العدد : ١٧٢٩٦ - الخميس ٣١ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٦ - الخميس ٣١ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

معركة ترامب الكبرى لكبح صعود البريكس

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ٢٩ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬عالم‭ ‬يتسارع‭ ‬فيه‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬الأحادية‭ ‬القطبية‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬متعدد‭ ‬القوى،‭ ‬تتزايد‭ ‬حدة‭ ‬المواجهات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬بين‭ ‬التكتلات‭ ‬الكبرى‭. ‬ومع‭ ‬عودة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬مجرد‭ ‬استمرارية‭ ‬لنهج‭ ‬سابق،‭ ‬بل‭ ‬جاءت‭ ‬كزلزال‭ ‬يعيد‭ ‬رسم‭ ‬خطوط‭ ‬المواجهة‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬مستهدفة‭ ‬خصومًا‭ ‬تقليديين‭ ‬ومتحدين‭ ‬جدد‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬

في‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬الزلزال‭ ‬تقف‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬تحالف‭ ‬اقتصادي،‭ ‬إذ‭ ‬تمثل‭ ‬طموحا‭ ‬جماعيا‭ ‬لإعادة‭ ‬توازن‭ ‬القوة‭ ‬العالمية‭. ‬فهل‭ ‬تحركات‭ ‬ترامب‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬استباقية‭ ‬لاحتواء‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬المتصاعد؟‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬بداية‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬خريطة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي؟

مع‭ ‬عودة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬بدأت‭ ‬ملامح‭ ‬نهج‭ ‬أكثر‭ ‬حدة‭ ‬تتشكل‭ ‬في‭ ‬تعاطيه‭ ‬مع‭ ‬الخصوم‭ ‬والمنافسين‭ ‬العالميين،‭ ‬وتركزت‭ ‬مواقفه‭ ‬العدائية‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بعضويتها‭ ‬الأصلية،‭ ‬البرازيل،‭ ‬روسيا،‭ ‬الهند،‭ ‬الصين،‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬ثم‭ ‬توسعت‭ ‬لتشمل‭ ‬مصر،‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬إيران،‭ ‬والإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭.‬

ووفقًا‭ ‬للمنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬تمثل‭ ‬دول‭ ‬البريكس‭ ‬مجتمعة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬وتسهم‭ ‬بنحو‭ ‬37.3%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭ ‬حسب‭ ‬مقياس‭ ‬تعادل‭ ‬القوة‭ ‬الشرائية‭. ‬ومع‭ ‬هذه‭ ‬الحصة‭ ‬الضخمة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬والإنتاج،‭ ‬تُنظر‭ ‬إلى‭ ‬البريكس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬المراقبين‭ ‬الغربيين‭ ‬كبديل‭ ‬صاعد‭ ‬لمجموعة‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬السبع‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬رغم‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬فعاليتها‭ ‬بسبب‭ ‬تباين‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬بين‭ ‬أعضائها‭.‬

خلال‭ ‬القمة‭ ‬السنوية‭ ‬السابعة‭ ‬عشرة‭ ‬التي‭ ‬عُقدت‭ ‬في‭ ‬ريو‭ ‬دي‭ ‬جانيرو‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2025،‭ ‬أصدرت‭ ‬البريكس‭ ‬بيانا‭ ‬مشتركا‭ ‬أكدت‭ ‬فيه‭ ‬سعيها‭ ‬نحو‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬أكثر‭ ‬عدالة‭ ‬وتمثيلا‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المؤتمر‭ ‬اتسم‭ ‬بالهدوء،‭ ‬وغياب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أثار‭ ‬غضب‭ ‬ترامب،‭ ‬وفقًا‭ ‬لتقارير‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي‭ ‬الأمريكية‭.‬

أشار‭ ‬كارثيك‭ ‬سانكاران،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬الجيواقتصاد‭ ‬بمعهد‭ ‬كوينسي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬تسعى‭ ‬لخفض‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لتطويع‭ ‬مواقف‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬تفوق‭ ‬الدولار‭ ‬عالميا‭ ‬عبر‭ ‬تشجيع‭ ‬تدفقات‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬فائدة‭ ‬منخفضة‭.‬

ولتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف،‭ ‬تسعى‭ ‬واشنطن‭ ‬لتقويض‭ ‬نفوذ‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدوات‭ ‬عدة،‭ ‬أبرزها‭ ‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬مرتفعة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬والدول‭ ‬المتعاملة‭ ‬معها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحذر‭ ‬خبراء‭ ‬غربيون‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬المكانة‭ ‬العالمية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الدولار‭.‬

وقبل‭ ‬توليه‭ ‬المنصب‭ ‬رسميا‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬عبّر‭ ‬ترامب‭ ‬بوضوح‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬للبريكس،‭ ‬وهدّد‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬بنسبة‭ ‬100%‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تمتنع‭ ‬عن‭ ‬طرح‭ ‬عملة‭ ‬موحدة‭ ‬أو‭ ‬دعم‭ ‬بدائل‭ ‬تهدد‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولار‭. ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬محكمة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬قضت‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬بعدم‭ ‬قانونية‭ ‬هذه‭ ‬الرسوم‭ ‬وفقًا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحللين،‭ ‬مثل‭ ‬هيذر‭ ‬هولبرت‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬اعتبروا‭ ‬ذلك‭ ‬بداية‭ ‬لتحولات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭.‬

خلال‭ ‬القمة،‭ ‬صعّد‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬تهديداته،‭ ‬مهددًا‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬إضافية‭ ‬بنسبة‭ ‬10%‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تدعم‭ ‬سياسات‭ ‬البريكس،‭ ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬فرض‭ ‬ضريبة‭ ‬بنسبة‭ ‬50%‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬من‭ ‬البرازيل،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬أغسطس،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬اعتبرها‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬محاولة‭ ‬للضغط‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬البرازيلية‭ ‬بشأن‭ ‬ملاحقات‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬بولسونارو،‭ ‬حليف‭ ‬ترامب‭.‬

وترى‭ ‬بعض‭ ‬التحليلات،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬سانكاران،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬تقوض‭ ‬فكرة‭ ‬أمريكا‭ ‬كجهة‭ ‬موثوقة‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬عالميًا،‭ ‬بينما‭ ‬أكدت‭ ‬سيمون‭ ‬مكارثي‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬العملة‭ ‬باعتبارها‭ ‬التهديد‭ ‬الأكبر،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬تسريع‭ ‬إزالة‭ ‬الدولرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

يُذكر‭ ‬أن‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬بدأ‭ ‬عام‭ ‬2025‭ ‬بأسوأ‭ ‬أداء‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬ربما‭ ‬تعمدت‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬لتحفيز‭ ‬الصادرات‭. ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬يوضح‭ ‬خبراء‭ ‬مثل‭ ‬فرانشيسكو‭ ‬بيسول‭ ‬من‭ ‬بنك‭ ‬آي‭ ‬إن‭ ‬جي،‭ ‬أن‭ ‬تقلبات‭ ‬سياسة‭ ‬ترامب‭ ‬أضعفت‭ ‬الثقة‭ ‬بالدولار‭ ‬وشجعت‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬عملات‭ ‬بديلة‭.‬

ولا‭ ‬يزال‭ ‬الدولار‭ ‬يحتفظ‭ ‬بنسبة‭ ‬تفوق‭ ‬57%‭ ‬من‭ ‬احتياطات‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي‭ ‬عالميًا،‭ ‬مقابل‭ ‬20%‭ ‬لليورو،‭ ‬و5‭.‬8%‭ ‬للين‭ ‬الياباني،‭ ‬و4‭.‬9%‭ ‬للجنيه‭ ‬الإسترليني،‭ ‬و2‭.‬1%‭ ‬لليوان‭ ‬الصيني‭. ‬ومع‭ ‬أن‭ ‬التفوق‭ ‬الأمريكي‭ ‬يبدو‭ ‬ثابتًا‭ ‬حاليًا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المحاولات‭ ‬البديلة‭ ‬مستمرة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬دعت‭ ‬كريستين‭ ‬لاغارد،‭ ‬رئيسة‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الأوروبي،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬باللحظة‭ ‬العالمية‭ ‬لليورو،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬عملة‭ ‬أوروبية‭ ‬قوية‭ ‬قد‭ ‬تعزز‭ ‬الاستقلال‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطموحات‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تصطدم‭ ‬بتحديات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬هيكلية‭.‬

أما‭ ‬الصين،‭ ‬فقد‭ ‬واصلت‭ ‬جهودها‭ ‬لتعزيز‭ ‬استخدام‭ ‬اليوان‭ ‬عالميا،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬اليوان‭ ‬المتداول‭ ‬خارجيا‭ ‬يُستخدم‭ ‬لشراء‭ ‬بضائع‭ ‬صينية‭ ‬أو‭ ‬سداد‭ ‬ديون،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬أورده‭ ‬كيث‭ ‬برادشر‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭. ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالبريكس،‭ ‬فإن‭ ‬فكرة‭ ‬إنشاء‭ ‬عملة‭ ‬موحدة‭ ‬لم‭ ‬تُحرز‭ ‬تقدما‭ ‬فعليا‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬على‭ ‬طرحها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬محللون‭ ‬من‭ ‬بلومبرج‭ ‬مثل‭ ‬مارثا‭ ‬فيوتي‭ ‬بيك‭ ‬وميريت‭ ‬مجدي،‭ ‬الذين‭ ‬اعتبروا‭ ‬التقدم‭ ‬بطيئا‭ ‬ومخيبا‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬يرى‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬المجموعة‭ ‬تمثل‭ ‬تهديدا‭ ‬للهيمنة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وواصل‭ ‬حملته‭ ‬ضدها‭ ‬بتهديد‭ ‬الدول‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬برسوم‭ ‬جمركية‭ ‬عقابية،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تنضم‭ ‬للبريكس‭ ‬ستدفع‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬عضوا‭ ‬طويلا‭.‬

هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المتشدد‭ ‬يضع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬معقد،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لاتباع‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬متوازنة،‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بسبب‭ ‬خلافاتها‭ ‬التاريخية‭ ‬مع‭ ‬الصين‭.‬

وأشارت‭ ‬الباحثة‭ ‬إيرين‭ ‬ميا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬الناشئة‭ ‬حماية‭ ‬استقلالها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نهج‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬المعاملات‭ ‬والضغوط‭ ‬الجمركية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التحالفات‭ ‬المستقرة‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬البرازيل،‭ ‬الدولة‭ ‬المستضيفة‭ ‬للقمة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حاولت‭ ‬تخفيف‭ ‬اللهجة‭ ‬العدائية‭ ‬للبريكس‭ ‬تجاه‭ ‬الغرب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬واصلت‭ ‬تصعيدها،‭ ‬حتى‭ ‬عبر‭ ‬التهديد‭ ‬بفرض‭ ‬تعريفات‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تنضم‭ ‬مستقبلاً‭ ‬للمجموعة‭.‬

يرى‭ ‬محللون‭ ‬أن‭ ‬سياسات‭ ‬ترامب‭ ‬العدوانية‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية،‭ ‬وتدفع‭ ‬حتى‭ ‬حلفاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬ودبلوماسيًا،‭ ‬وتسريع‭ ‬خطوات‭ ‬إزالة‭ ‬الدولرة‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي‭. ‬وبينما‭ ‬سيستمر‭ ‬الدولار‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬قد‭ ‬تُضعف‭ ‬تدريجيًا‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسياسة‭ ‬العالميين‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬رياح‭ ‬التحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالنظام‭ ‬العالمي،‭ ‬تتجلى‭ ‬سياسات‭ ‬ترامب‭ ‬تجاه‭ ‬دول‭ ‬البريكس‭ ‬كعلامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬المواجهة‭ ‬المقبلة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى‭. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الناشئة‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬داخلية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬تتجسد‭ ‬في‭ ‬سلوكيات‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬تعريف‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬وفقًا‭ ‬لمصالحها‭ ‬الآنية‭. ‬

وبينما‭ ‬تواصل‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬سعيها‭ ‬الحذر‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬دورها‭ ‬العالمي،‭ ‬يزداد‭ ‬الضغط‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬واشنطن،‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أمام‭ ‬اختبار‭ ‬صعب‭ ‬بين‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سيادتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬شراكات‭ ‬بديلة‭. ‬ما‭ ‬يتضح‭ ‬بجلاء‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬عصر‭ ‬السيطرة‭ ‬المطلقة‭ ‬للدولار‭ ‬يواجه‭ ‬أولى‭ ‬ملامح‭ ‬التآكل،‭ ‬ليس‭ ‬بفعل‭ ‬بدائل‭ ‬جاهزة،‭ ‬بل‭ ‬نتيجة‭ ‬لسياسات‭ ‬قد‭ ‬تُسرع‭ ‬ولادة‭ ‬نظام‭ ‬نقدي‭ ‬أكثر‭ ‬تنوعًا‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الضغوط‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الناشئة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬نموذج‭ ‬تعاوني‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والمنافسة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬شديد‭ ‬التقلب‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا