تكلمنا في مقال سابق عن صفتين من الصفات التي يخفيهما المسؤول الإداري القائد، وهما الهدوء والمسؤولية، وهي الصفات التي من الصعب أن يتعلمها المسؤول الإداري القائد في المدارس والجامعات، وإنما هي صفات يتعلمها الإنسان من خلال تجاربه في الحياة والإدارة والمناصب التي يشغلها طوال فترة حياته، بالإضافة إلى التعلم والتدريب وما إلى ذلك، وقلنا إن هناك صفة أو ربما مجموعة صفات تندرج كلها تحت مسمى واحد وهو المهارات الناعمة (Soft Skills). فما المهارات الناعمة؟
المهارات الناعمة (Soft Skills) هي المهارات الشخصية التي تساعد على العمل بفعالية مع الآخرين، وتشمل الصفات الشخصية، والمسؤولية، وأسلوب التعامل مع التحديات، ويضعها بعض علماء الإدارة والقيادة كأحد أهم عوامل نجاح المسؤول الإداري القائد في إدارة فريق العمل وتحقيق الأهداف. وسميت بالمهارات الناعمة حتى يتم التفرقة بينها وبين المهارات الصلبة (Hard Skills) التي تعرف أنها المهارات التي يكتسبها الإنسان من خلال الدراسة والشهادات أو التدريب العملي، وهي التي تعتمد على المعرفة والخبرة والتقنية.
ومن أبرز المهارات الناعمة، هي:
القدرة على الاتصال والتواصل؛ وهما فن السهل الممتنع، فكلنا نعرف المعنى الأكاديمي لهذه المصطلحات، ولكن القليل منا يستطيع أن يتعايش معها، فنحن نعرف التعامل مثلاً، ولكننا لا نعرف كيف نصغي وننصت، وإنما كلنا يريد أن يتحدث. أحد أجزاء عمليتي الاتصال والتواصل هو معرفة التأثيرات أو التغذية الراجعة، فمن منا ينتظر معرفة تأثير حديثه في الآخرين، القليل منا فقط. لذلك فعمليتي الاتصال والتواصل فن السهل الممتنع على الرغم من أن أي مسؤول إداري قائد ينبغي أن تكون هذه الصفة من أهم صفاته.
إدارة حل المشكلات واتخاذ القرارات؛ المشكلات والأزمات قضية حتمية، فلا توجد مؤسسة لا تنمو فيها مشكلة ربما بصفة أسبوعية أو سنوية، وربما ينمو مع المشكلة أو الأزمة هلع وخوف، وتحديدًا في هذه اللحظة يمكن أن يبين الفرق بين المسؤول الإداري والمسؤول الإداري القائد، فالمسؤول الإداري القائد يمكنه أن يتصدى لأي مشكلة أيًا كان حجمها برباط جأش فلا يهلع ولا يخاف، وإنما يحاول أن يقوم بدراستها وتحليلها بطريقة منهجية حتى يتمكن من وضع الحلول الناجعة لها، ومن ثم يتخذ القرارات المناسبة، ليس ذلك فحسب وإنما يوجد عدد من المسؤولين الإداريين القادة لا يترك مجال للمشاكل أن تنبع أو تنمو في المؤسسة إذ إنه يتصدى لها حتى قبل أن تبرز أظافرها وتجرح، وهذا أفضل.
إدارة الوقت وترتيب الأولويات بفعالية؛ وجدنا كثيرا من المنهجيات التي تساعد في تنظيم الحياة بحسب الوقت المتاح للعمل، فاليوم 24 ساعة لا تزيد ولا تنقص، ولكن يمكن أن تزيد تلك السويعات إن تمكنا من توزيع المهام بفعالية، وقمنا كذلك بالتركيز على الأهداف ذات الأولوية. يمكن للإداري القائد أن يتبع واحدة من تلك المنهجيات، أو حتى يمكنه أن يبتكر منهجية خاصة به، ولكن تكون بهدف الاستفادة من كل الدقائق المتاحة، ولا تُهدر في الفوضى والضحك والصراخ وأمور لا داع لها، وذلك لأن الوقت كما قالت العرب «الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك».
التنظيم؛ لا نقصد فقط تنظيم الوقت والأولويات، وإنما ينبغي على المسؤول الإداري القائد أن يكون منظمًا في كل شيء، في مكتبه، وبين أوراقه، وفي حياته، وفي تفكيره وكل ما يمكن أن يبرز في حياته، لأن كل دقيقة تنظيم توفر من الوقت 10 دقائق من العشوائية، فقد وجدنا أن بعض المسؤولين الذين لا يتمتعون بالذكاء الإداري، وخاصة فيما يتعلق بالتنظيم، يجد نفسه ضائعًا بين الملفات والأوراق والقضايا التي لا يستطيع أن يفكك رموزها ولا أوراقها، فيضيع يومه وهو يبحث عن إبرة في كومة قش.
العمل بروح الفريق الواحد؛ لم أجد أحدًا من المسؤولين الإداريين القادة يختلف معي في الاهتمام بموضوع العمل الجماعي، فكل الذين يتمتعون بالذكاء الإداري لا يتفقون بل يعملون وفق هذه المنظومة، فهو جزء من فريق متكامل متناسق، يختلفون من حيث طرق التفكير أو الوصول إلى المعلومات والحقائق، وإنما يعملون وفق منهجية واحدة بهدف الوصول إلى تحقيق الأهداف، وهذه هي أفضل منظومة عمل، أما العمل بطريقة أن يكون المسؤول الإداري هو (السوبرمان) الذي يستطيع أن يفعل كل شيء، ويفكر في كل شيء، وعلى الجميع أن ينفذ، فإن هذه الطريقة تحتضر وستموت قريبًا.
التفكير الإبداعي؛ طريقة التفكير الإبداعي ليست نوعًا من المعجزات التي لا يستطيع إلا بعض الأفراد القيام بها، وإنما هي أساليب وأدوات يمكن أن يستخدمها أي فرد للوصول إلى حقائق ومعلومات لم تكن على البال، فالتفكير خارج الصندوق أو العصف الذهني أو عظمة السمكة أو أي منهجية أو طريقة أو أداء يمكن أن تكون إداء طيعة للمسؤول الإداري القائد ليستفيد منها في دراسة المشكلات ووضع الحلول واتخاذ القرارات المناسبة للأزمة أو المشكلة. وهذه النقطة أيضًا تبين بوضوح الفرق بين المسؤول الإداري والمسؤول الإداري القائد، إذ إن الأول عشوائي ولا يعتمد إلا على تفكيره هو شخصيًا، وهذه عشوائية.
التكيف والمرونة؛ وهما من أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها المسؤول الإداري القائد، فهو يتعامل مع بشر لهم احتياجات ولهم متطلبات ورغبات وأمزجة وفروق فردية، لذلك فإن على المسؤول الإداري القائد أن يكون ذا قدرة على التكيف مع كل هؤلاء البشر، بالإضافة إلى الواجبات الإدارية وتحقيق أهداف المؤسسة والدولة وكل الواجبات والمتطلبات التي يجب أن يقوم بتحقيقها، فالمسؤول الإداري القائد يكون واقعًا تحت ضغط عمل شديد وهذا يعني أنه يجب أن يتمتع بالمرونة المناسبة وإلا فإنه سيصاب بإنهاك وجهد نفسي وجسدي يصعب التخلص منه. وكذلك فإنه يجب أن يكون ذا قدرة على التكيف مع التغيرات المفاجئة، وقدرة على تعديل الخطط والاستراتيجيات بحسب الظروف.
الذكاء العاطفي؛ وهي القدرة على فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معها، وكذلك التحكم في المشاعر الشخصية في المواقف وخاصة الصعبة منها، إذ إنه ليس من السهولة التحكم في الغضب أو عاطفة الحب أو الكراهية، حيث إن هذه النوعيات من العواطف تنشئ في النفس الإنسانية عدم القدرة على الموضوعية واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. فالذكاء العاطفي والقدرة على التحكم في العواطف تحتاج من المسؤول الإداري القائد إلى صبر شديد ورغبة في السمو على هذه العواطف، فمثل هذه الأمور بالفعل لا نتعلمها في الجامعات، وإنما نتعلمها في مدرسة الحياة، بالإضافة إلى التعاطف مع الفريق وبناء علاقات قوية معهم، ومعاملتهم في بعض المواقف كالأب أو الأخ الأكبر، فالبشر بشر في أي موقع كانوا.
القدرة على التحفيز؛ لا يوجد إنسان يرفض التحفيز سواء كان التحفيز ماديا أو معنويا، المهم بالنسبة إليه أنه تحفيز يشجعه لأداء الأفضل، فعلى المسؤول الإداري القائد أن يقوم بتشجيع الفريق وتحفيزه لتحقيق أفضل أداء، وعليه أن يتعرف على نقاط القوة لدى الأفراد واستثمارها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وحتى بقية الأفراد الأقل أداءً في العمل يمكنه أن يحفزهم من خلال منح الفرص المناسبة للالتحاق ببعض الدورات التدريبية التي تصقل قدراتهم التي ربما تكون خفية ولا يمكن اكتشافها إلا من خلال عمليات البحث في النفس.
القدوة والنزاهة؛ لا يمكن أن يكون الإنسان مسؤولاً إداريًا قائدًا إلا بالقدوة الحسنة، والالتزام بالقيم والمبادئ، فإن كان عشوائيًا فإنه سيجد كل الذين يحيطون به عشوائيين، فإن كان متسيبًا إداريًا أو يتغيب عن العمل، فإن كل هذا سينعكس على فريق العمل وبقية الموظفين، لذلك فإن على المسؤول الإداري القائد أن يكون قدوة في السلوك والانضباط، ليس ذلك فحسب وإنما يحث على ذلك حتى من غير كلام، فالسلوك القويم دليل واضح على التمكن والتحكم في السلوكيات والأخلاق، إذ إن المسؤول الإداري القائد دائمًا ما يكون تحت المجهر، والجميع يراقب، فأي خطأ أو عشوائية فإنها ستكون وبالاً عليه وعلى العمل.
عمومًا، هذه بعض النقاط التي ترد في عديد من مراجع التنمية البشرية، قد يستصعبها البعض لأنه يجد أنه لا يمكن تعلمها أو التدريب عليها، إلا أنها ذات ضرورة حتمية، فلا يمكن أن نفصل بين المسؤول الإداري القائد والمسؤول الإداري إلا من خلال هذه المهارات الناعمة، لأن الجميع متساو بطريقة أو بأخرى عبر المهارات الصلبة، فمثل هذه السلوكيات والمهارات تنمو وتتعاظم مع الأيام والتجارب والخبرات. ويمكن قبل أن نختم أن نقول إن ما ذكر ليست كل المهارات وإنما هناك بعض الأدبيات تضيف القيادة، والتفاوض، وربما بعض المهارات الأخرى، وهذا أمر طبيعي، ولكن من الضروري أن تكون هذه المهارات موجودة في النفس وتظهر على الإنسان خلال العمل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك