زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
مربكون وليسوا مبروكين
كتبت قبل حين من الزمان عن سيدة بنغلاديشية أنجبت طفلا برأسين، أي جمجمتين ووجهين، وكان الطفل قادرا على الرضاعة والبكاء بفمين، وما ان ذاع أمره حتى حاصر بيت عائلته آلاف الأشخاص من مختلف أصقاع البلاد، ليس بدافع حب الاستطلاع ولكن بسبب الغباء الوبائي المستفحل في العديد من الدول المسلمة، والذي يجعل كل كائن، آدميا كان ام حيوانا او نباتا يخرج شكله وسلوكه عما هو مألوف، من «أصحاب البركات والكرامات». شخصيا أنا من مواليد الأول من سبتمبر، الذي صادف قبل أعوام اليوم الأول من شهر رمضان المعظم، وهناك من تبرع بإضفاء لقب «المبروك» عليَّ، بسبب هذه المصادفة التي لا يد لي فيها
كان أكثر ما يثير غضب الشيخ الراحل محمد الغزالي رحمه الله ما كان يسميه بالتدين الغبي. ومشكلة من يسلمون رقابهم للمشعوذين والدجالين ويصدقون مزاعمهم بأنهم من ذوي البركات القادرين على اتيان الخوارق، هي أنهم يضفون عليهم صبغة دينية. التدين الغبي والانقياد للمشعوذين، وهو أمر متفش في كل الأمم والملل والنحل، بل إن في أوربا والولايات المتحدة «جمعيات للروحانيين» الذين يزعمون القدرات على شفاء المرضى باللمس أو التمتمة بتعاويذ أو الرقص.
دعوني أحكي لكم بسرعة قصة ميرفين جونسون الذي تم انتخابه رئيسا للاتحاد العالمي للروحانيين. وبعدها بشهر واحد كان قد وقع في قبضة الشرطة، واعترف أمام المحققين باغتصاب 8 نساء - من بينهن طفلة - لجأن إليه ليعالجهن من امراض مزمنة. الرجل بريطاني والجرائم التي اعترف بها هي فقط التي ارتكبها في السويد. وهكذا شرعت العديد من الدول التي كان يمارس فيها قدراته الروحانية المزعومة في نبش ملفاته، وبسهولة كبيرة اكتشفت الشرطة البريطانية أنه مارس قدراته الخارقة في الاستعباط على عشرات النساء في بريطانيا. وسيمضي الرجل بقية عمره متنقلا من سجن الى آخر في أوربا.
في السنوات الأخيرة استفحل أمر «مشايخ» الإفك والشعوذة في السودان، حتى صار هناك «ولي مبروك» لكل مائة نسمة، وبعضهم يمارس نشاطه جهارا نهارا ولديه سكرتاريا تنظم «المواعيد» لطالبي «الكرامات» وهي في قاموسهم كلمة مطاطة قد تعني إلحاق الأذى بشخص او تحصين بهائم ضد الأمراض بـ«حجاب». ورغم انني نشأت في بيئة ريفية مشبعة بالخرافات إلا أنني كنت دائما سيئ الظن بأولئك الأدعياء. واذكر ان أمي لجأت الى أحدهم ليكتب لي «حجابا» لسبب او لآخر، ولبست الحجاب حول رقبتي كما كان يفعل معظم من هم في مثل سني أو أكبر مني بكثير. وفور ابتعادي عن أمي قمت بفض الكيس الجلدي الذي يحوي الحجاب، واطلعت على محتوياته. كانت به عدة نجمات سداسية عرفت لاحقا أنها تعرف بنجمة داوود (شعار اسرائيل حاليا) وكلمات عديمة المعنى. مجرد حروف متشابكة في غير اتساق. بصراحة أحسست برعدة ورعشة ورعب. تلك الطلاسم لابد ان تكون شيئا خطيرا. لملمت الورق على عجل وحشوته في كيس الجلد وعشت أياما في هلع خوفا من عقاب سيقع علي من جهة ما بسبب فعلتي «المنكرة» تلك. ولما لم يحدث شيء صرت أشجع أقراني على فض محتويات «حجاباتهم»، ووجدت في أحدها ورقة كان واضحا انها قطعت من كتاب رياضيات لأنها كانت مطبوعة وبها جزء من مسألة حسابية. وبعدها لم أعد أحسب لدجال حسابا.
ولكنني اعتزم إذا مد الله في أيامي توظيف توافق ذكرى يوم مولدي في الأول من سبتمبر مع مطلع شهر رمضان الكريم في ذات عام، في سوق الدجل السياسي. ففي السودان لا تستطيع ان تفوز بمنصب عليه القيمة ما لم يكن يسندك زعيم يحمل لقب «سيدي» وبما ان جميع الأسياد عندنا يعرفون أنني لا استحق مساندتهم فقد قررت ان اعمل لحساب نفسي: سي. دي. أبو الجعافر
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك