العدد : ١٧٢٨٧ - الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٧ - الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

قراءة في نتائج زيارة «نتنياهو» الثالثة لـ«واشنطن»

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ٢٢ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

منذ‭ ‬عودة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬يناير2025،‭ ‬دأبت‭ ‬إدارته‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬الوثيق‭ ‬مع‭ ‬ائتلاف‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف؛‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬تفاقم‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولعل‭ ‬التدمير‭ ‬الحاصل‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والجنوب‭ ‬اللبناني،‭ ‬والفظائع‭ ‬المرتكبة‭ ‬بحق‭ ‬ملايين‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مهاجمة‭ ‬المنشآت‭ ‬النووية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يُروَّج‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تحجيم‭ ‬لقدرات‭ ‬طهران‭ ‬النووية‭ ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

لذلك،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المُستغرب‭ ‬تردد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مسؤول‭ ‬أجنبي‭ ‬آخر‭ ‬خلال‭ ‬ولاية‭ ‬ترامب،‭ ‬الرئاسية‭ ‬الثانية،‭ ‬حيث‭ ‬تُمثّل‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬يوليو‭ ‬2025،‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬للقاء‭ ‬ترامب‭. ‬وقد‭ ‬وصفت‭ ‬أنيل‭ ‬شيلين‭ ‬وكارول‭ ‬كاسباري،‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬كوينسي‭ ‬للحكم‭ ‬المسؤول،‭ ‬اللقاء‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬مسرحية‭ ‬سياسية،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة‭ ‬أو‭ ‬مؤشرات‭ ‬جدية‭ ‬نحو‭ ‬تسوية‭ ‬النزاعات‭ ‬القائمة‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬فيه‭ ‬مارك‭ ‬ستون،‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬سكاي‭ ‬نيوز،‭ ‬الاجتماع‭ ‬بأنه‭ ‬لقاء‭ ‬بين‭ ‬رجلين‭ ‬يقرران‭ ‬مستقبل‭ ‬المنطقة‭ ‬لسنوات‭ ‬مقبلة،‭ ‬أشار‭ ‬لوك‭ ‬برودواتر،‭ ‬وماجي‭ ‬هابرمان،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اللقاء‭ ‬طغت‭ ‬عليه‭ ‬أجواء‭ ‬احتفالية،‭ ‬والبعض‭ ‬وصفها‭ ‬بتهريجية،‭ ‬لاسيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالهجمات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭. ‬وأضافا‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬مضى‭ ‬إلى‭ ‬ترشيح‭ ‬ترامب‭ ‬لنيل‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬وُصفت‭ ‬بأنها‭ ‬محاولة‭ ‬فجة‭ ‬للتضليل،‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬مطلوب‭ ‬للعدالة‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬بصفته‭ ‬مجرم‭ ‬حرب‭.‬

وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى؛‭ ‬أعادت‭ ‬الأخيرة‭ ‬اهتمامها‭ ‬الإقليمي‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬المستعرة‭ ‬من‭ ‬21‭ ‬شهرًا‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وفي‭ ‬2‭ ‬يوليو،‭ ‬احتفى‭ ‬ترامب،‭ ‬على‭ ‬منصته‭ ‬الإلكترونية‭ ‬تروث‭ ‬سوشال،‭ ‬بموافقة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الشروط‭ ‬اللازمة،‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬مدة‭ ‬60‭ ‬يومًا‭. ‬وكما‭ ‬أشار‭ ‬أندرو‭ ‬روث،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬فعند‭ ‬وصول‭ ‬نتنياهو،‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن،‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يمسك‭ ‬بكل‭ ‬الأوراق‭ ‬في‭ ‬محادثات‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبر‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬جولة‭ ‬نصر؛‭ ‬عقب‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬إشراك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الهجمات‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬طهران‭.‬

وخلال‭ ‬زيارته‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬لم‭ ‬يطرح‭ ‬نتنياهو،‭ ‬أية‭ ‬مبادرات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬التصعيد‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬أو‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬حل‭ ‬سلمي‭ ‬للكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬كتب‭ ‬مايكل‭ ‬شير،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬أن‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ترامب‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬الإطراء،‭ ‬والمجاملات‭ ‬الفارغة‭ ‬والهزلية‭. ‬بينما‭ ‬لفت‭ ‬ميراف‭ ‬زونسزين،‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬حضر‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن،‭ ‬متملقا،‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬واصفًا‭ ‬إعلان‭ ‬ترشيحه‭ ‬لنيل‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام،‭ ‬بأنه‭ ‬تصرف‭ ‬سخيف‭ ‬ومقزز،‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬مطلوبة‭ ‬دوليًا‭ ‬للمثول‭ ‬أمام‭ ‬العدالة،‭ ‬بتهمة‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الأطفال‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬تورط‭ ‬ترامب،‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئًا‭ ‬قبوله‭ ‬الحار‭ ‬وشكره‭ ‬العلني‭ ‬لترشيح‭ ‬نتنياهو‭ ‬له‭. ‬وبصفته‭ ‬شخصية‭ ‬تتسم‭ ‬بالنرجسية؛‭ ‬لم‭ ‬تمنعه‭ ‬سياساته‭ ‬التي‭ ‬شجعت‭ ‬على‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬عشرات‭ ‬آلاف‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬مستمرة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬السعي‭ ‬وراء‭ ‬التكريم‭ ‬الشخصي‭. ‬وأشار‭ ‬ستون،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بالفعل‭ ‬يتوق‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الجائزة‭. ‬بينما‭ ‬أوضح‭ ‬شير،‭ ‬أنه‭ ‬اشتكى‭ ‬غير‭ ‬مرة،‭ ‬سرًا‭ ‬وعلنًا‭ ‬من‭ ‬تجاهل‭ ‬لجنة‭ ‬نوبل‭ ‬له،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬إنجازات‭ ‬تستحق‭ ‬هذا‭ ‬التقدير‭.‬

وتتجلى‭ ‬لامبالاة‭ ‬ترامب‭ ‬المتعمدة‭ ‬إزاء‭ ‬التداعيات‭ ‬المدمرة‭ ‬لأفعاله؛‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تفاخره‭ ‬بأن‭ ‬قراره‭ ‬بقصف‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2025،‭ ‬يضاهي‭ ‬قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬هاري‭ ‬ترومان،‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬بإلقاء‭ ‬القنابل‭ ‬الذرية‭ ‬على‭ ‬مدينتي‭ ‬هيروشيما،‭ ‬وناجازاكي‭ ‬اليابانيتين،‭ ‬وهي‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬الحملة‭ ‬الدولية‭ ‬لإلغاء‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬إزهاقها‭ ‬حياة‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬200‭.‬000‭ ‬شخص‭. ‬وتناول‭ ‬دانيال‭ ‬برومبرغ،‭ ‬من‭ ‬المركز‭ ‬العربي،‭ ‬كيفية‭ ‬تعويل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري،‭ ‬كـبديل‭ ‬لرؤية‭ ‬جيوستراتيجية‭ ‬متماسكة؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬نيله‭ ‬الجائزة‭ ‬التي‭ ‬تُمنح‭ ‬تاريخيًا‭ ‬للدبلوماسيين،‭ ‬ونشطاء‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬

وعليه،‭ ‬بدا‭ ‬جهد‭ ‬نتنياهو،‭ ‬لترشيح‭ ‬ترامب‭ ‬لجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام،‭ ‬أشبه‭ ‬بإطراء‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مضمون‭ ‬حقيقي‭. ‬وكما‭ ‬يوضح‭ ‬سام‭ ‬إدواردز،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬لوبورو،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬نيل‭ ‬تنازلات‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتملقونه،‭ ‬فيقدمون‭ ‬له‭ ‬الهدايا‭ ‬ويغدقون‭ ‬عليه‭ ‬عبارات‭ ‬التقدير‭ ‬والتكريم،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬كسب‭ ‬دعمه‭ ‬ورضاه‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬كان‭ ‬ترشيحه‭ ‬لهذه‭ ‬الجائزة،‭ ‬بمثابة‭ ‬محاولة‭ ‬مكشوفة،‭ ‬لتحويل‭ ‬أنظار‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬مسار‭ ‬جدي‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬توجهات‭ ‬إسرائيل‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬التصعيد،‭ ‬وتهميش‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬فاينانشيال‭ ‬تايمز،‭ ‬عدم‭ ‬تحقق‭ ‬اختراقات‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لاسيما‭ ‬إنهاء‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬أو‭ ‬تهديداتها‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭. ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬عن‭ ‬اقتراب‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحماس،‭ ‬من‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار؛‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬إليوت‭ ‬أبرامز،‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقية‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬مبدئي،‭ ‬يشمل‭ ‬إطلاق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الرهائن،‭ ‬وضمان‭ ‬دخول‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬العقبة‭ ‬الكبرى‭ -‬بحسب‭ ‬تعبيره‭- ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬جعله‭ ‬اتفاقية‭ ‬طويلة‭ ‬دائمة‭. ‬

ويعزز‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬تأكيد‭ ‬صحيفة‭ ‬فاينانشال‭ ‬تايمز،‭ ‬بوجود‭ ‬خلافات‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬الانسحاب‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬خلال‭ ‬الهدنة‭ ‬المقترحة‭ ‬لمدة‭ ‬شهرين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬استمرار‭ ‬الذرائع‭ ‬التي‭ ‬دأب‭ ‬ائتلاف‭ ‬نتنياهو،‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬على‭ ‬استخدامها‭ ‬لتعطيل‭ ‬المحادثات،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬استئناف‭ ‬القصف‭ ‬العشوائي،‭ ‬وفرض‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ما‭ ‬يفاقم‭ ‬معاناة‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ويقوض‭ ‬فرص‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬تهدئة‭ ‬مستدامة‭.‬

ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬زيارة‭ ‬نتنياهو‭ ‬الثالثة‭ ‬لـواشنطن،‭ ‬جاءت‭ ‬تلبية‭ ‬لمطالبه،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬بالمقابل‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬اتفاقيات‭ ‬لتحسين‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ترامب،‭ ‬بدا‭ ‬وكأنه‭ ‬يُملي‭ ‬السياسات‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬إذ‭ ‬صرّح‭ ‬للصحفيين،‭ ‬بأنه‭ ‬يمكننا‭ ‬تحقيق‭ ‬سلام‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بأكمله‭. ‬وردّا‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬حول‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬المستمر‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تحدث‭ ‬منتشيًا‭ ‬بتعاون‭ ‬حكومته‭ ‬الوثيق‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬لاستقبال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬مدني‭ ‬فلسطيني‭ ‬إليها،‭ ‬زاعمًا‭ ‬أنه‭ ‬يعتقد‭ ‬أننا‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬عدة‭ ‬دول‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وعقب‭ ‬لقائه‭ ‬ترامب،‭ ‬واستقباله‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو،‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع‭ ‬بيت‭ ‬هيجسيث،‭ ‬والمبعوث‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ستيف‭ ‬ويتكوف،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬مايك‭ ‬جونسون؛‭ ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬تهافت‭ ‬كبار‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬على‭ ‬تلبية‭ ‬مطالب‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭.‬

وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة،‭ ‬تصاعدت‭ ‬وتيرة‭ ‬المساندة‭ ‬والدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬لنتنياهو‭ ‬شخصيا،‭ ‬حيث‭ ‬فرضت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬إجراءات‭ ‬عقابية‭ ‬على‭ ‬المسؤولين‭ ‬القانونيين،‭ ‬ومسؤولي‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الدوليين‭ ‬لانتقادهم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬مساءلتها‭ ‬العالمية‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬القضاة‭ ‬وموظفي‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬وامتدت‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬إلى‭ ‬المقررة‭ ‬الخاصة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬فرانشيسكا‭ ‬ألبانيز‭. ‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تدخل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬شخصيًا‭ ‬في‭ ‬محاكمة‭ ‬الفساد‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬نتنياهو،‭ ‬معلقا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬يونيو،‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬الجنون،‭ ‬أن‭ ‬يجبر‭ ‬المدعون‭ ‬العامون‭ ‬الإسرائيليون،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬استجواب‭ ‬في‭ ‬المحكمة،‭ ‬مهددًا‭ ‬بأن‭ ‬واشنطن‭ ‬ستوقف‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬التي‭ ‬تنفقها‭ ‬سنويًا‭ ‬لدعم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬محاكمة‭ ‬حليفها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كبار‭ ‬السياسيين‭ ‬والمعلقين‭ ‬تدخلا‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬يجب‭ ‬رفضه‭ ‬وشجبه‭. ‬

وردًا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التدخل،‭ ‬قيّمت‭ ‬شيلين،‭ ‬وكاسباري،‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربط‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ -‬شريان‭ ‬الحياة‭ ‬لإسرائيل‭- ‬علنًا‭ ‬بالمعارك‭ ‬القانونية‭ ‬الشخصية‭ ‬لنتنياهو،‭ ‬فإن‭ ‬ترامب‭ ‬يمارس‭ ‬ضغطًا‭ ‬فعليًا‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬محاكمة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تهدف‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬تركيز‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدولي‭ ‬حول‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬يفضلها‭ ‬ترامب‭.‬

ونتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬الديناميكيات،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬زعم‭ ‬ترامب،‭ ‬أن‭ ‬صفقة‭ ‬لإنهاء‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬لغزة‭ ‬قريبة‭ ‬الآن،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬جيدة‭ ‬لإبرامها؛‭ ‬فإن‭ ‬تصريحاته‭ ‬أصبحت‭ ‬غير‭ ‬جديرة‭ ‬بالثقة،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الأخير‭ ‬المنهار‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وكيفية‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬الذي‭ ‬تبناه‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بلغة‭ ‬دبلوماسية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬طهران،‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬جدية‭ ‬التزامه‭ ‬بأي‭ ‬تسوية‭ ‬سلمية‭ ‬حقيقية‭.‬

وكما‭ ‬خلص‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحللين،‭ ‬فبينما‭ ‬توقع‭ ‬ترامب،‭ ‬أثناء‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬تأمين‭ ‬شروط‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬اعتداء‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬قِدم‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬ليحتفل‭ ‬بالنصر‭ ‬المزعوم،‭ ‬أمام‭ ‬ترامب‭ ‬وأعضاء‭ ‬حكومته؛‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديه‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬حقيقية‭ ‬للاتفاق‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يهدد‭ ‬مكانته‭ ‬السياسية‭. ‬وقبل‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع،‭ ‬شددت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬شيلين،‭ ‬وكسباري،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ضغط‭ ‬أمريكي‭ ‬حقيقي‭ ‬لإنهاء‭ ‬الفظائع‭ ‬والانتهاكات‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وغيرهما،‭ ‬والسعي‭ ‬الصادق‭ ‬للسلام؛‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬أسمياه‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الحنجورية،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لن‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬مجرد‭ ‬ضجيج‭ ‬بلا‭ ‬طحين‭. ‬

وتُعد‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬ترامب،‭ ‬استغل‭ ‬تواصله‭ ‬الشخصي‭ ‬مع‭ ‬نتنياهو،‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بما‭ ‬وصفه‭ ‬بـنجاحهما‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬مؤشرًا‭ ‬إضافيًا،‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬جادة‭ ‬لدى‭ ‬واشنطن،‭ ‬للالتزام‭ ‬بالشروط‭ ‬الأساسية‭ ‬اللازمة‭ ‬لإرساء‭ ‬سلام‭ ‬حقيقي،‭ ‬وأمن‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬تسويات‭ ‬عادلة‭ ‬وشاملة،‭ ‬بدا‭ ‬التفاخر‭ ‬والنفاق‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وكأنه‭ ‬تجاهل‭ ‬متعمد‭ ‬لحجم‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتفاقمة‭ ‬للمدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬صمت‭ ‬دولي‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التواطؤ‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا