انتصر المسلمون في بدر وهم أذلة، قال تعالى: «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون» آل عمران / 123.
وهزموا في أُحد وفي حنين وهم كثرة، فما السر وراء ذلك؟
هزموا في أحد لمخالفتهم أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المكوث في مواقعهم، ولأن شأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عظيم، فكان لا بد أن ينهزموا.
وهزموا في حنين حين أعجبتهم كثرتهم، وفي هذا انتصار للمبدأ الذي يقول: «وما النصر إلا من عند الله».
إذًا، فالتدبر في الآيات والسور أمر لازم، وقد دعا القرآن الكريم وشدد في الدعوة إلى التدبر، قال تعالى: «كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب» سورة ص/ 29.
والتدبر في حقيقته هو تتبع اللفظة القرآنية ومحاولة استخراج أقصى قدر من الفهم والإدراك، والآية الجليلة من سورة (ص) التي بينت في وضوح كامل أو قريب من الكمال المنشود من إنزال القرآن على قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لمعرفة مقاصد الآيات، وفتح مغاليق القرآن، فيدرك المسلمون حقيقة الأوامر والنواهي، فيعملون بالأوامر، وينتهون بالنواهي، والقرآن ليس كتابًا عاديًا يفهم من أول وهلة، بل لا بد من الاجتهاد، وبذل الوسع والطاقة، وعرض حقائق القرآن على العقل، وعلى أولي الألباب، وهم أصحاب العقول الراشدة لاستنهاض الهمم وتحقيق كمال الفهم، ومن واقع هذا الفهم يفتحون مغاليق القلوب، قال تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أغفالها» سورة محمد / 24.
إذًا، فهناك علاقة حميمية بين المسلمين والقرآن الحكيم، وأننا إذا حرصنا على تدبر آيات القرآن وسوره، فإننا سوف نكتشف ما دق وغمض علينا من أسرار البيان في القرآن، وسنحاول إذا أحسنا التدبر أن نفهم، وندرك لماذا انتصر المسلمون في بدر وهم أذلة أي: وهم قلة! ولمَ انهزموا في أُحد وحنين وهم كثرة؟
أما عن انتصارهم في بدر وهم أذلة لأنهم أخذوا بالأسباب وتوكلوا على الله تعالى، وأما عن هزيمتهم في أُحد لأنهم عصوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكان هناك خياران، الأول: أن ينتصروا رغم معصيتهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) فيهون أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخيار الثاني أن ينتصر الرسول صلوات ربي وسلامه عليه، ولقد انتصر الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام.
أما في حنين، فقد نصر الله تعالى مبدأه القائل «..وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم» آل عمران/ 126.
ومن الدروس المستفادة من هذه الغزوات أن النصر ليس بكثرة العدد والعدة وإنما بالإعداد والتوكل على الله تعالى، وأن طاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أولى من النصر على الأعداء، كما أن الإيمان والتصديق بأن النصر ليس بالعدد والعدة وإنما بالتصديق بموعود الله تعالى لعباده المؤمنين.
ولقد خرج المسلمون من هذه الغزوات الثلاث بمخزون معرفي سوف يستفيدون منه في قابل أيامهم.
وإليكم كلمات قالها عظماء المسلمين تتحدث عن شيء من المخزون المعرفي الذي تحقق للمسلمين، لنستمع إلى خليفة سول الله أبي بكر الصديق، وهو يودع أحد الجيوش الذاهبة إلى الفتح الإسلامي: «احرصوا على الموت توهب لكم الحياة».
وهذا هو الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب يخطب في الجيش المتوجه إلى الفتح الإسلامي: أيها الناس اعلموا أنكم لا تنتصرون على عدوكم بكثرة عددكم وعدتكم، بل تنتصرون عليه بطاعتكم لله ومعصيتهم له سبحانه، فإذا تساويتم معهم في المعصية كانت الغلبة لهم لأنهم أكثر منكم عدة وعددا.
أما القائد الملهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد فيقول لقائد الجيش الروماني: جئتكم بجنود يحبون الموت كما تحبون الحياة.
وإليكم هذا البيان الجليل، وهو في وضوحه لا يحتاج إلى مزيد من البيان، يقول سبحانه: «لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين» التوبة / 25.
هذا هو التدبر في القرآن الكريم، وهذا منهج من مناهجه، وسبيل من سبله المباركة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك