العدد : ١٧٢٨٥ - الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٥ - الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ محرّم ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

المبادئ الأخلاقية وقوة العلاقات الإنسانية

بقلم: د. سعد الله المحمدي

السبت ١٩ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

كثيرون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يدّعون‭ ‬المحبّة‭ ‬والأخوّة‭ ‬والاحترام‭ ‬والحُبّ،‭ ‬يملؤون‭ ‬رأسك‭ ‬بالمديح‭ ‬الزائف‭ ‬والنفاق‭ ‬الظاهر،‭ ‬يصفّقون‭ ‬لكلّ‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬حقًا‭ ‬أم‭ ‬باطلًا،‭ ‬خيرًا‭ ‬أم‭ ‬شرًّا،‭ ‬وكأنّ‭ ‬لسان‭ ‬حالهم‭ ‬يقول‭:‬

إذا‭ ‬نحنُ‭ ‬أثنينا‭ ‬عليك‭ ‬بصالحٍ‭       ‬فأنتَ‭ ‬كما‭ ‬نُثني‭ ‬وَفَوْقَ‭ ‬الذي‭ ‬نُثني

أو‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬ابن‭ ‬نباتة‭ ‬المصري‭:‬

وَوَاللهِ‭ ‬ما‭ ‬نوفي‭ ‬أياديك‭ ‬حقّها‭      ‬إذا‭ ‬نحنُ‭ ‬أثنينا‭ ‬عليك‭ ‬بصالحٍ

وبما‭ ‬أنّ‭ ‬النّفس‭ ‬البشرية‭ ‬تميلُ‭ ‬بطبعها‭ ‬إلى‭ ‬الإطراء‭ ‬والمجاملة،‭ ‬فإنّك‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تُخدع‭ ‬بمثل‭ ‬هؤلاء،‭ ‬وخاصةً‭ ‬في‭ ‬زمننا‭ ‬الذي‭ ‬اختلط‭ ‬فيه‭ ‬الحابلُ‭ ‬بالنابلِ،‭ ‬والمرعِيُّ‭ ‬بالهمَل،‭ ‬وتداخلتْ‭ ‬فيه‭ ‬المظاهرُ‭ ‬والآراء‭ ‬حتى‭ ‬غدا‭ ‬التّمييز‭ ‬بين‭ ‬الصادق‭ ‬والمخادع‭ ‬أمرًا‭ ‬بالغ‭ ‬الصعوبة،‭ ‬فالوجوهُ‭ ‬باسمة،‭ ‬والقلوبُ‭ ‬دامية،‭ ‬والابتساماتُ‭ ‬ماكرة،‭ ‬ودموعُ‭ ‬التماسيح‭ ‬ليستْ‭ ‬سوى‭ ‬وسيلةُ‭ ‬خداعٍ‭ ‬سهلةٍ‭ ‬لاقتناص‭ ‬الفرائس‭.‬

في‭ ‬خضّم‭ ‬هذا‭ ‬الزّيف،‭ ‬تجدُ‭ ‬بعضَ‭ ‬أصحاب‭ ‬القلوب‭ ‬المريضة‭ ‬ينادونك‭ ‬بأجمل‭ ‬الألقاب‭ ‬أمَامك،‭ ‬ويسمّونك‭ ‬بأقبحها‭ ‬خلفك،‭ ‬فأنتَ‭ ‬في‭ ‬ظاهرهم‭ ‬‮«‬الحبيبُ‭ ‬العزيز‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬باطنهم‭ ‬‮«‬العدُوّ‭ ‬اللدود‮»‬‭.‬

يمتدحونك‭ ‬بكلام‭ ‬منمّق،‭ ‬ثم‭ ‬ينالون‭ ‬منك‭ ‬بمجرّد‭ ‬أن‭ ‬تغيبَ‭ ‬عَنْ‭ ‬أعينهم؛‭ ‬لكونهم‭ ‬ذئابا‭ ‬في‭ ‬ثياب،‭ ‬‮«‬فلا‭ ‬أدب‭ ‬يفيد‭ ‬ولا‭ ‬أديب‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬للصدّاقة‭ ‬حقّا،‭ ‬ولا‭ ‬يمنعهم‭ ‬حياءٌ‭ ‬عن‭ ‬الطّعن‭ ‬والهمْز‭ ‬واللمز،‭ ‬يدّعون‭ ‬الإخلاص،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬عهد‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬ذمّة،‭ ‬ولا‭ ‬وفاء‭ ‬ولا‭ ‬ملح‭.‬

وما‭ ‬الناس‭ ‬بالناس‭ ‬الذين‭ ‬عهدتُهم‭  ‬

‭ ‬ولا‭ ‬الدارُ‭ ‬بالدارِ‭ ‬التي‭ ‬كنتَ‭ ‬تعرِفُ

وما‭ ‬كلُّ‭ ‬من‭ ‬تَهوى‭ ‬يحبَّكَ‭ ‬قلبُــــــهُ‭  ‬

‭  ‬ولا‭ ‬كلُّ‭ ‬مَنْ‭ ‬صاحبتَه‭ ‬لك‭ ‬مُنصـفُ

وقد‭ ‬ألّف‭ ‬الإمام‭ ‬العلامة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬خلف‭ ‬بن‭ ‬المرزبان‭ ‬بن‭ ‬بسام،‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬المحولي‭ (‬ت‭ ‬309هـ‭) ‬كتابا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬طباع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان،‭ ‬مبيّنًا‭ ‬فساد‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬زمنه‭ ‬ولؤم‭ ‬طباعهم‭ ‬بحيث‭ ‬باتوا‭ ‬يأكلون‭ ‬لحوم‭ ‬أصدقائهم‭ ‬بظهر‭ ‬الغيب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إضافة‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬الملح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬بينهم‭!! ‬

وهو‭ ‬بالمناسبة‭ ‬مؤلف‭ ‬لكتُبٍ‭ ‬نفيسةٍ‭ ‬منها‭: ‬‮«‬المروءة‮»‬‭ ‬بتحقيق‭ ‬محمد‭ ‬خير‭ ‬رمضان‭ ‬يوسف،‭ ‬و«ذمُّ‭ ‬الثقلاء‮»‬‭ ‬بتحقيق‭ ‬د‭. ‬مأمون‭ ‬محمود‭ ‬ياسين‭.‬

فيقول‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬زمانه‮»‬‭:‬

‮«‬ذكرت‭ -‬أعزّك‭ ‬الله‭- ‬زماننا‭ ‬هذا‭ ‬وفساد‭ ‬مودّة‭ ‬أهله‭ ‬وخِسَّة‭ ‬أخلاقهم،‭ ‬ولُؤم‭ ‬طباعهم،‭ ‬وأنّ‭ ‬أبعدَ‭ ‬الناس‭ ‬سَفراً‭ ‬مَنْ‭ ‬كانَ‭ ‬سفرُه‭ ‬في‭ ‬طلبِ‭ ‬أخٍ‭ ‬صالحٍ،‭ ‬وَمَنْ‭ ‬حَاولَ‭ ‬صاحباً‭ ‬يأمن‭ ‬زَلّتَه،‭ ‬ويدومُ‭ ‬اغتباطه‭ ‬كانَ‭ ‬كصاحبِ‭ ‬الطريق‭ ‬الحيرانِ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزداد‭ ‬لنفسه‭ ‬إتعابا‭ ‬إلا‭ ‬ازداد‭ ‬منْ‭ ‬غايته‭ ‬بُعداً‭ ‬فالأمر‭ ‬كما‭ ‬وصفتُ‮»‬‭.‬

ذهبَ‭ ‬الذين‭ ‬يُعاش‭ ‬في‭ ‬أكنافهم‭    ‬

‭ ‬وبقيتُ‭ ‬في‭ ‬خلف‭ ‬كجلدِ‭ ‬الأجْرَبِ

ويقول‭ ‬كذلك‭: ‬‮«‬ولو‭ ‬فتشّت‭ ‬في‭ ‬دهرنا‭ ‬هذا‭ ‬لوجدتَ‭ ‬كثيراً‭ ‬ممن‭ ‬تعاشره‭ ‬إذ‭ ‬لقيكَ‭ ‬رحَّب‭ ‬بك‭ ‬وإذ‭ ‬رغبتَ‭ ‬عنه‭ ‬أسْرفَ‭ ‬في‭ ‬الغيبةِ،‭ ‬وتلقَّاكَ‭ ‬بوجه‭ ‬المحبّة‭ ‬ويضمرُ‭ ‬لك‭ ‬الغشَّ‭ ‬والمسبَّة‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬انحدر‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬قاع‭ ‬النفاق،‭ ‬وشربوا‭ ‬من‭ ‬ينابيع‭ ‬الخديعة‭ ‬حتى‭ ‬صاروا‭ ‬لا‭ ‬يُؤمَن‭ ‬جانبهم،‭ ‬ولا‭ ‬يرجى‭ ‬خيرهم،‭ ‬إنهم‭ ‬رفاق‭ ‬السوء،‭ ‬وأصدقاء‭ ‬المصالح،‭ ‬وزملاء‭ ‬الطمع،‭ ‬وطلاب‭ ‬الفرص‭.‬

شمعة‭ ‬أخيرة‭:‬

أشرتُ‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬منتشرة‭ ‬منذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمان،‭ ‬ولا‭ ‬أقصدُ‭ ‬أحدا‭ ‬أيّا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬زمان‭ ‬او‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬والعبرة‭ ‬أن‭ ‬ننتبه‭ ‬لمثل‭ ‬تلك‭ ‬النماذج‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬وأن‭ ‬نعلي‭ ‬دوما‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬قوة‭ ‬المبادئ‭ ‬الأخلاقية‭ ‬لتكون‭ ‬هي‭ ‬قوام‭ ‬وأساس‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬لتسمو‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬اعتبار،‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭:‬

ولا‭ ‬خيرَ‭ ‬في‭ ‬ودّ‭ ‬امرئٍ‭ ‬متلوّنٍ‭    ‬

إذا‭ ‬الريحُ‭ ‬مالت،‭ ‬مال‭ ‬حيث‭ ‬تميلُ‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا