العدد : ١٧٢٩١ - السبت ٢٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩١ - السبت ٢٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ضرورة إصلاح الأمم المتحدة في عامها الثمانين

بقلم: د. نبيل فهمي {

الأربعاء ٢٣ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

تحتفل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بالذكرى‭ ‬الثمانين‭ ‬لتأسيسها؛‭ ‬مع‭ ‬التوترات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والصراعات‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬منها‭ ‬صراع‭ ‬عسكري‭ ‬هائل‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والغرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وتدهور‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا،‭ ‬وتجميد‭ ‬لجميع‭ ‬مفاوضات‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭.‬

كما‭ ‬تجاوزت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬والصين‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬التجارة‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تتجه‭ ‬بقوة‭ ‬نحو‭ ‬المواجهة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وانتشر‭ ‬استخدام‭ ‬القوة،‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المذبحة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬غير‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬كما‭ ‬هاجمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إيران،‭ ‬مُشعلةً‭ ‬بذلك‭ ‬صراعًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬خطِرًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬وقامت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشنّ‭ ‬غارة‭ ‬عسكرية‭ ‬متطورة‭ ‬للغاية‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬مواقع‭ ‬نووية‭ ‬إيرانية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬أُنشئت‭ ‬خصيصًا‭ ‬لمنع‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة‭ ‬وتكرار‭ ‬الخسائر‭ ‬الإنسانية‭ ‬الضخمة،‭ ‬ستكون‭ ‬ساحة‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭.‬

استخدامات‭ ‬صارخة‭ ‬للقوة‭:‬

إن‭ ‬من‭ ‬اللافت‭ ‬أيضًا‭ ‬الاستخدام‭ ‬الصارخ‭ ‬والمتكرر‭ ‬للقوة‭ ‬عبر‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬وأحكام‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وفي‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمين‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬حلفائهم‭ ‬المقربين‭ ‬مثل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬المحصنين‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬مثل‭ ‬استخدام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭) ‬ضد‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الدائم‭ ‬وغير‭ ‬المشروط‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الرهائن،‭ ‬ورفع‭ ‬القيود‭ ‬الإنسانية‭.‬

وقد‭ ‬تضررت‭ ‬مصداقية‭ ‬اللجان‭ ‬والهيئات‭ ‬السياسية‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬ذلك‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يستجيب‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬القوتين‭ ‬العظميين‭ ‬الأهم‭ ‬بالعالم‭.‬

مع‭ ‬انعقاد‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬عام‭ ‬2025،‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يُلقي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬خطابًا‭ ‬ناريًا‭ ‬ضد‭ ‬المنظمة‭ ‬ويتهمها‭ ‬بالهدر‭ ‬المفرط‭ ‬في‭ ‬النفقات‭ ‬والفساد،‭ ‬ويطالب‭ ‬بإصلاحات‭ ‬جوهرية‭.‬

مازلت‭ ‬مؤيدًا‭ ‬قويًا‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬منهكة؛‭ ‬فإنها‭ ‬تُمثّل‭ ‬أفضل‭ ‬منصة‭ ‬متاحة‭ ‬للتعددية‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الحالي؛‭ ‬إذ‭ ‬يصل‭ ‬عدد‭ ‬أعضاء‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬حاليًا‭ ‬إلى‭ ‬193‭ ‬عضوًا،‭ ‬وقد‭ ‬يصبح‭ ‬194‭ ‬عما‭ ‬قريب؛‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬فلسطين‭ ‬جاهدة‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬المنصة‭ ‬الدولية‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬تُفضّل‭ ‬القيام‭ ‬بإصلاح‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬داخليًّا‭ ‬عبر‭ ‬منصة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬بمنأى‭ ‬عنها،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬كثيرين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬غير‭ ‬راضين‭ ‬عن‭ ‬الأداء‭ ‬الحالي‭ ‬للمنظمة،‭ ‬لذا‭ ‬فهم‭ ‬يدعون‭ ‬بشدة‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬جادة‭ ‬نحو‭ ‬الإصلاح،‭ ‬بغية‭ ‬تفعيلها‭ ‬وليس‭ ‬إضعافها‭.‬

مطالب‭ ‬الإصلاح‭ ‬الثلاثة‭:‬

تمثل‭ ‬ثلاثة‭ ‬مطالب‭ ‬أساسية‭ ‬جوهر‭ ‬دعوات‭ ‬الإصلاح،‭ ‬سواءً‭ ‬داخل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬والوكالات‭ ‬المتخصصة‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬منظمات‭ ‬بريتون‭ ‬وودز،‭ ‬وهي‭:‬

1-‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬المجالس‭ ‬المختلفة،‭ ‬مثل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬لنحو‭ ‬24‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬عضوًا،‭ ‬مع‭ ‬إضافة‭ ‬مقعدين‭ ‬دائمين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لإفريقيا‭.‬

2-‭ ‬وضع‭ ‬ترتيبات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬إساءة‭ ‬استخدام‭ ‬أو‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭)‬،‭ ‬واتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬مناسبة‭ ‬لمنع‭ ‬التجاوز‭ ‬المحتمل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭.‬

3-‭ ‬تنظيم‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬إنصافًا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقليل‭ ‬الأصوات‭ ‬المرجحة‭ ‬للدول‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدمًا،‭ ‬وخاصةً‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭.‬

قد‭ ‬تبدو‭ ‬محاولات‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬المطلقة‭ ‬للأعضاء‭ ‬الدائمين‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬غير‭ ‬واقعية،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وإنما‭ ‬هذا‭ ‬يُغفل‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كانت‭ ‬سباقة‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬سبل‭ ‬الإصلاح‭ ‬سابقًا،‭ ‬عندما‭ ‬اقترحت‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬القرار‭ ‬377‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتجاوز‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬السوفيتي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعوق‭ ‬جهود‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬ضد‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭.‬

وينص‭ ‬جوهر‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬يحق‭ ‬لها‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬دورة‭ ‬استثنائية‭ ‬طارئة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يمارس‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬مسؤوليته‭.‬

بالفعل،‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الثمانين‭ ‬عامًا‭ ‬الماضية،‭ ‬عجز‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬عن‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مناسبة‭ ‬ومنصفة‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمون‭ ‬أو‭ ‬حلفاؤهم‭ ‬المقربون‭ ‬هم‭ ‬موضع‭ ‬القرار‭. ‬والنتيجة‭ ‬عانى‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمون‭ ‬وغير‭ ‬الدائمين‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك؛‭ ‬ومن‭ ‬مصلحة‭ ‬الجميع‭ ‬تحريك‭ ‬طلبات‭ ‬الإصلاح‭ ‬الثلاثة‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭ ‬لتنشيط‭ ‬الأجهزة‭ ‬وتحسين‭ ‬أدائها‭.‬

وتسعى‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الثمانون‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2025،‭ ‬و«ميثاق‭ ‬المستقبل‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬تحديث‭ ‬عمل‭ ‬المنظمة‭ ‬وأولوياتها‭ ‬وعملياتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستجابة‭ ‬المباشرة‭ ‬للأزمة‭ ‬المالية،‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬نقل‭ ‬بعض‭ ‬الهيئات‭ ‬من‭ ‬نيويورك‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬أقل‭ ‬كلفة‭ ‬مثل‭ ‬نيروبي‭.‬

يجب‭ ‬على‭ ‬الأعضاء‭ ‬غير‭ ‬الدائمين‭ ‬بالأمم‭ ‬المتحدة‭ (‬‮«‬الدول‭ ‬المتوسطة‮»‬‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭) ‬تشكيل‭ ‬تحالف‭ ‬من‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬الإصلاحات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والإدارية‭ ‬للمنظمات‭ ‬الحكومية‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحيز‭ ‬أو‭ ‬تفضيل،‭ ‬ليؤكدوا‭ ‬بحزم‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬وتقويم‭ ‬التعددية‭ ‬أمرٌ‭ ‬ضروري‭ ‬لضمان‭ ‬مصداقيتها‭.‬

لذا؛‭ ‬ينبغي‭ ‬استغلال‭ ‬فرصة‭ ‬الذكرى‭ ‬الثمانين‭ ‬لقيام‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬بناءة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬إصلاحات‭ ‬حقيقية،‭ ‬وإلا‭ ‬فقد‭ ‬تنظر‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬نقطة‭ ‬تحولٍ‭ ‬مشؤومة‭ ‬سقطت‭ ‬فيها‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬هاوية‭ ‬انعدام‭ ‬المصداقية‭ ‬والأهمية‭ ‬السياسية‭.‬

 

{‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا