منذ عودة دونالد ترامب، إلى السلطة في يناير2025، دأبت إدارته الجمهورية على التعاون الوثيق مع ائتلاف بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف؛ ما أسفر عن تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ولعل التدمير الحاصل لقطاع غزة والضفة الغربية والجنوب اللبناني، والفظائع المرتكبة بحق ملايين المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، فضلا عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، دون أن يحقق ذلك ما كان يُروَّج له من تحجيم لقدرات طهران النووية أكبر دليل على ذلك.
لذلك، ليس من المُستغرب تردد رئيس الوزراء الإسرائيلي على الولايات المتحدة، أكثر من أي مسؤول أجنبي آخر خلال ولاية ترامب، الرئاسية الثانية، حيث تُمثّل زيارته إلى واشنطن في 7 يوليو 2025، الثالثة في غضون ستة أشهر فقط للقاء ترامب. وقد وصفت أنيل شيلين وكارول كاسباري، من معهد كوينسي للحكم المسؤول، اللقاء بأنه لم يكن سوى مسرحية سياسية، خالية من أي نتائج ملموسة أو مؤشرات جدية نحو تسوية النزاعات القائمة.
وفي الوقت الذي وصف فيه مارك ستون، من شبكة سكاي نيوز، الاجتماع بأنه لقاء بين رجلين يقرران مستقبل المنطقة لسنوات مقبلة، أشار لوك برودواتر، وماجي هابرمان، في صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن اللقاء طغت عليه أجواء احتفالية، والبعض وصفها بتهريجية، لاسيما فيما يتعلق بالهجمات الأخيرة ضد إيران. وأضافا أن نتنياهو لم يكتفِ بذلك، بل مضى إلى ترشيح ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، في خطوة وُصفت بأنها محاولة فجة للتضليل، صادرة عن شخص مطلوب للعدالة من المحكمة الجنائية الدولية، بصفته مجرم حرب.
وفي أعقاب وقف إطلاق النار بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى؛ أعادت الأخيرة اهتمامها الإقليمي إلى الحرب المستعرة من 21 شهرًا في غزة. وفي 2 يوليو، احتفى ترامب، على منصته الإلكترونية تروث سوشال، بموافقة إسرائيل على الشروط اللازمة، لوقف إطلاق النار مدة 60 يومًا. وكما أشار أندرو روث، في صحيفة الجارديان، فعند وصول نتنياهو، إلى واشنطن، كان هو من يمسك بكل الأوراق في محادثات غزة، حيث اعتبر دعوته إلى البيت الأبيض، جولة نصر؛ عقب نجاحه في إشراك الولايات المتحدة في الهجمات العسكرية ضد طهران.
وخلال زيارته للبيت الأبيض، لم يطرح نتنياهو، أية مبادرات تهدف إلى خفض التصعيد مع إيران، أو الدفع نحو حل سلمي للكارثة الإنسانية في غزة. وفي هذا السياق، كتب مايكل شير، في صحيفة نيويورك تايمز، أن الدبلوماسية العالمية في عهد ترامب تدور في فلك الإطراء، والمجاملات الفارغة والهزلية. بينما لفت ميراف زونسزين، من مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حضر إلى واشنطن، متملقا، الرئيس الأمريكي، واصفًا إعلان ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام، بأنه تصرف سخيف ومقزز، صادر عن شخصية مطلوبة دوليًا للمثول أمام العدالة، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، بمن فيهم الأطفال.
وفي ظل تورط ترامب، نفسه في هذه الانتهاكات، لم يكن مفاجئًا قبوله الحار وشكره العلني لترشيح نتنياهو له. وبصفته شخصية تتسم بالنرجسية؛ لم تمنعه سياساته التي شجعت على إراقة دماء عشرات آلاف الفلسطينيين، وتسببت في حالة مستمرة من عدم اليقين العالمي من السعي وراء التكريم الشخصي. وأشار ستون، إلى أنه بالفعل يتوق للحصول على الجائزة. بينما أوضح شير، أنه اشتكى غير مرة، سرًا وعلنًا من تجاهل لجنة نوبل له، رغم ما يراه إنجازات تستحق هذا التقدير.
وتتجلى لامبالاة ترامب المتعمدة إزاء التداعيات المدمرة لأفعاله؛ في كيفية تفاخره بأن قراره بقصف إيران في يونيو 2025، يضاهي قرار الرئيس الأمريكي هاري ترومان، عام 1945، بإلقاء القنابل الذرية على مدينتي هيروشيما، وناجازاكي اليابانيتين، وهي الهجمات التي سجلت الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، إزهاقها حياة ما يربو على 200.000 شخص. وتناول دانيال برومبرغ، من المركز العربي، كيفية تعويل الرئيس الأمريكي على التفوق العسكري، كـبديل لرؤية جيوستراتيجية متماسكة؛ وهو ما يجعل من غير الممكن نيله الجائزة التي تُمنح تاريخيًا للدبلوماسيين، ونشطاء حقوق الإنسان.
وعليه، بدا جهد نتنياهو، لترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، أشبه بإطراء مبالغ فيه يفتقر إلى أي مضمون حقيقي. وكما يوضح سام إدواردز، من جامعة لوبورو، فإن العديد من قادة العالم الذين يسعون إلى نيل تنازلات من ترامب غالبًا ما يتملقونه، فيقدمون له الهدايا ويغدقون عليه عبارات التقدير والتكريم، على أمل كسب دعمه ورضاه. ومن ثمّ، كان ترشيحه لهذه الجائزة، بمثابة محاولة مكشوفة، لتحويل أنظار البيت الأبيض، ووسائل الإعلام الغربية عن أي مسار جدي لوقف إطلاق النار في غزة، بما يخدم توجهات إسرائيل الرامية إلى إطالة أمد التصعيد، وتهميش الجهود الدبلوماسية.
في هذا السياق، ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز، عدم تحقق اختراقات بشأن قضايا الشرق الأوسط، لاسيما إنهاء حرب إسرائيل على غزة، أو تهديداتها بمزيد من الهجمات العسكرية ضد إيران. ورغم ما تردد عن اقتراب إسرائيل وحماس، من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار؛ فقد أشار إليوت أبرامز، من مجلس العلاقات الخارجية، إلى وجود فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق مبدئي، يشمل إطلاق المزيد من الرهائن، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. غير أن العقبة الكبرى -بحسب تعبيره- تكمن في محاولة جعله اتفاقية طويلة دائمة.
ويعزز هذه الرؤية تأكيد صحيفة فاينانشال تايمز، بوجود خلافات حول مدى الانسحاب العسكري الإسرائيلي من غزة خلال الهدنة المقترحة لمدة شهرين، وهو ما يعكس استمرار الذرائع التي دأب ائتلاف نتنياهو، اليميني المتطرف على استخدامها لتعطيل المحادثات، ومن ثمّ، استئناف القصف العشوائي، وفرض مزيد من القيود على دخول المساعدات الإنسانية، ما يفاقم معاناة المدنيين الفلسطينيين، ويقوض فرص التوصل إلى أي تهدئة مستدامة.
ونتيجة لذلك، فإن زيارة نتنياهو الثالثة لـواشنطن، جاءت تلبية لمطالبه، من دون تقديم أي شيء بالمقابل في شكل اتفاقيات لتحسين الاستقرار الإقليمي. وبدلاً من ترامب، بدا وكأنه يُملي السياسات تجاه الشرق الأوسط؛ إذ صرّح للصحفيين، بأنه يمكننا تحقيق سلام بيننا وبين الشرق الأوسط بأكمله. وردّا على سؤال حول التطهير العرقي المستمر للفلسطينيين في غزة، تحدث منتشيًا بتعاون حكومته الوثيق مع الولايات المتحدة للبحث عن دول لاستقبال أكثر من مليوني مدني فلسطيني إليها، زاعمًا أنه يعتقد أننا نقترب من إيجاد عدة دول.
وعلاوة على ذلك، وعقب لقائه ترامب، واستقباله وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، والمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب، مايك جونسون؛ بدا واضحا تهافت كبار القادة في واشنطن، على تلبية مطالب نتنياهو، وليس العكس.
وبالتزامن مع هذه الزيارة، تصاعدت وتيرة المساندة والدعم الأمريكي لنتنياهو شخصيا، حيث فرضت إدارة ترامب، إجراءات عقابية على المسؤولين القانونيين، ومسؤولي حقوق الإنسان الدوليين لانتقادهم إسرائيل، والدعوة إلى مساءلتها العالمية عن جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني، بدءًا من القضاة وموظفي محكمة الجنايات الدولية، وامتدت في يوليو إلى المقررة الخاصة للأمم المتحدة للأراضي المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز.
وعلاوة على ذلك، تدخل الرئيس الأمريكي شخصيًا في محاكمة الفساد الجارية في إسرائيل ضد نتنياهو، معلقا على وسائل التواصل الاجتماعي في 29 يونيو، بأنه من الجنون، أن يجبر المدعون العامون الإسرائيليون، رئيس الوزراء نتنياهو على مواجهة استجواب في المحكمة، مهددًا بأن واشنطن ستوقف مليارات الدولارات التي تنفقها سنويًا لدعم إسرائيل، إلى جانب الدعم العسكري إذا لم تتوقف محاكمة حليفها، وهو ما اعتبر من قبل كبار السياسيين والمعلقين تدخلا في الشؤون الداخلية الإسرائيلية يجب رفضه وشجبه.
وردًا على هذا التدخل، قيّمت شيلين، وكاسباري، أنه من خلال ربط الدعم العسكري الأمريكي -شريان الحياة لإسرائيل- علنًا بالمعارك القانونية الشخصية لنتنياهو، فإن ترامب يمارس ضغطًا فعليًا على القضاء الإسرائيلي، حيث لا تهدف مثل هذه التصريحات إلى التأثير على محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي فحسب، بل تهدف أيضًا إلى تركيز الاهتمام الدولي حول النتائج التي يفضلها ترامب.
ونتيجة لهذه الديناميكيات، وعلى الرغم من زعم ترامب، أن صفقة لإنهاء حرب إسرائيل لغزة قريبة الآن، وأن هناك فرصة جيدة لإبرامها؛ فإن تصريحاته أصبحت غير جديرة بالثقة، وذلك بالنظر إلى موقفه من وقف إطلاق النار الأخير المنهار في غزة، وكيفية تعامله مع الملف النووي الإيراني، الذي تبناه في البداية بلغة دبلوماسية، قبل أن يتحول إلى التصعيد العسكري على طهران، ما يثير الشكوك حول جدية التزامه بأي تسوية سلمية حقيقية.
وكما خلص العديد من المحللين، فبينما توقع ترامب، أثناء هذه الزيارة تأمين شروط وقف إطلاق النار في غزة، والاتفاق على عدم اعتداء إسرائيل على إيران مرة أخرى، قِدم نتنياهو إلى واشنطن ليحتفل بالنصر المزعوم، أمام ترامب وأعضاء حكومته؛ بينما لم يكن لديه أي نية حقيقية للاتفاق على أي شيء يهدد مكانته السياسية. وقبل هذا الاجتماع، شددت كل من شيلين، وكسباري، على أنه من دون ضغط أمريكي حقيقي لإنهاء الفظائع والانتهاكات المستمرة في غزة والضفة الغربية وغيرهما، والسعي الصادق للسلام؛ فإن ما أسمياه الدبلوماسية الحنجورية، من قبل البيت الأبيض لن تخرج عن كونها مجرد ضجيج بلا طحين.
وتُعد حقيقة أن ترامب، استغل تواصله الشخصي مع نتنياهو، للاحتفاء بما وصفه بـنجاحهما المشترك في قضايا الشرق الأوسط؛ مؤشرًا إضافيًا، على غياب أي نية جادة لدى واشنطن، للالتزام بالشروط الأساسية اللازمة لإرساء سلام حقيقي، وأمن دائم في المنطقة. وبدلًا من الدفع نحو تسويات عادلة وشاملة، بدا التفاخر والنفاق المتبادل بين الطرفين، وكأنه تجاهل متعمد لحجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة للمدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية في ظل صمت دولي يرقى إلى مستوى التواطؤ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك