العدد : ١٧٢٩٣ - الاثنين ٢٨ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٣ - الاثنين ٢٨ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ صفر ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

ألاعيب الخداع الإسرائيلي الأمريكي في مفاوضات غزة

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الأحد ٢٧ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

على‭ ‬مدى‭ ‬اثنين‭ ‬وعشرين‭ ‬شهراً‭ ‬تقريباً،‭ ‬تعودنا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تسارع‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬إبداء‭ ‬التفاؤل‭ ‬الحذر‭ ‬والعادي‭ ‬والمتحفظ‭ ‬وغير‭ ‬المتحفظ‭ ‬بقرب‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬هدنة‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬وتبدأ‭ ‬الأخبار‭ ‬السارة‭ ‬تتلاحق‭ ‬تباعاً‭ ‬لتأكيد‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬وترسيخه،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أسبوع‭ ‬او‭ ‬أسبوعين،‭ ‬ثم‭ ‬ينتهي‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬نتيجة،‭ ‬وخلال‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬طبعاً‭ ‬يتم‭ ‬اتهام‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالتشدد‭ ‬وعدم‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬المرونة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬تتم‭ ‬معاقبة‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬ليونته‭ ‬أو‭ ‬مرونته،‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الفيلم‮»‬‭ ‬تكرر‭ ‬كثيراً‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬السابقة‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور،‭ ‬فما‭ ‬دوافع‭ ‬هذا‭ ‬وأسبابه‭ ‬وأهدافه‭ ‬أيضاً؟‭ ‬نحاول‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نفكك‭ ‬ملامح‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭.‬

أولاً‭: ‬إن‭ ‬إبداء‭ ‬التفاؤل‭ ‬وإشاعته‭ ‬بقرب‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬تعمي‭ ‬العيون‭ ‬عن‭ ‬عشرات‭ ‬الشهداء‭ ‬الذين‭ ‬يسقطون‭ ‬في‭ ‬القصف‭ ‬والحرق‭ ‬والتدمير‭ ‬وأمام‭ ‬مراكز‭ ‬التوزيع،‭ ‬يصبح‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬مجرد‭ ‬تفاصيل‭ ‬أو‭ ‬ضرائب‭ ‬مستحقة،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬تفاؤلاً،‭ ‬إشاعة‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬من‭ ‬ترقب‭ ‬التسوية‭ ‬تقوم‭ ‬بعملية‭ ‬مريعة،‭ ‬وهي‭ ‬تطبيع‭ ‬العين‭ ‬والسمع‭ ‬والقلب‭ ‬للمشاهد‭ ‬الفظيعة‭ ‬والكوارث‭ ‬المتلاحقة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬أي‭ ‬يصبح‭ ‬الخبر‭ ‬هو‭ ‬التفاؤل‭ ‬وليس‭ ‬القتل‭ ‬وآلته،‭ ‬وهذه‭ ‬عملية‭ ‬إعلامية‭ ‬معروفة‭ ‬بتحويل‭ ‬الانتباه‭ ‬وتغيير‭ ‬الأولويات‭.‬

ثانياً‭: ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لإشاعة‭ ‬جو‭ ‬التفاؤل‭ ‬وحقيقة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬مفاوضات،‭ ‬وهذا‭ ‬يمكن‭ ‬إثباته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكذيب‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لما‭ ‬يقال،‭ ‬ولامتناع‭ ‬الوساطات‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬تأكيده‭ ‬أيضاً،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يعرب‭ ‬عن‭ ‬التفاؤل‭ ‬هما‭ ‬الطرف‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬فقط،‭ ‬وذلك‭ ‬لأهداف‭ ‬محلية،‭ ‬فمن‭ ‬جهة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬يريد‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لجمهوره‭ ‬إنه‭ ‬جاد‭ ‬في‭ ‬التفاوض،‭ ‬ولكن‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يرفض،‭ ‬أما‭ ‬الأمريكي‭ ‬فيريد‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يحصد‭ ‬إنجازات‭ ‬وهمية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬محادثات‭ ‬ثنائية‭ ‬مع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أولاً،‭ ‬والوهم‭ ‬بإمكانية‭ ‬ممارسة‭ ‬ضغوط‭ ‬لا‭ ‬قبل‭ ‬لأحد‭ ‬بها‭ ‬ثانياً‭.‬

تفاؤل‭ ‬الأمريكي‭ ‬تفاؤل‭ ‬متسرع‭ ‬وساذج‭ ‬ويقوم‭ ‬على‭ ‬وهم‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬رفض‭ ‬مطالبه‭ ‬أو‭ ‬شروطه،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمريكي‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات‭ ‬أنه‭ ‬ضعيف‭ ‬جداً‭ ‬ومحكوم‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬اللوبيات‭ ‬الصهيونية‭ ‬بطريقة‭ ‬مهينة‭.‬

ثالثاً‭: ‬الهدف‭ ‬الأهم‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬مكيدة‭ ‬التفاؤل‭ ‬هي‭ ‬شيطنة‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإظهاره‭ ‬أمام‭ ‬جمهوره‭ ‬والعالم‭ ‬بأنه‭ ‬المتطرف‭ ‬والعنيد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتعاطى‭ ‬بمرونة‭ ‬مع‭ ‬المقترحات‭ ‬التي‭ ‬‮«‬تتعدل‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬مسرحي‭. ‬التفاؤل‭ ‬هنا‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الحصار‭ ‬والشيطنة‭ ‬والتعرية‭ ‬للطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بإظهاره‭ ‬وكأنه‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬الانتحار،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالهزيمة،‭ ‬أو‭ ‬كأنه‭ ‬لا‭ ‬يرضخ‭ ‬لضغوط‭ ‬الأصدقاء‭ ‬ولا‭ ‬لضغوط‭ ‬الميدان‭.‬

إن‭ ‬المسارعة‭ ‬لإظهار‭ ‬التفاؤل‭ ‬وتسريب‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬تؤكده‭ ‬دون‭ ‬دليل‭ ‬أو‭ ‬تأكيد‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬الأخرى‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التفاؤل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬التفاوض‭ ‬وتضييق‭ ‬أطرافها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬إعلامية‭ ‬ونفسية‭ ‬ضاغطة‭ ‬على‭ ‬الأطراف‭ ‬جميعاً‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬فقط‭.‬

رابعاً‭: ‬استخدام‭ ‬مكيدة‭ ‬التفاؤل‭ ‬متعدد‭ ‬المستويات،‭ ‬فهي‭ ‬كسب‭ ‬للوقت‭ ‬لإطالة‭ ‬الحرب،‭ ‬وبذر‭ ‬للخلاف‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومحاولة‭ ‬ابتزازها‭ ‬وضرب‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض،‭ ‬وإحباط‭ ‬الجمهور‭ ‬ودفعه‭ ‬إلى‭ ‬اليأس‭ ‬ولوم‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتحميله‭ ‬مسؤولية‭ ‬الفشل،‭ ‬وظهور‭ ‬المتفائل‭ ‬بالصورة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الرفيعة‭ ‬المستعدة‭ ‬‮«‬للتنازل‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬المتطرف‭ ‬الرافض‭ ‬‮«‬للسلام‮»‬‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬مكيدة‭ ‬التفاؤل‭ ‬هنا‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬والسياسي‭ ‬والأمني،‭ ‬والتخدير‭ ‬والإحباط‭ ‬وإشاعة‭ ‬الفوضى،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬مفضلة‭ ‬للحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحالية‭ ‬لاختطاف‭ ‬القرار‭ ‬وصناعته،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬التقطتها‭ ‬عائلات‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الشارع،‭ ‬حيث‭ ‬تتهم‭ ‬نتنياهو‭ ‬دائماً‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬كذاب‮»‬‭.‬

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا