عندما سقط نظام البعث في سوريا قبل عدة أشهر، وتم تنصيب حكومة انتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، كان متوقعا منذ البداية أن سوريا سوف تشهد فترة قد تطول وقد تقصر من عدم الاستقرار، خاصة بعد ما شهدته البلاد من حرب أهلية طاحنة استمرت أكثر من 13 سنة تقريبا تمزقت فيها البلاد جماعات وطوائف، فلم يكن من السهل إعادة الوئام بين مختلف مكونات هذا الشعب وإعادة توحيد بلد تم تمزيقه إلى كانتونات جغرافية ودينية وعرقية وطائفية شهد بعضها نوعا من الاستقلال الذاتي عن الحكومة المركزية التي فقدت سيطرتها على أجزاء كبيرة في شمال سوريا وشرقها ووسطها.
ولذلك كان من الطبيعي أن تشهد سوريا في هذه المرحلة حالة من عدم الاستقرار رغم كل الجهود التي بذلتها حكومة الشرع في اتجاه التهدئة والوئام الوطني ونزع سلاح المليشيات وضمها إلى الجيش الوطني الجديد أو إلى الأمن السوري تمهيدا للمرور نحو الدولة الوطنية المدنية الموحدة التي تضمن المواطنة المتساوية إلى مختلف فئات وأفراد الشعب السوري ومكوناته المختلفة ومع ذلك تفجرت في العديد من المناطق أشكال مختلفة من محاولات فلول النظام السابق إثارة المشاكل الأمنية خاصة في منطقة الساحل، ما أدى إلى مواجهات دموية تخللتها تجاوزات عديدة كادت تهدد الآمال في استعادت الدولة السورية الجديدة لوحدتها الوطنية.
كما شهدت المناطق الكردية في الشمال وفي الشرق العديد من المناوشات والمزايدات السياسية والعسكرية والاستفزازات التي عطلت تحقيق التوافق مع هذا المكون من مكونات الشعب السوري خاصة بعد ان وافق الاكراد على الانضمام إلى الجيش السوري الوطني وترددهم بعد ذلك في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه إلى الآن.
وفي الوقت الذي شهدت فيه الحكومة السورية الجديدة نوعا من الانفراج على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال البدء في رفع الجزء الاقتصادي من العقوبات وبداية العمل على بناء الشراكات الإقليمية والدولية لإعادة بناء سوريا وفتح باب الاستثمار امام المستثمرين العرب والأجانب، وفي الوقت الذي عبر فيه رئيس الحكومة السورية الانتقالية الجديدة عن نواياه السلمية وحل المشاكل مع الجوار الإقليمي وغير ذلك من الجوانب التي من شأنها أن تضمن لسوريا دخول عهد جديد لا تنشغل فيه بالصراعات وإنما بالتنمية في هذه الظروف تحديدا انفجرت أحداث منطقة السويداء مؤخرا بتدخل إسرائيلي واضح في الشؤون الداخلية السورية والاعتداء على قوات الجيش السوري وقوات الأمن التي دخلت منطقة السويداء من أجل وضع حد للاقتتال بين مكونات سكان تلك المحافظة، ما أدى في النهاية إلى اضطرار هذه القوات إلى الخروج في ظل تهديدات إسرائيلية لتعود هذه المنطقة إلى الاقتتال مجددا والانتقام والقتل المتبادل والتصعيد الأمني العنيف مع تصاعد موجات العنف الطائفي بين الدروز والبدو، ما أدى الى سقوط مئات القتلى والجرحى والعديد من الانتهاكات غير المسبوقة من الطرفين، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة مجددا هشاشة الوضع الداخلي السوري وعلاقة الدولة المركزية بعدد من الانتماءات الدينية والطائفية، وخاصة مع اضطرار القوى العسكرية المركزية إلى الخروج من المحافظة رغم التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، ما حال دون احتواء هذا التصعيد الخطير.
والحقيقة أن هذه الأزمة الجديدة مرتبطة بعدد من الاتهامات تمثلت في اشتباكات بين الدروز والبدو وعمليات اختطاف متبادلة بين الطرفين تحولت إلى صدامات خطيرة استخدمت فيها الأسلحة بكافة أنواعها وزاد الأمر تعقيدا الضربات الإسرائيلية على دمشق مستهدفة مراكز استراتيجية حساسة بذريعة الدفاع عن الدروز وحمايتهم، ما اضطر الرئيس أحمد الشرع إلى سحب القوات الحكومية من السويداء لتهدئة الأوضاع لكن الأوضاع لم تهدأ بل ازدادت تعقيدا.
ان هذه الاضطرابات تضع سوريا الجديدة أمام تحد كبير يدعوها بلا شك إلى بناء وفاق وطني كامل وشامل ليشعر كل مواطن سوري بمعنى المواطنة المتساوية التي يشعر فيها بأن الدولة تحميه وتعامله على قدم المساواة مع الآخرين، هذا هو الحل الوحيد لقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية والمؤامرات الإسرائيلية المفضوحة والمعلومة لدى الجميع.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك