العدد : ١٧٢٨٥ - الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٥ - الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

نحو بناء جسر بين القانون والناس

بقلم: نبيلة رجب

الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬القانون،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬من‭ ‬يشرحه‭ ‬بلغة‭ ‬يفهمها‭ ‬الناس‭.‬

خذ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭-‬فهو‭ ‬موجود،‭ ‬لكن‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يعرفونه‭ ‬حقا؟‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬تُهدر،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بسبب‭ ‬صعوبة‭ ‬النصوص‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬فهمها‭ ‬لم‭ ‬يُمهد‭ ‬كما‭ ‬ينبغي؟

القوانين‭ ‬وُضعت‭ ‬لتنظيم‭ ‬حياة‭ ‬الناس،‭ ‬لكنها‭ ‬تحتاج‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يُقربها‭ ‬إليهم‭ ‬بلغة‭ ‬مفهومة‭ ‬وسياق‭ ‬مألوف‭.‬

نشر‭ ‬القوانين‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬الرسمية‭ ‬خطوة‭ ‬أساسية،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تُترجم‭ ‬مضامينها‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬مبسط‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬وتُفعل‭ ‬مبادئها‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬حيث‭ ‬تتجلى‭ ‬العدالة‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬وحدها،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬والتصرفات‭ ‬أيضا‭.‬

فالقانون،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬محكما‭ ‬يبقى‭ ‬بعيد‭ ‬الأثر‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يُفهم‭ ‬كما‭ ‬يجب‭. ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬تجربتي‭ ‬القانونية،‭ ‬لطالما‭ ‬واجهت‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬بصيغ‭ ‬مختلفة‭:‬

‮«‬ماذا‭ ‬يقصدون‭ ‬بهذه‭ ‬المادة؟‮»‬

‮«‬هل‭ ‬يحق‭ ‬لي‭ ‬كذا؟‮»‬

‮«‬أنا‭ ‬قرأت‭ ‬النص،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬فعليا‭..‬؟‮»‬‭.‬

أسئلة‭ ‬متكررة‭ ‬من‭ ‬أناس‭ ‬ليسوا‭ ‬قاصرين‭ ‬ولا‭ ‬محدودي‭ ‬الاطلاع،‭ ‬إنما‭ ‬فقط‭ ‬لم‭ ‬يُكتب‭ ‬القانون‭ ‬بلغتهم‭. ‬وهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يترافع‭ ‬عنهم‭ ‬فقط،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يُقرب‭ ‬إليهم‭ ‬النصوص‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يواجهوها‭ ‬مضطرين‭.‬

لهذا،‭ ‬أؤمن‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬دليل‭ ‬مبسط،‭ ‬يشرح‭ ‬القانون‭ ‬بلغة‭ ‬الحياة،‭ ‬ليس‭ ‬ترفا‭ ‬ولا‭ ‬رفاهية،‭ ‬بل‭ ‬ضرورة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬واعيا‭ ‬بحقوقه‭ ‬وواجباته‭.‬

وقد‭ ‬تكون‭ ‬البداية‭ ‬الأنسب‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة،‭ ‬باعتباره‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬الناس،‭ ‬والأكثر‭ ‬تأثيرا‭ ‬على‭ ‬استقرارهم‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭.‬

كم‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬تُنهي‭ ‬زواجها‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تستحق‭ ‬نفقة‭ ‬مؤقتة‭ ‬أو‭ ‬بدل‭ ‬سكن؟

وكم‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬يجهل‭ ‬أن‭ ‬الحضانة‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬أطفاله؟

وكم‭ ‬من‭ ‬شاب‭ ‬أو‭ ‬فتاة‭ ‬يدخلان‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬حقوقهما‭ ‬وواجباتهما؟

وجود‭ ‬دليل‭ ‬قانوني‭ ‬واضح،‭ ‬غير‭ ‬منغلق‭ ‬في‭ ‬المصطلحات،‭ ‬يستعين‭ ‬بالأمثلة‭ ‬الواقعية،‭ ‬ويُفسر‭ ‬النصوص‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬يتحدث‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬البيت‭.. ‬سيكون‭ ‬إضافة‭ ‬حقيقية‭.‬

دليل‭ ‬لا‭ ‬يُرهب‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬القانون،‭ ‬ولا‭ ‬يُربكهم‭ ‬بتعقيده،‭ ‬بل‭ ‬يسبق‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه،‭ ‬ويمنحهم‭ ‬فهما‭ ‬استباقيا‭ ‬يحميهم‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬المرتجلة‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬قانون‭ ‬مذكرته‭ ‬التفسيرية،‭ ‬لكنها‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تُخاطب‭ ‬المختصين‭ ‬من‭ ‬قضاة‭ ‬ومحامين‭. ‬أما‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياته،‭ ‬فهو‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.. ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬يمكنه‭ ‬لا‭ ‬يُربكه‭.‬

وهذا‭ ‬هو‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬المذكرة‭ ‬القانونية‭ ‬والدليل‭ ‬الذي‭ ‬نقترحه‭: ‬الأولى‭ ‬تُخاطب‭ ‬من‭ ‬يُفسر‭ ‬النصوص،‭ ‬والثاني‭ ‬يُخاطب‭ ‬من‭ ‬يُطبقها‭ ‬ويعيشها‭.‬

ندرك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جهودًا‭ ‬قائمة،‭ ‬كالكتيبات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الجهات،‭ ‬لكنها‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬فئة‭ ‬محددة،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬وقتها،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تستمر‭.‬

ما‭ ‬نطمح‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬مرجع‭ ‬دائم،‭ ‬لا‭ ‬يرتبط‭ ‬بحملة‭ ‬مؤقتة‭ ‬ولا‭ ‬بمؤسسة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬يكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬متكامل‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬القانوني‭.‬

ونحن‭ ‬إذ‭ ‬نبدأ‭ ‬بقانون‭ ‬الأسرة،‭ ‬لا‭ ‬نغفل‭ ‬أهمية‭ ‬تطويره‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬المطالبة‭ ‬بتعديل‭ ‬نص‭ ‬لا‭ ‬نفهمه،‭ ‬أو‭ ‬تقييم‭ ‬أثر‭ ‬بند‭ ‬لم‭ ‬نختبره‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬واحدة‭. ‬الفهم‭ ‬أولا،‭ ‬ثم‭ ‬النقاش‭.‬

ومن‭ ‬المفيد‭ ‬أن‭ ‬يُصاغ‭ ‬هذا‭ ‬الدليل‭ ‬بتعاون‭ ‬مرن‭ ‬بين‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬القانوني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والتوعوي،‭ ‬ليحمل‭ ‬لغة‭ ‬دقيقة،‭ ‬واقعية،‭ ‬وقريبة‭ ‬من‭ ‬الناس‭.‬

ومثل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬ليس‭ ‬محليا‭ ‬خالصا،‭ ‬بل‭ ‬له‭ ‬سوابق‭ ‬ملهمة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬ففي‭ ‬بعض‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وُضعت‭ ‬أدلة‭ ‬قانونية‭ ‬بلغة‭ ‬مبسطة‭ ‬للمواطنين‭. ‬وفي‭ ‬المغرب،‭ ‬رافق‭ ‬تطبيق‭ ‬مدونة‭ ‬الأسرة‭ ‬شروحات‭ ‬مبسطة‭ ‬للعامة‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬فالمبادرات‭ ‬التوعوية‭ ‬موجودة،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تتبلور‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬دليل‭ ‬مدني‭ ‬موحد،‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬بطريقة‭ ‬عملية‭ ‬ومستدامة‭. ‬وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬تُكمل‭ ‬ما‭ ‬بدأ،‭ ‬وتُسهم‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬أثر‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭.‬

ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬عند‭ ‬قانون‭ ‬الأسرة‭. ‬تخيلوا‭ ‬أدلة‭ ‬مبسطة‭ ‬لقوانين‭ ‬الطفل،‭ ‬الخصوصية،‭ ‬البيئة،‭ ‬العمل‭.. ‬أدلة‭ ‬تربط‭ ‬القانون‭ ‬بسلوك‭ ‬الناس،‭ ‬وتمنحهم‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬بثقة،‭ ‬ليس‭ ‬خوفا‭ ‬أو‭ ‬جهلا‭. ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬إن‭ ‬تحقق،‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬دعما‭ ‬للوعي‭ ‬القانوني‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬استثمارًا‭ ‬في‭ ‬الوقاية‭ ‬والعدالة‭ ‬والاستقرار‭. ‬سيخفف‭ ‬النزاعات،‭ ‬ويُشرك‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره،‭ ‬ويمنحنا‭ ‬بيئة‭ ‬قانونية‭ ‬ناضجة‭ ‬لا‭ ‬تفاجئنا،‭ ‬بل‭ ‬نعيشها‭ ‬بوعي‭ ‬وثبات‭.‬

وإذا‭ ‬بدأنا‭ ‬من‭ ‬الأسرة،‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬وضعنا‭ ‬أول‭ ‬حجر‭ ‬في‭ ‬جسر‭ ‬طويل‭.. ‬جسر‭ ‬يربط‭ ‬القانون‭ ‬بالناس،‭ ‬لا‭ ‬حين‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬المحكمة،‭ ‬لكن‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم،‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬يعرفون‭ ‬ما‭ ‬لهم‭ ‬وما‭ ‬عليهم‭. ‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا