العدد : ١٧٢٨٧ - الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٧ - الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ محرّم ١٤٤٧هـ

مقالات

بروين نصر الله.. ادعوا لها بالشفاء

الزميلة بروين نصرالله .

بقلم: نعيمة السماك .

الاثنين ٢١ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

مساء‭ ‬كل‭ ‬جمعة،‭ ‬كانت‭ ‬قدماي‭ ‬تقوداني‭ ‬إلى‭ ‬فريق‭ ‬حالة‭ ‬بو‭ ‬ماهر‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬المحرق‭. ‬أركن‭ ‬سيارتي‭ ‬أمام‭ ‬مسجد‭ ‬الإيمان‭ ‬على‭ ‬مبعدة،‭ ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬للدخول‭ ‬بالسيارة‭.‬

أدخل‭ ‬زقاقًا‭ ‬ضيقًا‭ ‬يقودني‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭. ‬بيت‭ ‬متشابك‭ ‬ومتلاصق‭ ‬مع‭ ‬بيوت‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭. ‬في‭ ‬بيتها‭ ‬الصغير،‭ ‬أجد‭ ‬متعتي‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬أحاديث‭ ‬تعرف‭ ‬دائمًا‭ ‬كيف‭ ‬تبدأ،‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تنتهي‭. ‬كلما‭ ‬هممت‭ ‬بالمغادرة،‭ ‬استحثّتني‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬أكثر،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتأخر‭ ‬الوقت،‭ ‬فأقوم‭ ‬فتتبعني‭ ‬حتى‭ ‬الباب‭.‬

يخيّل‭ ‬إليّ‭ ‬أن‭ ‬بروين‭ ‬موسوعة‭ ‬من‭ ‬الحكايات،‭ ‬والأخبار‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية‭. ‬أكسبها‭ ‬عملها‭ ‬الصحفي‭ ‬علاقات‭ ‬واسعة‭ ‬ومعارف‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬تميل‭ ‬دائمًا‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬والانعزال،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬بسبب‭ ‬وضعها‭ ‬الصحي‭. ‬في‭ ‬حضرتها،‭ ‬تحضر‭ ‬الأحاديث‭ ‬وتتدفق‭ ‬بعفوية‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬حياتية‭ ‬شتى‭. ‬قد‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬الصحافة‭ ‬وموضوعاتها‭ ‬الشائكة،‭ ‬وقد‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أحوال‭ ‬الناس‭ ‬وقصصهم‭ ‬ممن‭ ‬قابلتهم‭ ‬خلال‭ ‬مسيرتها‭ ‬الصحفية‭ ‬الطويلة‭.‬

في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬مضت،‭ ‬فقدت‭ ‬التواصل‭ ‬معها‭. ‬ورحت‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬رقمها‭ ‬لأتواصل‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬سألت‭ ‬وبحثت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬زوّدتني‭ ‬به‭ ‬مشكورة‭ ‬الناشطة‭ ‬النسوية‭ ‬هدى‭ ‬المحمود‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الغالية‭ ‬بروين‭.  ‬وسهّل‭ ‬تطبيق‭ ‬‮«‬الواتساب‮»‬‭ ‬تواصلنا‭.‬

من‭ ‬فريق‭ ‬الحالة‭ ‬بالمحرق،‭ ‬إلى‭ ‬قلالي،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬إلى‭ ‬الحد،‭ ‬سكنها‭ ‬الحالي؛‭ ‬حيث‭ ‬انتقلت‭ ‬بروين‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬آخر‭ ‬أكثر‭ ‬حداثة‭ ‬من‭ ‬بيتها‭ ‬السابق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬توفيت‭ ‬والدتها‭ ‬وعمها‭ (‬زوج‭ ‬أمها‭)‬‭.‬

أصبحت‭ ‬أزورها‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة،‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭. ‬تعيش‭ ‬بمفردها‭ ‬مع‭ ‬مساعدة‭. ‬تختار‭ ‬دائمًا‭ ‬موضوعات‭ ‬جميلة‭ ‬وترسلها‭ ‬لي‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬الواتساب‮»‬‭. ‬لانشغالات‭ ‬الحياة،‭ ‬لم‭ ‬ألحظ‭ ‬أن‭ ‬رسائلها‭ ‬قد‭ ‬توقفت‭.‬

حين‭ ‬عدت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬من‭ ‬مشهد،‭ ‬كتبت‭ ‬مقالًا‭ ‬عن‭ ‬عودتي‭ ‬وأرسلته‭ ‬لها‭. ‬مضى‭ ‬يوم،‭ ‬يومان،‭ ‬ولم‭ ‬أتلقَّ‭ ‬أي‭ ‬ملاحظة‭ ‬أو‭ ‬تعليق‭ ‬منها‭.‬

أوجست‭ ‬قلقًا‭. ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الواتساب‮»‬‭ ‬وكتبت‭: ‬أين‭ ‬أنتِ‭ ‬يا‭ ‬بروين؟

ثم‭ ‬لاحظت‭ ‬على‭ ‬البروفايل‭ ‬رقم‭ ‬هاتف‭ ‬ابنة‭ ‬أختها‭ ‬مع‭ ‬رقم‭ ‬التواصل‭.‬

تواصلت‭ ‬معها،‭ ‬وعلمت‭ ‬أن‭ ‬بروين‭ ‬ترقد‭ ‬في‭ ‬المستشفى،‭ ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الرد‭ ‬عليّ‭.‬

أفتقدها‭ ‬الآن‭ ‬بشدة،‭ ‬وأفتقد‭ ‬أحاديثها‭ ‬الشيقة،‭ ‬وأتمنى‭ ‬لها‭ ‬الشفاء‭ ‬العاجل‭.‬

تحضرني‭ ‬الآن‭ ‬صورتها‭ ‬وهي‭ ‬تدخل‭ ‬مبنى‭ ‬الجريدة‭ ‬في‭ ‬موقعها‭ ‬القديم‭...‬

بقامتها‭ ‬الطويلة،‭ ‬يخيل‭ ‬إليّ‭ ‬حين‭ ‬تدخل‭ ‬بروين‭ ‬كأن‭ ‬الحياة‭ ‬دبّت‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬الصمت،‭ ‬وكأن‭ ‬جدران‭ ‬الجريدة‭ ‬تبادلها‭ ‬الأحاديث‭. ‬تحدّث‭ ‬هذا‭ ‬الزميل‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬في‭ ‬موضوعات‭ ‬مختلفة،‭ ‬بينما‭ ‬يكون‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيون‭ ‬منكبّين‭ ‬على‭ ‬تدوين‭ ‬أخبارهم‭ ‬أو‭ ‬تحقيقاتهم‭ (‬بخط‭ ‬اليد‭) ‬على‭ ‬الورق‭ ‬المطفي‭ ‬غير‭ ‬المسطر‭. ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنكب‭ ‬على‭ ‬مكتبها‭ ‬وتحرّر‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬جمعتها‭.‬

عملت‭ ‬بروين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأخبار،‭ ‬وخاصة‭ ‬أخبار‭ ‬المحاكم‭ ‬والتحقيقات‭ ‬المحلية‭. ‬وكانت‭ ‬عضوة‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭.‬

ما‭ ‬يدهشني‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬قدرتها‭ ‬الفائقة‭ ‬على‭ ‬سرد‭ ‬الحكايات‭ ‬في‭ ‬موضوعات‭ ‬متنوعة،‭ ‬وبتدفق‭ ‬عجيب‭.‬

عملت‭ ‬بروين‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬أنباء‭ ‬الخليج‭ ‬قبل‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭. ‬وانتقلت‭ ‬مع‭ ‬الجريدة‭ ‬إلى‭ ‬مبناها‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬الرفاع‭. ‬لكنها‭ ‬أخبرتني‭ ‬أن‭ ‬المشوار‭ ‬من‭ ‬المحرق‭ ‬إلى‭ ‬الرفاع‭ ‬كان‭ ‬متعبًا‭ ‬جدًا‭ ‬لها،‭ ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬تستمر‭ ‬طويلًا،‭ ‬وخرجت‭ ‬بتقاعد‭ ‬مبكر‭ ‬بسبب‭ ‬حالتها‭ ‬الصحية‭.‬

بروين‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬القديرين،‭ ‬النادرين‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬نوعية‭ ‬الموضوعات،‭ ‬وفي‭ ‬الصدق‭ ‬والشجاعة‭ ‬والأمانة‭ ‬الصحفية‭.‬

وقد‭ ‬تختلف‭ ‬مع‭ ‬الكثيرين‭ ‬بسبب‭ ‬صراحتها،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يميزها‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬قلبًا‭ ‬شديد‭ ‬الطيبة،‭ ‬ومواقف‭ ‬إنسانية‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭.‬

أكتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور،‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬ترقد‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬السلمانية‭ ‬الطبي‭. ‬أدعو‭ ‬لها‭ ‬بالشفاء‭ ‬العاجل،‭ ‬وأرجو‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬إلينا،‭ ‬إلى‭ ‬حديثها‭ ‬الدافئ،‭ ‬وقصصها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا