مساء كل جمعة، كانت قدماي تقوداني إلى فريق حالة بو ماهر الواقع في المحرق. أركن سيارتي أمام مسجد الإيمان على مبعدة، فلا مجال للدخول بالسيارة.
أدخل زقاقًا ضيقًا يقودني إلى بيتها. بيت متشابك ومتلاصق مع بيوت أخرى كثيرة. في بيتها الصغير، أجد متعتي في تبادل أحاديث تعرف دائمًا كيف تبدأ، ولا تعرف كيف تنتهي. كلما هممت بالمغادرة، استحثّتني على البقاء أكثر، إلى أن يتأخر الوقت، فأقوم فتتبعني حتى الباب.
يخيّل إليّ أن بروين موسوعة من الحكايات، والأخبار الاجتماعية، والثقافية والسياسية. أكسبها عملها الصحفي علاقات واسعة ومعارف كثيرة، لكنها تميل دائمًا إلى الوحدة والانعزال، وخصوصًا في السنوات القليلة الماضية بسبب وضعها الصحي. في حضرتها، تحضر الأحاديث وتتدفق بعفوية في جوانب حياتية شتى. قد نتكلم عن الصحافة وموضوعاتها الشائكة، وقد نتحدث عن أحوال الناس وقصصهم ممن قابلتهم خلال مسيرتها الصحفية الطويلة.
في فترة زمنية مضت، فقدت التواصل معها. ورحت أبحث عن رقمها لأتواصل من جديد، سألت وبحثت إلى أن زوّدتني به مشكورة الناشطة النسوية هدى المحمود. ومنذ ذلك الحين، عدت إلى التواصل مع الغالية بروين. وسهّل تطبيق «الواتساب» تواصلنا.
من فريق الحالة بالمحرق، إلى قلالي، وأخيرًا إلى الحد، سكنها الحالي؛ حيث انتقلت بروين إلى بيت آخر أكثر حداثة من بيتها السابق، بعد أن توفيت والدتها وعمها (زوج أمها).
أصبحت أزورها على فترات متباعدة، بين حين وآخر. تعيش بمفردها مع مساعدة. تختار دائمًا موضوعات جميلة وترسلها لي عبر «الواتساب». لانشغالات الحياة، لم ألحظ أن رسائلها قد توقفت.
حين عدت مؤخرًا من مشهد، كتبت مقالًا عن عودتي وأرسلته لها. مضى يوم، يومان، ولم أتلقَّ أي ملاحظة أو تعليق منها.
أوجست قلقًا. عدت إلى «الواتساب» وكتبت: أين أنتِ يا بروين؟
ثم لاحظت على البروفايل رقم هاتف ابنة أختها مع رقم التواصل.
تواصلت معها، وعلمت أن بروين ترقد في المستشفى، ولهذا لم تتمكن من الرد عليّ.
أفتقدها الآن بشدة، وأفتقد أحاديثها الشيقة، وأتمنى لها الشفاء العاجل.
تحضرني الآن صورتها وهي تدخل مبنى الجريدة في موقعها القديم...
بقامتها الطويلة، يخيل إليّ حين تدخل بروين كأن الحياة دبّت فجأة في الجريدة التي كانت تغرق في الصمت، وكأن جدران الجريدة تبادلها الأحاديث. تحدّث هذا الزميل أو ذاك، في موضوعات مختلفة، بينما يكون الزملاء الصحفيون منكبّين على تدوين أخبارهم أو تحقيقاتهم (بخط اليد) على الورق المطفي غير المسطر. قبل أن تنكب على مكتبها وتحرّر الأخبار التي جمعتها.
عملت بروين في مجال الأخبار، وخاصة أخبار المحاكم والتحقيقات المحلية. وكانت عضوة في لجنة الأحوال الشخصية.
ما يدهشني فيها هو قدرتها الفائقة على سرد الحكايات في موضوعات متنوعة، وبتدفق عجيب.
عملت بروين في وكالة أنباء الخليج قبل انضمامها إلى للعمل في جريدة «أخبار الخليج». وانتقلت مع الجريدة إلى مبناها الحالي في الرفاع. لكنها أخبرتني أن المشوار من المحرق إلى الرفاع كان متعبًا جدًا لها، ولهذا لم تستمر طويلًا، وخرجت بتقاعد مبكر بسبب حالتها الصحية.
بروين من الصحفيين القديرين، النادرين في اختيار نوعية الموضوعات، وفي الصدق والشجاعة والأمانة الصحفية.
وقد تختلف مع الكثيرين بسبب صراحتها، لكن ما يميزها أن لها قلبًا شديد الطيبة، ومواقف إنسانية فريدة من نوعها.
أكتب هذه السطور، بينما هي ترقد الآن في مجمع السلمانية الطبي. أدعو لها بالشفاء العاجل، وأرجو أن تعود إلينا، إلى حديثها الدافئ، وقصصها التي لا تُنسى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك