زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حروف اللغة تكشف عِللك (2)
عددت بالأمس بعض العلل التي يعاني منها من تتقدم بهم السنون، وقلت إن تلك العلل أكثر من عدد حروف اللغة العربية. وفيما يتعلق بالعجز والكهولة فإن الشائع هو أن النساء يكذبن حول أعمارهن بمجرد الوصول الى عتبة الثلاثين، وأذكر كيف قامت الدنيا ولم تقعد عندما قالت صحفية خليجية في مقال لها إن الرجال كذابون، ورأى البعض في تلك التهمة، تطاولا على الرجل المشهود له «تاريخيا» بالصدق والاستقامة، وبما انني كنت من معارضي حرب داحس والغبراء، وكل الحروب الدونكيشوتية التي خاضها العرب على الورق، ونشفوا ريقنا وكتموا أنفاسنا بسببها، فإنني أعلن عدم انحيازي لأي من طرفي النزاع النسائي- الرجالي، وأواصل ما بدأته أمس من سرد علامات التقدم في السن، وأقول «عرضا» إنني التقيت عشرات وربما مئات الرجال الذين يزوِّرون أعمارهم (لم أقل يكذبون!!) من دون أن يعلنوا عن تنزيلات رسمية، والتزوير في العمر قد يكون شفاهة أو كتابة بطرح بضع سنوات من العمر الأصلي، وفي العالم العربي تستطيع أن تحصل على شهادة ميلاد جديدة كل سنة، لتلائم «سيرتك الذاتية» والوظائف التي تطمح الى الفوز بها، وقد يكون التزوير بارتداء الباروكة وقد يكون بصبغ الشعر، أو التعلق بغادة عبدالرازق بدلا من ليلى مراد.
ما علينا، وعطفا على ما أوردته هنا أمس أقول إن الأبجدية تنقلب عليك إذا تقدمت في السن، فحرف الصاد يعني الصمت المطبق الذي يلفك بعد أن يبتعد عنك ذووك، بزعم أنك كثير الشكوى والطنطنة، مع أنك بدورك تشكو من الطنطنة بسبب الطنين الذي في أذنك، وتحسبه من دوشة العيال، فيقال لك إن العيال كبرت وفلسعت وطفشت، والضاد يرمز الى الضمادات والكمادات الساخنة شتاء والباردة صيفا، والطاء ترمز إلى الطعنة في فخذك الأيمن فتطالب بعرضك على أخصائي قلب، ولكن أحفادك الجهلة يصرون على أن القلب على الجانب الأيسر من الصدر، ويقول لك طبيب العظام إن ألم الفخذ الأيمن بسبب عامل السن، فتقول له إن الفخذ الأيسر في نفس عمر وسن الأيمن ومع هذا لا يسبب لك الألم!! والظاء هي الضاد أن كنت من أهل الخليج العربي، وكنت تراجع لأحفادك دروس الاملاء، واكتشفت ان المدرسين يفوِّتون كتابة التلاميذ عبارة مثل «أبوضبي هي عاصمة الإمارات»، وحرف العين هو عصب السياتيكا الذي يسبب عرق النسا الذي لا يصيب النساء فبئس التسمية!! والغين هو الغازات، وهو ما يقول من حولك انها الغرغرينا التي حسبتها انت بادئ الامر مشروبا غازيا جديدا، والفاء فقر الدم، والقاف القرف الذي يصيبك من الأكلات عديمة الطعم والنكهة التي باتوا يقدمونها لك لأن بطنك «كلش خراب» وكل ما يدخل فيها يسبب الحروب الأهلية التي تستخدم فيها الغازات التي تفتك بأنوف من حولك. ويحرمونك من الملح لأنك تعاني من ارتفاع ضغط الدم ومن الاشياء الحلوة بسبب السكري ومن اللحم بسبب الكولسترول المرتفع والقاوت (لا تكن بلديا وتتكلم عن النقرس بل قل القاوت، فهي مثل أن تقول: أوف كورس، بدلا من أن تقول «طبعا» كما يفعل عامة الناس البلديون)، والكاف هي كليتاك اللتان أصبحتا «نشافة» فتمتصان كل السوائل، ولا تفرزان منها شيئا، والكاف أيضا هو الكلام الدرر التي تنطق بها ولكن من حولك يقولون إنها «تخاريف خريف العمر»، واللام قد تكون اللوكيميا التي سمعت العيال يقولون انها أكلة هندية تتألف من شطة عليها بعض اللحم، والميم هي المناخوليا التي تصيبك كلما رأيت أحفادك يتحلقون لرؤية مذيعة تلفزيونية تشبه عود الكبريت، وتتأرجح وتضحك بدون سبب، واسمها على وزن جعران!! والهاء هي الزفرة التي تطلع منك كلما حاولت أن تضحك..، والواو وسادة خالية أبكاك عليها إحسان عبدالقدوس، في عصر توسدك رواياته ودواوين نزار قباني، والياء: يا رب حسن الخاتمة.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك