العدد : ١٧٢٨٥ - الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٥ - الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ محرّم ١٤٤٧هـ

مقالات

عصر مختلف

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬عصر‭ ‬النسيان‭) ‬تسلمت‭ ‬من‭ ‬صديقة‭ ‬تعليقاً‭ ‬للدكتور‭ ‬جمال‭ ‬علي‭ ‬العطار‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭: (‬عندما‭ ‬أدخلنا‭ ‬التلفزيون‭ ‬إلى‭ ‬بيتنا‭ ‬نسيت‭ ‬كيف‭ ‬أقرأ‭ ‬الكتب،‭ ‬وعندما‭ ‬اشتريت‭ ‬السيارة‭ ‬نسيت‭ ‬كيف‭ ‬أمشي،‭ ‬وعندما‭ ‬صار‭ ‬عندي‭ ‬‮«‬موبايل‮»‬‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬رسائل‭ ‬على‭ ‬الورق،‭ ‬وعندما‭ ‬صار‭ ‬عندي‭ ‬كمبيوتر‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬أتهجّى‭ ‬الكلمات،‭ ‬وعندما‭ ‬تم‭ ‬تحويل‭ ‬راتبي‭ ‬إلى‭ ‬البنك‭ ‬وأسحبه‭ ‬بالفيزا‭ ‬نسيت‭ ‬قيمة‭ ‬المال،‭ ‬ومع‭ ‬رائحة‭ ‬العطور‭ ‬نسيت‭ ‬رائحة‭ ‬الورد،‭ ‬ومع‭ ‬الوجبات‭ ‬الجاهزة‭ ‬نسيت‭ ‬رائحة‭ ‬طبيخ‭ ‬البيت،‭ ‬ومع‭ ‬الجري‭ ‬المتواصل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬نسيت‭ ‬كيف‭ ‬أتوقف‭! ‬وأخيراً‭ ‬عندما‭ ‬صار‭ ‬عندي‭ ‬واتساب‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬أزور‭ ‬أهلي‭ ‬وأصدقائي‭).‬

وطالبتني‭ ‬صديقتي‭ ‬بأن‭ ‬أكتب‭ ‬مقالاً‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ (‬الوجع‭) ‬كما‭ ‬شعرته‭ ‬هي‭ ‬وأشعره‭ ‬دائماً‭ ‬ويشعره‭ ‬الكثير‭ ‬مثلنا‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬الإنسانية‭ ‬ومارستها‭ ‬ببساطتها‭ ‬وأريحيتها،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬الدكتور‭ ‬جمال‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬السهل‭ ‬الممتنع‭ ‬الذي‭ ‬يُمثل‭ ‬همّنا‭ ‬المعاصر،‭ ‬والذي‭ ‬نعلمه‭ ‬ونفكر‭ ‬فيه‭ ‬ونناقشه‭ ‬في‭ ‬لقاءاتنا‭ ‬بشكل‭ ‬عرضي‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬نتطرق‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق،‭ ‬والحقّ‭ ‬بأن‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ذو‭ ‬شجون‭.‬

واتفق‭ ‬مع‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬قاله‭ ‬الدكتور‭ ‬ولي‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬بعضه،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬صحيح‭ ‬بأن‭ ‬زيارات‭ ‬الأهل‭ ‬والأقارب‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬صلة‭ ‬رحم‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬بل‭ ‬صورية‭ ‬جداً‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الأجساد‭ ‬حاضرة‭ ‬بينما‭ ‬عيون‭ ‬أكثرهم‭ ‬متسمّرة‭ ‬على‭ ‬الهواتف،‭ ‬فيما‭ ‬الأرواح‭ ‬والعقول‭ ‬والقلوب‭ ‬هائمة‭ ‬في‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬بالفعل‭ ‬رسائل‭ ‬الواتساب‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬المواساة‭ ‬ومشاركة‭ ‬الافراح‭ ‬وايصال‭ ‬الرسائل‭ ‬المختلفة،‭ ‬وشتان‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬لقاء‭ ‬انساني‭ ‬مكلّل‭ ‬بلغة‭ ‬جسد‭ ‬وحواس‭ ‬خمس‭ ‬تنقل‭ ‬دفء‭ ‬المشاعر‭ ‬ويلاحظها‭ ‬ويشعرها‭ ‬طرفا‭ ‬اللقاء‭ ‬وبين‭ ‬كلمات‭ ‬جامدة‭ ‬قام‭ ‬بتصحيحها‭ ‬مصحح‭ ‬لغوي‭ ‬في‭ ‬هاتف‭ ‬ذكي‭ ‬عبر‭ ‬وسيلة‭ ‬تواصل‭ ‬اجتماعي،‭ ‬وشتان‭ ‬بين‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬تحسّه‭ ‬رفيقاً‭ ‬وصديقاً،‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬يديك‭ ‬حيناً‭ ‬وفي‭ ‬حضنك‭ ‬آخر،‭ ‬تلمس‭ ‬إحساس‭ ‬ورقه‭ ‬وعبق‭ ‬رائحته‭ ‬وتعيش‭ ‬مع‭ ‬أبطاله‭ ‬بين‭ ‬أروقة‭ ‬أوراقه،‭ ‬وبين‭ ‬قراءة‭ ‬جامدة‭ ‬على‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬الألواح‭ ‬الذكية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فرقا‭ ‬شاسعا‭ ‬بين‭ ‬أكل‭ ‬البيت‭ ‬المضمون‭ ‬المُبهّر‭ ‬بالحب‭ ‬والحنو‭ ‬وبين‭ ‬الوجبات‭ ‬الجاهزة‭.‬

وإذ‭ ‬يقول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ (‬ولقد‭ ‬كرّمنا‭ ‬بني‭ ‬آدم‭) ‬فالإنسان‭ ‬وهو‭ ‬الكائن‭ ‬الحيّ‭ ‬الأسمى‭  ‬المتغيّر‭ ‬بطبيعته‭ ‬والمتطور‭ ‬دائماً‭  ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬وتذليل‭ ‬عناصر‭ ‬الكون‭  ‬المختلفة‭ ‬لخدمته،‭ ‬ولعل‭ ‬التطور‭ ‬التكنلوجي‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬يُعد‭ ‬ذروة‭ ‬ما‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر،‭ ‬وهو‭ ‬تطور‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬البشرية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬ولكن‭ ‬وكما‭ ‬ما‭ ‬نعلم‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬يحتمل‭ ‬النقيضين‭ (‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬السلب‭ ‬والايجاب،‭ ‬المنفعة‭ ‬والضرر‭) ‬ويعتمد‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬استخدامه‭ ‬وتوظيفه،‭ ‬فالتكنولوجيا‭ ‬وجميع‭ ‬الاختراعات‭ ‬قد‭ ‬وجدت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسهيل‭ ‬حياة‭ ‬الانسان‭ ‬ومساعدته‭ ‬وتوفير‭ ‬سُبل‭ ‬الراحة‭ ‬له،‭ ‬لا‭ ‬لتشلّ‭ ‬ارادته‭ ‬أو‭ ‬جسده‭  ‬وتلغي‭ ‬وجوده‭ ‬كأسمى‭ ‬مخلوقات‭ ‬الله‭.‬

وهنا‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬الشخصي‭ ‬أرى‭ ‬بأن‭ ‬إرادة‭ ‬الانسان‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬وتوظيف‭ ‬مخرجات‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنلوجي،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يُقرر‭ ‬أن‭ ‬يستعيض‭ ‬بالسيارة‭ ‬مثلاً‭ ‬عن‭ ‬المشي‭ ‬ويُلغي‭ ‬استخدام‭ ‬قدميه‭ ‬فيما‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يوازن‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الاثنين‭ ‬بحسب‭ ‬الحاجة‭ ‬والظروف،‭ ‬وينسحب‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬طرحه‭ ‬الدكتور‭ ‬جمال،‭ ‬فالاستخدامات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالوعي‭ ‬والإرادة‭ ‬للبالغين،‭ ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بي‭ ‬فإن‭ ‬البالغين‭ ‬هم‭ ‬آخر‭ ‬همي،‭ ‬فالهمّ‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬أطفال‭ ‬اليوم،‭ ‬أجيال‭ ‬الغد‭ ‬الذين‭ ‬فات‭ ‬أكثرهم‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬أطفالاً‭ ‬ويمارسوا‭ ‬الطفولة‭ ‬بشقاوتها‭ ‬وشغبها‭ ‬وأضطر‭ ‬أكثرهم‭ ‬إلى‭ ‬لبس‭ ‬نظارة‭ ‬طبية‭ ‬لتحسين‭ ‬بصره،‭ ‬ولم‭ ‬يتسنّ‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يلمسوا‭ ‬التراب‭ ‬ويحثوه‭ ‬على‭ ‬شعرهم‭ ‬ويتسرب‭ ‬شيء‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬معدتهم،‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يركضوا‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬ويلعبوا‭ ‬مع‭ ‬أقرانهم‭ ‬فلم‭ ‬يصنعوا‭ ‬ذكريات‭ ‬تربطهم‭ ‬بالأماكن‭ ‬والأشخاص،‭ ‬ولم‭  ‬ولم‭.. ‬ولم‭.‬

وإن‭ ‬كنت‭ ‬سأنادي‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬بشيء‭ ‬فهو‭ ‬بضرورة‭ ‬تنمية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬بقيمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وأهمية‭ ‬وقوة‭ ‬عقل‭ ‬وجسم‭ ‬وطاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬وضرورة‭ ‬تفاعله‭ ‬مع‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة‭ ‬المختلفة‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬على‭ ‬عزله‭ ‬عن‭ ‬جوانبه‭ ‬الانسانية،‭ ‬وأيضا‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استيقاظ‭ ‬الأسرة‭ ‬وعملهم‭ ‬على‭ ‬تمكين‭ ‬أطفالهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬طفولتهم،‭ ‬بجانب‭ ‬تشريعات‭ ‬صارمة‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬وتضمن‭ ‬تحقيقه‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا