العدد : ١٧٢٩٢ - الأحد ٢٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٢ - الأحد ٢٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

التدبر.. في القرآن الكريم!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٧ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

انتصر‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬بدر‭ ‬وهم‭ ‬أذلة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ولقد‭ ‬نصركم‭ ‬الله‭ ‬ببدر‭ ‬وأنتم‭ ‬أذلة‭ ‬فاتقوا‭ ‬الله‭ ‬لعلكم‭ ‬تشكرون‮»‬‭ ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬123‭.‬

وهزموا‭ ‬في‭ ‬أُحد‭ ‬وفي‭ ‬حنين‭ ‬وهم‭ ‬كثرة،‭ ‬فما‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬ذلك؟

هزموا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬لمخالفتهم‭ ‬أمر‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬المكوث‭ ‬في‭ ‬مواقعهم،‭ ‬ولأن‭ ‬شأن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬عظيم،‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬ينهزموا‭.‬

وهزموا‭ ‬في‭ ‬حنين‭ ‬حين‭ ‬أعجبتهم‭ ‬كثرتهم،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬انتصار‭ ‬للمبدأ‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬وما‭ ‬النصر‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‮»‬‭.‬

إذًا،‭ ‬فالتدبر‭ ‬في‭ ‬الآيات‭ ‬والسور‭ ‬أمر‭ ‬لازم،‭ ‬وقد‭ ‬دعا‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وشدد‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التدبر،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬كتاب‭ ‬أنزلناه‭ ‬إليك‭ ‬مبارك‭ ‬ليدبروا‭ ‬آياته‭ ‬وليتذكر‭ ‬أولو‭ ‬الألباب‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬ص‭/ ‬29‭.‬

والتدبر‭ ‬في‭ ‬حقيقته‭ ‬هو‭ ‬تتبع‭ ‬اللفظة‭ ‬القرآنية‭ ‬ومحاولة‭ ‬استخراج‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬والإدراك،‭ ‬والآية‭ ‬الجليلة‭ ‬من‭ ‬سورة‭ (‬ص‭) ‬التي‭ ‬بينت‭ ‬في‭ ‬وضوح‭ ‬كامل‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الكمال‭ ‬المنشود‭ ‬من‭ ‬إنزال‭ ‬القرآن‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬لمعرفة‭ ‬مقاصد‭ ‬الآيات،‭ ‬وفتح‭ ‬مغاليق‭ ‬القرآن،‭ ‬فيدرك‭ ‬المسلمون‭ ‬حقيقة‭ ‬الأوامر‭ ‬والنواهي،‭ ‬فيعملون‭ ‬بالأوامر،‭ ‬وينتهون‭ ‬بالنواهي،‭ ‬والقرآن‭ ‬ليس‭ ‬كتابًا‭ ‬عاديًا‭ ‬يفهم‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬وهلة،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الاجتهاد،‭ ‬وبذل‭ ‬الوسع‭ ‬والطاقة،‭ ‬وعرض‭ ‬حقائق‭ ‬القرآن‭ ‬على‭ ‬العقل،‭ ‬وعلى‭ ‬أولي‭ ‬الألباب،‭ ‬وهم‭ ‬أصحاب‭ ‬العقول‭ ‬الراشدة‭ ‬لاستنهاض‭ ‬الهمم‭ ‬وتحقيق‭ ‬كمال‭ ‬الفهم،‭ ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬يفتحون‭ ‬مغاليق‭ ‬القلوب،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬أفلا‭ ‬يتدبرون‭ ‬القرآن‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬أغفالها‮»‬‭ ‬سورة‭ ‬محمد‭ / ‬24‭.‬

إذًا،‭ ‬فهناك‭ ‬علاقة‭ ‬حميمية‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬والقرآن‭ ‬الحكيم،‭ ‬وأننا‭ ‬إذا‭ ‬حرصنا‭ ‬على‭ ‬تدبر‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬وسوره،‭ ‬فإننا‭ ‬سوف‭ ‬نكتشف‭ ‬ما‭ ‬دق‭ ‬وغمض‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬البيان‭ ‬في‭ ‬القرآن،‭ ‬وسنحاول‭ ‬إذا‭ ‬أحسنا‭ ‬التدبر‭ ‬أن‭ ‬نفهم،‭ ‬وندرك‭ ‬لماذا‭ ‬انتصر‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬بدر‭ ‬وهم‭ ‬أذلة‭ ‬أي‭: ‬وهم‭ ‬قلة‭! ‬ولمَ‭ ‬انهزموا‭ ‬في‭ ‬أُحد‭ ‬وحنين‭ ‬وهم‭ ‬كثرة؟‭ ‬

أما‭ ‬عن‭ ‬انتصارهم‭ ‬في‭ ‬بدر‭ ‬وهم‭ ‬أذلة‭ ‬لأنهم‭ ‬أخذوا‭ ‬بالأسباب‭ ‬وتوكلوا‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وأما‭ ‬عن‭ ‬هزيمتهم‭ ‬في‭ ‬أُحد‭ ‬لأنهم‭ ‬عصوا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬فكان‭ ‬هناك‭ ‬خياران،‭ ‬الأول‭: ‬أن‭ ‬ينتصروا‭ ‬رغم‭ ‬معصيتهم‭ ‬للرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬فيهون‭ ‬أمر‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬والخيار‭ ‬الثاني‭ ‬أن‭ ‬ينتصر‭ ‬الرسول‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه،‭ ‬ولقد‭ ‬انتصر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لرسوله‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬حنين،‭ ‬فقد‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬مبدأه‭ ‬القائل‭ ‬‮«‬‭..‬وما‭ ‬النصر‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬العزيز‭ ‬الحكيم‮»‬‭ ‬آل‭ ‬عمران‭/ ‬126‭.‬

ومن‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الغزوات‭ ‬أن‭ ‬النصر‭ ‬ليس‭ ‬بكثرة‭ ‬العدد‭ ‬والعدة‭ ‬وإنما‭ ‬بالإعداد‭ ‬والتوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وأن‭ ‬طاعة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬أولى‭ ‬من‭ ‬النصر‭ ‬على‭ ‬الأعداء،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الإيمان‭ ‬والتصديق‭ ‬بأن‭ ‬النصر‭ ‬ليس‭ ‬بالعدد‭ ‬والعدة‭ ‬وإنما‭ ‬بالتصديق‭ ‬بموعود‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لعباده‭ ‬المؤمنين‭.‬

ولقد‭ ‬خرج‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الغزوات‭ ‬الثلاث‭ ‬بمخزون‭ ‬معرفي‭ ‬سوف‭ ‬يستفيدون‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬قابل‭ ‬أيامهم‭.‬

وإليكم‭ ‬كلمات‭ ‬قالها‭ ‬عظماء‭ ‬المسلمين‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬المخزون‭ ‬المعرفي‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬للمسلمين،‭ ‬لنستمع‭ ‬إلى‭ ‬خليفة‭ ‬سول‭ ‬الله‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬الصديق،‭ ‬وهو‭ ‬يودع‭ ‬أحد‭ ‬الجيوش‭ ‬الذاهبة‭ ‬إلى‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭:‬‭ ‬‮«‬احرصوا‭ ‬على‭ ‬الموت‭ ‬توهب‭ ‬لكم‭ ‬الحياة‮»‬‭.‬

وهذا‭ ‬هو‭ ‬الخليفة‭ ‬الراشد‭ ‬الثاني‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬يخطب‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬المتوجه‭ ‬إلى‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭: ‬أيها‭ ‬الناس‭ ‬اعلموا‭ ‬أنكم‭ ‬لا‭ ‬تنتصرون‭ ‬على‭ ‬عدوكم‭ ‬بكثرة‭ ‬عددكم‭ ‬وعدتكم،‭ ‬بل‭ ‬تنتصرون‭ ‬عليه‭ ‬بطاعتكم‭ ‬لله‭ ‬ومعصيتهم‭ ‬له‭ ‬سبحانه،‭ ‬فإذا‭ ‬تساويتم‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬المعصية‭ ‬كانت‭ ‬الغلبة‭ ‬لهم‭ ‬لأنهم‭ ‬أكثر‭ ‬منكم‭ ‬عدة‭ ‬وعددا‭.‬

أما‭ ‬القائد‭ ‬الملهم‭ ‬سيف‭ ‬الله‭ ‬المسلول‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬الوليد‭ ‬فيقول‭ ‬لقائد‭ ‬الجيش‭ ‬الروماني‭: ‬جئتكم‭ ‬بجنود‭ ‬يحبون‭ ‬الموت‭ ‬كما‭ ‬تحبون‭ ‬الحياة‭.‬

وإليكم‭ ‬هذا‭ ‬البيان‭ ‬الجليل،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬وضوحه‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬البيان،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬نصركم‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬مواطن‭ ‬كثيرة‭ ‬ويوم‭ ‬حنين‭ ‬إذ‭ ‬أعجبتكم‭ ‬كثرتكم‭ ‬فلم‭ ‬تغن‭ ‬عنكم‭ ‬شيئًا‭ ‬وضاقت‭ ‬عليكم‭ ‬الأرض‭ ‬بما‭ ‬رحبت‭ ‬ثم‭ ‬وليتم‭ ‬مدبرين‮»‬‭ ‬التوبة‭ / ‬25‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬التدبر‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وهذا‭ ‬منهج‭ ‬من‭ ‬مناهجه،‭ ‬وسبيل‭ ‬من‭ ‬سبله‭ ‬المباركة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا