زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هل عيالنا...؟ وهل نحن...؟
يحرص معظم أولياء أمور الأطفال (من آباء وأمهات) على التعامل مع عيالهم بأساليب محسوبة ومجرَّبة، وولي الأمر العاقل الراشد هو من لا تكون يده مغلولة الى عنقه او مبسوطة كل البسط، في الأمور المالية، ويحرص بصفة عامة على ألا يكون ليِّنا فيُعصَر او يابسا فيُكسَر، وفيما يخص علاقتي بعيالي في طفولتهم وصباهم الباكر، لم أكن -ولله الحمد- فظا غليظ القلب معهم (أو مع عامة الناس)، ولم أكن أحاسبهم على كل هفوة وزلة، ولكنني لم أكن أسكت عن سوء السلوك والأدب. وحاولت وسأظل أحاول طالما في العمر بقية إسعاد أفراد أسرتي، والعناية بهم، ومع هذا فكثيرا ما أتوقف لأتساءل: هل طريقتي في التربية صحيحة؟ هل علاقة عيالي بي اليوم، وقد شبوا بحمد الله عن الطوق، تقوم على الثقة، أم على الاحترام التقليدي» بمعنى انهم يحترمونني لأنهم يعتبرون ان ذلك واجب ثقيل» عليهم؟ هل ضايقتهم ومازلت أضايقهم بنصائحي وإرشاداتي، رغم حرصي على عدم الإكثار منها؟ هل يعتبروني نقناقا وكثير الشكاة لأنني أعاتبهم وأحاسبهم بين الحين والآخر على ما أعتبره تجاوزات؟ هل يتمنى أحدهم ان يأتي اليوم الذي ينفك فيه من بيت العائلة لأنه يحس بأنه مخنوق فيه؟ هل سيكونون بررة بي وبأمهم أم سيتنكرون لنا في مقبل الأعوام؟ هل هم يفرحون لوجودي بينهم أم يتمنون أن أحِل عن سَماهم» لبعض الوقت؟ صحيح أنهم كانوا يتهمونني بالبخل عندما أرفض لهم طلبا أعتقد أنه عبثي، وأنهم كانوا يتهمونني بالدكتاتورية لأنني كنت أفرض عليهم العودة الى البيت في ساعة مبكرة من المساء، وأفرض حظر التجوال ومن ثم النوم الإجباري عليهم في وقت يعتبرونه مبكرا مقارنة بالأوقات التي يهجع فيها نظراؤهم، ولكنني كنت أعرف ان تلك الاتهامات من قبيل ليّ الذراع، أي أنها ضرب من الابتزاز، ولكن تلك أسئلة تدور في أذهان الكثير من الآباء والامهات، واخترقت الأسئلة تلافيف دماغي بعنف بعد ان قرأت حكاية الصبي الروسي يارسولاف كسليف البالغ من العمر 12 سنة، والتي هزت روسيا من أقصاها الى أقصاها.
فقد كسليف أمه وعمره ثلاثة أشهر، ثم مات أبوه قبل 8 سنوات فتم نقله الى ملجأ للأيتام، وما ان سمعت بذلك خالته حتى أقنعت زوجها بضرورة تبني الولد اليتيم، وقد كان، أتوا بكسليف ونظفوه وهذبوه وأدخلوه المدرسة، ولم يميزوا بينه وبقية عيالهم، ولكن الولد كان يتضايق من أنه مطالب بترتيب غرفته وأداء الواجبات المدرسية والاهتمام بنظافة جسمه وثوبه، ففكر وقدَّر وقرر ان الوسيلة الوحيدة للتخلص من تلك الأعباء هي قتل خالته وزوجها اللذين تبنياه!! طيب، كيف يفعل ذلك وهو هزيل البنية؟ هنا قرر الولد ان يستأجر مجرمين للقيام بالمهمة نظير أن يسرقا مدخرات الضحيتين البالغة نحو ثلاثة آلاف دولار، وخطط كسليف للجريمة بدقة شديدة وجاء القاتلان المأجوران، وأطلقا النار على الزوجين الطيبين وقتلاهما، وصادف ان بنتا لهما كانت في البيت فقتلاها، وبعد سويعات كان كسليف عند الشرطة ليبلغ عن الحادث، زاعما ان المجرمين قاموا بتكتيفه الى كرسي، ثم أطلقوا النار على خالته وزوجها. ولكن الشرطة أدركت ان المسألة فيها إن» لأنه ليس من عادة القتلة الإبقاء على شهود أحياء، ولأنه قاصر فقد قضت المحكمة بسجنه ثلاث سنوات فقط!
هل أخاف ان يعاملني عيالي كما عامل كسليف أبويه بالتبني؟ كلا، كلا، كلا، ولكنني أعرف ان الكون مليء بالأبناء الطبيعيين»، وليس المتبنين العاقين الجاحدين، وفي ظل تفشي النزعات الفردية والهوس المادي فلا عاصم من جنوح العيال إلا حسن التربية، ولكن في ظل اختلال المقاييس والقيم والتدخلات من أجهزة الإعلام والمجتمع من يضمن لنا ان القيم التي نغرسها في عيالنا ستصمد أمام الطوفان؟ أعتقد ان الإجابة تكمن في الحب. أعط عيالك بل أهلك وأصدقاءك كل الحب فهو خير عربون للود الذي يدوم ويدوم.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك