العدد : ١٧٢٩٢ - الأحد ٢٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٢ - الأحد ٢٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

القيادة السورية وتحدي حماية استقرار الدولة

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ٢٧ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

عندما‭ ‬سقط‭ ‬نظام‭ ‬البعث‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أشهر،‭ ‬وتم‭ ‬تنصيب‭ ‬حكومة‭ ‬انتقالية‭ ‬بقيادة‭ ‬الرئيس‭ ‬أحمد‭ ‬الشرع،‭ ‬كان‭ ‬متوقعا‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬سوريا‭ ‬سوف‭ ‬تشهد‭ ‬فترة‭ ‬قد‭ ‬تطول‭ ‬وقد‭ ‬تقصر‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬طاحنة‭ ‬استمرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬13‭ ‬سنة‭ ‬تقريبا‭ ‬تمزقت‭ ‬فيها‭ ‬البلاد‭ ‬جماعات‭ ‬وطوائف،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬إعادة‭ ‬الوئام‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬وإعادة‭ ‬توحيد‭ ‬بلد‭ ‬تم‭ ‬تمزيقه‭ ‬إلى‭ ‬كانتونات‭ ‬جغرافية‭ ‬ودينية‭ ‬وعرقية‭ ‬وطائفية‭ ‬شهد‭ ‬بعضها‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الاستقلال‭ ‬الذاتي‭ ‬عن‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭ ‬وشرقها‭ ‬ووسطها‭.‬

ولذلك‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلتها‭ ‬حكومة‭ ‬الشرع‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬التهدئة‭ ‬والوئام‭ ‬الوطني‭ ‬ونزع‭ ‬سلاح‭ ‬المليشيات‭ ‬وضمها‭ ‬إلى‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الجديد‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬السوري‭ ‬تمهيدا‭ ‬للمرور‭ ‬نحو‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬المدنية‭ ‬الموحدة‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬المواطنة‭ ‬المتساوية‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬فئات‭ ‬وأفراد‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬ومكوناته‭ ‬المختلفة‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تفجرت‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬أشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬فلول‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬إثارة‭ ‬المشاكل‭ ‬الأمنية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مواجهات‭ ‬دموية‭ ‬تخللتها‭ ‬تجاوزات‭ ‬عديدة‭ ‬كادت‭ ‬تهدد‭ ‬الآمال‭ ‬في‭ ‬استعادت‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬الجديدة‭ ‬لوحدتها‭ ‬الوطنية‭.‬

كما‭ ‬شهدت‭ ‬المناطق‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬وفي‭ ‬الشرق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناوشات‭ ‬والمزايدات‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والاستفزازات‭ ‬التي‭ ‬عطلت‭ ‬تحقيق‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬وافق‭ ‬الاكراد‭ ‬على‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭ ‬الوطني‭ ‬وترددهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬شهدت‭ ‬فيه‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬الجديدة‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الانفراج‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الجزء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬وبداية‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الشراكات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬سوريا‭ ‬وفتح‭ ‬باب‭ ‬الاستثمار‭ ‬امام‭ ‬المستثمرين‭ ‬العرب‭ ‬والأجانب،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬فيه‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬الانتقالية‭ ‬الجديدة‭ ‬عن‭ ‬نواياه‭ ‬السلمية‭ ‬وحل‭ ‬المشاكل‭ ‬مع‭ ‬الجوار‭ ‬الإقليمي‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬لسوريا‭ ‬دخول‭ ‬عهد‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬تنشغل‭ ‬فيه‭ ‬بالصراعات‭ ‬وإنما‭ ‬بالتنمية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬تحديدا‭ ‬انفجرت‭ ‬أحداث‭ ‬منطقة‭ ‬السويداء‭ ‬مؤخرا‭ ‬بتدخل‭ ‬إسرائيلي‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬السورية‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭ ‬وقوات‭ ‬الأمن‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬منطقة‭ ‬السويداء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للاقتتال‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬سكان‭ ‬تلك‭ ‬المحافظة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬اضطرار‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تهديدات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬لتعود‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬الاقتتال‭ ‬مجددا‭ ‬والانتقام‭ ‬والقتل‭ ‬المتبادل‭ ‬والتصعيد‭ ‬الأمني‭ ‬العنيف‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬موجات‭ ‬العنف‭ ‬الطائفي‭ ‬بين‭ ‬الدروز‭ ‬والبدو،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬سقوط‭ ‬مئات‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الانتهاكات‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬من‭ ‬الطرفين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬مجددا‭ ‬هشاشة‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلي‭ ‬السوري‭ ‬وعلاقة‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الانتماءات‭ ‬الدينية‭ ‬والطائفية،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬اضطرار‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬المركزية‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المحافظة‭ ‬رغم‭ ‬التوغل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬ما‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬احتواء‭ ‬هذا‭ ‬التصعيد‭ ‬الخطير‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الجديدة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الاتهامات‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬اشتباكات‭ ‬بين‭ ‬الدروز‭ ‬والبدو‭ ‬وعمليات‭ ‬اختطاف‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬صدامات‭ ‬خطيرة‭ ‬استخدمت‭ ‬فيها‭ ‬الأسلحة‭ ‬بكافة‭ ‬أنواعها‭ ‬وزاد‭ ‬الأمر‭ ‬تعقيدا‭ ‬الضربات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬دمشق‭ ‬مستهدفة‭ ‬مراكز‭ ‬استراتيجية‭ ‬حساسة‭ ‬بذريعة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الدروز‭ ‬وحمايتهم،‭ ‬ما‭ ‬اضطر‭ ‬الرئيس‭ ‬أحمد‭ ‬الشرع‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬القوات‭ ‬الحكومية‭ ‬من‭ ‬السويداء‭ ‬لتهدئة‭ ‬الأوضاع‭ ‬لكن‭ ‬الأوضاع‭ ‬لم‭ ‬تهدأ‭ ‬بل‭ ‬ازدادت‭ ‬تعقيدا‭. ‬

ان‭ ‬هذه‭ ‬الاضطرابات‭ ‬تضع‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة‭ ‬أمام‭ ‬تحد‭ ‬كبير‭ ‬يدعوها‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬وفاق‭ ‬وطني‭ ‬كامل‭ ‬وشامل‭ ‬ليشعر‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬سوري‭ ‬بمعنى‭ ‬المواطنة‭ ‬المتساوية‭ ‬التي‭ ‬يشعر‭ ‬فيها‭ ‬بأن‭ ‬الدولة‭ ‬تحميه‭ ‬وتعامله‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬لقطع‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬التدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬والمؤامرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المفضوحة‭ ‬والمعلومة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا