العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

العمل قد يسبب العقم

لطمت‭ ‬الخد‭ ‬وشققت‭ ‬الجيب‭ ‬مرارا‭ ‬وأنا‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬قوانين‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والمستعرب‭ ‬والمستغرب،‭ ‬وسأظل‭ ‬أقول‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬ومعايشة‭ ‬إن‭ ‬قوانين‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬تهدف‭ ‬الى‭ ‬إلحاق‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الأذى‭ ‬والإحباط‭ ‬بالعاملين،‭ ‬وتحقيق‭ ‬اعظم‭ ‬المكاسب‭ ‬لأصحاب‭ ‬العمل،‭ ‬ويلتحق‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬بوظيفة‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يشرح‭ ‬له‭ ‬حقوقه،‭ ‬بينما‭ ‬يجد‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬مدراء‭ ‬ورؤساء‭ ‬أقسام‭ ‬يتبارون‭ ‬لشرح‭ ‬واجباته،‭ ‬وأهمها‭ ‬السمع‭ ‬والطاعة،‭ ‬ولأننا‭ ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬لنفسنا‭ ‬حقا‭ ‬ثابتا‭ ‬سوى‭ ‬حق‭ ‬التنفس،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نحفل‭ ‬بالاطلاع‭ ‬على‭ ‬قوانين‭ ‬العمل‭ ‬لمعرفة‭ ‬ما‭ ‬لنا‭ ‬وما‭ ‬علينا،‭ ‬ربما‭ ‬لأنها‭ ‬مثل‭ ‬الدساتير،‭ ‬مجرد‭ ‬ديكور‭ ‬أو‭ ‬مفصلة‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬أصحاب‭ ‬‮«‬المصلحة‮»‬‭.‬

ومعظمنا‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬اصابات‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬يستحق‭ ‬عليها‭ ‬التعويض‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬العمل،‭ ‬بينما‭ ‬نظراؤنا‭ ‬الغربيون‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬تعويضات‭ ‬عن‭ ‬الأذى‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬ويا‭ ‬ويل‭ ‬المدير‭ ‬الأوروبي‭ ‬او‭ ‬الامريكي‭ ‬الذي‭ ‬ينادي‭ ‬موظفه‭: ‬تعال‭ ‬يا‭ ‬حمار‭!! ‬فمثل‭ ‬هذا‭ ‬الموظف‭ ‬يتوجه‭ ‬الى‭ ‬طبيب‭ ‬نفسي‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬بضعة‭ ‬أقراص‭ ‬مهدئة‭ ‬ثم‭ ‬يترك‭ ‬العمل‭ ‬ويرفع‭ ‬دعوى‭ ‬على‭ ‬المدير‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬يعينه‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬والإنفاق‭ ‬على‭ ‬عشيقتين،‭ ‬ثم‭ ‬ترفع‭ ‬جمعية‭ ‬العناية‭ ‬بالحيوان‭ ‬دعوى‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المدير‭ ‬بتهمة‭ ‬انه‭ ‬أساء‭ ‬الى‭ ‬الحمار‭ ‬عندما‭ ‬شبهه‭ ‬بموظف‭ ‬مقصر‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬وتتم‭ ‬تسوية‭ ‬تحصل‭ ‬الجمعية‭ ‬بموجبها‭ ‬على‭ ‬بضعة‭ ‬آلاف،‭ ‬فيتقدم‭ ‬الموظف‭ ‬بشكوى‭ ‬ضد‭ ‬الجمعية‭ ‬مدعيا‭ ‬ان‭ ‬جعله‭ ‬دون‭ ‬الحمار‭ ‬مرتبة‭ ‬أضاع‭ ‬فرصه‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬بديلة‭! ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬تعويض‭ ‬إضافي‭.‬

والموضة‭ ‬هذه‭ ‬الايام‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬هي‭ ‬رفع‭ ‬دعاوى‭ ‬ضد‭ ‬اصحاب‭ ‬العمل‭ ‬بسبب‭ ‬العقم‭ ‬الرجالي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬العمل‭!! ‬كيف؟‭ ‬لقد‭ ‬اثبتت‭ ‬دراسة‭ ‬علمية‭ ‬ان‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬الكرسي‭ ‬لست‭ ‬ساعات‭ ‬متتالية‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬رفع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬كيس‭ ‬الخصية‭ (‬الصفن‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬انخفاض‭ ‬عدد‭ ‬الحيوانات‭ ‬المنوية‭ ‬وضعفها،‭ ‬والمعروف‭ ‬ان‭ ‬معظم‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬العقم‭ ‬لديهم‭ ‬حرارة‭ ‬مرتفعة‭ ‬في‭ ‬الصفن،‭ ‬ويفسر‭ ‬هذا‭ ‬الاستنتاج‭ ‬العملي‭ ‬لماذا‭ ‬تتفشى‭ ‬الخصوبة‭ ‬الزائدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭!! ‬نعم،‭ ‬لأن‭ ‬الموظف‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬ناصح‭ ‬ومصحصح‭ ‬ومفتح‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬وحتى‭ ‬تلك‭ ‬الساعات‭ ‬الثلاث‭ ‬تتخللها‭ ‬فترات‭ ‬استراحة‭: ‬تعال‭ ‬نتمشى‭ ‬نروح‭ ‬المول‭ ‬وبالمرة‭ ‬نشتري‭ ‬هدية‭ ‬للمدير‭ ‬لأن‭ ‬عيد‭ ‬ميلاده‭ ‬بعد‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭. ‬أوكي‭ ‬ونزور‭ ‬عمي‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬راقد‭ ‬من‭ ‬شهرين‭ ‬عنده‭ ‬امساك‭!! ‬ويفسر‭ ‬هذا‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬مدننا‭ ‬ساعة‭ ‬ذروة‭ ‬مرورية‭ ‬محددة،‭ ‬فمنذ‭ ‬الصباح‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬الظهر‭ ‬تظل‭ ‬مئات‭ ‬الالاف‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬تذرع‭ ‬شوارع‭ ‬مدننا،‭ ‬لأن‭ ‬ثلثي‭ ‬موظفي‭ ‬الخدمة‭ ‬العامة‭ ‬يزعمون‭ ‬انهم‭ ‬مصابون‭ ‬بالبواسير‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬الجلوس‮»‬‭ ‬طويلا‭ ‬على‭ ‬الكراسي،‭ ‬ويتركون‭ ‬مواقع‭ ‬اعمالهم‭ ‬لإجراء‭ ‬مسوحات‭ ‬ميدانية‭ ‬للمدينة‭. ‬بل‭ ‬صار‭ ‬الموظف‭ ‬الناجح‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬لديه‭ ‬نشاط‭ ‬تجاري‭ ‬أو‭ ‬عمل‭ ‬إضافي‭ ‬لدى‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬ومن‭ ‬المواويل‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭ ‬ان‭ ‬توظيف‭ ‬النساء‭ ‬لا‭ ‬يجدي‭ ‬لأنهن‭ ‬كثيرات‭ ‬الأعذار‭ ‬للتغيب،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬النادر‭ ‬ان‭ ‬تجد‭ ‬رجلا‭ ‬يأتي‭ ‬الى‭ ‬موقع‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬يغادره‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬الرسمي‭ ‬المحدد،‭ ‬والعذر‭ ‬الثابت‭: ‬أوصل‭ ‬العيال‭ ‬المدرسة‭ ‬وأرجع‭ ‬العيال‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬الى‭ ‬البيت،‭ ‬وزوجتي‭ (‬خطيبتي‭) ‬أمي‭ ‬عندها‭ ‬موعد‭ ‬في‭ ‬المستشفى

في‭ ‬تركيا‭ ‬قرر‭ ‬مواطن‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬الإنجاب‭ ‬لأنه‭ ‬اقتنع‭ ‬بان‭ ‬عدد‭ ‬عياله‭ ‬أصبح‭ ‬‮«‬كافيا‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬لديه‭ ‬فقط‭ ‬12‭ ‬ولدا‭ ‬وبنتا‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬الاولى،‭ ‬ولديه‭ ‬من‭ ‬الثانية‭ ‬16‭ ‬ومن‭ ‬الثالثة‭ ‬14‭ ‬ومن‭ ‬الرابعة‭ ‬8،‭ ‬المجموع‭ (‬50‭)! ‬وهذا‭ ‬التركي‭ -‬بالتأكيد‭- ‬ليس‭ ‬موظفا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬موظفا‭ ‬فإنه‭ ‬يستحق‭ ‬الفصل‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬مع‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬المكافأة‭ ‬والمعاش‭ ‬التقاعدي،‭ ‬لأنه‭ ‬متسيب‭ ‬وغير‭ ‬مستوعب‭ ‬لتعاليم‭ ‬أتاتورك،‭ ‬لأن‭ ‬إنجاب‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬العيال‭ (‬الله‭ ‬يحفظهم‭ ‬ويحفظه‭) ‬يستوجب‭ ‬‮«‬التفرغ‭ ‬الكامل‮»‬‭ ‬وربما‭ ‬أن‭ ‬مسلكه‭ ‬التكاثري‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬حرمان‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬عضوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا