العدد : ١٧٢٨٢ - الخميس ١٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٢ - الخميس ١٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ محرّم ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هل عيالنا...؟ وهل نحن...؟

يحرص‭ ‬معظم‭ ‬أولياء‭ ‬أمور‭ ‬الأطفال‭ (‬من‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭) ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬عيالهم‭ ‬بأساليب‭ ‬محسوبة‭ ‬ومجرَّبة،‭ ‬وولي‭ ‬الأمر‭ ‬العاقل‭ ‬الراشد‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬يده‭ ‬مغلولة‭ ‬الى‭ ‬عنقه‭ ‬او‭ ‬مبسوطة‭ ‬كل‭ ‬البسط،‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬المالية،‭ ‬ويحرص‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬ليِّنا‭ ‬فيُعصَر‭ ‬او‭ ‬يابسا‭ ‬فيُكسَر،‭ ‬وفيما‭ ‬يخص‭ ‬علاقتي‭ ‬بعيالي‭ ‬في‭ ‬طفولتهم‭ ‬وصباهم‭ ‬الباكر،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ -‬ولله‭ ‬الحمد‭- ‬فظا‭ ‬غليظ‭ ‬القلب‭ ‬معهم‭ (‬أو‭ ‬مع‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭)‬،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أحاسبهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هفوة‭ ‬وزلة،‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أسكت‭ ‬عن‭ ‬سوء‭ ‬السلوك‭ ‬والأدب‭. ‬وحاولت‭ ‬وسأظل‭ ‬أحاول‭ ‬طالما‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬بقية‭ ‬إسعاد‭ ‬أفراد‭ ‬أسرتي،‭ ‬والعناية‭ ‬بهم،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فكثيرا‭ ‬ما‭ ‬أتوقف‭ ‬لأتساءل‭: ‬هل‭ ‬طريقتي‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬صحيحة؟‭ ‬هل‭ ‬علاقة‭ ‬عيالي‭ ‬بي‭ ‬اليوم،‭ ‬وقد‭ ‬شبوا‭ ‬بحمد‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الطوق،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الثقة،‭ ‬أم‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬التقليدي‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬انهم‭ ‬يحترمونني‭ ‬لأنهم‭ ‬يعتبرون‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬واجب‭ ‬ثقيل‮»‬‭ ‬عليهم؟‭ ‬هل‭ ‬ضايقتهم‭ ‬ومازلت‭ ‬أضايقهم‭ ‬بنصائحي‭ ‬وإرشاداتي،‭ ‬رغم‭ ‬حرصي‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الإكثار‭ ‬منها؟‭ ‬هل‭ ‬يعتبروني‭ ‬نقناقا‭ ‬وكثير‭ ‬الشكاة‭ ‬لأنني‭ ‬أعاتبهم‭ ‬وأحاسبهم‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أعتبره‭ ‬تجاوزات؟‭ ‬هل‭ ‬يتمنى‭ ‬أحدهم‭ ‬ان‭ ‬يأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬ينفك‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬العائلة‭ ‬لأنه‭ ‬يحس‭ ‬بأنه‭ ‬مخنوق‭ ‬فيه؟‭ ‬هل‭ ‬سيكونون‭ ‬بررة‭ ‬بي‭ ‬وبأمهم‭ ‬أم‭ ‬سيتنكرون‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬مقبل‭ ‬الأعوام؟‭ ‬هل‭ ‬هم‭ ‬يفرحون‭ ‬لوجودي‭ ‬بينهم‭ ‬أم‭ ‬يتمنون‭ ‬أن‭ ‬أحِل‭ ‬عن‭ ‬سَماهم‮»‬‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت؟‭ ‬صحيح‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يتهمونني‭ ‬بالبخل‭ ‬عندما‭ ‬أرفض‭ ‬لهم‭ ‬طلبا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬عبثي،‭ ‬وأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يتهمونني‭ ‬بالدكتاتورية‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أفرض‭ ‬عليهم‭ ‬العودة‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬المساء،‭ ‬وأفرض‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬النوم‭ ‬الإجباري‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يعتبرونه‭ ‬مبكرا‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأوقات‭ ‬التي‭ ‬يهجع‭ ‬فيها‭ ‬نظراؤهم،‭ ‬ولكنني‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬الاتهامات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬ليّ‭ ‬الذراع،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬الابتزاز،‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬أسئلة‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والامهات،‭ ‬واخترقت‭ ‬الأسئلة‭ ‬تلافيف‭ ‬دماغي‭ ‬بعنف‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬قرأت‭ ‬حكاية‭ ‬الصبي‭ ‬الروسي‭ ‬يارسولاف‭ ‬كسليف‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬12‭ ‬سنة،‭ ‬والتي‭ ‬هزت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬أقصاها‭ ‬الى‭ ‬أقصاها‭.‬

فقد‭ ‬كسليف‭ ‬أمه‭ ‬وعمره‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬ثم‭ ‬مات‭ ‬أبوه‭ ‬قبل‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬فتم‭ ‬نقله‭ ‬الى‭ ‬ملجأ‭ ‬للأيتام،‭ ‬وما‭ ‬ان‭ ‬سمعت‭ ‬بذلك‭ ‬خالته‭ ‬حتى‭ ‬أقنعت‭ ‬زوجها‭ ‬بضرورة‭ ‬تبني‭ ‬الولد‭ ‬اليتيم،‭ ‬وقد‭ ‬كان،‭ ‬أتوا‭ ‬بكسليف‭ ‬ونظفوه‭ ‬وهذبوه‭ ‬وأدخلوه‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولم‭ ‬يميزوا‭ ‬بينه‭ ‬وبقية‭ ‬عيالهم،‭ ‬ولكن‭ ‬الولد‭ ‬كان‭ ‬يتضايق‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬مطالب‭ ‬بترتيب‭ ‬غرفته‭ ‬وأداء‭ ‬الواجبات‭ ‬المدرسية‭ ‬والاهتمام‭ ‬بنظافة‭ ‬جسمه‭ ‬وثوبه،‭ ‬ففكر‭ ‬وقدَّر‭ ‬وقرر‭ ‬ان‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأعباء‭ ‬هي‭ ‬قتل‭ ‬خالته‭ ‬وزوجها‭ ‬اللذين‭ ‬تبنياه‭!! ‬طيب،‭ ‬كيف‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬هزيل‭ ‬البنية؟‭ ‬هنا‭ ‬قرر‭ ‬الولد‭ ‬ان‭ ‬يستأجر‭ ‬مجرمين‭ ‬للقيام‭ ‬بالمهمة‭ ‬نظير‭ ‬أن‭ ‬يسرقا‭ ‬مدخرات‭ ‬الضحيتين‭ ‬البالغة‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار،‭ ‬وخطط‭ ‬كسليف‭ ‬للجريمة‭ ‬بدقة‭ ‬شديدة‭ ‬وجاء‭ ‬القاتلان‭ ‬المأجوران،‭ ‬وأطلقا‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬الزوجين‭ ‬الطيبين‭ ‬وقتلاهما،‭ ‬وصادف‭ ‬ان‭ ‬بنتا‭ ‬لهما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬فقتلاها،‭ ‬وبعد‭ ‬سويعات‭ ‬كان‭ ‬كسليف‭ ‬عند‭ ‬الشرطة‭ ‬ليبلغ‭ ‬عن‭ ‬الحادث،‭ ‬زاعما‭ ‬ان‭ ‬المجرمين‭ ‬قاموا‭ ‬بتكتيفه‭ ‬الى‭ ‬كرسي،‭ ‬ثم‭ ‬أطلقوا‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬خالته‭ ‬وزوجها‭. ‬ولكن‭ ‬الشرطة‭ ‬أدركت‭ ‬ان‭ ‬المسألة‭ ‬فيها‭ ‬إن‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬عادة‭ ‬القتلة‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬شهود‭ ‬أحياء،‭ ‬ولأنه‭ ‬قاصر‭ ‬فقد‭ ‬قضت‭ ‬المحكمة‭ ‬بسجنه‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭!‬

هل‭ ‬أخاف‭ ‬ان‭ ‬يعاملني‭ ‬عيالي‭ ‬كما‭ ‬عامل‭ ‬كسليف‭ ‬أبويه‭ ‬بالتبني؟‭ ‬كلا،‭ ‬كلا،‭ ‬كلا،‭ ‬ولكنني‭ ‬أعرف‭ ‬ان‭ ‬الكون‭ ‬مليء‭ ‬بالأبناء‭ ‬الطبيعيين‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬المتبنين‭ ‬العاقين‭ ‬الجاحدين،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تفشي‭ ‬النزعات‭ ‬الفردية‭ ‬والهوس‭ ‬المادي‭ ‬فلا‭ ‬عاصم‭ ‬من‭ ‬جنوح‭ ‬العيال‭ ‬إلا‭ ‬حسن‭ ‬التربية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اختلال‭ ‬المقاييس‭ ‬والقيم‭ ‬والتدخلات‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬والمجتمع‭ ‬من‭ ‬يضمن‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬نغرسها‭ ‬في‭ ‬عيالنا‭ ‬ستصمد‭ ‬أمام‭ ‬الطوفان؟‭ ‬أعتقد‭ ‬ان‭ ‬الإجابة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬الحب‭. ‬أعط‭ ‬عيالك‭ ‬بل‭ ‬أهلك‭ ‬وأصدقاءك‭ ‬كل‭ ‬الحب‭ ‬فهو‭ ‬خير‭ ‬عربون‭ ‬للود‭ ‬الذي‭ ‬يدوم‭ ‬ويدوم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا