ‬عليَّ،‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬المصادفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يد‭ ‬لي‭ ‬فيها‭ ‬

‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬غضب‭ ‬الشيخ‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الغزالي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسميه‭ ‬بالتدين‭ ‬الغبي‭. ‬ومشكلة‭ ‬من‭ ‬يسلمون‭ ‬رقابهم‭ ‬للمشعوذين‭ ‬والدجالين‭ ‬ويصدقون‭ ‬مزاعمهم‭ ‬بأنهم‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬البركات‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬اتيان‭ ‬الخوارق،‭ ‬هي‭ ‬أنهم‭ ‬يضفون‭ ‬عليهم‭ ‬صبغة‭ ‬دينية‭. ‬التدين‭ ‬الغبي‭ ‬والانقياد‭ ‬للمشعوذين،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬متفش‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬والملل‭ ‬والنحل،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬جمعيات‭ ‬للروحانيين‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬يزعمون‭ ‬القدرات‭ ‬على‭ ‬شفاء‭ ‬المرضى‭ ‬باللمس‭ ‬أو‭ ‬التمتمة‭ ‬بتعاويذ‭ ‬أو‭ ‬الرقص‭. ‬

دعوني‭ ‬أحكي‭ ‬لكم‭ ‬بسرعة‭ ‬قصة‭ ‬ميرفين‭ ‬جونسون‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬انتخابه‭ ‬رئيسا‭ ‬للاتحاد‭ ‬العالمي‭ ‬للروحانيين‭. ‬وبعدها‭ ‬بشهر‭ ‬واحد‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الشرطة،‭ ‬واعترف‭ ‬أمام‭ ‬المحققين‭ ‬باغتصاب‭ ‬8‭ ‬نساء‭ - ‬من‭ ‬بينهن‭ ‬طفلة‭ - ‬لجأن‭ ‬إليه‭ ‬ليعالجهن‭ ‬من‭ ‬امراض‭ ‬مزمنة‭. ‬الرجل‭ ‬بريطاني‭ ‬والجرائم‭ ‬التي‭ ‬اعترف‭ ‬بها‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬في‭ ‬السويد‭. ‬وهكذا‭ ‬شرعت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمارس‭ ‬فيها‭ ‬قدراته‭ ‬الروحانية‭ ‬المزعومة‭ ‬في‭ ‬نبش‭ ‬ملفاته،‭ ‬وبسهولة‭ ‬كبيرة‭ ‬اكتشفت‭ ‬الشرطة‭ ‬البريطانية‭ ‬أنه‭ ‬مارس‭ ‬قدراته‭ ‬الخارقة‭ ‬في‭ ‬الاستعباط‭ ‬على‭ ‬عشرات‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭. ‬وسيمضي‭ ‬الرجل‭ ‬بقية‭ ‬عمره‭ ‬متنقلا‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬أوربا‭.‬

في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬استفحل‭ ‬أمر‭ ‬‮«‬مشايخ‮»‬‭ ‬الإفك‭ ‬والشعوذة‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬ولي‭ ‬مبروك‮»‬‭ ‬لكل‭ ‬مائة‭ ‬نسمة،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يمارس‭ ‬نشاطه‭ ‬جهارا‭ ‬نهارا‭ ‬ولديه‭ ‬سكرتاريا‭ ‬تنظم‭ ‬‮«‬المواعيد‮»‬‭ ‬لطالبي‭ ‬‮«‬الكرامات‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬قاموسهم‭ ‬كلمة‭ ‬مطاطة‭ ‬قد‭ ‬تعني‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬بشخص‭ ‬او‭ ‬تحصين‭ ‬بهائم‭ ‬ضد‭ ‬الأمراض‭ ‬بـ«حجاب‮»‬‭. ‬ورغم‭ ‬انني‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬ريفية‭ ‬مشبعة‭ ‬بالخرافات‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬دائما‭ ‬سيئ‭ ‬الظن‭ ‬بأولئك‭ ‬الأدعياء‭. ‬واذكر‭ ‬ان‭ ‬أمي‭ ‬لجأت‭ ‬الى‭ ‬أحدهم‭ ‬ليكتب‭ ‬لي‭ ‬‮«‬حجابا‮»‬‭ ‬لسبب‭ ‬او‭ ‬لآخر،‭ ‬ولبست‭ ‬الحجاب‭ ‬حول‭ ‬رقبتي‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬معظم‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬سني‭ ‬أو‭ ‬أكبر‭ ‬مني‭ ‬بكثير‭. ‬وفور‭ ‬ابتعادي‭ ‬عن‭ ‬أمي‭ ‬قمت‭ ‬بفض‭ ‬الكيس‭ ‬الجلدي‭ ‬الذي‭ ‬يحوي‭ ‬الحجاب،‭ ‬واطلعت‭ ‬على‭ ‬محتوياته‭. ‬كانت‭ ‬به‭ ‬عدة‭ ‬نجمات‭ ‬سداسية‭ ‬عرفت‭ ‬لاحقا‭ ‬أنها‭ ‬تعرف‭ ‬بنجمة‭ ‬داوود‭ (‬شعار‭ ‬اسرائيل‭ ‬حاليا‭) ‬وكلمات‭ ‬عديمة‭ ‬المعنى‭. ‬مجرد‭ ‬حروف‭ ‬متشابكة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬اتساق‭. ‬بصراحة‭ ‬أحسست‭ ‬برعدة‭ ‬ورعشة‭ ‬ورعب‭. ‬تلك‭ ‬الطلاسم‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬شيئا‭ ‬خطيرا‭. ‬لملمت‭ ‬الورق‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬وحشوته‭ ‬في‭ ‬كيس‭ ‬الجلد‭ ‬وعشت‭ ‬أياما‭ ‬في‭ ‬هلع‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬عقاب‭ ‬سيقع‭ ‬علي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬بسبب‭ ‬فعلتي‭ ‬‮«‬المنكرة‮»‬‭ ‬تلك‭. ‬ولما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬شيء‭ ‬صرت‭ ‬أشجع‭ ‬أقراني‭ ‬على‭ ‬فض‭ ‬محتويات‭ ‬‮«‬حجاباتهم‮»‬،‭ ‬ووجدت‭ ‬في‭ ‬أحدها‭ ‬ورقة‭ ‬كان‭ ‬واضحا‭ ‬انها‭ ‬قطعت‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬رياضيات‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬مطبوعة‭ ‬وبها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬حسابية‭. ‬وبعدها‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أحسب‭ ‬لدجال‭ ‬حسابا‭.‬

ولكنني‭ ‬اعتزم‭ ‬إذا‭ ‬مد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أيامي‭ ‬توظيف‭ ‬توافق‭ ‬ذكرى‭ ‬يوم‭ ‬مولدي‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬عام،‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الدجل‭ ‬السياسي‭. ‬ففي‭ ‬السودان‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تفوز‭ ‬بمنصب‭ ‬عليه‭ ‬القيمة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يسندك‭ ‬زعيم‭ ‬يحمل‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬سيدي‮»‬‭ ‬وبما‭ ‬ان‭ ‬جميع‭ ‬الأسياد‭ ‬عندنا‭ ‬يعرفون‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬استحق‭ ‬مساندتهم‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬ان‭ ‬اعمل‭ ‬لحساب‭ ‬نفسي‭: ‬سي‭. ‬دي‭. ‬أبو‭ ‬الجعافر

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا