العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عرّافون لا يعرفون شيئا

في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة،‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بتداول‭ ‬أي‭ ‬عقار‭ ‬طبي،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬بموافقة‭ ‬FDA،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الوكالة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬المناط‭ ‬بها‭ ‬السماح‭ ‬بتداول‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الأدوية‭ ‬والأغذية،‭ ‬أو‭ ‬حظر‭ ‬تداولها،‭ ‬وطالما‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬الجمعيات‭ ‬والمنظمات‭ ‬الطبية‭ ‬الأمريكية‭ ‬يحظى‭ ‬بالمتابعة،‭ ‬وسط‭ ‬الدوائر‭ ‬الطبية‭ ‬والصيدلانية،‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬عالمنا‭ ‬المعاصر‭.‬

أثبتت‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬مؤخرا‭ ‬اتحاد‭ ‬الاطباء‭ ‬النفسانيين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬ان‭ ‬الذين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالخرافات‭ ‬والشعوذة‭ ‬والعرافين‭ ‬يكونون‭ ‬اكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للإصابة‭ ‬باضطرابات‭ ‬نفسية،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬معدلات‭ ‬ذكائهم‭ ‬تكون‭ ‬متدنية،‭ ‬او‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬التدني‭ ‬بمجرد‭ ‬الهوس‭ ‬بالطوالع‭ ‬والابراج،‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬بديهي،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يصدق‭ ‬ان‭ ‬آدميا‭ ‬مثله‭ ‬يملك‭ ‬قدرات‭ ‬خارقة،‭ ‬تجعله‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬الغيب‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬عقله‭ ‬إجازة‭ ‬مفتوحة،‭ ‬وأتساءل‭ ‬للمرة‭ ‬التريليون‭: ‬هل‭ ‬يسأل‭ ‬من‭ ‬يلجأون‭ ‬الى‭ ‬العرافين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬لماذا‭ ‬يتقاضى‭ ‬العرافون‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬نظير‭ ‬تكهناتهم،‭ ‬طالما‭ ‬أنهم‭ ‬–بحسب‭ ‬زعمهم–‭ ‬يعرفون‭ ‬‮«‬المستخبي‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بإمكانهم‭ ‬تفادي‭ ‬الأمور‭ ‬السيئة‭ ‬وتسيير‭ ‬دفات‭ ‬حياتهم‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬الثراء؟‭ ‬هل‭ ‬يطرأ‭ ‬نفس‭ ‬السؤال‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يروحون‭ ‬ضحية‭ ‬من‭ ‬يحولون‭ ‬الورق‭ ‬العادي‭ ‬الى‭ ‬دولارات،‭ ‬ثم‭ ‬يكتشفون‭ ‬أن‭ ‬دولاراتهم‭ ‬كلينكس‭ ‬مستعمل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شخص‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬زكام‭ ‬مزمن؟

من‭ ‬طريف‭ ‬ما‭ ‬قرأته‭ ‬عن‭ ‬العرافين‭ ‬والمنجمين‭ ‬ان‭ ‬الصحف‭ ‬الامريكية‭ ‬نشرت‭ ‬اعلانا‭ ‬يقول‭ ‬ان‭ ‬المؤتمر‭ ‬السنوي‭ ‬للعرافين‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬شيكاغو،‭ ‬تأجل‭ ‬الى‭ ‬اجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭ ‬بسبب‭ ‬الاحوال‭ ‬الجوية‭ ‬الطارئة،‭ ‬يعني‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬فيهم‭ ‬خير‭ ‬لعرفوا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التنجيم‭ (‬دعك‭ ‬من‭ ‬الرصد‭ ‬الجوي‭) ‬ان‭ ‬الطقس‭ ‬يكون‭ ‬سيئا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬المحدد‭ ‬للمؤتمر،‭ ‬وحددوا‭ ‬يوما‭ ‬غيره،‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬فضح‭ ‬الطقس‭ ‬دجلهم‭ ‬فان‭ ‬ذكاءهم‭ ‬المحدود‭ ‬لم‭ ‬يسعفهم‭ ‬ليستروا‭ ‬فضيحتهم‭ ‬فنشروا‭ ‬خبر‭ ‬التأجيل‭ ‬مع‭ ‬شرح‭ ‬مبرراته،‭ ‬ولو‭ ‬كانوا‭ ‬‮«‬عرافين‮»‬‭ ‬بحق‭ ‬وحقيق‭ ‬لما‭ ‬قالوا‭ ‬ان‭ ‬التأجيل‭ ‬لأجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬سيحددون‭ ‬موعد‭ ‬المؤتمر‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬قاطع‭.. ‬يعني‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬مخ‭ ‬تخين‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬عرافين‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬قراءة‭ ‬طوالع‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ومعرفة‭ ‬متى‭ ‬سيلتقون؟

وقرأت‭ ‬ان‭ ‬رجلا‭ ‬فرنسيا‭ ‬سافر‭ ‬الى‭ ‬لندن‭ ‬للالتقاء‭ ‬بوسيط‭ ‬روحي‭ ‬بريطاني‭ ‬مشهور‭ ‬ليرتب‭ ‬له‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬جدته‭ ‬الراحلة‭ ‬ليسألها‭ ‬عن‭ ‬مسائل‭ ‬معينة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غيرها‭ ‬يعرف‭ ‬بها،‭ ‬وقام‭ ‬الوسيط‭ ‬بالحركات‭ ‬المطلوبة‭ ‬لاستحضار‭ ‬روح‭ ‬العجوز‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬صوت‭ ‬نسائي‭ ‬متهدج‭ ‬مهللا‭: ‬اهلا‭ ‬حفيدي‭ ‬واشكرك‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬حرصك‭ ‬على‭ ‬اللقاء‭ ‬بي،‭ ‬فرد‭ ‬الفرنسي‭: ‬أهلا‭.. ‬هل‭ ‬انت‭ ‬فعلا‭ ‬جدتي؟‭ ‬فردت‭ ‬عليه‭ ‬مؤكدة‭ ‬انها‭ ‬جدته‭ ‬وطلبت‭ ‬منه‭ ‬ان‭ ‬يجلس‭ ‬وان‭ ‬يوجه‭ ‬اليها‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬اسئلة‭ ‬وتعهدت‭ ‬بالرد‭ ‬عليها‭ ‬لأنه‭ ‬حفيدها‭ ‬المفضل‭ ‬كما‭ ‬قالت،‭ ‬وهكذا‭ ‬بدأ‭ ‬الرجل‭ ‬الفرنسي‭ ‬يسأل‭ ‬وروح‭ ‬الجدة‭ ‬تجيب‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬قال‭ ‬الرجل‭ ‬بقي‭ ‬عندي‭ ‬سؤالان‭: ‬هل‭ ‬انت‭ ‬حقا‭ ‬جدتي‭ ‬فأجابت‭: ‬أوف‭ ‬كورس‭ (‬طبعا‭) ‬ماي‭ ‬دير‭.. ‬ماي‭ ‬دارلنغ‭ ‬يا‭ ‬هبيبي‭.. ‬يا‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬ماي‭ ‬ليفر‭ (‬كبدي‭)‬،‭ ‬وهنا‭ ‬قال‭ ‬الحفيد‭ ‬الفرنسي‭ ‬لجدته‭ ‬الفرنسية‭ ‬امام‭ ‬الوسيط‭ ‬الانجليزي‭: ‬تسلمي‭ ‬يا‭ ‬جدتي‭ ‬ولكن‭ ‬أجيبي‭ ‬على‭ ‬سؤالي‭ ‬الأخير‭: ‬منذ‭ ‬متى‭ ‬وانت‭ ‬تتحدثين‭ ‬الانجليزية‭ ‬بطلاقة‭ ‬ومبلغ‭ ‬علمي‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تكوني‭ ‬تعرفين‭ ‬منها‭ ‬شيئا؟‭ ‬وخلال‭ ‬ثوان‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬روح‮»‬‭ ‬الجدة‭ ‬المزعومة‭ ‬‮«‬فص‭ ‬ملح‭ ‬وداب‮»‬‭ ‬أي‭ ‬اختفت‭ ‬بينما‭ ‬طفق‭ ‬الوسيط‭ ‬يتمتم‭ ‬بعبارات‭ ‬مثل‭: ‬ربما‭ ‬التحقت‭ ‬بدورة‭ ‬لتعلم‭ ‬الانجليزية‭ ‬في‭ ‬القبر‭!‬

قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬تلقى‭ ‬ولدي‭ ‬مكالمة‭ ‬دولية‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬الثانية‭ ‬فجرا،‭ ‬وعندما‭ ‬هب‭ ‬منزعجا‭ ‬للرد‭ ‬عليها‭ ‬انقطع‭ ‬‮«‬الخط‮»‬،‭ ‬وبعدها‭ ‬بنحو‭ ‬دقيقتين‭ ‬رن‭ ‬الهاتف‭ ‬رنة‭ ‬واحدة،‭ ‬فاتصل‭ ‬ابني‭ ‬بالرقم‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬منه‭ ‬الرنين،‭ ‬فجاءه‭ ‬صوت‭ ‬بعربية‭ ‬مكسرة‭: ‬في‭ ‬ناس‭ ‬سووا‭ ‬لك‭ ‬‮«‬عمل‮»‬‭ ‬وسلطوا‭ ‬عليك‭ ‬الجان‭.. ‬وأنا‭.. ‬ولم‭ ‬يتركه‭ ‬ابني‭ ‬يكمل‭ ‬الموال،‭ ‬بل‭ ‬صاح‭ ‬فيه‭: ‬ما‭ ‬في‭ ‬شيطان‭ ‬غيرك‭ ‬يا‭ ‬غبي،‭ ‬ولو‭ ‬قابلتك‭ ‬أعمل‭ ‬فيك‭ ‬‮«‬عمل‮»‬‭ ‬يخليك‭ ‬تتوب‭ ‬وتترك‭ ‬البلطجة‭. ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬صائد‭ ‬الأرواح‭ ‬الشريرة‭ ‬ولدي‭ ‬يكمل‭ ‬كلامه‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا