من باب الإنصاف لغير المسلمين ألا نغمطهم حقهم حين يحسنون إلى الإسلام، وينصفون المسلمين، ولقد سبق أن تدبرت القول المشهور الذي اعتدنا إطلاقه على غير المسلمين حين يذكرون الإسلام بخير أن نقول عنهم والفضل ما شهد به الأعداء!
ولقد وجدت أنه من غير اللائق أن نطلق على من يحسن إلى الإسلام بالأعداء، وإذا فعلنا هذا مع غير المسلمين المحسنين، فبماذا نصف الأعداء الحقيقيين الذين يسعون جاهدين إلى الإساءة إلى الإسلام، وبعضهم ممن يرتدي عباءة الإسلام ويحمل في أحشائه، وفي سويداء قلبه البغض والحقد على الإسلام ونبي الإسلام (صلوات ربي وسلامه عليه)، وبعد شيء من التفكير والتدبر وجدت أن هؤلاء من الممكن أن نصفهم بـ«الأغيار»، فنقول عنهم مثلًا: «الفضل ما شهد به الأغيار» أي غير المسلمين، وليس بالضرورة أن نصفهم بالأعداء، ولقد سبقنا القرآن الكريم إلى إنصاف هؤلاء، فقال تعالى: «لتجدن أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إن نصارى ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون (82) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين (83) المائدة.
هذا هو قمة الإنصاف في كتاب الله تعالى تجاه الآخرين من غير المسلمين، ويؤسسوا بذلك ركنًا حضاريًا في دولة الإسلام التي أنشأها القرآن الكريم في ضوء تعاليم القرآن.
إن هذا الموقف العظيم الذي دعا إليه الإسلام حينما حافظ على حقوق الأقليات فًيما عرف بعد ذلك بمبدأ «المواطنة» قال تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» (سورة الممتحنة/ 8). وهذا ما تضمنته صحيفة المدينة حين أنشأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دولة الإسلام في المدينة المنورة.
إذًا، فإن الإسلام لا يغمط الناس حقوقهم، وسوف نحاول في هذه المقالة، ككل وما يتبعها من مقالات أخرى الإقرار بما شهده «الأغيار» من غير المسلمين بذكر مواقفهم من القرآن باعتباره معجزة الإسلام الخالدة كما صرح بذلك بعض علماء الغرب، ومفكريه، وفي ذلك ردٌ على من يشيع أن القرآن ليس وحيًا، وإنما هو من تأليف رسول الإسلام، وهو كما يزعم العَلْمانيون كتاب عادي وإن بلغ في الفصاحة والبيان القمة إلا أنه لا يرقى في -زعمهم إلى معجزة تؤكد صدق الرسول (صلى الله عليه وسلم) في بلاغه عن ربه سبحانه.
لقد حسم القرآن الجدل حول مصدر القرآن هل هو وحي من عند الله تعالى أم هو وضع من وضع رسول الإسلام، قال تعالى حول هذه القضية: «قل لئن اجتمعت الإنس والجن على يأتوا بمثل هذا القرآن ولا يأتون ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا» الإسراء/88.
هذا البيان المعجز والحاسم لا مجال لرده، أو التشكيك فيه، ولهذا يطالبهم القرآن بالبرهان على إثبات مزاعمهم حول القرآن إن كان وحيا من عند الله تعالى أم هو من وضع بشر!
وإليكم شهادات بعض المفكرين الغربيين حول أصل القرآن، ومن هؤلاء الباحثة الأمريكية ديبورا بوتر التي ولدت عام 1954بمدينة ترافيرز في ولاية متشيغان الأمريكية: كيف استطاع محمد (صلى الله عليه سلم) الرجل الأمي الذي نشأ في بيئة جاهلية أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها؟ لا بد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل. قالوا عن الإسلام /
د.عماد الدين خليل / ص 55.
وأما الكونت هنري دي كاستري، المقدم في الجيش الفرنسي، والذي قضى في الشمال الإفريقي ردحًا من الزمن، فيقول: (إن العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمي وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظًا ومعنى) المرجع السابق / ص 61.
وها هو جورج يوحنا، وهو مسيحي عربي، ينطلق في تفكيره من رؤية مادية طبيعية صرفة كما هو واضح في كتابه (قصة الإنسان) لم يمنعه هذا من أن يشهد شهادة حق، فيقول: إنه لا بد من الإقرار بأن القرآن فضلًا عن كونه كتاب دين وتشريع، فهو أيضًا كتاب لغة فصحى وللغة القرآن الفضل الكبير في ازدهار اللغة، ولطالما يعود إليه أئمة في اللغة في بلاغة الكلمة وبيانها سواء كان هؤلاء الأئمة مسلمين أم مسيحيين. (قالوا عن الإسلام / د. عماد الدين خليل / ص 61).
وحول تميز معجزة الإسلام عن غيرها من المعجزات، يقول إيتين دينيه (1929- 1961) إن معجزة الأنبياء الذين سبقوا محمدًا كانت في الواقع معجزات وقتية وبالتالي معرضة للنسيان السريع، بينما نستطيع أن نسمي معجزة الآيات القرآنية (المعجزة الخالدة)، وذلك لأن تأثيرها دائم ومفعولها مستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان، وفي كل مكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة في كتاب الله وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الهائل الذي أحرزه الإسلام.. (قالوا عن الإسلام، د. عماد الدين خليل / ص 63).
هذه بعض أقوال وشهادات بعض علماء ومفكري الغرب الذين أنصفوا فيها الإسلام وكتاب الإسلام الذين أبى عليهم حيادهم العلمي، وحرصهم الشديد على تتبع الحقيقة في مظانها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك