منذ أن تحولت مجتمعاتنا إلى مجتمعات استهلاكية خصوصا بعد الطفرة النفطية في منتصف سبعينيات القرن الماضي أصبح الاعتماد على القروض ظاهرة ملازمة لحياتنا فلا يكاد أحد تقريبا يعيش ويوفر مستلزماته الأساسية من دون الاعتماد على القروض حتى أصبحت القروض ملازمة لحياتنا اليومية تقريبا نعتمد عليها في كل شيء في كل صغيرة وكبيرة.
وكان هذا الاقتراض في البداية ضروريا خاصة فيما يتعلق بالأمور الحياتية الأساسية مثل اقتناء أو بناء بيت العمر كما يقال أو عند شراء سيارة، فهذه أشياء هي ليست من الكماليات وليس بوسع الأغلبية الساحقة من الناس شراؤها من دون الاقتراض، ولذلك كانت هذه الأمور معقولة ومقبولة ومفهومة بل ضرورية، ولكن مع مرور الوقت والزمن تغيرت أوجه الإنفاق واتسعت لتشمل الجوانب الاستهلاكية والكمالية، ومن أجل التباهي إلى درجة أن الأمر لم يعد مقتصرا على الاقتراض من أجل البناء والترميم واستكمال متطلبات الحياة الضرورية التي لا غنى عنها، ولذلك كان هذا النوع من الاقتراض ضروريا لتنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد، إلا أننا بدأنا نوعا آخر من الاقتراض المباشر من المتاجر والشركات والباعة الذين يبيعون منتجاتهم وخدماتهم بالأقساط حتى أصبح المواطن عندما يريد شراء أي شيء مهما كان فإنه يلجأ إلى شرائه بالأقساط، حيث يرى باب الأقساط مفتوحا أمامه، مما يترتب عليه وعلى أسرته أعباء إضافية ترهق ميزانية الأسرة التي هي محدودة أصلا، وهذا باب جديد من أبواب الفوضى التي تقوم على أساس استسهال الاقتراض والتقسيط الاستهلاكي لشراء الكماليات التي هي غير ضرورية بالنسبة إلى الأشخاص والأسر على حساب الوضع المالي للأسرة.
ومن مشاكل الاقتراض الاستهلاكي نجد المشاكل المالية الشخصية والتبعات الاقتصادية الواسعة النطاق واحتمالات الدخول في دوامة الديون المتراكمة والمتزايدة التي لا يخفى ما تتسبب فيه من مشاكل ومن تبعيات على الأفراد والأسرة كافة عندما تغرق الأسرة في دوامة الاستهلاك المتواصل فوق سقف دخلها وإمكانياتها، وهو ما يحدث عند عدد كبير من الناس لا نعرف على وجه التحديد عددهم ونسبتهم، ولكنك عندما تجلس إلى صديق فإنه في الغالب يشكو من القروض، وانه لا يستطيع أن يتقاعد بسبب التزاماته تجاه القروض حتى أصبحت هنالك نكت حول القروض كلازم من لوازم ارتباطها بالمواطن.
والمشكلة أن مسألة إقدام المواطن على القروض الاستهلاكية غير الضرورية أصبحت تزداد بشكل ملحوظ لحاجة أو بدون حاجة ضرورية كتبديل السيارة، رغم أنه لم يمض على شرائها ثلاث سنوات أو استبدال الموبايل بسبب طرح موديلات جديدة وغيرها من الكماليات مع أن القروض في الأصل هي للاستثمار أو تمويل المشروعات والأعمال التي تدر أرباحا وتوفر وظائف، ويفترض أن تكون القروض الاستهلاكية محدودة بعكس ما نراه في الواقع، أن القروض الاستهلاكية تزداد يوما بعد يوم إضافة إلى القروض الصغيرة المباشرة من خلال الشراء بالأقساط، وإذا ما جمعنا الأول والثاني فإن الأمر سيكون مقلقا بل يجب أن يكون مقلقا للمجتمع.
إن تزايد الاقبال على القروض الاستهلاكية غير الضرورية أمر سلبي وله آثاره السلبية على الأفراد والأسرة، لأنه يؤدي في الغالب إلى تفاقم المشكلات المالية والاجتماعية بل قد يؤدي إلى مشاكل على تماسك الأسرة وربما إلى الطلاق بسبب ما ينجم عن التورط في القرض الاستهلاكي من عجز على الإنفاق وعجز عن تسديد الأقساط نفسها.
المشكلة الثانية إن من المشاكل الاجتماعية القاسية التي أصبحت تؤثر سلبا على نفسية المقترضين أن يقضوا بقية عمرهم رهنا للديون والأقساط بل إننا أصبحنا نرى حتى المتقاعدين تطاردهم مثل هذه القروض والأقساط حتى أصبحت القروض الاستهلاكية نوعا من الإدمان الذي يصعب التخلص منه بسبب الجري وراء الموديلات والمبتكرات الكمالية لاقتنائها حتى إن كان ذلك على حساب ميزانية الأفراد والأسر، على الرغم من أن أغلب هذه القروض الاستهلاكية تكون لأشياء غير ضرورية مثلما أشرنا في بداية هذا المقال، ولذلك نعيش اليوم حالة من الغرق في براثن الديون والقروض غير الضرورية أصلا التي تؤذي حياة الأفراد والأسرة والمجتمع على حد سواء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك