العدد : ١٧٢٨٥ - الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٥ - الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

لماذا هذا التهافت على القروض الاستهلاكية؟!

بقلم: د. نبيل العسومي

الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

منذ‭ ‬أن‭ ‬تحولت‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعات‭ ‬استهلاكية‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬الطفرة‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أصبح‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬القروض‭ ‬ظاهرة‭ ‬ملازمة‭ ‬لحياتنا‭ ‬فلا‭ ‬يكاد‭ ‬أحد‭ ‬تقريبا‭ ‬يعيش‭ ‬ويوفر‭ ‬مستلزماته‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬القروض‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬القروض‭ ‬ملازمة‭ ‬لحياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬تقريبا‭ ‬نعتمد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة‭.‬

وكان‭ ‬هذا‭ ‬الاقتراض‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬ضروريا‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأمور‭ ‬الحياتية‭ ‬الأساسية‭ ‬مثل‭ ‬اقتناء‭ ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬بيت‭ ‬العمر‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬شراء‭ ‬سيارة،‭ ‬فهذه‭ ‬أشياء‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬الكماليات‭ ‬وليس‭ ‬بوسع‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬شراؤها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاقتراض،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬معقولة‭ ‬ومقبولة‭ ‬ومفهومة‭ ‬بل‭ ‬ضرورية،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬والزمن‭ ‬تغيرت‭ ‬أوجه‭ ‬الإنفاق‭ ‬واتسعت‭ ‬لتشمل‭ ‬الجوانب‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬والكمالية،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬التباهي‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقتصرا‭ ‬على‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البناء‭ ‬والترميم‭ ‬واستكمال‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬الضرورية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الاقتراض‭ ‬ضروريا‭ ‬لتنشيط‭ ‬الدورة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬بدأنا‭ ‬نوعا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الاقتراض‭ ‬المباشر‭ ‬من‭ ‬المتاجر‭ ‬والشركات‭ ‬والباعة‭ ‬الذين‭ ‬يبيعون‭ ‬منتجاتهم‭ ‬وخدماتهم‭ ‬بالأقساط‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬المواطن‭ ‬عندما‭ ‬يريد‭ ‬شراء‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬فإنه‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬شرائه‭ ‬بالأقساط،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬باب‭ ‬الأقساط‭ ‬مفتوحا‭ ‬أمامه،‭ ‬مما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬أسرته‭ ‬أعباء‭ ‬إضافية‭ ‬ترهق‭ ‬ميزانية‭ ‬الأسرة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬محدودة‭ ‬أصلا،‭ ‬وهذا‭ ‬باب‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬استسهال‭ ‬الاقتراض‭ ‬والتقسيط‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬لشراء‭ ‬الكماليات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬ضرورية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأشخاص‭ ‬والأسر‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الوضع‭ ‬المالي‭ ‬للأسرة‭.‬

ومن‭ ‬مشاكل‭ ‬الاقتراض‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬نجد‭ ‬المشاكل‭ ‬المالية‭ ‬الشخصية‭ ‬والتبعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الواسعة‭ ‬النطاق‭ ‬واحتمالات‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الديون‭ ‬المتراكمة‭ ‬والمتزايدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬ما‭ ‬تتسبب‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬ومن‭ ‬تبعيات‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬والأسرة‭ ‬كافة‭ ‬عندما‭ ‬تغرق‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المتواصل‭ ‬فوق‭ ‬سقف‭ ‬دخلها‭ ‬وإمكانياتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬عند‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬عددهم‭ ‬ونسبتهم،‭ ‬ولكنك‭ ‬عندما‭ ‬تجلس‭ ‬إلى‭ ‬صديق‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬القروض،‭ ‬وانه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتقاعد‭ ‬بسبب‭ ‬التزاماته‭ ‬تجاه‭ ‬القروض‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬هنالك‭ ‬نكت‭ ‬حول‭ ‬القروض‭ ‬كلازم‭ ‬من‭ ‬لوازم‭ ‬ارتباطها‭ ‬بالمواطن‭.‬

والمشكلة‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬إقدام‭ ‬المواطن‭ ‬على‭ ‬القروض‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬غير‭ ‬الضرورية‭ ‬أصبحت‭ ‬تزداد‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬لحاجة‭ ‬أو‭ ‬بدون‭ ‬حاجة‭ ‬ضرورية‭ ‬كتبديل‭ ‬السيارة،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يمض‭ ‬على‭ ‬شرائها‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬أو‭ ‬استبدال‭ ‬الموبايل‭ ‬بسبب‭ ‬طرح‭ ‬موديلات‭ ‬جديدة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الكماليات‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬القروض‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬هي‭ ‬للاستثمار‭ ‬أو‭ ‬تمويل‭ ‬المشروعات‭ ‬والأعمال‭ ‬التي‭ ‬تدر‭ ‬أرباحا‭ ‬وتوفر‭ ‬وظائف،‭ ‬ويفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القروض‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬محدودة‭ ‬بعكس‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬أن‭ ‬القروض‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬تزداد‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القروض‭ ‬الصغيرة‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشراء‭ ‬بالأقساط،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬جمعنا‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬سيكون‭ ‬مقلقا‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مقلقا‭ ‬للمجتمع‭.‬

إن‭ ‬تزايد‭ ‬الاقبال‭ ‬على‭ ‬القروض‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬غير‭ ‬الضرورية‭ ‬أمر‭ ‬سلبي‭ ‬وله‭ ‬آثاره‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬والأسرة،‭ ‬لأنه‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬المشكلات‭ ‬المالية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مشاكل‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬الأسرة‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬ينجم‭ ‬عن‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬القرض‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬وعجز‭ ‬عن‭ ‬تسديد‭ ‬الأقساط‭ ‬نفسها‭.‬

المشكلة‭ ‬الثانية‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬المقترضين‭ ‬أن‭ ‬يقضوا‭ ‬بقية‭ ‬عمرهم‭ ‬رهنا‭ ‬للديون‭ ‬والأقساط‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬أصبحنا‭ ‬نرى‭ ‬حتى‭ ‬المتقاعدين‭ ‬تطاردهم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القروض‭ ‬والأقساط‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬القروض‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الإدمان‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬بسبب‭ ‬الجري‭ ‬وراء‭ ‬الموديلات‭ ‬والمبتكرات‭ ‬الكمالية‭ ‬لاقتنائها‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ميزانية‭ ‬الأفراد‭ ‬والأسر،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬القروض‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬تكون‭ ‬لأشياء‭ ‬غير‭ ‬ضرورية‭ ‬مثلما‭ ‬أشرنا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬ولذلك‭ ‬نعيش‭ ‬اليوم‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬براثن‭ ‬الديون‭ ‬والقروض‭ ‬غير‭ ‬الضرورية‭ ‬أصلا‭ ‬التي‭ ‬تؤذي‭ ‬حياة‭ ‬الأفراد‭ ‬والأسرة‭ ‬والمجتمع‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا