تناقلت وسائل الإعلام في منتصف يوليو 2025م أنباء تعرض حقول نفطية في إقليم كردستان بالعراق لهجوم بالمسيرات، ما أدى الى توقف إنتاج تلك الحقول بشكل مؤقت، وواقع الأمر أنها لم تكن المرة الأولى التي تشهد فيها حقول النفط والغاز في مناطق مختلفة من العالم هجمات من خلال توظيف التكنولوجيا الحديثة، وهنا يمكن الإشارة إلى مؤشرين الأول: الهجوم الذي تعرضت له منشأتين تابعتين لشركة أرامكو السعودية في منطقتي بقيق وخريص في سبتمبر 2019م من خلال طائرات مسيرة «الدرونز»، ما أدى إلى خفض إنتاج النفط في هذين الحقلين، والثاني: توظيف تلك التكنولوجيا في الحرب الأوكرانية- الروسية منذ بدايتها عام 2022م.
وبادئ ذي بدء، فإن الحديث عن تهديدات أمن الطاقة ليس بالأمر الجديد، فهناك العديد من الدراسات التي رصدت تلك التهديدات خلال العقود الماضية، والتي تضمنت أن أكثر من 40% من الهجمات السيبرانية في الشرق الأوسط تستهدف منشآت النفط والغاز، كما أن توظيف التكنولوجيا على نحو سلبي أيضاً ليس بالأمر الجديد، ولكن الأمر المهم واللافت للانتباه هو الربط بين التكنولوجيا الحديثة وتهديد منشآت النفط والغاز، وهو حديث ذو ثلاث دلالات، الأولى: أن جرائم استخدام التكنولوجيا لتهديد أمن الدول الأخرى عابرة للحدود ومن الصعوبة بمكان تحديد مرتكبيها وهذا يمثل إشكالية كبرى ولا توجد حتى الآن اتفاقيات دولية حول تلك الجرائم، والثانية: أن استهداف منشآت النفط والغاز ومن ثم تعطل عملها يعني تهديد الأمن القومي للدول وخاصة التي تعتمد على ذلك المورد بشكل أساسي لدخلها القومي، والثالثة: الخسائر الفادحة التي تترتب على هذه الحوادث بكلفة زهيدة للغاية من جانب الجماعات دون الدول.
ولا شك أن تلك التهديدات ترتبط على نحو وثيق بحالة عدم الاستقرار الإقليمي والصراعات في دول الجوار ذاتها، إذ تجد الجماعات دون الدول في تلك التكنولوجيا فرصة سانحة ضمن تحديها للدولة في ظل سهولة الحصول على تلك التكنولوجيا التي أصبحت هي العامل الرئيسي في استمرار الصراعات في مناطق مختلفة من العالم بل وزيادة حدتها.
ولمواجهة ذلك التحدي بدأت بعض الدول في توظيف التكنولوجيا لحماية منشآتها النفطية ومن ذلك إعلان الجزائر خطة لحماية حقل غاز أميناس من خلال كاميرات المراقبة الذكية، والطائرات المسيّرة (الدرونز)، وأنظمة المراقبة الإلكترونية لشبكات الأنابيب والمواقع التي تحيط بالحقل. الجدير بالذكر أن ذلك الحقل تعرض لاعتداء عام 2013م من جانب جماعة إرهابية تسللت عبر الحدود واستطاع الجيش الجزائري القضاء عليها بعد حصار لها دام ثلاثة أيام قتل خلالها 40 عاملاً و39 مسلحاً، بينما بدأت دول أخرى في عمل سيناريوهات وهمية «تمرينات محاكاة» تتضمن كيفية التعامل مع مواجهة الاعتداء على منشآت الطاقة من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة، تلك التمرينات التي تتضمن تحديد القدرات والتهديدات والفجوات إن وجدت لإمكانية الاستعداد بإجراءات احترازية.
ومع أهمية تلك الجهود الفردية، فإن ثمة حاجة ملحة لأن تكون هناك جهود دولية للحد من توظيف التكنولوجيا على نحو سلبي عموماً وليس فقط لتهديد منشآت الطاقة والمنشآت الحيوية للدول برغم أهمية أمن الطاقة لدول العالم كافة سواء مناطق الإنتاج أو طرق النقل، فتقليدياً كانت مواجهة تهديدات أمن الطاقة من خلال تأسيس التحالفات العسكرية، وتعد منطقة الخليج العربي مثالاً على ذلك، ولكن الآن من الصعب الحديث عن آلية التحالفات العسكرية لمواجهة تهديدات جديدة.
وفي تقديري أن مواجهة ذلك التحدي يتعين أن يكون ضمن ثلاثة مسارات متوازية أولها: المسار الوطني، بما يعنيه ذلك من ضرورة توظيف التكنولوجيا لحماية المنشآت الحيوية للدول ويرتبط ذلك بأمور كثيرة منها جهود ومتطلبات توطين التكنولوجيا ذاتها، وثانيها: المسار الإقليمي، ولا شك أن أحد الدروس المستفادة من الصراعات الإقليمية التي تمتد الآن منذ أكثر من عقد من الزمن هو حتمية حل تلك الصراعات في ظل قدرة الجماعات دون الدول على امتلاك التكنولوجيا وتوظيفها في تلك الصراعات، وثالثها: التعاون الدولي سواء من خلال منظمة الأمم المتحدة أو عبر جهود مشتركة بين دول العالم المختلفة لترشيد استخدام التكنولوجيا في المجال العسكري.
وعلى الرغم من حرص أطراف الصراعات على تحقيق «الرد العسكري المتناسق»، بما يعنيه ذلك من أن المنشآت الحيوية ومنشآت الطاقة لا تكون ضمن أهداف تلك الأطراف ولكن المواجهات العسكرية في مناطق الصراعات أكدت استهداف بعضاً من منشآت الطاقة ولو على سبيل الخطأ.
ويعني ما سبق أن تسارع وتيرة التطور التكنولوجي وغياب الاتفاقيات الدولية التي تجرم استخدام تلك التكنولوجيا بشكل يهدد أمن الدول، وزيادة حدة المنافسة بين الدول لامتلاك هذه التكنولوجيا عوامل ثلاثة تحتم على دول العالم الآن وقبل أي وقت مضى تحديد سبل مواجهة تلك التهديدات المشتركة إلى الحد الذي يمكن معه القول بأن هناك ضرورة لتحالفات وجيوش إلكترونية لا تقل أهمية عن تلك التحالفات العسكرية التقليدية في ظل قدرة الجماعات المسلحة على تعطيل عمل المنشآت الحيوية بشكل كامل.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك