العدد : ١٧٢٨٨ - الأربعاء ٢٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٨ - الأربعاء ٢٣ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ محرّم ١٤٤٧هـ

مقالات

الفرصة سانحة للتعجيل بعصر الطاقة النظيفة

بقلم: أنطونيو غوتيريش {

الأربعاء ٢٣ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

لقد‭ ‬تحكمت‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬البشرية،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬إلى‭ ‬تسخير‭ ‬البخار‭ ‬إلى‭ ‬شطر‭ ‬الذرة‭. ‬ونحن‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬فجر‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة،‭ ‬فجرٍ‭ ‬تشرق‭ ‬فيه‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬عصر‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭.‬

ففي‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬جاء‭ ‬جلُّ‭ ‬القدرات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬الجديدة‭ ‬للطاقة‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭. ‬وحلَّق‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬إلى‭ ‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار؛‭ ‬أي‭ ‬بزيادة‭ ‬قدرها‭ ‬800‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬عمَّا‭ ‬جرى‭ ‬استثماره‭ ‬في‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭.‬

والطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬والريحية‭ ‬هما‭ ‬الآن‭ ‬أرخص‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬كما‭ ‬تخلق‭ ‬قطاعات‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬وتعزز‭ ‬النمو‭ ‬وتدفع‭ ‬عجلة‭ ‬التقدم،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬مازال‭ ‬يتلقى‭ ‬دعماً‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة‭.‬

والبلدان‭ ‬التي‭ ‬تتشبث‭ ‬بالوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬لا‭ ‬تحمي‭ ‬اقتصاداتها،‭ ‬بل‭ ‬تدمرها‭  ‬وتقوض‭ ‬قدرتها‭ ‬التنافسية،‭ ‬وتفوت‭ ‬أكبر‭ ‬فرصة‭ ‬اقتصادية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭.‬

كما‭ ‬توفر‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬السيادة‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭. ‬فأسواق‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬تقع‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬صدمات‭ ‬الأسعار،‭ ‬وانقطاع‭ ‬الإمدادات،‭ ‬والاضطرابات‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬عندما‭ ‬غزت‭ ‬روسيا‭ ‬أوكرانيا‭. ‬ولكن‭ ‬أسعار‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬لا‭ ‬ترتفع،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬حظر‭ ‬على‭ ‬الرياح،‭ ‬وكل‭ ‬دولة‭ ‬تقريبا‭ ‬لديها‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬المتجددة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭.‬

وأخيراً،‭ ‬فإن‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬تحفز‭ ‬التنمية‭. ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصل،‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬ومستدام‭ ‬وميسور‭ ‬التكلفة،‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬مازالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كهرباء،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكنولوجيات‭ ‬توفير‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬بأحجام‭ ‬صغيرة‭ ‬وخارج‭ ‬الشبكة‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬عصراً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إيقافه،‭ ‬لكن‭ ‬التحول‭ ‬لم‭ ‬يصبح‭ ‬بعدُ‭ ‬سريعا‭ ‬وعادلا‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭. ‬إذ‭ ‬تُترك‭ ‬البلدان‭ ‬النامية‭ ‬خلف‭ ‬الركب‭. ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬نظم‭ ‬الطاقة،‭ ‬ومازالت‭ ‬الانبعاثات‭ ‬ترتفع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتعين‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬تتهاوى‭ ‬لتجنب‭ ‬أسوأ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬المناخ‭. ‬ولإصلاح‭ ‬ذلك،‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬على‭ ‬ست‭ ‬جبهات‭.‬

أولاً،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬الالتزام‭ ‬الكامل‭ ‬بمستقبل‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭. ‬وقد‭ ‬تعهدت‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬بأن‭ ‬تقدم،‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬المقبلة،‭ ‬خططا‭ ‬وطنية‭ ‬جديدة‭ ‬للمناخ‭ ‬‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ ‬المساهمات‭ ‬المحددة‭ ‬وطنياً‭ ‬‭ ‬متضمنةً‭ ‬مستهدفاتٍ‭ ‬للعقد‭ ‬المقبل‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تتماشى‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬مع‭ ‬حصر‭ ‬الارتفاع‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الكوكب‭ ‬في‮ ‬حدود‭ ‬1,5‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬وأن‭ ‬تغطي‭ ‬جميع‭ ‬الانبعاثات‭ ‬والقطاعات،‭ ‬وأن‭ ‬تحدد‭ ‬مساراً‭ ‬واضحاً‭ ‬للطاقة‭ ‬النظيفة‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين،‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬حوالي‭ ‬80‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الانبعاثات‭ ‬العالمية،‭ ‬أن تتقدم‭ ‬الصفوف‭.‬

ثانياً،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نبني‭ ‬نظم‭ ‬طاقة‭ ‬تناسب‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭. ‬فبدون‭ ‬شبكات‭ ‬حديثة‭ ‬وطرق‭ ‬تخزين‭ ‬حديثة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬إمكاناتها‭. ‬ولكن‭ ‬مقابل‭ ‬كل‭ ‬دولار‭ ‬يتم‭ ‬استثماره‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬يذهب‭ ‬60‭ ‬سنتاً‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬الشبكات‭ ‬والتخزين‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬واحدا‭ ‬إلى‭ ‬واحد‭.‬

ثالثاً،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تستهدف‭ ‬الحكومات‭ ‬تلبية‭ ‬الطلب‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬باستخدام‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الكبرى‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬دورها‭ ‬أيضاً‭. ‬فبحلول‭ ‬عام‭ ‬2030،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستهلك‭ ‬مراكز‭ ‬البيانات‭ ‬من‭ ‬الكهرباء‭ ‬قدرَ‭ ‬ما‭ ‬تستهلكه‭ ‬اليابان‭ ‬اليوم‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تلتزم‭ ‬الشركات‭ ‬بتزويد‭ ‬تلك‭ ‬المراكز‭ ‬بالطاقة‭ ‬المستمدة‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭.‬

رابعاً،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬العدالة‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬دعم‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬للاستعداد‭ ‬لمستقبل‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭. ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬إصلاح‭ ‬سلاسل‭ ‬توريد‭ ‬المعادن‭ ‬الحرجة‭. ‬إذ‭ ‬تشيع‭ ‬فيها‭ ‬اليوم‭ ‬انتهاكات‭ ‬الحقوق‭ ‬وتدمير‭ ‬البيئة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬انحباس‭ ‬البلدان‭ ‬النامية‭ ‬في‭ ‬أسفل‭ ‬سلاسل‭ ‬القيمة‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭.‬

خامساً،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬من‭ ‬التجارة‭ ‬أداة‭ ‬للتحول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة،‭ ‬فسلاسل‭ ‬توريد‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬تتسم‭ ‬بالتركيز‭ ‬الشديد،‭ ‬كما‭ ‬يسري‭ ‬التجزؤ‭ ‬في‭ ‬أوصال‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬الملتزمة‭ ‬بعصر‭ ‬الطاقة‭ ‬الجديد‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تنويع‭ ‬الإمدادات،‭ ‬وخفض‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬سلع‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬وتحديث‭ ‬معاهدات‭ ‬الاستثمار‭ ‬بحيث‭ ‬تدعم‭ ‬التحول‭.‬

سادساً‭ ‬وأخيراً،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نوجه‭ ‬التمويل‭ ‬إلى‭ ‬البلدان‭ ‬النامية‭. ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬إفريقيا‭ ‬إلا على‭ ‬2‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬استثمارات‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬امتلاكها‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬موارد‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ونحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬دولية،‭ ‬لمنع‭ ‬استنزاف‭ ‬ميزانيات‭ ‬البلدان‭ ‬النامية‭ ‬في‭ ‬سداد‭ ‬الديون،‭ ‬ولتمكين‭ ‬مصارف‭ ‬التنمية‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تزيد‭ ‬كثيرا‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الإقراض،‭ ‬ولزيادة‭ ‬التمويل‭ ‬الخاص‭ ‬المتاح‭ ‬لها‭ ‬زيادة‭ ‬كبيرة‭. ‬كما‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬والمستثمرون‭ ‬بتحديث‭ ‬تقييمات‭ ‬المخاطر،‭ ‬لمراعاة‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬تبشر‭ ‬بها‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬وكلفة‭ ‬فوضى‭ ‬المناخ،‭ ‬وخطر‭ ‬أن تصبح‭ ‬أصول‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬أصولا‭ ‬معطلة‭.‬

إن‭ ‬هناك‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬للطاقة‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬أيدينا،‭ ‬حقبةً‭ ‬تغذي‭ ‬فيها‭ ‬الطاقة‭ ‬الوفيرة‭ ‬الرخيصة‭ ‬عالماً‭ ‬غنياً‭ ‬بالفرص‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتتمتع‭ ‬فيها‭ ‬الدول‭ ‬بضمان‭ ‬الاستقلالية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة،‭ ‬وتكون‭ ‬فيها‭ ‬الكهرباء‭ ‬هبة للجميع‭.‬

وهذه‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬الفرصة‭ ‬السانحة‭ ‬لتسريع‭ ‬التحول‭ ‬العالمي‭. ‬دعونا‭ ‬نغتنمْ‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭.‬

{‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا